عرض مشاركة واحدة
  #263  
قديم 20-09-2022, 12:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1613 الى صـ 1620
الحلقة (263)




إنكم إذا مثلهم أي: إذا قعدتم معهم، دل على رضاكم بالكفر [ ص: 1613 ] بالآيات والاستهزاء بها، فتكونون مثلهم في الكفر واستتباع العذاب، فاجتماعكم بهم ههنا سبب اجتماعكم في جهنم، كما قال: إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا لأنهم لما شاركوهم في الكفر، واجتمعوا على الاستهزاء بالآيات في الدنيا - جمعهم الله في عذاب جهنم يوم القيامة.
تنبيه:

قال بعض مفسري الزيدية: اعلم أنه لا خلاف في تحريم القعود والمخالطة إذا كان ذلك يوهم بأن القاعد راض، ولا خلاف أنه يحرم إذا خشي الافتتان، ولا خلاف أنه يجوز القعود للتنكير عليهم والدفع لهم.

قال الحاكم : ولذلك يحضر العلماء مع أهل الضلالة يناظرونهم، ولهم بذلك الثواب العظيم، وأما إذا خلا عما ذكرنا - وكان لا يوهم بالرضا ولا يفتتن ولا ينكر عليهم - فاختلف العلماء في ذلك، فمنهم من أوجب المثل؛ لظاهر الآية.

قال الحاكم : روي أن قوما أخذوا على شراب في عهد عمر بن عبد العزيز ، فأمر بضربهم الحد، فقيل: فيهم صائم، فتلا قوله تعالى: فلا تقعدوا معهم إلى قوله: إنكم إذا مثلهم وهذا أيضا ظاهر حديث: لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير وتنتقل .

وقال أبو علي وأبو هاشم : إن أنكر بقلبه لم يجب عليه أكثر من ذلك، وجاز له القعود، يعني مع عجزه عن الإنكار باليد أو باللسان، وعدم تأثير ذلك.

أقول: ما قالاه مخالف لظاهر الآية، فلا عبرة به.

وقال القاضي والحاكم : أما لو كان له حق في تلك البقعة فله أن لا يفارق، كمن يحضر الجنائز مع النوح، أو الولائم، فيسمع المنكر فيسعه أن يقعد، والنكير على قدر الإمكان واجب عليه.

[ ص: 1614 ] وعن الحسن : لو تركنا الحق للباطل لبطل الشرع، وقد كان خرج إلى جنازة خرجت النساء فيها فلم يرجع، ورجع ابن سيرين. انتهى.

أقول: من له حق في البقعة فعليه أن يفارق كغيره؛ إذ ليس في مفارقته ضياع حقه، وعموم الآية يشمله، ولا تخصيص إلا بمخصص، والمسألة المقيس عليها غير ما نحن فيه، على ما فيها من الخلاف، كما حكى، ولا قياس مع النص، وقد حكى الحاكم أقوالا كلها ترجع إلى تخصيص الآية، ولا مستند فيها إلا الرأي والاحتمال، فلذا أعرضنا عنها.

قال أبو علي : تحريم القعود في المجلس لما فيه من الإبهام، فإذا أظهر الكراهة جاز القعود في مكان آخر، وإن قرب، وإما إذا خاضوا في حديث غيره جاز القعود بمفهوم الآية. ثم إن الآية محكمة عند الجمهور.

وروي عن الكلبي أنها منسوخة بقوله تعالى: وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء [الأنعام: 69] وهو مردود، فإن من التقوى اجتناب مجالس هؤلاء الذين يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها.

قال الحاكم : دلت الآية على أن الراضي بالاستهزاء بالرسول والدين كافر ؛ لأنه تعالى قال: إنكم إذا مثلهم ودلت على أن الرضا بالكفر كفر.

وقال السمرقندي : في هذه الآية دليل على أن من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم فيكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية أو عملوا بها، فإن لم يقدر أن ينكر عليهم ينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.

وروى ابن جرير ، عن الضحاك أنه قال: دخل في هذه الآية كل محدث في الدين، وكل مبتدع إلى يوم القيامة.

