
22-09-2022, 04:50 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,749
الدولة :
|
|
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله

الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الخامس
الحلقة (177)
صـ31 إلى صـ 40
[ ص: 31 ] وفي الترمذي : خيركم من تعلم القرآن وعلمه .
وفيه : " أفضل العبادة انتظار الفرج " .
إلى أشياء من هذا النمط جميعها يدل على أن التفضيل ليس بمطلق ، ويشعر إشعارا ظاهرا بأن القصد إنما هو بالنسبة إلى الوقت أو إلى حال السائل .
[ ص: 32 ] وقد دعا عليه السلام لأنس بكثرة المال; فبورك له فيه .
وقال لثعلبة بن حاطب حين سأله الدعاء له بكثرة المال : قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه .
وقال لأبي ذر : يا أبا ذر إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم ومعلوم أن كلا العملين من أفضل الأعمال لمن قام فيه بحق الله ، وقد قال في الإمارة والحكم : إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن الحديث [ ص: 33 ] وقال : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ثم نهاه عنهما لما علم له خصوصا في ذلك من الصلاح .
وفي " أحكام إسماعيل بن إسحاق " عن ابن سيرين ; قال : كان أبو بكر يخافت ، وكان عمر يجهر - يعني في الصلاة - فقيل لأبي بكر : كيف تفعل ؟ قال : أناجي ربي وأتضرع إليه ، وقيل لعمر : كيف تفعل ؟ قال : أوقظ الوسنان ، وأخشأ الشيطان ، وأرضي الرحمن ، فقيل لأبي بكر : ارفع شيئا ، وقيل لعمر : اخفض شيئا ، وفسر بأنه عليه الصلاة والسلام قصد إخراج كل واحد منهما [ ص: 34 ] عن اختياره وإن كان قصده صحيحا .
وفي الصحيح : أن ناسا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ، قال : " وقد وجدتموه ؟ " قالوا : نعم ، قال : " ذلك صريح الإيمان " .
وفي حديث آخر : " من وجد من ذلك شيئا فليقل : آمنت بالله " وعن ابن عباس في مثله قال : " إذا وجدت شيئا من ذلك فقل : هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم [ الحديد : 3 ] فأجاب النبي عليه الصلاة والسلام بأجوبة مختلفة ، وأجاب ابن عباس بأمر آخر ، والعارض من نوع واحد .
وفي الصحيح : إني أعطي الرجل وغيره أحب إلي منه; مخافة أن يكبه الله في النار .
[ ص: 35 ] وآثر عليه الصلاة والسلام في بعض الغنائم قوما ، ووكل قوما إلى إيمانهم لعلمه بالفريقين ، وقبل عليه الصلاة والسلام من أبي بكر ماله كله ، وندب غيره إلى استبقاء بعضه وقال : " أمسك عليك بعض مالك; فهو خير لك " وجاء آخر بمثل البيضة من الذهب; فردها في وجهه " .
[ ص: 36 ] وقال علي : " حدثوا الناس بما يفهمون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله ؟ ! " فجعل إلقاء العلم مقيدا; فرب مسألة تصلح لقوم دون قوم ، وقد قالوا في الرباني : إنه الذي يعلم بصغار العلم قبل كباره; فهذا الترتيب من ذلك .
[ ص: 37 ] وروي عن الحارث بن يعقوب قال : الفقيه كل الفقيه من فقه في القرآن ، وعرف مكيدة الشيطان ، فقوله : وعرف مكيدة الشيطان ، هو النكتة في المسألة .
وعن أبي رجاء العطاردي قال : " قلت للزبير بن العوام : مالي أراكم يا أصحاب محمد من أخف الناس صلاة ؟ قال : نبادر الوسواس " هذا مع أن التطويل مستحب ، ولكن جاء ما يعارضه ، ومثله حديث " أفتان أنت يا معاذ ؟ " ولو تتبع هذا النوع لكثر جدا ، ومنه ما جاء عن الصحابة والتابعين وعن الأئمة المتقدمين ، وهو كثير .
