
19-09-2022, 09:57 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,772
الدولة :
|
|
رد: الشعر الغرناطي وثيقة تاريخية
فربما كان النَّصر السلطاني مَدعاة لتفتُّق شاعرية الملك يوسف الثالث، فنَجده يُكثِر مِن الإنشاد وصياغة القريض في هذه المناسبة السعيدة؛ يقول من قصيدة أخرى: "وعند افتتاحنا جبل الفتح في أول جُمادى الثانية من عام سبعة عشر وثمانمائة نظَمْنا" [مجزوء الرمل]:
رُبَّ ظبيٍ سنَحا
فأهاجَ البرحا 
حَضرة قد أصبحَت
للعيونِ مَسرحا 
كيف لا وملكنا
للمعالي طمَحا 
يوسفيٌّ كلما
قد عفا أو صفحا 
قال غيث السُّحب: يا
جودَه، ما أسمَحا[8] 
نلاحظ من خلال هذه الأبيات المقتطفة أن الشاعر يَفتخر بملكه وجُوده وبطشه، هذه الخصال التي ساهمَت بكل تأكيد في تحقيق النصر والفتح؛ متَّكئًا على وزنٍ خفيف يتَّسم بـ "النَّشوة والطَّرب"[9]، وهو مجزوء الرَّمل، وذلك من أجل ترديد القطعة الشعرية كنشيدٍ احتفالي بهذا النصر الكبير، نشيد يردِّده الجميع في مملكة غَرناطة الصغيرة، "ويترجح عندي أن هذا الوزن ظل نشيدًا تَرنُّميًّا، وخاصة بين الصغار والعامة"[10].
2 - القيمة الوثائقية في شعر أبي الحسين بن فُركون[11]:
لن أبالغ إن قلتُ: إن ديوان ابن فُركون هو وثيقةٌ تاريخية بامتياز؛ على اعتبار أن تقديماته النثرية تعجُّ بالتواريخ وبالأحداث، كما أن في "قصائده إشارات مهمة تَزيد التاريخ وضوحًا وتفصيلاً، وتتدارك أحيانًا ما أهمله من حقائقَ ومعلومات دقيقة، وهو ما يؤكد القيمةَ التاريخية للقصيدة الشعرية، ويجعل وضعها في عداد الوثائق التاريخية المساعدة - أمرًا غيرَ قابل للاعتراض، بل قد يتوافر من الأسباب ما يجعل القصيدة وثيقةً أصلية في موضوعها"[12]؛ فها هو شاعرنا يَجول بعَدستِه التي تلتقط كلَّ حدثٍ داخل المملكة الغَرناطية الصغيرة ليُخبرنا بها في حينها، فنجده يقول في إحدى تقديماته النثرية: "ولما دخل المسلمون من أهل رُنْدة صخرة عناد - أعادها الله - واستَأصلوا مَن وجَدوا بها قتلاً وإسارًا إلا قليلاً منهم اعتَصموا بقصبتها، ووَرد البشير بذلك قلتُ: أهنِّئ مقامه الكريمَ للحين وهي مِن المرتَجَلات في يوم الأربعاء الرابع لذي الحجة عام اثني عشر وثمانِمائة"[13]، وجاء في أخرى: "ومما صدَر عني في هَنائه أيَّده الله بحلول ركابه العليِّ بظاهر مالقة بإثر مخالفة المارقين من أهل جبل الفتح، وهي السفرة التي أجاز فيها السلطان السعيد إلى الغرب، ودخل مالقة في يوم الاثنين الثالث لشعبان عام ثلاثة عشر وثمانمائة"[14].
والسعيد المذكور في النصِّ هو محمد السعيد بن عبدالعزيز بن أبي الحسن المريني[15]، الذي كانت تجمعه بالملك يوسف علاقةٌ متينة، وصلَت إلى حدِّ إقامة تَحالُف مشتركٍ بين الاثنَين؛ قصد الإطاحة بالمرينيين في فاس، وخصوصًا حكم أبي سعيد عثمان المريني، إلا أن المحاولة باءت بالفشل عندما لحقَته الهزيمة على حُدودها، وقد أشار ابن فُركون إلى هذا الحدث في قصيدة عيديَّة رفَعها إلى السلطان يوسف الثالث؛ يقول الشاعر [البسيط]:
وكَيف تَدفع عن فاسٍ أسودُ وغًى
وما مَرابِضُها إلاَّ مَرابعُها 
إن أجفلَت فئة التَّوحيد ها هي قد
عادَت تُنازل فيها مَن يُنازعُها[16] 
وختامًا فقد حاولتُ من خلال هذه الإطلالة السريعة من شُرفة الشعر الغرناطي إبرازَ بعض الحقائق التاريخيَّة المبثوثة في الشعر الأندلسي في أواخر عَهده بالعدوَّة النصرانية، والتي بكل تأكيد تَحتاج إلى المزيد من التوسُّع والبحث بُغية استِكْناه ما تَجود به الدواوين الأندلسية من حقائقَ وأحداث ستُساهم بدون شكٍّ في تبديد بعض الظلام الذي يُحيط بالقرنين الثامن والتاسع الهجري.
[1] ديوان يوسف الثالث، حققه وقدم له ووضع فهارسه عبدالله كنون، الطبعة الثانية 1965.
[2] ديوان ابن فركون، تقديم وتعليق محمد بن شريفة، الطبعة الأولى، 1987.
[3] هو السلطان أبو الحجاج يوسف الملقب بالناصر لدين الله، ولد السلطان أبي الحجاج يوسف الملقب بالمستغني بالله، بنشريفة، ديوان ابن فركون، ص 19.
[4] ديوان لسان الدين بن الخطيب، تحقيق محمد مفتاح، الطبعة الثانية، 2007، المجلد الثاني، ص 500.
[5] ابن الخطيب سفيرًا ولاجئًا سياسيًّا، الدكتور عبدالهادي التازي، ص 84، مجلة كلية الآداب بتطوان، 1987.
[6] ديوان يوسف الثالث، ص 78.
[7] جمعة شيخة، القيمة الوثائقية في شعر يوسف الثالث، ص 188، حوليات الجامعة التونسية، العدد رقم 28، 1 يونيو 1988.
[8] الديوان، ص 27 - 28.
[9] عبدالله الطيب، المرشد إلى فَهم أشعار العرب وصناعتها، الجزء 1، الطبعة الثالثة، الكويت، 1989، ص 148.
[10] نفسه، ص 149.
[11] أبو الحسين بن أحمد بن سليمان بن هشام القرشي المعروف بابن فُركون - بضم الفاء - بنشريفة، ديوان ابن فركون، ص 9.
[12] قاسم القحطاني، الشعر الأندلسي وثيقة تاريخية، شعر ابن فركون (9 ه) نموذجًا، ص 85، التراث العربي، سوريا، العدد 117 - 118، 1 يناير 2010.
[13] الديوان، ص 156.
[14] نفسه، ص 161.
[15] انظر ترجمته في جذوة الاقتباس في ذكر من حلَّ من الأعلام مدينةَ فاس، أحمد بن القاضي المكناسي، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1973، ص 209.
[16] الديوان، ص 211.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|