عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-09-2022, 02:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,315
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أبيات في مدح الشيب

وابن بطال [22] - مثل سلفه - يؤكد لمن يعيب المشيب، ويزدريه، أنه منحه وهدية، وبناء عليه، أخذ على عاتقه أخذ الحق له، يقول: [23] [من الكامل]
ما لِلْمشيب وللجَهُولِ العائِب
كَمْ بَيْنَ صُبْح طالعٍ وغَيَاهِبِ

وجه النهى أبدى الفؤاد وكان قد
قَامَ الشّبابُ له مقامَ الخاضبِ

فمتى يغيِّرُهٌ الخضابُ فإنّه
نُورُ المعاني تَحْتَ خَطِّ الكاتبِ

فكأنَّما رَأسِي سماءُ تجاربٍ
قَدْ زُيّنتْ مِن شيبة بكواكبٍ

فكأنَّما طلعتْ لعينَيْ حاسدٍ
بِبَيَاضِ هَمَّاتي وسُودِ مطالبي


يرى ابن بطال، أن المشيب أصل المرء وأساسه، والشباب خضاب له وفرع عنه، لا بد وأن ينكسر حده، ويزول صبغه أمام نجوم المشيب، وكواكبه، التي أراد الله - تعالى - أن تكون رجوما لحساده، من شياطين الإنس، كما أنها رجوم لشياطين الجن. فهو رجل قوي الهمة، وافر العزيمة، عظيم المطلب، ذو نفس أبية.
وهذا عبد الرحمن بن أبي الفهد [24]، يدافع عن كرامة المشيب، أمام غوانٍ سالت دموعهن منه أنهارا، فيقول: [25] [من الطويل]

رأتْ طالعا للشَّيب بين ذَوَائبي
فَعادَتْ بأسرابِ الدُّمُوعِ السَّوَاكبِ [26]

وقالت: أشيبٌ؟ قلتُ: صُبح تجارب
أنارَ على أعقابِ ليل النَّوائِب


( يتعجب الشاعر من إنكار الحسان للمشيب، صبح تجارب الأيام، وخبرات الأزمانومنحة الملك العلام. التي أنارت له طريق الغواية، والرزايا، والعماية.)


ويبدو أن قوله هذا بعد ما تقدم به العمر، وطعن في السن، إذ وردت له عبارات في الرد على من عاب عليه تصابيه، فما زال قائد حلبة اللهو والتصابي. يقول: [27] [من الطويل ].
وقالوا: أَتلْهُو والشَّبابُ قد انقضى
وعمرُك قَدْ وَلّى، ولَمْ يَبْقَ طَائِلُ

فَقُلتُ: أصيلُ العُمْرِ مَا قَدْ بلغته
وأطْيبُ أوقاتِ الزَّمانِ الأصَائِلُ



سيل مفعم بروائح الثناء على المشيب، مثقل برد مفحم لمن أنكر عليه اقتناص اللذات، بعد أن وخطه المشيب، مؤكدا على أنها مرحلة اللهو والمتعة، التي لم يبرح بعد رياضها، ولم يوافق مضارعا لها، في طيب نسيمها، واعتدال مزاجها، وخصوبة تربتها، وجودة نباتها.
صور تكشف عن أنه " من أشعر من أنبتته الأندلس، ووطيء ترابها، بعد أبي المخشي أولا، وأحمد بن دراج آخرا، وكان من أبصر الناس بمحاسن الشعر، وأشدهم انتقادا له، وشعره بلطائف غرائبه، وبدائع رقائقه يروق، وهو غزير المادة، واسع الصدر... " [28]
إنها صور تشير إلى تصابيه في شبابه، وصدر مشيبه، ثم صدوره عنه بعدما شرح الله -تعالى- صدره، وأنار قلبه، وتشير كذلك إلى نفور الغواني من المشيب، وجزعهن من بياضه.


وعلى نفس المنوال، يحيك أبو عبد الله بن مصادق [29]، ثوبا من أفانين القول، مطرزا بالجوهر، مطيبا بالمسك، والعنبر، دفاعًا عن المشيب موطن الخبرة والظرف، فيقول: [30] [من الطويل]
صَارَمَتْه إِذ رأت عارضَهُ
عاد من بعد الشبابِ أشيبا [31]

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.34%)]