عرض مشاركة واحدة
  #261  
قديم 20-09-2022, 12:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1597 الى صـ 1604
الحلقة (261)




وروى الحاكم ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت له: يا ابن أختي! كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى من هو يومها [ ص: 1597 ] فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة - حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله! يومي هذا لعائشة ، فقبل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، قالت: نقول في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها أراه قال: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا الآية.

وكذلك رواه أبو داود ، وفي الصحيحين عن عائشة قالت: « لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم لها بيوم سودة ».

ولا يخفى أن قبوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك من سودة إنما هو لتتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه، فهو أفضل في حقه عليه الصلاة والسلام.

وقول بعض المفسرين في هذه القصة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عزم على طلاق سودة - باطل وسوء فهم من القصة، إذ لم يرو عزمه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، لا في الصحاح ولا في السنن ولا في المسانيد، غاية ما روي في السنن أن سودة خشيت الفراق لكبرها وتوهمته، وجلي أن للنساء في باب الغيرة أوهاما منوعة، فتقدمت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بقبول ليلتها لعائشة ، فقبل منها.

وما رواه ابن كثير عن بعض المعاجم من كونه - صلى الله عليه وسلم - بعث إليها بطلاقها، ثم ناشدته فراجعها - فهو (زيادة عن إرساله وغرابته كما قاله) فيه نكارة لا تخفى.

لطيفة:

حكى الزمخشري هنا أن عمران بن حطان الخارجي كان من أدم بني آدم، وامرأته من أجملهم، فأجالت في وجهه نظرها يوما، ثم تابعت الحمد لله، فقال: ما لك؟ قالت: حمدت الله على أني وإياك من أهل الجنة، قال: كيف؟ قالت: لأنك رزقت مثلي فشكرت، ورزقت مثلك فصبرت، وقد وعد الله الجنة عباده الشاكرين والصابرين. انتهى.

[ ص: 1598 ] قلت: عمران المذكور ممن خرج له البخاري في صحيحه، ولما مات سئلت زوجته عن ترجمته؟ فقالت: أوجز أم أطنب؟ فقيل: أوجزي، فقالت: ما قدمت له طعاما بالنهار، وما مهدت له فراشا بالليل، تعني أنه كان صواما قواما، رحمه الله تعالى.
القول في تأويل قوله تعالى:

ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما [129]

ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء أي: تساووا بينهن في جميع الوجوه، بحيث لا يقع ميل ما إلى جانب إحداهن، في شأن من الشؤون، فإنه - وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة - فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع، كما قاله ابن عباس وغيره.

ولو حرصتم أي: على إقامة العدل، وبالغتم في ذلك؛ لأن الميل يقع بلا اختيار في القلب.

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: اللهم! هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب، رواه الإمام أحمد وأهل السنن.

فلا تميلوا كل الميل أي: إذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل إليها، وقال المهايمي : [ ص: 1599 ] فلا تميلوا، أي: عن امرأة كل الميل فتتركوا المستطاع من القسط.

فتذروها أي: التي ملتم عنها كالمعلقة بين السماء والأرض، لا تكون في إحدى الجهتين، لا ذات زوج ولا مطلقة.

وروى أبو داود الطيالسي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شدقيه ساقط .

كذا رأيته في (ابن كثير) شدقيه، بشين معجمة ثم دال.

ورواية أصحاب السنن المنقولة: وشقه (بمعجمة ثم قاف) ساقط، وفي رواية: مائل.

وإن تصلحوا أي: نفوسكم بالتسوية والقسمة والعدل فيما تملكون وتتقوا الحيف والجور فإن الله كان غفورا رحيما فيغفر لكم ما سلف من ميلكم.
القول في تأويل قوله تعالى:

وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما [130]

وإن يتفرقا أي: الزوج والمرأة بالطلاق، بأن لم يتفق الصلح بينهما، فاختاروا الفرقة [ ص: 1600 ] يغن الله كلا أي: منهما، أي: يجعله مستغنيا عن الآخر من سعته أي: غناه وجوده وقدرته، وفيه زجر لهما عن المفارقة رغما لصاحبه، وتسلية لهما بعد الطلاق.

وكان الله واسعا أي: واسع الفضل حكيما في جميع أفعاله وأقداره وشرعه.
القول في تأويل قوله تعالى:

ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا [131]

ولله ما في السماوات وما في الأرض جملة مستأنفة منبهة على كمال سعته وعظم قدرته أي: كيف لا يكون واسعا وله ما فيهما من الخلائق والأرزاق وغيرهما؟ فله أن يعطي ما شاء منهما لمن شاء من عبيده، وعلى هذا فهي متعلقة بما قبلها، أو أتى بها تمهيدا لما بعدها من العمل بوصيته؛ إعلاما بأنه مالك ما في السماوات والأرض والحاكم فيهما، ولهذا قال: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم أي: من الأمم السابقة - والكتاب اسم جنس يتناول الكتب السماوية - وإياكم معطوف على (الذين).

أن اتقوا الله أي: وصينا كلا منكم ومنهم بالتقوى، وهي عبادته وحده، لا شريك له، والمعنى: أن وصيته قديمة ما زال يوصي الله بها عباده، ولستم بها مخصوصين؛ لأنهم بالتقوى يسعدون عنده.

وإن تكفروا أي: بالله فإن لله ما في السماوات وما في الأرض أي: فهو مالك الملك كله، لا يضره كفركم؛ لغناه المطلق، فما الوصية إلا لفلاحكم؛ رحمة بكم، كما في الآية الأخرى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد [إبراهيم: 8] وقال تعالى: [ ص: 1601 ] فكفروا وتولوا واستغنى الله [التغابن: 6].

