عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 22-09-2022, 11:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,340
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحنين إلى الوطن في الشعر الأندلسي

سَلامٌ على شَرْخِ الشَّبابِ مُرَدَّدٌ
وآهًا لِوَصْل الغانياتِ وآها

ويا لديار اللهو أقوَتْ وسُومها
ومَحَّتْ مغانيها وصَمَّ صَدَاها[13]



أخَذ المُجُون حظًّا وافرًا لدى كثير من الأندلسيين، في شبابهم خاصة، ولما بان عنهم، واستعار بياض المشيب سواد عين الشباب، الذي كان يَرى به الوجودَ جميلًا، كثُر لهم مُثُول ذكرى اللهو والسرور، ووحشة آثار الديار، ومرارة هجر الحِسَان، وجفاف رياض الأنس.
فيا لهم من رجال يُصوِّرون بخاطرهم ولبِّهم، ومشاعرهم، ملاعبَ صِباهم، فتهفو إليها أرواحهم، وتضطرم نيرانُ الحنين والأشواق إليها، وإلى الرفاق والأحباب؛ ولذا فإنهم كثيرًا ما يَطلبون مِن سُحب الربيع المبادرةَ بسقْي هذه الأطلال، ميادين الصِّبا، وملاعب الحسان، ومنبت السرور والأشجان، لِتُثمر وتُزهر، محدثة عن عهد الشباب الأزهر.
وهذا ابن زيدون، يُصوِّر حَنينه إلى موطن أحبابه، ومعهد صباه وشبابه، إذ كانت الذكريات تُرسِل ظلَّها إليه، وتنشر ثوبها عليه، مرسلًا إلى تلك الديار تحيَّة، تفيض حسرة، وتقطر أسًى ولوعة... وها هو - الآنَ - تسيل أدمُعه، كاللؤلؤ، فيقول[14]: [من الطويل]
على الثَّغَبِ الشهديِّ مني تَحَّيةٌ
ذَكَتْ وَعَلَى وَادي العقيق سَلامُ

ولا زال نَوْرٌ في الرُّصافةِ ضاحكٌ
بأرجائها يَبْكي عَلَيْه غَمَامُ

مَعاهد لَهْوٍ لم تزل في ظِلَالهِا
تُدَارُ عليه للمُجونِ مُدامُ

فإنْ بانَ منِّي عهدُها فبِلَوْعةٍ
يُشَبُّ لها بَيْن الضُّلُوع ضِرامُ

تَذكَّرتُ أيامي بها فتبادرتْ
دُموعٌ كما خان الفريدَ نظامُ[15]


ذكْريات أضرمتْ في قلبه النيران، وجعلَت الدموع تسيل أنهارا. وفي أثر اللهو والترف عليه، وفي أعلاق شعره، يقول الأستاذ أحمد ضيف: "وكان لأخلاقِ ابنِ زيدون، والبيئة التي عاش فيها، وميول الناس إلى اللهو أثرٌ عظيمٌ في شِعره. فقد كان للمُجُون مسحةٌ خاصَّة في النَّظْم والنَّثْر[16]".
كان مجونه هو وأهل أوانه، سببًا في طيران صرخاتهم كل مطارٍ، وتعالي صيحاتِ الأنين والحنين إلى الأوطان والأوطار.
--------------------------------------------

[1] انظر: تفسير ابن كثير في الآية 13 من سورة محمد حـ 4 / 256، الدر المنثور للسيوطي حـ 6 / صـ 48 ط دار المعرفة. بيروت د. ت.

[2] سورة النساء: 66.

[3] القوابل: جمْع قابلة، وهي التي تتلقَّى الولد عند الولادة. اللسان: "ق. ب. ل.".

[4] انظر: الأدب العربي في الأندلس د / عبد العزيز عتيق صـ 269، 270. دار النهضة للطباعة، والنشر بيروت سنة 1976 م.

[5] هو "محمد بن أبي عيسى، من بني يحيى بن يحيى الليثي، ولي قضاء الجماعة بقرطبة، وله رحلة، وكان فقيهًا جليلًا عالمًا موصوفًا بالعقل والدِّين، من أهل الأدب والشعر والمروءة والظرف... كان عَلَمَ الأندلس، وعالمها...، ولي القضاء بقرطبة بعد رحلة رحلها إلى المشرق، وجمع فيها من الروايات والسماع كل مُفترق، وجال في آفاق ذلك الأفُق... مات سنة 337 أو 339 هـ، وكان مولده سنة 284 هـ." انظر: جذوة المقتبس صـ 74، 75، برقم 107، بغية الملتمس صـ 111 برقم 218، نفح الطيب حـ 2 / 12: 15.

[6] انظر: جذوة المقتبس صـ 74، وفيها: «لهو» بدل «أمن»، نفح الطيب حـ 2 / 12، 13.

[7] يُقال للحمامة: ورقاء؛ للونها... وجمعها: وُرْقٌ؛ بالضم. تاج العروس "و.ر.ق".

[8] هو "أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد، استوطن وادي آش، من عمل غرناطة، وله شِعر حسن... طال به المقام بالأندلس، بعد رحيله إليها، وُلد سنة 319 هـ، ووصل إلى الأندلس سنة 349 هـ، ومات بها سنة 385 هـ، وُلد في مصر، وخرج منها إلى القيروان... فحُبس بالمهدية، ثم أُطلِق ووصل إلى الأندلس...، وكان أديبًا حكيمًا. سمع مِن خاله أبي بكر أحمد بن مسعود الزهري. ذكره المقري في نفح الطيب مرَّتين؛ الأولى ضمْن حكايات وأشعار أندلسية". انظر: نفح الطيب حـ 3 / صـ 122، 420، معجم الشعراء الأندلسيين. صـ 342.

[9] انظر: نفح الطيب حـ 3 / 420، وانظر في مثل هذا المعنى لِعبادة بن ماء السماء - الذخيرة ق1 ح2 / صـ 5.

[10] انظر: ديوان ابن دراج صـ 10، 11، والبيتان الأولان في النجوم الزاهرة لابن تغري بردي الأتابكي
(813، 874 هـ) حـ 4 / 273. الهيئة العامَّة لقصور الثقافة 2008. شركة الأمل للطباعة والنشر.


[11] الدِنف: الرجل الذي بَرَاهُ المرضُ حتى أشفَى على الموت. والدنف: "المرض". لسان العرب " د.ن.ف".

[12] أنهج الثوب: إذا أخذ في البِلَى. لسان العرب: "ن. هـ.ج". "السفى"؛ السافياء التراب يذهب مع الريح، وقيل: السافياء الغبار فقط. اللسان: "س.ف.ا".


[13] أقْوَتِ الدار: خلَت وأقفَرَت مِن أهلها. اللسان: "ق.و.ا". محت مغانيها: ذهب أثرُها.
اللسان: "م.ح.ا". وهذه القصيدة أول ما أنشده ابن دراج المنصور بن أبي عامر سنة 382 هـ = 993 م.


[14] انظر: ديوان ابن زيدون صـ 5 - من المقدمة - صـ 207.

[15] الفريد: الدُّرُّ إذا نُظِم وفُصِل بغيره. اللسان: "ق.ر.د".

[16] انظر: بلاغة العرب في الأندلس صـ 64.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 27-02-2023 الساعة 04:01 AM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.93 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]