تسمية الشيء باسم فعله أو ما يقع عليه الفعل
د. سيد مصطفى أبو طالب
• قال أبو عبيد في النبي صلى الله عليه وسلم: (عَائِدُ المريض على مَخَارِفِ الجنةِ حتى يرجع) [1].
قال الأصمعي: واحد المخارف مخرف، وهو جنى النخل، وإنما سُمي مخرفًا؛ لأنه يُخترف منه؛ أي: يُجْتَنى [2].
نص أبو عبيد على علة تسمية جنى النخل مخرفًا؛ لأنه يخترف؛ أي: يُجتنى، فهو من باب تسمية الشيء باسم ما يقع عليه الفعل.
فالخرف: الاجتناء؛ قال ابن سيده: خَرَف النَّخْل يَخرُفُه خَرْفًا: صرمه واجتناه، والمَخرَف: جَنى النخل [3].
وفي القاموس: خَرَفَ الثمارَ خَرْفًا ومَخْرَفًا وخَرافًا، ويُكْسَرُ جَناهُ، والمخرف: جَنَى النَّخْلِ[4].
وعلى ذلك، فقد سمي جنى النخل مخرفًا؛ لأنه وقع عليه فعل الخرف، فتكون التسمية من باب تسمية الشيء باسم ما يقع عليه الفعل.
• قال ابن قتيبة: والكُسعة التي لا صَدَقة فيها: هي العوامل من الإبِل والبَقَر والحمير، وقيل لها كُسْعَة؛ لأنَّها تُكسَع؛ أي: تُضْرَب مآخيرها إذا سِيقت [5].
ذكر الشارح علة تسمية الكسعة، وهي العوامل من البقر...؛ لأنها تكسع؛ أي: تُضرَب أدبارها.
قال ابن منظور: والكُسْعةُ تَقَعُ على الإِبل العَوامِل والبقَر العوامِلِ والحَمِيرِ والرَّقِيقِ، وإِنما كُسْعَتُها أَنها تُكْسَعُ بالعصا إِذا سيقَت [6].
وفي القاموس: والكُسْعَةُ بالضمِّ: الحَمِيرُ والبَقَرُ العَوامِلُ، والرَّقيقُ؛ لأنَّها تُكْسَعُ بالعَصا إذا سيقَتْ [7])
وعلى ذلك، فقد تبيَّنت علة تسمية الكسعة بهذا الاسم؛ لأنها تضرب على مآخيرها في السوق، فهذا من باب تسمية الشيء بما يقع عليه الفعل.
• قال السرقسطي في حديث ابن مسعود: أنه دخل دارًا، فرأى فيها غضارة من عيش ومرايا ودواجن من الغنم...[8].
... المرايا: جمع مَري...، وإنما سُميت مَرِيًّا؛ لأنها تدر على الْمَرْي، والْمَرْي: مسح ضرع الناقة لتدر [9].
لقد وقعت التسمية ها هنا على الناقة، فسُميت مريًّا؛ لأن المري = (المسح) يقع عليها.
قال الخليل: والمَرْي، بالتخفيف: مسحك ضرع الناقة تمريها بيدك؛ كي تسكن للحلب [10].
والمَرِي: الناقة التي تدر على من يمسح ضروعها[11]، أو التي تدر مع المسح [12].
وإذًا فتسمية الناقة مَرِيًّا من باب تسمية الشيء باسم ما يقع عليه الفعل.
• قال الخطابي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه مر برجل وبرمته تفور على النار، فقال له: أطابت برمتك؟ قال: نعم، بأبي أنت وأمي، فتناول منها بضعة، فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة) [13].
أي: يمضغها، والعلك: مضغ ما لا يطاوع الأسنان، وسُمي العلك؛ لأنه يعلك [14].
نبه الشارح على سبب تسمية الشيء الذي يمضغ ولا يطاوع الأسنان (علكًا)؛ لأنه يقع عليه فعل العلك = (المضغ).
قال ابن فارس: العين واللام والكاف أصلٌ صحيح يدلُّ على شيء شبه المضغ والقبض على الشَّيء، من ذلك قول الخليل: العلك: المضغ، وسُمِّي العلك علكًا؛ لأنه يُمضَغ [15].
وفي المحكم: عَلَك الشيء يعلُكه ويَعْلِكُه عَلْكًا: مضغه ولجلجه [16]، والعلك: مضغ ما لا يطاوع الأسنان [17].
وتأسيسًا على ذلك، فإن تسمية الشيء الذي يمضغ ولا يطاوع الأسنان علكًا، تسمية للشيء بما يقع عليه الفعل.
[1] مسلم، (كتاب البر والصلة والآداب - باب فضل عيادة المريض) (4/ 1989)، والترمذي (كتاب الجنائز - باب ما جاء في عيادة المريض) (3/ 299)، والمسند (5/ 277)، ومسند الشهاب القضاعي (1/ 242).
[2]غريب أبي عبيد (1/ 212، 213).
[3]المحكم (خ ر ف) (5/ 170).
[4] (خرف) (ص803).
[5] غريب ابن قتيبة (1/ 188).
[6] اللسان (كسع) (7/ 662).
[7] (كسع) (ص758).
[8] لم أقف عليه.
[9] الدلائل (2/ 882، 884).
[10] العين (مرى) (8/ 294).
[11] اللسان (مرا) (8/ 268).
[12] الغريبين (6/ 1747).
[13] أبو داود (كتاب الطهارة - باب في ترك الوضوء مما مست النار) (1/ 98).
[14] غريب الخطابي (1/ 75، 76).
[15] المقاييس (علك) (4/ 132)، وينظر: العين (علك) (1/ 201).
[16] (ع ل ك) (1/ 276)، واللسان (علك) (6/ 408).
[17] المجموع المغيث (2/ 494).