كتاب الجدول في إعراب القرآن
محمود بن عبد الرحيم صافي
الجزء الرابع والعشرون
سورة غافر
الحلقة (493)
من صــ 219 الى صـ 232
سورة غافر
آياتها 85 آية
[سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
الإعراب:
(تنزيل) مبتدأ مرفوع «1» ، (من الله) متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ (غافر) نعت ثالث للفظ الجلالة مجرور (شديد) بدل من لفظ الجلالة «2» مجرور (ذي) نعت للفظ الجلالة مجرور وعلامة الجرّ الياء (لا) نافية للجنس (إلّا) للاستثناء (هو) ضمير منفصل في محلّ رفع بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف (إليه) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ (المصير) .
جملة: «تنزيل الكتاب من الله....» لا محلّ لها ابتدائيّة.
وجملة: «لا إله إلّا هو....» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «إليه المصير» لا محلّ لها استئنافيّة.
الصرف:
(غافر) ، لفظه اسم فاعل من (غفر) الثلاثيّ وزنه فاعل ومعناه صفة مشبّهة لدلالته على الثبوت.
(قابل) ، مثل غافر.
(التوب) ، مصدر سماعيّ لفعل تاب يتوب باب قال وهو الرجوع عن الذنب، ومثله توبة، بوزن فعل بفتح الفاء وسكون العين.. وقال الأخفش هو جمع توبة.
[سورة غافر (40) : الآيات 4 الى 5]
ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5)
الإعراب:
(ما) نافية (في آيات) متعلّق ب (يجادل) ، (إلّا) للحصر (الذين) موصول في محلّ رفع فاعل (الفاء) لربط المسبّب بالسبب (لا) ناهية جازمة (في البلاد) متعلّق بتقلّبهم.
جملة: «ما يجادل.. إلّا الذين..» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «كفروا ... » لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) .
وجملة: «لا يغررك تقلّبهم..» لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي: تنبه فلا يغررك.. «3» .
(5) (قبلهم) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (كذّبت) ، (من بعدهم) متعلّق بحال من الأحزاب (الواو) عاطفة في الموضعين (برسولهم) متعلّق ب (همّت) ، (اللام) للتعليل (يأخذوه) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام.
والمصدر المؤوّل (أن يأخذوه) في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (همّت) .
(بالباطل) متعلّق ب (جادلوا) ، (ليدحضوا) مثل ليأخذوه.. والجارّ متعلّق ب (جادلوا) ، (به) متعلّق ب (يدحضوا) ، (الفاء) عاطفة والثانية استئنافيّة (كيف) اسم استفهام في محلّ نصب خبر كان (عقاب) اسم كان مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم المحذوفة لمناسبة الفاصلة.. و (الياء) مضاف إليه.
وجملة: «كذّبت.. قوم» لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «همّت كلّ..» لا محلّ لها معطوفة على جملة كذّبت..
قوم.
وجملة: «يأخذوه ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) المضمر.
وجملة: «جادلوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة كذّبت.
وجملة: «يدحضوا ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) المضمر.
وجملة: «أخذتهم..» لا محلّ لها معطوفة على جملة كذّبت.
وجملة: «كان عقاب ... » لا محلّ لها استئنافيّة «4» .
الفوائد
- الجدال في آيات القرآن:
دلت هذه الآية على كفر الذين يكذبون بآيات الله عز وجل، ولا يسلمون بما فيها من أحكام، بل يحاولون دحضها وإبطالها والاعتراض عليها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلّى الله عليه وسلم) قال: إن جدالا في القرآن كفر. أخرجه أبو داود.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) قوما يتمارون فقال: إنما أهلك من كان قبلكم بهذا. ضربوا كتاب الله عز وجل بعضه ببعض. وإنما أنزل الكتاب يصدق بعضه بعضا فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوه، وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه.
[سورة غافر (40) : آية 6]
وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6)
الإعراب:
(الواو) استئنافيّة (كذلك) متعلّق بمحذوف مطلق عامله حقّت (على الذين) متعلّق ب (حقّت) .
والمصدر المؤوّل (أنّهم أصحاب ... ) في محلّ رفع بدل من (كلمة) ربّك.. بدل اشتمال بحسب المعنى أو كلّ بحسب اللفظ.
