عرض مشاركة واحدة
  #188  
قديم 17-10-2022, 05:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,347
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الخامس
الحلقة (188)
صـ141 إلى صـ 150




فصل

وقد عد ابن السيد هذا المكان من أسباب الخلاف ، حين عد جهة [ ص: 141 ] الرواية وأن لها ثماني علل : فساد الإسناد ، ونقل الحديث على المعنى ، أو من المصحف ، والجهل بالإعراب ، والتصحيف ، وإسقاط جزء الحديث ، أو سببه ، وسماع بعض الحديث وفوت بعضه ، وهذه الأشياء ترجع إلى معنى ما تقدم إذا صح أنها في المواضع المختلف فيها علل حقيقة; فإنه قد يقع الخلاف بسبب الاجتهاد في كونها موجودة في محل الخلاف ، وإذا كان على هذا الوجه; فالخلاف معتد به بخلاف الوجه الأول .

وأما القسم الثاني ، وهي :
[ ص: 142 ] المسألة التاسعة

فيعرض فيه أن يعتقد في صاحبه أو يعتقد هو في نفسه أنه من أهل الاجتهاد وأن قوله معتد به ، وتكون مخالفته تارة في جزئي ، وهو أخف ، وتارة في كلي من كليات الشريعة وأصولها العامة ، كانت من أصول الاعتقادات أو الأعمال; فتراه آخذا ببعض جزئياتها في هدم كلياتها حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادئ رأيه من غير إحاطة بمعانيها ، ولا راجع رجوع الافتقار إليها ، ولا [ ص: 143 ] مسلم لما روي عنهم في فهمها ، ولا راجع إلى الله ورسوله في أمرها كما قال : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول الآية [ النساء : 59 ] .

ويكون الحامل على ذلك بعض الأهواء الكامنة في النفوس ، الحاملة على ترك الاهتداء بالدليل الواضح ، واطراح النصفة ، والاعتراف بالعجز فيما لم يصل إليه علم الناظر ، ويعين على هذا الجهل بمقاصد الشريعة وتوهم بلوغ درجة الاجتهاد باستعجال نتيجة الطلب; فإن العاقل قلما يخاطر بنفسه في اقتحام المهالك مع العلم بأنه مخاطر .

وأصل هذا القسم مذكور في قوله تعالى : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات الآية [ آل عمران : 7 ] .

وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ، ثم قال : فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه; فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم .

والتشابه في القرآن لا يختص بما نص عليه العلماء من الأمور الإلهية [ ص: 144 ] الموهمة للتشبيه ، ولا العبارات المجملة ، ولا ما يتعلق بالناسخ والمنسوخ ، ولا غير ذلك مما يذكرون ، بل هو من جملة ما يدخل تحت مقتضى الآية إذ لا دليل على الحصر ، وإنما يذكرون من ذلك ما يذكرون على عادتهم في القصد إلى مجرد التمثيل ببعض الأمثلة الداخلة تحت النصوص الشرعية; فإن الشريعة إذا كان فيها أصل مطرد في أكثرها مقرر واضح في معظمها ثم جاء بعض المواضع فيها مما يقتضي ظاهره مخالفة ما اطرد; فذلك من المعدود في المتشابهات التي يتقى اتباعها; لأن اتباعها مفض إلى ظهور معارضة بينها وبين الأصول المقررة والقواعد المطردة ، فإذا اعتمد على الأصول وأرجئ أمر النوادر ووكلت إلى عالمها أو ردت إلى أصولها ، فلا ضرر على المكلف المجتهد ، ولا تعارض في حقه .

[ ص: 145 ] ودل على ذلك قوله تعالى : منه آيات محكمات هن أم الكتاب [ آل عمران : 7 ] فجعل المحكم - وهو الواضح المعنى الذي لا إشكال فيه ، ولا اشتباه - هو الأم والأصل المرجوع إليه ، ثم قال : وأخر متشابهات [ آل عمران : 7 ] يريد : وليست بأم ، ولا معظم; فهي إذا قلائل ، ثم أخبر أن اتباع المتشابه منها شأن أهل الزيغ والضلال عن الحق والميل عن الجادة ، وأما الراسخون في العلم فليسوا كذلك ، وما ذاك إلا باتباعهم أم الكتاب وتركهم الاتباع للمتشابه .