وكان الله غنيا عن عباده حميدا أي: محمودا في ذاته، حمدوه أو لم يحمدوه.
القول في تأويل قوله تعالى:

ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا [132]

ولله ما في السماوات وما في الأرض ذكره ثالثا، إما لتقرير كونه تعالى غنيا حميدا؛ فإن جميع المخلوقات تدل بحاجتها على غناه، وبما أفاض عليها من الوجود وأنواع الخصائص والكمالات على كونه حميدا، وإما تمهيدا للاحقه "من" الشرطية، وهو بيان كونه تعالى قادرا على جميع المقدورات، أي: له سبحانه ما فيهما من الخلائق خلقا وملكا، فهو قادر على الإفناء والإيجاد، فإن عصيتموه - أيها الناس - فهو قادر على إعدامكم وإفنائكم بالكلية، وعلى أن يوجد قوما آخرين يشتغلون بعبادته وتعظيمه، فذكر هذه الكلمات في هذا المقام ثلاث مرات؛ لتقرير ثلاثة أمور في سياقها، كما بينا.

قال الرازي : إذا كان الدليل الواحد دليلا على مدلولات كثيرة، فإنه يحسن ذكر ذلك الدليل ليستدل به على أحد تلك المدلولات، ثم يذكر مرة أخرى ليستدل به على الثاني، ثم ثالثا ليستدل به على المدلول الثالث، وهذه الإعادة أحسن وأولى من الاكتفاء بذكر الدليل مرة واحدة؛ لأن عند إعادة ذكر الدليل يخطر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول، فكان العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجلى، فظهر أن هذا التكرير في غاية الحسن والكمال.

وأيضا فإذا أعدته ثلاث مرات، وفرعت عليه في كل مرة إثبات صفة أخرى من صفات جلال الله - تنبه الذهن حينئذ لكون تخليق السماوات والأرض دالا على أسرار شريفة ومطالب جليلة، فعند ذلك يجتهد الإنسان في التفكر فيها والاستدلال بأحوالها وصفاتها على صفات الخالق سبحانه وتعالى.

ولما كان [ ص: 1602 ] الغرض الكلي من هذا الكتاب الكريم صرف العقول والأفهام عن الاشتغال بغير الله إلى الاستغراق في معرفة الله، وكان هذا التكرير مما يفيد حصول هذا المطلوب ويؤكده - لا جرم كان في غاية الحسن والكمال. انتهى.

وكفى بالله وكيلا أي: ربا حافظا توكل بالقيام بجميع ما خلق.
القول في تأويل قوله تعالى:

إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا [133]

إن يشأ يذهبكم أي: يفنكم ويستأصلكم بالمرة أيها الناس ويأت بآخرين أي: ويوجد دفعة مكانكم قوما آخرين من البشر، أو خلقا آخرين مكان الإنس، يعني أن إبقاءكم على ما أنتم عليه من العصيان إنما هو لكمال غناه عن طاعتكم، ولعدم تعلق مشيئته المبنية على الحكم بالبالغة بإفنائكم، لا لعجزه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.

وكان الله على ذلك أي: إهلاككم بالمرة وتخليق غيركم قديرا بليغ القدرة، كما قال تعالى: وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد: 38] وقال تعالى: إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز [إبراهيم: 19] ففيه [ ص: 1603 ] تقرير لغناه وقدرته، وتهديد لمن كفر به، قال بعض السلف: ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره!
القول في تأويل قوله تعالى:

من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا [134]

من كان يريد ثواب الدنيا كالمجاهد يجاهد للغنيمة فعند الله ثواب الدنيا والآخرة أي: فما له يطلب أخسهما، فليطلبهما، أو الأشرف منهما، كما قال تعالى: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب [البقرة: 200 - 202] وقال تعالى: من كان يريد حرث الآخرة نـزد له في حرثه [الشورى: 20] الآية، وقال تعالى: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد [الإسراء: 18] الآية.

قال بعضهم: عني بالآية مشركو العرب، فإنهم كانوا يقرون بالله تعالى خالقهم، ولا يقرون بالبعث يوم القيامة، وكانوا يتقربون إلى الله تعالى ليعطيهم من خير الدنيا ويصرف عنهم شرها.

وكان الله سميعا بصيرا فلا يخفى عليه خافية، ويجازي كلا بحسب قصده.
[ ص: 1604 ] القول في تأويل قوله تعالى:

يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا [135]

يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط أي: مقتضى إيمانكم المبالغة والاجتهاد في القيام بالعدل والاستقامة؛ إذ به انتظام أمر الدارين الموجب لثوابهما، ومن أشده القيام بالشهادة على وجهها، فكونوا: شهداء لله أي: مقيمين للشهادة بالحق، مؤدين لها لوجهه تعالى ولو كانت الشهادة على أنفسكم فاشهدوا عليها بأن تقروا بالحق عليها ولا تكتموه أو على الوالدين أي: الأصول والأقربين أي: الأولاد والإخوة وغيرهم، فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم، فإن الحق حاكم على كل أحد.

إن يكن أي: من تشهدون عليه غنيا يبتغى في العادة رضاه ويتقى سخطه أو فقيرا يترحم عليه غالبا، أو يخاف من الشهادة عليه أن يلجأ الأمر إلى أن يعطى ما يكفيه فالله أولى بهما أي: من المشهود عليه، وأعلم بما فيه صلاحهما، فلولا أن الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها؛ لأنه أنظر لعباده من كل ناظر.

فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا أي: إرادة العدول عن أمر الله الذي هو مصلح أموركم، وأمور المشهود عليهم، لو نظرتم ونظروا إليه.

قال ابن كثير : أي: لا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في شؤونكم، بل الزموا العدل على أي حال كان، كما قال تعالى: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [المائدة: 8].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]