جملة: «حقّت كلمة ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «كفروا ... » لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) .
[سورة غافر (40) : الآيات 7 الى 9]
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
الإعراب:
(الواو) عاطفة في المواضع الخمسة (من) موصول في محلّ رفع معطوف على المبتدأ (الذين) ، (حوله) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف صلة من (بحمد) متعلّق بحال من فاعل يسبّحون (به) متعلّق ب (يؤمنون) ، (للذين) متعلّق ب (يستغفرون) ، (ربّنا) منادى مضاف منصوب (رحمة) تمييز محوّل عن فاعل (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (للذين) متعلّق ب (اغفر) ، (عذاب) مفعول به ثان منصوب.
جملة: «الذين يحملون ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يحملون ... » لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) .
وجملة: «يسبّحون ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ (الذين) .
وجملة: «يؤمنون به ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة يسبّحون.
وجملة: «يستغفرون ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة يسبحون.
وجملة: «آمنوا ... » لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) الثاني.
وجملة النداء وجوابه ... في محلّ نصب مقول القول لقول مقدّر..
وجملة القول المقدّرة في محلّ نصب حال من فاعل يستغفرون أي:
يقولون ربّنا وسعت ...
وجملة: «وسعت ... » لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «اغفر ... » في محل جزم جواب شرط مقدّر أي: إن وسعت رحمتك كلّ شيء فاغفر للذين تابوا ...
وجملة: «تابوا ... » لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) الثالث.
وجملة: «اتّبعوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: «قهم..» معطوفة على جملة اغفر ...
(8) (الواو) عاطفة في المواضع الأربعة (ربّنا) مثل الأول (التي) موصول في محلّ نصب نعت لجنّات (من) موصول في محلّ نصب معطوفة على الضمير المفعول في (أدخلهم أو وعدتهم) ، (من آبائهم) متعلّق بحال من فاعل صلح (أنت) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ «5» خبره (العزيز) .
وجملة النداء.. لا محلّ لها اعتراضيّة للاسترحام.
وجملة: «أدخلهم ... » في محلّ جزم معطوفة على جملة اغفر ...
وجملة: «وعدتهم..» لا محلّ لها صلة الموصول (التي) .
وجملة: «صلح» .. لا محلّ لها صلة الموصول (من) .
وجملة: «إنّك أنت العزيز ... » لا محلّ لها تعليل للاسترحام.
وجملة: «أنت العزيز ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
(9) (الواو) عاطفة والثانية استئنافيّة (من) اسم شرط جازم في محلّ نصب مفعول به عامله تق (يومئذ) ظرف زمان منصوب مضاف إلى ظرف آخر متعلّق ب (تق) ، والتنوين فيه عوض من جملة محذوفة «6» ، (الفاء) رابطة لجواب الشرط (قد) حرف تحقيق (الواو) استئنافيّة (هو) ضمير فصل «7» .
وجملة: «قهم ... (الثانية) » في محلّ جزم معطوفة على جملة اغفر.
وجملة: «تق ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «رحمته ... » في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: «ذلك ... الفوز» لا محلّ لها استئنافيّة.
الصرف:
(تق) ، فيه إعلال بالحذف لمناسبة الجزم، أصله تقي، وفيه إعلال آخر بالحذف لأنه مضارع لمعتلّ الفاء حذفت فاؤه في المضارع ماضيه وقى.. وزنه تع بحذف فائه ولامه.
البلاغة
الإسجال بعد المغالطة: في قوله تعالى «رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ» .
وهذا الفن: هو فن طريف من فنون البلاغة، أطلق عليه فن «الإسجال بعد المغالطة» ، وهو أن يقصد المتكلم غرضا من ممدوح، فيأتي بألفاظ تقرر بلوغه ذلك الغرض، إسجالا منه على الممدوح به، وبيان ذلك، أن يشترط شرطا يلزم من وقوعه وقوع ذلك الغرض، ثم يخبر بوقوعه مغالطة، وقد يقع الإسجال لغير مغالطة. وهذا النوع هو الذي وقع في الكتاب العزيز.
