
25-09-2022, 12:04 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,985
الدولة :
|
|
رد: أضواء على ملحمة بدر لأحمد الخاني
أضواء على ملحمة بدر لأحمد الخاني
د. أحمد الخاني
النزال الثلاثي
بعد مقتل الأسود، ما كان من قريش إلا أن رشحت ثلاثة لا تنكر مواقفهم في معاداتهم للإسلام والمسلمين وهم:
• عتبة بن ربيعة والد هند زوج صخر بن حرب أبي سفيان.
• وشيبة بن ربيعة شقيق عتبة.
• والوليد بن عتبة.
قابل حمزة شيبة فهم في سن الكهول، وقابل علي الوليد فهما شباب، وقابل عبيدة بن الحارث عتبة، فهما في سن متقاربة.
لم يلبث حمزة أن قتل شيبة، وكذلك علي لم يلبث أن قتل الوليد؛ أما عبيدة والحارث فكل منهما أصاب صاحبه، ولما فرغ حمزة وعلي من صاحبيهما مالا إلى عبيدة فقتلاه، وحملا الحارث إلى عريش رسول الله صلى الله عليه وسلم وجزحه يشخب، فقال عبيدة: يا رسول الله، أخشى إن أنا مت ألا ألقاك، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب، فتبسم الحارث، ومات متبسماً، فقال صلى الله عليه وسلم: أشهد أنك شهيد.
على ساحة المعركة، عند حوض ماء بدر أربعة قتلى من قريش، وأي قتلى هم؟ إنهم أبطالها وزعماؤها.. والمسلمون صفوف ثلاثة:
الصف الأول: الرماح.
الصف الثاني: السيوف.
الصف الثالث: النبال.
فما كان من قريش إلا أن اندفعت بحركة عشوائية طائشة بخيلها، فتلقتها النبال تمطرها قتلاً زؤاماً، ومن اقترب من الفرسان بعجته الرماح، ومن سقط من على ظهر جواده قطف السيف رأسه.
كان الالتحام العام بمثابة فقدان صواب قريش، فقدان التركيز في خطة الهجوم كان التفوق العددي، الذي تتمتع به قريش عمادها في هذه الحرب، وكان عتادها عتاد معركة، إن نظرة إلى قوى كل فريق لتدل على عدم التكافؤ في هذه القوى:
الجيش المشركين المسلمين العدد حوالي ألف مقاتل ثلث هذا العدد الخيل مئتا فرس فرسان اثنان الجمال سبعمئة سبعون الدروع ستمئة ستون
وفوق كل ذلك؛ أن قريشاً جاءت لمعركة، وسلاحها سلاح معركة، ومعداتها وتموينها..، بينما المسلمون قد خرجوا لملاقاة قافلة...
هذا التفاوت في كل شيء، له حسبانه في موازين القُوى، وأمر غيبي نحن نؤمن به ‘يمتناً مطلقاً وهو ما أخبرنا به الله تعالى في قرآنه الكريم من أمور لا يستطيع العقل أن يناقشها، ليس له إلا أن يسلِّم بها وهي مسألة إبليس في وقوفه مع قريش ومسألة الملائكة في تعزيز جيش المسلمين.
بدأت الملحمة صاعقة أكف تطير، ورؤوس تسير، كمي يحور، وجريح يخور دارت المعركة طاحنة تعجن اللحم بالعظم.. وسهام المنايا طائرات غادرات، وزعيم قريش وقائدها الذي جاء إلى بدر لينحر الجزر ويُطعم الطعام ويسقى الخمر وتعزف له القيان حتى تسمع به العرب فتهابه أبد الدهر، هذه هي القيم التي يحملها أبو جهل معه إلى بدر ويحارب من أجلها.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال: (أيها الناس، قولا: لا إله إلا الله تفلحوا) جاء بالتوحيد الخالص، لا تشوب هذا التوحيد شائبة، وجاء بكارم الأخلاق، جاء ليخرج الناس من العبودية للأصنام الحجرية والأصنام البشرية..
أبو جهل كان خائفاً من صدى الموت الذي أشيع عن أهل مكة، فاستعد ليدافع قد تترس بالمتراس، حتى قيل: أبو الحكَم لا يخلَص إليه، حوله ثلة صقور على رأسهم ابنه عكرمة، يحرض ويصيح وإبليس وجنده من الشياطين يؤزُّون أزاً.. قتل مهجع مولى عمر بن الخطاب، وقتل عمير بن أبي وقاص شقيق سعد بن أبي وقاص وقتل عمير بن الحُمام؛ ألقى تمرات كانت في يده، ما كان بينه وبين الجنة إلا تناول هذه التمرات... يا لها من مدة استطالها عمير، فشق صفوف المشركين وقد أثقلوا حامل الراية فما زال بسيفه يضرب هام المسلمين حتى فرًج الكربة عن الراية ونال الشهادة، لقد غدت الشهادة مطلباً للصحابة يوم بدر بعد أن أحدق بهم المشركون، وسدت عليهم السبل من أقطارها كلها، والرسول صلى الله عليه وسلم يناجي ربه (اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد في الأرض). وقريش تريد إبادة المسلمين.
