الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
المسلمات
تنطلق المسلمات الآتية من خلال عدد من النقاط التي يمكن أن ينظر إليها على أنها كذلك، أو على أقل تقدير ينبغي أن ينظر إليها على أنها الأرضية التي تمهد لهذه المسلمات، على ألا ينظر إليها على أنها موجهات بقدر ما هي تحديد للهوية التي تنطلق منها،ويمكن النظر إلى هذه المسلمات من خلال الآتي:
أولًا: أن الحديث عن الإسلام وعلاقته بالثقافات الأخرى السابقة والقائمة واللاحقة حديث طويل ومتفرع، ويخضع للرأي في كثير من الأحوال، إلا أن ضابطه دائمًا، من وجهة نظرنا نحن المسلمين، مبدأ الولاء والبراء من جهة[1]، والتعامل المطلوب والتفاعل المتوقع القائم على السماحة والحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، دون الذل والتهاون من جهة ثانية.
ثانيًا: لم تعد كلمة الغرب توحي بالجهة المقابلة للشرق، ولكنها أضحت مدلولًا اصطلاحيًّا يعني ثقافةً غربية، بغض النظر عن الجهة،وأمست هذه الثقافة الغربية تفضي إلى مناقضة الإسلام، مما يدعو إلى اتخاذ موقف من هذه الثقافة،ومما يدعو أيضًا إلى تصحيح هذا المفهوم القائم على التناقض.
ثالثًا: أن الموقف المتخذ تجاه الغرب قد يكون على أنواع ثلاثة:
فالنوع الأول: هو الذي يلفظ الغربَ، بكل ما توحيه الكلمة من ثقافة مستعلية، بل وأعراق تزعم الفوقية، إلى درجة القول: إن الغربيين أنصاف آلهة، وغيرهم من الملونين أنصاف بشر!
والنوع الثاني: هو ذلك الموقف الذي يتقرب إلى الغرب، ويحاول تطويع الإسلام له، لا تطويعَه للإسلام، ويعتذر للغرب إذا كان في الإسلام ما لا يتفق مع الثقافة الغربية.
والنوع الثالث: هو ذلك الموقف الذي يرى أن الغرب ساحةٌ مفتوحة، متعطشة إلى الاستقرار الروحي والذهني والاجتماعي، وأن الفرصة مؤاتية لتقديم هذا الاستقرار بأنواعه من خلال الإسلام.
رابعًا: أن الغرب ينظر إلى الإسلام على أنه القوة الكامنة، أو العدو القادم، أو الخطر القائم[2]،وهو على ما يبدو يخشى هذه القوة القادمة؛ لِما يعتقد من أنها ستؤثر مباشرة في معطيات الحضارة الغربية، وسترجع الشعوب والحضارات إلى الوراء، وما يتبع ذلك من خسران للتجربة الديمقراطية الغربية في المنزل والمكتب والمدينة والمقاطعة والولاية والدولة.
خامسًا: أن الغرب بعلاقته بالشرق، وهو الإسلام هنا، يقوم على فكرة استشراقية قديمة تتجدد، بُنِيت على تشويه الإسلام، ذلك التشويه الذي أججته مواقف المسلمين من الحروب الصليبية، وعدم سماحهم للحملات بالنجاح على حساب المسلمين.
سادسًا: أن الغرب بعلاقته بالشرق، وهم المسلمون هنا، يقوم أيضًا على فكرة التنصير، وأن الشرق ينبغي أن يكون غربًا في المفهوم الديني كذلك، وأنه في سبيل إنقاذ الشرق من أي شر لا بد أن يتحول الشرق إلى عالم نصراني.
سابعًا: أن الغرب بعلاقته بالشرق، وهي البلاد الإسلامية هنا، يقوم كذلك على خلفية احتلالية "استعمارية"، كانت في يوم من الأيام هي المسيطرة على الشرق، حينما كان الشرق نائمًا لا يملك قدرات بشرية تفكر وتقود وتعمل.
ثامنًا: أن الغرب بعلاقته بالشرق، وهي البلاد الأخرى هنا، يقوم أيضًا على نظرة عرقية، مُفادها تفوُّق الأعراق الأوروبية من آرية وغيرها على الأعراق الأخرى، بل والأجناس الأخرى؛ كالسامية، فيما يتعلق بالعرب من المسلمين،وهذه النظرة وما قبلها أَمْلَتْ على الغرب الشعور بالفوقية والسمو على الأجناس الأخرى.
تاسعًا: أن الشرق الآن، والعالم الإسلامي منه بخاصة، يعيش حالةً من النهوض نسميها بالصحوة، أو بالعودة إلى الدين، مما يجعل نوع العلاقة مع الغرب يأخذ شكلًا آخر هو أقرب إلى الأشكال التي قامت عليها العلاقة قبل الحملات الصليبية التسع، وأثناءها، وبعدها قليلًا.
عاشرًا: أننا لا نزال حقيقةً في حوار ذاتي داخلي حول العلاقة مع الغرب، من منطلق الأنواع الثلاثة التي ذكرت من قبل في "ثالثًا"،ويعتمد الأمر عندنا على فهم الشرق وفهم الغرب في آنٍ واحد، مما يوحي بالتخصصية هنا.
من هذه النقاط العشر السابقة ينطلق النقاش حول المحددات، في معالجة العلاقة بين الشرق والغرب من وجهة نظر فريدة سوف تسعى إلى أن تقف عند كل فقرة من الفقرات أو النقاط أو المحددات، وتناقشها مناقشة تعبر عن ذاتية المناقش المبنية على قاعدة علمية موضوعية، مما يجعلها نفسها قابلة للنقاش، ومن باب أَوْلى قابلة للأخذ والرد.
[1] الولاء والبراء مفهوم شرعي، ذو صلةٍ بعقيدة المسلم في علاقته مع الغير،وهناك جدلٌ قائمٌ حول معناه ومبناه،كما أن هناك تفسيرات قد يظهر عليها التشدد، وأخرى قد يظهر عليها التسامح في التعامل مع الآخر، لا سيما مع أولئك الذين هم ليسوا في حالة حرب مع المسلمين،وهذا ما يأخذ به هذا الكتاب،انظر: محمد بن سعيد بن سالم القحطاني،الولاء والبراء في الإسلام من مفاهيم عقيدة السلف/ بإشراف: محمد قطب - الرياض: دار طيبة، 1405هـ/ 1985م - ص 476،
[2] انظر: فنسان جيسير،الإسلاموفوبيا/ ترجمة محمد صالح ناجي الغامدي وقسم السيد آدم بله - الرياض: المجلة العربية، 1430هـ/ 2009م - ص192.