الفوائد
- حملة العرش:
قيل: هم أربعة من الملائكة، وهم من أشرف الملائكة وأفضلهم لقربهم من الله عز وجل، وجاء في الحديث، أنهم ليس لهم كلام غير التسبيح والتحميد والتمجيد، ما بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء، وقال ابن عباس:
جملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة عام،
وروى جابر عن النبي (صلّى الله عليه وسلم) قال: أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام.
أخرجه أبو داود.
[سورة النساء (4) : آية 10]
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10)
الإعراب:
(الواو) في (ينادون) نائب الفاعل (اللام) لام الابتداء للتوكيد (من مقتكم) متعلّق بأكبر (أنفسكم) مفعول به للمصدر مقتكم (إذ) ظرف للزمن الماضي في محلّ نصب متعلّق ب (مقت) الأول «8» ، (تدعون) مثل ينادون (إلى الإيمان) متعلّق ب (تدعون) ، (الفاء) عاطفة.
جملة: «إنّ الذين كفروا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «كفروا ... » لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) .
وجملة: «ينادون ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «لمقت الله أكبر ... » لا محلّ لها تفسير للنداء «9» .
وجملة: «تدعون ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «تكفرون» في محلّ جرّ معطوفة على جملة تدعون.
الصرف:
(ينادون) ، فيه إعلال بالحذف، أصله يناداون- بألف بعد الدال- التقى ساكنان- الألف والواو- فحذفت الألف وبقي ما قبلها مفتوحا دلالة عليها، وزنه يفاعون بفتح العين.
(تدعون) ، يأخذ حكم ينادون في الإعلال، كلاهما معتلّ اللام مبنيّ للمجهول.
[سورة غافر (40) : الآيات 11 الى 12]
قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)
الإعراب:
(ربّنا) منادى مضاف منصوب (اثنتين) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته، في الموضعين، عامل الأول أمتنا، وعامل الثاني أحييتنا (الفاء) عاطفة (بذنوبنا) متعلّق ب (اعترفنا) ، (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (هل) حرف استفهام (إلى خروج) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ (سبيل) وهو مجرور لفظا مرفوع محلا.
جملة: «قالوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ربّنا ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «أمتّنا ... » لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «أحييتنا..» لا محلّ لها معطوفة على جملة أمتنا.
وجملة: «اعترفنا..» لا محلّ لها معطوفة على جملة أمتنا.
وجملة: «هل إلى خروج من سبيل» في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن قبل اعترافنا بذنوبنا فهل نخرج من النار ...
(12) (ذلكم) مبتدأ (الله) لفظ الجلالة نائب الفاعل (وحده) حال منصوبة من لفظ الجلالة..
والمصدر المؤوّل (أنّه إذا دعي ... ) في محلّ جرّ ب (الباء) متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ ذلكم.
ونائب الفاعل لفعل (يشرك) محذوف دلّ عليه سياق الكلام أي شريك (به) متعلّق ب (يشرك) ، (الفاء) استئنافيّة (لله) متعلّق بخبر المبتدأ (الحكم) ..
وجملة: «ذلكم بأنّه ... » لا محلّ لها تعليل لمقدّر أي لا ليس ثمّة خروج من النار بسبب كفركم.
وجملة الشرط إذا وفعله وجوابه في محلّ رفع خبر أنّ.
وجملة: «دعي الله ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «كفرتم ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «إن يشرك به ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة خبر أنّ.
وجملة: «تؤمنوا ... » لا محلّ لها جواب الشرط غير مقترنة بالفاء.
وجملة: «الحكم لله ... » لا محلّ لها استئنافيّة «10» .
البلاغة
المجاز المرسل: في قوله تعالى «رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ» .
لأن المراد بالميتتين الاثنتين: خلقهم أمواتا أولا، وإماتتهم عند انقضاء آجالهم ثانيا.
والمراد بالإحيائتين: الإحياءة الأولى، وإحياءة البعث. وقد أوضح سبحانه ذلك بقوله: «وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ» ففي تسمية خلقهم أمواتا إماتة مجاز، لأنه باعتبار ما كان، وقد أوضح ذلك الزمخشري أبلغ إيضاح في فصله الممتع بهذا الصدد، ننقله بنصه، لنفاسته. قال: «فإن قلت: كيف صح أن يسمى خلقهم أمواتا إماتة، قلت: كما صح أن تقول: سبحان من صغر حجم البعوضة وكبر حجم الفيل، وقولك للحفار: ضيق فم الركبة، ووسع أسفلها، وليس ثم نقل من صغر إلى كبر، ولا عكسه، ولا من ضيق إلى سعة، ولا عكسه، وإنما أراد الإنشاء على تلك الصفات. والسبب في صحته أن الكبر والصغر جائزان معا على المصنوع الواحد، من غير ترجح لأحدهما. وكذلك الضيق والسعة، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخذ فجعل صرفه منه كنقله منه» .
