عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-09-2022, 09:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,125
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة

(الحقائق)

هناك حقائق عدة تحكم العلاقة بين المسلمين والغرب، وليس كما يقال عادة بين الإسلام والغرب، ولا بد من وضع هذه الحقائق في الحسبان عند اعتبار هذه العلاقة، ومن هذه الحقائق تلك التي ذكرها المؤلف هادي المدرسي في كتابه: لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب[1]، ومجمل هذه الحقائق يتلخص في الآتي:
1- الحقيقة الأولى: أن ذاكرة المسلمين تحتفظ بصورة سلبية حول تعامل الآخر معهم؛ ذلك أن العالم الإسلامي قد تعرض، ولا يزال يتعرض، لهجمات غير مسوغةٍ من قبل أرباب الديانات الأخرى وأتباعها.
2- الحقيقة الثانية: أن معظم أقطار العالم الإسلامي قد تعرضت للاحتلال "الاستعمار" العسكري المباشر، الذي جثم على المجتمع المسلم رَدَحًا من الزمان، تخطى في بعض الجهات مئات السنين، وترك آثارًا سلبية ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، لا تزال المجتمعات المسلمة تعاني منها.
3- الحقيقة الثالثة: أن هناك تمييزًا ضد المسلمين قائم على سوء فهم العالم الإسلامي، مبني على استقاء المعلومات من علماء غربيين مستشرقين، لم يكونوا في مجملهم منصفين للمسلمين، ولقد ذكر الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون عن المسلمين أنه: "ليس هنالك من شعب له صورة سلبية عند الأمريكيين بالقدر الذي للعالم الإسلامي"[2]، فيُكبَّر ما يتعرض له الغربيون من بعض المسلمين، ويُصغَّر ما يتعرض له المسلمون من بعض الغربيين.
4- الحقيقة الرابعة: أن هناك خلطًا بين المسلمين وبعض الحكومات التي لا تمثل بالضرورة المسلمين فيها، وحتى تزداد الصورة وضوحًا، فإن هذا ينطبق على الحكومات الشيوعية التي فرضت على شعوب مسلمة، ومثل هذا يقال عن أولئك الذين سعوا إلى تبني الشيوعية أو الاشتراكية أو القومية أو العلمانية بديلًا من الإسلام.
أفرزت هذه الحقائق الأربع تنميطَ العالم الإسلامي إلى أنه عالم يتعطش للحروب، مع أنه هو المحارَب، وبالتالي ظهر الفهم الخاطئ أن الإسلام يدعو أتباعه إلى العنف والإرهاب، بالمفهوم الغربي للإرهاب، القائم على الترويع والتخريب، وأخذ الأبرياء بأخطاء المذنبين.
كما أفرزت هذه الحقائق اعتبار المسلمين قوة جيوسياسية موحدة متزايدة من حيث السكان والثروات؛ إذ يؤلف المسلمون الأكثرية في ستين (60) دولة، ويتجاوز نمو المسلمين 15% من حيث تحول الناس إليه (الهداية)، ومن حيث التكاثر، ويحتضن العالم الإسلامي 66% من نفط العالم، و37% من الغاز[3]، والموارد البشرية، ونسبًا عالية من الثروات الطبيعية الأخرى؛ كالفوسفات مثلًا،ومن ثم ظهرت الدعوة إلى تجزئة العالم الإسلامي وتفتيته ومنعه من الوحدة، بل وإثارة المشكلات؛ لتضرب دول العالم الإسلامي بعضها ببعض، فيدعم الطرفان بطرق مباشرة أو غير مباشرة، كما حدث بين العراق وإيران، ثم بين العراق والكويت.
ومن الدعم غير المباشر كذلك زيادة حدة التوترات في العالم الإسلامي في المجال الفكري، ثم تأييد حركة الحداثة لمواجهة الحركات الإسلامية[4]، التي تسمى بالأصولية، وضرب هؤلاء بأولئك[5]، وكذلك تأييد الحركات الانفصالية للأقليات غير المسلمة داخل العالم الإسلامي، كما هو حاصل في جنوب السودان وشرق تيمور في إندونيسيا،وربما قيل: إن هذه الحقائق الأربع لم تنطلق من واقعية في التطبيق، وبالتالي فإنها غير صحيحة، ويذكر هادي المدرسي أن عدم واقعيتها وعدم صحتها نابعٌ من وجهات عدة:
أولها: أنها تستند إلى مبدأ احتلالي "استعماري" قديم، هو: فرِّقْ تَسُدْ، وهو مصطلح سياسي عسكري اقتصادي، الأصل اللاتيني له: "divide et impera"،ويعني تجزئة قوة الخصم الكبيرة إلى أقسام متفرقة لتصبح أقل قوة وهي غير متحدة بعضها مع بعض، مما يسهل التعامل معها، كذلك يتطرق المصطلح للقوى المتفرقة التي لم يسبق أن اتحدت، والتي يراد منعها من الاتحاد وتشكيل قوة كبيرة يصعب التعامل معها[6]،ويترجم ذلك قول الشاعر العربي:
تأبى الرماحُ إذا اجتمَعْنَ تكسُّرًا *** وإذا افترَقْنَ تكسَّرَتْ آحادَا.
وثانيها: أن الإسلام يقف بأتباعه صفًّا واحدًا لأي عدو خارجي، مهما كانت المحاولات لتمزيقه إلى طوائف وقوميات وأعراق.
وثالثها: أن هناك انبعاثًا جديدًا في العالم الإسلامي سمي بالصحوة، وهناك من يتحفظ على هذه التسمية، والإسلام ليس دينًا منفصلًا عن الحياة، كما هو الحال التي آلت إليه في الأديان الأخرى، وأن الإسلام نفسَه بالمسلمين هو الذي يأتي في "مقدمة الأسباب المحورية التي أدت إلى انهيار الشيوعية في العالم الشيوعي نفسه"[7].

[1] انظر: هادي المدرسي،لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب - بيروت: دار الجديد، 1996م - ص 174.
[2] انظر: هادي المدرسي،لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب - المرجع السابق - ص 102.
[3] انظر: هادي المدرسي،لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب - المرجع السابق - ص 100 - 101.
[4] انظر: عبدالإله بلقزيز، محاور،الإسلام والحداثة والاجتماع السياسي: حوارات فكرية - بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2004م - ص 147 - (سلسلة حوارات المستقبل العربي: 1).
[5] انظر: محمد عمارة،الأصولية بين الغرب والإسلام - القاهرة: دار الشرق، 1418هـ/ 1998م - ص96.
[6] انظر: موسوعة ويكيبيديا الحرة على موقعها في الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" - 6/ 12/ 1430هـ، الموافق 23/ 11/ 2009م.
[7] انظر: هادي المدرسي،لئلا يكون صدام حضارات: الطريق الثالث بين الإسلام والغرب - المرجع السابق - ص 102.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]