عرض مشاركة واحدة
  #172  
قديم 22-09-2022, 03:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,300
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الرابع
الحلقة (172)
صـ431 إلى صـ 440





[ ص: 431 ] إلى بعض الزوجات دون بعض ; فإنه أمر لا يملك كسائر الأمور القلبية التي لا كسب للإنسان فيها أنفسها .

والذي يوضح هذا الموضع وأن المناصب تقتضي في الاعتبار الكمالي العتب على ما دون اللائق بها قصة نوح وإبراهيم عليهما السلام في حديث الشفاعة ، وفي اعتذار نوح عليه السلام عن أن يقوم بها ، بخطيئته وهي دعاؤه على قومه ، ودعاؤه على قومه إنما كان بعد يأسه من إيمانهم ، قالوا : وبعد قول الله له : لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن [ هود : 36 ] وهذا يقضي بأنه دعاء مباح ; إلا أنه استقصر نفسه لرفيع شأنه أن يصدر من مثله مثل هذا ; إذ كان الأولى الإمساك عنه ، وكذلك إبراهيم اعتذر بخطيئته ، وهي الثلاث المحكيات في الحديث بقوله : لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ; فعدها كذبات وإن [ ص: 432 ] كانت تعريضا اعتبارا بما ذكر .

والبرهان على صحة هذا التقرير ما تقدم في دليل الكتاب أن كل قضية لم ترد أو لم تبطل أو لم ينبه على ما فيها ; فهي صحيحة صادقة ، فإذا عرضنا مسألتنا على تلك القاعدة وجدنا الله تعالى حكى عن نوح دعاءه على قومه ; فقال : وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا [ نوح : 26 ] ولم يذكر قبله ولا بعده ما يدل على عتب ولا لوم ، ولا خروج عن مقتضى الأمر والنهي ، بل حكى أنه قال : إنك إن تذرهم يضلوا عبادك الآية [ نوح : 27 ] ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام لم يقل ذلك إلا بوحي من الله ; لأنه غيب وهو معنى قوله تعالى : وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن [ هود : 36 ] وكذلك قال تعالى في إبراهيم فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم [ الصافات : 88 ، 89 ] ولم يذكر قبل ذلك ولا بعده ما يشير إلى لوم ولا عتب ، ولا مخالفة أمر ولا نهي ، ومثله قوله تعالى : قال بل فعله كبيرهم هذا [ الأنبياء : 63 ] ; فلم يقع في هذا المساق ذكر لمخالفة ، ولا إشارة إلى عتب ، بل جاء في الآية الأولى : إذ جاء ربه بقلب سليم [ الصافات : 84 ] ، وهو غاية في المدح بالموافقة ، وهكذا سائر المساق إلى آخر القصة .

وفي الآية الأخرى قال : ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين [ الأنبياء : 51 ] إلى آخرها ; فتضمنت الآيات مدحه ومناضلته عن [ ص: 433 ] الحق من غير زيادة ; فدل على أن كل ما ناضل به صحيح موافق ، ومع ذلك ; فقد قال محمد صلى الله عليه وسلم : لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ، وإبراهيم في القيامة يستقصر نفسه عن رتبة الشفاعة بما يذكره ، وكذلك نوح ; فثبت أن إثبات الخطيئة هنا ليس من قبل مخالفة أمر الله ، بل من جهة الاعتبار من العبد فيما تطلبه به المرتبة ; فكذلك قصة محمد عليه الصلاة والسلام في مسألة القسم .

وقد مددت في هذا الموضع بعض النفس لشرفه ، ولولا الإطالة ; لبين من هذا القبيل في شأن الأنبياء عليهم السلام ما ينشرح له الصدر ، وتطمئن إلى بيانه النفس ، مما يشهد له القرآن والسنة والقواعد الشرعية ، والله المستعان .

وفي آخر فصل الأوامر والنواهي أيضا مما يتمهد به هذا الأصل ، وقد حصل من المجموع أن الترك هنا راجع إلى ما يقتضيه النهي ، لكن النهي الاعتباري .

وأما السادس ; فظاهر أنه راجع إلى الترك الذي يقتضيه النهي لأنه من باب [ ص: 434 ] تعارض مفسدتين ; إذ يطلب الذهاب إلى الراجح ، وينهى عن العمل بالمرجوح ، والترك هنا هو الراجح ; فعمل عليه .
فصل

وأما الإقرار فمحمله على أن لا حرج في الفعل الذي رآه عليه السلام فأقره ، أو سمع به فأقره ، وهذا المعنى مبسوط في الأصول ، ولكن الذي [ ص: 435 ] يخص الموضع هنا أن ما لا حرج فيه جنس لأنواع : الواجب ، والمندوب ، والمباح بمعنى المأذون فيه وبمعنى أن لا حرج فيه ، وأما المكروه ; فغير داخل تحته على ما هو المقصود لأن سكوته عليه يؤذن إطلاقه بمساواة الفعل للترك ، والمكروه لا يصح فيه ذلك ; لأن الفعل المكروه منهي عنه ، وإذا كان كذلك ; لم يصح السكوت عنه ، ولأن الإقرار محل تشريع عند العلماء ; فلا يفهم منه المكروه بحكم إطلاق السكوت عليه دون زيادة تقترن به ، فإذا لم يكن ثم قرينة ولا تعريف أوهم ما هو أقرب إلى الفهم ، وهو الإذن أو أن لا حرج بإطلاق ، والمكروه ليس كذلك .