هذه قوة الأرض، وأين هذه القوة من قوة أهل السماء!
ظهرت غمامة، وأنزل الله القادر الجبار ملائكته تقاتل مع المسلمين، فكان الملك يشير بسوطه إلى كف المشرك التي تحمل السيف فتسقط أصابعه ويسقط السف فيقتله المسلم، وإذا أشار الملك سوطه إلى رأس مشرك سقط الرأس.
وأما أبو جهل فرعون الأمة الذي كانت قوته تعادل قوة مليوني رجل في نفوذه وعنجهيته، وإيذائه.. فقد أصابه غلام من الأنصار، وارتقى صدره عبد الله بن مسعود، فقال أبو جهل: لم أكن أدري أن رأسي بسيفي.
ولت قريش هاربة لا تلوي على شيء، ولنتصور هذا المشهد:
ألف رجال نقصوا سبعين قتيلاً وسبعين أسيراً.. يركضون في العراء، وخلفهم ثلاثمئة رجل يركضون خلفهم وسيوفهم مصلتة من طاله السيف صار طعاماً لوحوش الفلاة والهوام وطير السماء، يركضون.... ويتلفتون...
وأنجز الله تعالى وعه بنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونصرة دينه وجنده
وغدت بدر أم الانتصارات على مدار التاريخ.
الشخوص: الرسول صلى الله عليه وسلم قائد معركة الإسلام.
أبو جهل: المحرض على المسير إلى بدر بعد نجاة القافلة.
أبو سفيان: الطعم الذي أوقع قريشاً في المصيدة.
من أبطال المعارك في الجيش الإسلامي:
حمزة بن عبد المطلب، عم الرسول صلى الله عليه وسلم.
علي بن أبي طالب.
الزبير بن العوام
سعد بن معاذ سيد الأنصار..
ومن أبطال المعارك في جيش المشركين:
الأسود المخزومي.
عتبة بن ربيعة.
أخوه شيبة بن ربيعة.
الوليد بن عتبة.
وشخصيات مدعمة للأحداث في الجانبين.
وكل شخصية لها سماتها ودورها في صناعة الحدث أو دفعه في طريق التقدم في الحبكة نحو العقدة.
الحوار:
والحوار في هذه الملحمة له بؤر، أو مواضع يتركز فيها، وليس ممتداً أو منبسطاً مع امتداد الملحمة.
يبدأ الحوار صراعاً يفجر الحدث بـ(لحظة تنوير)، بدأه نوفل وصرخ في وجهه أبو سفيان:
نوفل قال: هكذا العيش فينا
فنعيم الحياة يغدو كضيف 
صاح صخر: فما بقولك تعني؟
أغراب على وساوس ظني؟ 
والموضع الذي نقل التحذير لأبي سفيان من جيش الرسول صلى الله عليه وسلم حينما صاح ضمضم: يا لغوثاه:
نوفل صاح: ما بدا؟..
صاح: ذا جحر ضبكم..
وبدأت قريش بهلوساتها في حديث نفسي رعباً من سيوف المسلمين، ولاسيما منهم أمية بن خلف:
قام فيهم أمية وهو يهذي:
تكسف الشمس أم جفاني صديقي؟ 
سوف أمضي لأم صفوان دربي
فهي ظلي إذا دهاني حريقي 
أأنا اليوم في المغاني أشرَّد
بسيوف الطغام أم بمحمد؟ 
كيف أمسي مع الفيافي قتيلاً
وبماذا؟ وأين؟ في أي مشهد؟ 
إن خطوي إلى القتال حرون
باب دربي إلى المعارك موصد 
على أن الحوار العنيف إنما هو في المبارزة بين الحمزة وخصمه، وحوار الأسود مع نفسه، ذلك الحوار العميق الذي يرسم شخصية صاحبه قبل المعركة قبل لقاء حمزة كان في حال، وبعد لقائه صار في حال مختلفة.
وذلك ما كان من الوليد في لقائه مع علي.
ويبرز الصراع في ظهور إبليس، ويشتد ويبلغ ذروته في نزول الملائكة.
الزمان والمكان: وقعت المعركة في السنة الثانية للهجرة، عند بئر بدر لذلك سميت باسمها.
الحبكة: وتتجلى في تتابع الحدث، وتقدمه طوراً بعد طور في مشاهد متعاقبة، تسير نحو الذروة، حتى وصلت إلى العقدة.
العقدة: وهي الذروة التي بلغتها الحبكة، وتقف عند اشتداد الكرب، ولا يعرف القارئ ماذا سيحصل بعدها.
الحل: وهو نزول الملائكة من السماء إلى الأرض، ومساعدة المسلمين في قتالهم المشركين.
الهدف: الملحمة ليست غاية في ذاتها، وإنما لها مهمة ورسالة تقول الملحمة هكذا كان الأجداد، فكيف تكونون أنتم أيها الأحفاد؟.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|