وقال في "فتح البيان": وفي هذه الآية - باعتبار عموم لفظها الذي هو المعتبر دون خصوص السبب - دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يفيد التنقيص والاستهزاء، [ ص: 1615 ] للدلالة الشرعية، كما يقع كثيرا من أسراء التقليد الذين استبدلوا آراء الرجال بالكتاب والسنة، ولم يبق في أيديهم سوى (قال إمام مذهبنا): كذا و(قال فلان من أتباعه بكذا) أو إذا سمعوا من يستدل على تلك المسألة بآية قرآنية أو بحديث نبوي سخروا منه، ولم يرفعوا إلى ما قاله رأسا، ولا بالوا به بالة، وظنوا أنه قد جاء بأمر فظيع وخطب شنيع، وخالف مذهب إمامهم الذي نزلوه منزلة معلم الشرائع، مع أن الأئمة - الذين انتسب هؤلاء المقلدة إليهم - برآء من فعلهم، فإنهم قد صرحوا في مؤلفاتهم بالنهي عن تقليدهم. انتهى.

وفي "الإكليل": قال ابن الفرس : واستدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب اجتناب أهل المعاصي والأهواء، وفي هذه الآية أصل لما يفعله المصنفون من الإحالة على ما ذكر في مكان آخر، والتنبيه عليه. انتهى.

وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى:

الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا [141]

الذين يتربصون بكم إما بدل من الذين يتخذون وإما صفة للمنافقين، أي: ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو هزيمة.

فإن كان لكم فتح من الله أي: نصر وتأييد وظفر وغنيمة قالوا لكم: ألم نكن معكم أي: مظاهرين لكم، فلنا دخل في فتحكم، فليكن لنا شركة في غنيمتكم وإن كان للكافرين نصيب أي: إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان - كما وقع يوم أحد - فإن الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة قالوا أي: الكفرة؛ توددا إليهم، ومصانعة لهم؛ ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم [ ص: 1616 ] لضعف إيمانهم ألم نستحوذ عليكم أي: ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم ونمنعكم من المؤمنين بأن ثبطناهم عنكم، وتوانينا في مظاهرتهم حتى انتصرتم عليهم، وإلا لكنتم نهبة للنوائب، وتسمية (ظفر المسلمين) فتحا و(ما للكافرين) نصيبا; لتعظيم شأن المسلمين وتخسيس حظ الكافرين.

قال في "الانتصاف": وهذا من محاسن نكت القرآن، فإن الذي كان يتفق للمسلمين فيه: استئصال لشأفة الكفار، واستيلاء على أرضهم وديارهم وأموالهم وأرض لم يطؤها، وأما ما كان يتفق للكفار فمثل الغلبة والقدرة التي لا يبلغ شأنها أن تسمى فتحا، فالتفريق بينهما أيضا مطابق للواقع، والله أعلم.

قال بعض الزيدية: في الآية دلالة على وجوب محبة نصرة المؤمنين وكراهة أن تكون اليد عليهم، وتحريم خذلانهم، وإن المنافق لا سهم له؛ لأن في الآية إشارة إلى أنهم طلبوا لما منعوا، فقالوا: ألم نكن معكم؟ ثم قال: يجوز التأليف من الغنيمة للمنافقين ، كما فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، حتى أعطى الواحد منهم مائة ناقة، والواحد من المسلمين الشاة أو البعير.

فالله يحكم بينكم يوم القيامة أي: حكما يليق بشأن كل منكم من الثواب والعقاب، أي: فلا يغتر المنافقون بحقن دمائهم في الدنيا لتلفظهم بالشهادة؛ لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فيوم القيامة لا ينفعهم ظواهرهم.

وقوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا رد على المنافقين فيما أملوه ورجوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين خوفا على أنفسهم منهم، إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى: فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم إلى قوله: نادمين [المائدة: 52] أي: لن يسلط الله الكافرين على المؤمنين فيستأصلوهم بالكلية، وإن حصل [ ص: 1617 ] لهم ظفر حينا ما، أفاده ابن كثير .

وهذا التأويل روعي فيه سابق الآية ولاحقها، وأن السياق في (المنافقين) وهو جيد، ويقرب منه ما في تفسير ابن عباس من حمل (الكافرين) على يهود المدينة، ومن وقف مع عمومها قال: المراد بالسبيل الحجة، وتسميتها (سبيلا) لكونها موصلا للغلبة، أو المراد: ما دام المؤمنون عاملين بالحق غير راضين بالباطل ولا تاركين للنهي عن المنكر، كما قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم [الشورى: 30] قال: فلا يراد أنه قد يدال للكافرين.
تنبيه:

قد يستدل بهذه الآية على أن الكافر لا ينكح مؤمنة، وأنه لا يلي على مؤمنة في نكاح ولا سفر، وأن الكافر لا يشفع للمؤمن، وهذا قول الهادي في "الأحكام" والنفس الزكية والراضي بالله، وروي مثله عن الحسن والشعبي وأحمد .