لا يقال : فيلزم مثله في الواجب والمندوب ; إذ لا يفهم بحكم الإقرار فيه غير مطلق الإذن أو أن لا حرج ، وليسا كذلك ; لأن الواجب منهي عن تركه ومأمور بفعله ، والمندوب مأمور بفعله ، وجميع ذلك زائد على مطلق رفع الحرج ; فلا يدخلان تحت مقتضى الإقرار ، وقد زعمت أنه داخل ، هذا خلف [ ص: 436 ] لأنا نقول : بل هما داخلان لأن عدم الحرج مع فعل الواجب لازم للموافقة بينهما ; لأن الواجب والمندوب إنما يعتبران في الاقتضاء قصدا من جهة الفعل ، ومن هذه الجهة صارا لا حرج فيهما ، بخلاف المكروه ; فإنه إنما يعتبر في الاقتضاء من جهة الترك ، لا من جهة الفعل ، وأن لا حرج راجع إلى الفعل ; فلا يتوافقان ، وإلا ; فكيف يتوافقان والنهي يصادم عدم الحرج في الفعل ؟ فإن قيل : من مسائل كتاب الأحكام أن المكروه معفو عنه من جهة الفعل ، ومعنى كونه معفوا عنه هو معنى عدم الحرج فيه ، وأنت تثبت هنا الحرج بهذا الكلام .

قيل : كلا ، بل المراد هنا غير المراد هنالك ; لأن الكلام هنالك فيما بعد الوقوع لا فيما قبله ولا شك أن فاعل المكروه مصادم للنهي بحتا كما هو مصادم في الفعل المحرم ولكن خفة شأن المكروه وقلة مفسدته صيرته بعد ما وقع في حكم ما لا حرج فيه ; استدراكا له من رفق الشارع بالمكلف ، ومما يتقدمه من فعل الطاعات تشبيها له بالصغيرة التي يكفرها كثير من الطاعات ; كالطهارات ، والصلوات ، والجمعات ، ورمضان ، واجتناب الكبائر ، وسائر ما ثبت من ذلك في الشريعة ، والصغيرة أعظم من المكروه ; فالمكروه أولى بهذا الحكم فضلا من الله ونعمة .

وأما ما ذكر هنا من مصادمة النهي لرفع الحرج ; فنظر إلى ما قبل الوقوع ، ولا مرية في أن الأمر كذلك فلا يمكن والحال هذه أن يدخل المكروه تحت [ ص: 437 ] ما لا حرج فيه ، وأمثلة هذا القسم كثيرة ; كقيافة المدلجي في أسامة وأبيه زيد ، وأكل الضب على مائدته عليه الصلاة والسلام .

وعن عبد الله بن مغفل ; قال : أصبت جرابا من شحم يوم خيبر ، قال : فالتزمته فقلت : لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا ، قال : فالتفت فإذا رسول الله متبسما .

وقد استدل بعض العلماء على طهارة دم النبي عليه الصلاة والسلام بترك الإنكار على من شرب دم حجامته
[ ص: 438 ] المسألة السابعة

القول منه صلى الله عليه وسلم إذا قارنه الفعل ; فذلك أبلغ ما يكون في التأسي بالنسبة إلى المكلفين لأن فعله عليه الصلاة والسلام واقع على أزكى ما يمكن في وضع التكاليف ; فالاقتداء به في ذلك العمل في أعلى مراتب الصحة .

بخلاف ما إذا لم يطابقه الفعل ; فإنه وإن كان القول يقتضي الصحة ; فذلك لا يدل على أفضلية ولا مفضولية .

ومثاله ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : أأكذب لامرأتي ؟ قال : لا خير في الكذب قال : أفأعدها وأقول لها ؟ قال : لا جناح عليك ثم إنه لم يفعل مثل ما أجازه ، بل لما وعد عزم على أن لا يفعل ، وذلك حين شرب عند بعض أزواجه عسلا ; فقال له بعض أزواجه إني أجد منك [ ص: 439 ] ريح مغافير كأنه مما يتأذى من ريحه ; فحلف أن لا يشربه ، أو حرمه على نفسه ويرجع إلى الأول ; فقال الله له : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك [ التحريم : 1 ] وكان قادرا على أن يعد ويقول ، ولكنه عزم بيمين علقها على نفسه ، أو تحريم عقده ; حتى رده الله إلى تحلة الأيمان .

وأيضا ; فلما قال للرجل الواهب لابنه : أشهد غيري كان ظاهرا في الإجازة ، ولما امتنع هو من الشهادة ; دل على مرجوحية مقتضى القول .

[ ص: 440 ] وأمر عليه الصلاة والسلام حسان وغيره بإنشاد الشعر ، وأذن لهم فيه ، ومع ذلك ; فقد منعه عليه الصلاة والسلام ولم يعلمه

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.63%)]