
17-10-2022, 05:11 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة :
|
|
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله

الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الخامس
الحلقة (190)
صـ161 إلى صـ 170
قال : ووجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين ، ولم يفترقوا ، ولم يصيروا شيعا; لأنهم لم يفارقوا الدين ، وإنما اختلفوا فيما أذن لهم من اجتهاد الرأي ، والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصا ، واختلفت في ذلك أقوالهم; فصاروا محمودين لأنهم اجتهدوا فيما أمروا به; كاختلاف أبي بكر وعمر وعلي وزيد في الجد مع الأم ، وقول عمر [ ص: 161 ] [ ص: 162 ] وعلي في أمهات الأولاد ، وخلافهم في الفريضة المشتركة ، وخلافهم في [ ص: 163 ] الطلاق قبل النكاح ، وفي البيوع . . وغير ذلك مما اختلفوا فيه ، وكانوا مع هذا أهل مودة وتناصح ، وأخوة الإسلام فيما بينهم قائمة ، فلما حدثت الأهواء المردية التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وظهرت العداوات ، وتحزب أهلها فصاروا شيعا; دل على أنه إنما حدث ذلك من المسائل المحدثة التي ألقاها الشيطان على أفواه أوليائه .
قال : فكل مسألة حدثت في الإسلام فاختلف الناس فيها ، ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ، ولا بغضاء ، ولا فرقة; علمنا أنها من مسائل الإسلام ، وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا أنها ليست [ ص: 164 ] من أمر الدين في شيء ، وأنها التي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير الآية ، وهي قوله : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا [ الأنعام : 159 ] وقد تقدمت; فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها ، ودليل ذلك قوله تعالى : واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا [ آل عمران : 103 ] فإذا اختلفوا وتقاطعوا; كان ذلك لحدث أحدثوه من اتباع الهوى .
هذا ما قاله ، وهو ظاهر في أن الإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف; فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين .
وهذه الخاصية موجودة في كل فرقة من تلك الفرق ، ألا ترى كيف كانت ظاهرة في الخوارج الذين أخبر بهم النبي عليه الصلاة والسلام في قوله : يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان وأي فرقة توازي هذا إلا الفرقة التي بين أهل الإسلام وأهل الكفر ؟ وهكذا تجد الأمر في سائر من عرف من [ ص: 165 ] الفرق أو من ادعى ذلك فيهم .
والخاصية الثانية : هي التي نبه عليها قوله تعالى : فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة الآية [ آل عمران : 7 ] ; فجعل أهل الزيغ والميل عن الحق ممن شأنهم اتباع المتشابهات وقد تبين معناه .
وقال عليه الصلاة والسلام : فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه; فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم .
والخاصية الثالثة : اتباع الهوى ، وهي التي نبه عليها قوله : فأما الذين في قلوبهم زيغ [ آل عمران : 7 ] وهو الميل عن الحق اتباعا للهوى .
وقوله : فأما الذين في قلوبهم زيغ [ القصص : 50 ] وقوله : أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم الآية [ الجاثية : 23 ] إلا أن هذه الخاصية راجعة إلى كل أحد في خاصة نفسه; لأنها أمر باطن ، فلا يعرفها غير صاحبها; إلا أن يكون عليها دليل في الظاهر ، والتي قبلها راجعة إلى العلماء الراسخين في العلم; لأن بيان المحكم والمتشابه راجع إليهم ، فهم يعرفونها ويعرفون أهلها بمعرفتهم لها ، والتي قبلها تعم جميع العقلاء من أهل الإسلام; لأن التواصل أو التقاطع معروف للناس كلهم ، وبمعرفته يعرف أهله .
[ ص: 166 ] وأما العلامات التفصيلية في كل فرقة; فقد نبه عليها وأشير إليها كما في قوله تعالى : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول . . . إلى قوله : ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا [ النساء : 59 ، 60 ] وقوله تعالى : إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله [ الأنعام : 116 ، 117 ] .
وقوله : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى [ النساء : 115 ] إلى آخرها وقوله : إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما الآية [ التوبة : 37 ] .
وقوله : وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه الآية [ يس : 47 ] .
وقوله : ومن الناس من يعبد الله على حرف [ الحج : 11 ] إلى آخر الآيتين .
وقوله يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء . . . إلى قوله : لا يضركم من ضل إذا اهتديتم [ المائدة : 101 - 105 ]
وقوله قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها الآية [ الأنعام : 140 ] .
[ ص: 167 ] وقوله ثمانية أزواج من الضأن اثنين إلى قوله : إن الله لا يهدي القوم الظالمين [ الأنعام : 143 - 144 ] .
إلى غير ذلك مما نبه عليه القرآن الحكيم .
وكذلك في الحديث كقوله : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلماء ، حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم; فضلوا وأضلوا .
وكذلك ما تقدم ذكره في قسم زلة العالم وغيره مما في الأحاديث المختصة بهذا المعنى ، وإنما نبه عليها لتنبيه الشرع عليها ، ولم يصرح بها على الإطلاق لما تقدم ذكره ، فمن تهدى إليها فذاك ، وإلا فلا عليه ألا يعلمها ، والله الموفق للصواب .
فصل
ومن هذا يعلم أنه ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره ، وإن كان من علم الشريعة ومما يفيد علما بالأحكام ، بل ذلك ينقسم; فمنه ما هو مطلوب النشر ، وهو غالب علم الشريعة ، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق ، أو لا يطلب نشره بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص .
ومن ذلك تعيين هذه الفرق; فإنه وإن كان حقا فقد يثير فتنة كما تبين تقريره; فيكون من تلك الجهة ممنوعا بثه .
ومن ذلك علم المتشابهات والكلام فيها; فإن الله ذم من اتبعها ، فإذا [ ص: 168 ] ذكرت وعرضت للكلام فيها; فربما أدى ذلك إلى ما هو مستغنى عنه ، وقد جاء في الحديث عن علي : حدثوا الناس بما يفهمون أتريدون أن يكذب الله ورسوله .
وفي الصحيح عن معاذ أنه عليه الصلاة والسلام قال : يا معاذ تدري ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله . . الحديث إلى أن قال : قلت يا رسول الله أفلا أبشر الناس ، قال : لا تبشرهم فيتكلوا .
وفي حديث آخر عن معاذ في مثله قال : يا رسول الله أفلا أخبر بها فيستبشروا ؟ فقال : إذا يتكلوا ، قال أنس : فأخبر بها معاذ عند موته تأثما .
[ ص: 169 ] ونحو من هذا عن عمر بن الخطاب مع أبي هريرة ، انظره في كتاب مسلم والبخاري; فإنه قال فيه عمر : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد ألا إله إلا الله مستيقنا به قلبه بشره بالجنة ؟ قال : نعم ، قال : فلا تفعل; فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فخلهم .
وحديث ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل ، فقال : إن فلانا يقول : لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانا ، فقال عمر : لأقومن العشية فأحذر هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم ، [ ص: 170 ] قلت : لا تفعل; فإن الموسم يجمع رعاع الناس ويغلبون على مجلسك; فأخاف ألا ينزلوها على وجهها; فيطيروا بها كل مطير ، وأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة ، فتخلص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار ويحفظوا مقالتك وينزلوها على وجهها ، فقال : والله لأقومن به في أول مقام أقومه بالمدينة . الحديث .
ومنه حديث سلمان مع حذيفة وقد تقدم .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|