وقال في "المنتخب" والمؤيد بالله والحنفية والشافعية: له الشفعة؛ لعموم أدلة الشفعة، وبالقياس على رد المعيب فيما شرى من مسلم.

ويستدل بأن المرتد تبين منه امرأته المسلمة ، والخلاف: هل بنفس الردة كما يقول الحنفية، أو بانقضاء العدة كما يقول المؤيد بالله والشافعية؟ وكذلك بيع العبد المسلم من الذمي أجازه الحنفية ومنعه المؤيد والشافعية، لكن على الأول يجبر على بيعه فلا يستخدمه، قيل: والأمة مجمع على تحريم بيعها من الكافر إذا كانت مسلمة.

ولا خلاف أن الآية مخصوصة بأمور منها: الدين يثبت للكافر على المؤمن، ومنها: أنه ينفق المؤمن على أبويه الكافرين ونحو ذلك، وإذا خص العموم فقد اختلف الأصوليون: هل تبقى دلالته على الباقي حقيقة أم مجازا؟ انتهى.

وزاد بعض المفسرين: إن الكافر لا يرث المسلم، وإن المسلم لا يقتل بالذمي.
[ ص: 1618 ] القول في تأويل قوله تعالى:

إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا [142]

إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم أي: يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر، والله يفعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع، حيث تركهم معصومي الدماء والأموال في الدنيا، وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة.

وإذا قاموا إلى الصلاة أي: أتوها قاموا كسالى أي: متثاقلين كالمكره على الفعل.

قال ابن كثير : هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها وهي الصلاة، إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها.

كما روى ابن مردويه، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان ، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي الله، وإن الله تجاهه يغفر له، ويجيبه إذا دعاه، ثم يتلو هذه الآية: وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى انتهى.

قال الحاكم: وفي الآية دلالة على أن من علامات المنافق الكسل في الصلاة، والكسل: التثاقل عن الشيء لمشقته، فهذه الآية في صفة ظواهرهم كما قال: ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى [التوبة: 54].

ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة يراءون الناس أي: يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة ليحسبوهم مؤمنين، لا لإخلاص ومطاوعة أمر الله، ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يرون فيها – غالبا - كصلاة العشاء في وقت العتمة، وصلاة الصبح في [ ص: 1619 ] وقت الغلس، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار وفي رواية: والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء، ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم .

وروى الحافظ وأبو يعلى ، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أحسن الصلاة حيث يراه الناس، وأساءها حيث يخلو - فتلك استهانة استهان بها ربه عز وجل .

وقوله: ولا يذكرون الله إلا قليلا فيه وجوه:

الأول: معناه ولا يصلون إلا قليلا؛ لأنهم إنما يصلون رياء ما دام من يرقبهم، فإذا خلوا بأنفسهم لم يصلوا. وتأويل (الذكر) بالصلاة روي في غيرما آية عن السلف.

الثاني: ولا يذكرون الله في صلاتهم إلا قليلا؛ لأنهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون، بل هم في صلاتهم ساهون لاهون.

وقد روى الإمام مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تلك صلاة [ ص: 1620 ] المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق: يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي .

الثالث: معناه: ولا يذكرون الله بالتهليل والتسبيح إلا ذكرا قليلا في الندرة، على أن الذكر بمعناه المتبادر منه وعليه، فمن علامات النفاق استغراق الأوقات بحديث الدنيا، وقلة ذكره تعالى بتحميد أو تهليل أو تسبيح، كما أن من صفات المؤمنين ذكر الله تعالى كثيرا.
القول في تأويل قوله تعالى:

مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا [143]

مذبذبين بين ذلك حال من فاعل (يراءون) أو منصوب على الذم و(ذلك) إشارة إلى الإيمان والكفر، المدلول عليهما بمعونة المقام، أو إلى (المؤمنين والكافرين) فيكون ما بعده تفسيرا له، أي: مرددين بينهما متحيرين قد ذبذبهم الشيطان والهوى، وحقيقة المذبذب الذي يذب عن كلا الجانبين، أي: يذاد ويدفع، فلا يقر في جانب واحد، إلا أن الذبذبة فيها تكرير ليس في الذب، كأن المعنى: كلما مال إلى جانب ذب عنه.

لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء أي: لا منضمين إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين، ليسوا بمؤمنين مخلصين ولا مشركين مصرحين، وقال مجاهد: لا إلى هؤلاء يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: ولا إلى هؤلاء يعني اليهود.

ومن يضلل الله عن دينه وحجته فلن تجد له سبيلا أي: طريقا إلى الصواب والهدى.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]