[سورة غافر (40) : الآيات 13 الى 17]
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17)
الإعراب:
(الواو) عاطفة (لكم) متعلّق بحال من (رزقا) ، (من السماء) متعلّق ب (ينزّل) ، (الواو) اعتراضيّة (ما) نافية (إلّا) للحصر (من) موصول في محلّ رفع فاعل يتذكّر.
جملة: «هو الذي ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يريكم ... » لا محلّ لها صلة الموصول (الذي) .
وجملة: «ينزّل ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يريكم.
وجملة: «ما يتذكّر إلّا من ... » لا محلّ لها اعتراضيّة «11» .
وجملة: «ينيب ... » لا محلّ لها صلة الموصول (من) .
(14) (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (مخلصين) حال منصوبة من فاعل ادعوا (له) متعلّق بمخلصين (الدين) مفعول به لاسم الفاعل مخلصين (الواو) حاليّة (لو) حرف شرط غير جازم.
وجملة: «ادعوا الله ... » في محل جزم جواب شرط مقدّر أي:
إن أردتم رضا الله فادعوه مخلصين.
وجملة: «كره الكافرون ... » في محلّ نصب حال.. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله.
(15) (رفيع) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو أي الله (ذو) خبر ثان مرفوع وعلامة الرفع الواو (من أمره) متعلّق بحال من الروح «12» ، (على من) متعلّق ب (يلقي) ، (من عباده) متعلّق بحال من العائد المحذوف (اللام)للتعليل (ينذر) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والمفعول به الأول محذوف أي الناس (يوم) مفعول به ثان منصوب بحذف مضاف أي: شدة يوم التلاق أو أهوال يوم التلاق. (التلاق) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الياء المحذوفة.
والمصدر المؤوّل: «أن ينذر ... » في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (يلقي) .
وجملة: «هو رفيع ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يلقي ... » في محلّ رفع خبر ثالث للمبتدأ المحذوف.
وجملة: «يشاء ... » لا محلّ لها صلة الموصول (من) .
وجملة: «ينذر ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) المضمر.
(16) (يوم) الثاني بدل من يوم التلاق منصوب (لا) نافية (على الله) متعلّق ب (يخفى) ، (منهم) متعلّق بحال من شيء (لمن) متعلّق بمحذوف خبر مقدّم للمبتدأ الملك (اليوم) متعلّق بالمصدر الملك، (لله) متعلّق بخبر لمبتدأ محذوف تقديره الملك.
وجملة: «هم بارزون..» في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «لا يخفى ... شيء» في محلّ رفع خبر ثان للمبتدأ (هم) «13» .
وجملة: «لمن الملك ... » في محلّ نصب مقول القول لقول مقدّر أي يقول الله: لمن الملك ...
وجملة: « (الملك) لله» في محلّ نصب مقول القول لقول مقدّر آخر.
أي يقول الله يجيب نفسه: الملك لله.. وجملة القول المقدّرة استئناف بيانيّ.
(17) (اليوم) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (تجزى) ، (كلّ) نائب الفاعل مرفوع (ما) حرف مصدريّ «14» .
والمصدر المؤوّل (ما كسبت..) في محلّ جرّ ب (الباء) متعلّق ب (تجزى) ، و (الباء) سببيّة.
(لا) نافية للجنس (اليوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بخبر لا..
وجملة: «تجزى كلّ نفس ... » لا محلّ لها استئناف في حيّز القول المقدّر.
وجملة: «كسبت ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (ما) .
وجملة: «لا ظلم اليوم..» لا محلّ لها استئناف آخر في حيّز القول.
وجملة: «إنّ الله سريع..» لا محلّ لها تعليليّة.
الصرف:
(15) رفيع: صفة مشبّهة للثلاثيّ رفع باب كرم أي علا قدره، وزنه فعيل.. وقد يكون مبالغة اسم الفاعل على فعيل من رفع يرفع باب فتح أي رافع درجات المؤمنين كثيرا..