وأم الكتاب يعم ما هو من الأصول الاعتقادية أو العملية إذ لم يخص الكتاب ذلك ، ولا السنة ، بل ثبت في الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افترقت اليهود على إحدى أو اثنين وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة [ ص: 146 ] وفي الترمذي تفسير هذا بإسناد غريب عن غير أبي هريرة; فقال في حديثه : وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة ، كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : " ما أنا عليه وأصحابي " .

والذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ظاهر في الأصول الاعتقادية والعملية على الجملة ، لم يخص من ذلك شيء دون شيء .

وفي أبي داود : وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ، ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة وهي بمعنى الرواية [ ص: 147 ] التي قبلها .

وقد روي ما يبين هذا المعنى ، ذكره ابن عبد البر بسند لم يرضه ، وإن كان غيره قد هون الأمر فيه ، أنه قال : ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة الذين يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال فهذا نص على دخول الأصول العملية تحت قوله : " ما أنا عليه وأصحابي " وهو [ ص: 148 ] ظاهر; فإن المخالف في أصل من أصول الشريعة العملية لا يقصر عن المخالف في أصل من الأصول الاعتقادية في هدم القواعد الشرعية .
فصل

وقد وجدنا في الشريعة ما يدلنا على بعض الفرق التي يظن أن الحديث شامل لها ، وأنها مقصودة الدخول تحته; فإنه جاء في القرآن أشياء تشير إلى أوصاف يتعرف منها أن من اتصف بها; فهو آخذ في بدعة ، خارج عن مقتضى الشريعة ، وكذلك في الأحاديث الصحيحة ، فمن تتبع مواضعها ربما اهتدى إلى جملة منها ، وربما ورد التعيين في بعضها ، كما قال عليه الصلاة والسلام في الخوارج : إن من ضئضئ هذا قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية .

وفي رواية : دعه - يعني ذا الخويصرة - ; فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، [ ص: 149 ] يمرقون من الإسلام . . . الحديث إلى أن قال : " آيتهم رجل أسود ، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر . . . إلخ " .

فقد عرف عليه الصلاة والسلام بهؤلاء ، وذكر لهم علامة في صاحبهم ، وبين من مذهبهم في معاندة الشريعة أمرين كليين :

أحدهما : اتباع ظواهر القرآن على غير تدبر ، ولا نظر في مقاصده ، ومعاقده ، والقطع بالحكم به ببادئ الرأي والنظر الأول ، وهو الذي نبه عليه قوله في الحديث ، " يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم " ومعلوم أن هذا الرأي يصد عن اتباع الحق المحض ، ويضاد المشي على الصراط المستقيم ، ومن هنا ذم بعض العلماء رأي داود الظاهري ، وقال : إنها بدعة ظهرت بعد المائتين ، ألا ترى أن من جرى على مجرد الظاهر تناقضت عليه السور والآيات ، وتعارضت في [ ص: 150 ] يديه الأدلة على الإطلاق والعموم .

وتأمل ما ذكره القتبي في صدر كتابه في " مشكل القرآن " وكتابه في " مشكل الحديث " يبين لك صحة هذا الإلزام; فإن ما ذكره هنالك آخذ ببادئ الرأي في مجرد الظواهر .

والثاني : قتل أهل الإسلام وترك أهل الأوثان على ضد ما دلت عليه جملة الشريعة وتفصيلها; فإن القرآن والسنة إنما جاءت للحكم بأن أهل الإسلام في الدنيا والآخرة ناجون ، وأن أهل الأوثان هالكون ، ولتعصم هؤلاء وتريق دم هؤلاء على الإطلاق فيهما والعموم ، فإذا كان النظر في الشريعة مؤديا إلى مضادة هذا القصد; صار صاحبه هادما لقواعدها ، وصادا عن سبيلها ، ومن تأمل كلامهم في مسألة التحكيم مع علي بن أبي طالب وابن عباس وفي غيرها ظهر له خروجهم عن القصد ، وعدولهم عن الصواب ، وهدمهم للقواعد ، وكذلك مناظرتهم عمر بن عبد العزيز وأشباه ذلك .

فهذان وجهان ذكرا في الحديث من مخالفتهم لقواعد الشريعة الكلية اتباعا للمتشابهات .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.50 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]