وتحقيق المناط في الأنواع واتفاق الناس عليه في الجملة مما يشهد له كما تقدم ، وقد فرع العلماء عليه; كما قالوا في قوله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا الآية [ المائدة : 33 ] [ ص: 38 ] إن الآية تقتضي مطلق التخيير ، ثم رأوا أنه مقيد بالاجتهاد ، فالقتل في موضع ، والصلب في موضع ، والقطع في موضع ، والنفي في موضع ، وكذلك التخيير في الأسارى من المن والفداء .
وكذلك جاء في الشريعة الأمر بالنكاح وعدوه من السنن ، ولكن قسموه إلى الأحكام الخمسة ، ونظروا في ذلك في حق كل مكلف وإن كان نظرا نوعيا; فإنه لا يتم إلا بالنظر الشخصي ، فالجميع في معنى واحد والاستدلال على الجميع واحد ، ولكن قد يستبعد ببادئ الرأي وبالنظر الأول; حتى يتبين مغزاه ومورده من الشريعة ، وما تقدم وأمثاله كاف مفيد للقطع بصحة هذا الاجتهاد ، وإنما وقع التنبيه عليه; لأن العلماء قلما نبهوا عليه على الخصوص ، وبالله التوفيق .
فإن قيل : كيف تصح دعوى التفرقة بين هذا الاجتهاد المستدل عليه وغيره من أنواع الاجتهاد ، مع أنهما في الحكم سواء ؟ لأنه إن كان غير منقطع فغيره كذلك ، إذ لا يخلو أن يراد بكونه غير منقطع أنه لا يصح ارتفاعه بالكلية ، وإن صح إيقاع بعض جزئياته ، أو يراد أنه لا يصح ارتفاعه لا بالكلية ، ولا بالجزئية ، وعلى كل تقدير فسائر أنواع الاجتهاد كذلك .
أما الأول; فلأن الوقائع في الوجود لا تنحصر ، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة ، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره; فلا [ ص: 39 ] بد من حدوث وقائع لا تكون منصوصا على حكمها ، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد ، وعند ذلك فإما أن يترك الناس فيها مع أهوائهم ، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي ، وهو أيضا اتباع للهوى ، وذلك كله فساد ، فلا يكون بد من التوقف لا إلى غاية ، وهو معنى تعطيل التكليف لزوما ، وهو مؤد إلى تكليف ما لا يطاق ، فإذا لا بد من الاجتهاد في كل زمان; لأن الوقائع المفروضة لا تختص بزمان دون زمان .
وأما الثاني فباطل إذ لا يتعطل مطلق التكليف بتعذر الاجتهاد في بعض الجزئيات فيمكن ارتفاعه في هذا النوع الخاص وفي غيره ، فلم يظهر بين الاجتهادين فرق .
فالجواب أن الفرق بينهما ظاهر من جهة أن هذا النوع الخاص كلي في كل زمان ، عام في جميع الوقائع أو أكثرها فلو فرض ارتفاعه لارتفع معظم التكليف الشرعي أو جميعه ، وذلك غير صحيح; لأنه إن فرض في زمان ما ارتفعت الشريعة ضربة لازب بخلاف غيره; فإن الوقائع المتجددة التي لا عهد بها في الزمان المتقدم قليلة بالنسبة إلى ما تقدم لاتساع النظر والاجتهاد من المتقدمين ، فيمكن تقليدهم فيه; لأنه معظم الشريعة ، فلا تتعطل الشريعة بتعطل [ ص: 40 ] بعض الجزئيات ، كما لو فرض العجز عن تحقيق المناط في بعض الجزئيات دون السائر; فإنه لا ضرر على الشريعة في ذلك; فوضح أنهما ليسا سواء ، والله أعلم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|