(التلاق) ، أصله التلاقي، مصدر قياسيّ لفعل تلاقى الخماسيّ، وقياسه أن يكون ما قبل آخره مضموما، ولكنّه كسر لمناسبة الياء، بعد رجوع الألف إلى أصلها اليائيّ.
البلاغة
المجاز المرسل:- في قوله تعالى «وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً» .
أي قطرا، والرزق مسبب عن المطر، فالعلاقة في هذا المجاز مسببية.
- وفي قوله تعالى «يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ» .
فالمراد بالروح الوحي، وسمي الوحي روحا لأنه يجري من القلوب مجرى الأرواح من الأجساد، فهو مجاز مرسل علاقته السببية، وجعله الزمخشري استعارة تصريحية.
الفوائد
- الفرق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل:
ورد في هذه الآية قوله تعالى رَفِيعُ الدَّرَجاتِ و (رفيع) صفة مشبهة. ولعلنا من خلال إيضاح الفرق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل نستطيع أن نتبيّن معنى كل منهما:
1- اسم الفاعل يصاغ من المتعدي واللازم كضارب وقائم ومستخرج ومستكبر.
وهي لا تصاغ إلا من اللازم كحسن وجميل.
2- أنه يكون للأزمنة الثلاثة، وهي لا تكون إلا للحاضر، أي الماضي المتصل بالزمن الحاضر.
3- أن منصوب اسم الفاعل يجوز أن يتقدم عليه نحو «زيد عمرا ضارب» ولا يجوز (زيد وجهه حسن) .
4- أن معموله يكون سببيا أو أجنبيا نحو (زيد ضارب غلامه وعمرا) . ولا يكون معمولها إلا سببيا تقول: «زيد حسن وجهه» أو (الوجه) . ويمتنع (زيد حسن عمرا) .
5- أنه لا يخالف فعله في العمل، وهي تخالفه، فإنها تنصب مع قصور فعلها تقول: «زيد حسن وجهه» ويمتنع «زيد حسن وجهه» بالنصب.
6- أنه يجوز حذفه وبقاء معموله، ولهذا أجازوا «أنا زيدا ضاربه» و «هذا ضارب زيد وعمرا» بخفض زيد ونصب عمر، وبإضمار فعل أو وصف منون.
ولا يجوز (مررت برجل حسن الوجه والفعل) بخفض الوجه ونصب الفعل.
7- أنه يفضل مرفوعه ومنصوبة مثل (زيد ضارب في الدار أبوه عمرا) ويمتنع عند الجمهور (زيد حسن في الحرب وجهه) رفعت أو نصبت-
__________
(1) أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا.
(2) لأن الإضافة في الصفة المشبّهة ليست محضة بل لفظيّة أي شديد عقابه، فشديد ليس معرفة تماما.
(3) يجوز أن تكون الجملة في محلّ جزم جواب شرط أي مقدّر أي: إن كان المجادلون في آيات الله كفّارا فلا يغررك تقلّبهم.. فهم مأخوذون عن قريب بكفرهم أخذ من قبلهم.
(4) يجوز أن تكون جوابا لشرط مقدّر أي: لمّا عاقبتهم كان عقابي عادلا، أو فهو واقع موقعه والاستفهام للتقرير.
(5) أو في محلّ نصب مستعار لتوكيد الضمير المتّصل اسم إنّ.
(6) أي يوم إذ تدخل من تشاء الجنّة أو النار.
(7) أو ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ خبره الفوز، والجملة الاسميّة خبر المبتدأ ذلك.
(8) أي مقت الله إيّاكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم الآن وأنتم في النار.. ولا مانع من توسط الخبر بين المبتدأ والظرف. [.....]
(9) أو هي للاستئناف البيانيّ.
(10) أو في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي: فإن جاء الحساب فالحكم لله.
(11) أو في محلّ نصب حال من ضمير الخطاب في (يريكم) ، أو في (لكم) .
(12) أو متعلّق ب (يلقي) ومن سببيّة.
(13) أو في محلّ نصب حال من الضمير في (بارزون) .
(14) أو اسم موصول في محلّ جرّ ... والعائد محذوف أي كسبته.