شرح حديث (.. فحبسه بعدما أقيمت الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حسين بن معاذ حدثنا عبد الأعلى عن حميد قال: سألت ثابتاً البناني عن الرجل يتكلم بعدما تقام الصلاة فحدثني عن أنس بن مالك أنه قال: (أقيمت الصلاة فعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فحبسه بعدما أقيمت الصلاة) ]. قوله: [ (فعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فحبسه بعدما أقيمت الصلاة) ] أي: صار يتكلم معه، والمقصود من هذا أنه يجوز الكلام بين الإقامة والتكبير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث مع هذا الرجل بين الإقامة والدخول في الصلاة، سواء حصل ذلك من جهة الإمام مع غيره، أو من جهة المأمومين مع بعضهم، كأن يقول البعض مثلاً: تقدم أو تأخر، أو يسوون الصفوف ويكلم بعضهم بعضاً، فلا بأس بذلك، والنبي صلى الله علي وسلم تكلم مع هذا الرجل بعدما أقيمت الصلاة، وهذا يدلنا على جواز الكلام بين الإقامة وبين الدخول في الصلاة فيما فيه مصلحة تعود على الصلاة، مثل الأمر بالتقدم أو التأخر أو غير ذلك من الكلام الذي يجري لمصلحة الصلاة ويدل الحديث أيضاً على أن التابعين والصحابة كانوا إذا سئلوا عن شيء أجابوا فيه بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (.. فحسبه بعدما أقيمت الصلاة)
قوله:[ حدثنا حسين بن معاذ ]. حسين بن معاذ ثقة، أخرج له أبو داود وحده. [ عن عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت البناني ]. ثابت بن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك رضي الله عنه ]. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن علي بن سويد بن منجوف السدوسي حدثنا عون بن كهمس عن أبيه كهمس قال: قمنا إلى الصلاة بمنى والإمام لم يخرج فقعد بعضنا، فقال لي شيخ من أهل الكوفة: ما يقعدك؟ قلت: ابن بريدة قال: هذا السمود. فقال لي الشيخ: حدثني عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال: كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر قال: وقال: (إن الله وملائكته يصلون على الذين يلون الصفوف الأول، وما من خطوة أحب إلى الله من خطوة يمشيها يصل بها صفاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، وهو يدل على أن الإمام ينتظرونه قياماً ولا ينتظرونه قعوداً، وهو مخالف للحديث المتقدم حديث أبي قتادة : (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) إذ معناه أنهم ينتظرونه وهم قعود. وهذا الحديث فيه أنهم ينتظرون وهم قيام ولا يقعدون، حيث إن الصلاة أقيمت في منى فتأخر الإمام، فجلس بعضهم، فقال وقوله: [هذا السمود] معناه القعود عند انتظار الإمام. وقيل: إن المقصود بالسمود هنا أن فيه غفلة. وقيل: إن المقصود به كون الإنسان قائماً ويرفع رأسه، وهو يريد بهذا أن الناس يجلسون ولا يكونون قائمين. ثم إن الشيخ حدث بهذا الحديث عن البراء بن عازب [ كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر ]. وهذا الذي جاء في هذا الحديث لا يعارض ما جاء في الأحاديث المتقدمة، وحديث أبي قتادة الذي مر: [ (لا تقوموا حتى تروني) ] يعني: إذا كانوا ينتظرونه وهم قعود، وعلى فرض صحة الحديث هنا فإنهم لا يقومون إذ لم يحضر، وإنما ذلك إذا كان حاضراً وهو يقيم الصفوف ويأمرهم بتسوية الصفوف، فإذا سووا الصفوف دخل في الصلاة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فلا يعني أنهم ينتظرونه، مع أن الحديث فيه إشارة إلى أن الإمام لم يحضر، ولكن الذي أورده لا يدل على أن الإمام لم يحضر، بل يمكن أن يكون قد حضر ولكنه مشغول بتسوية الصفوف فيمضي شيء من الوقت وهم قيام من أجل تسوية الصفوف لا من أجل إن الإمام غير موجود، أما إذا كان غير موجود فكيف ينتظرونه وهم قيام وفي ذلك مشقة عليهم؟! وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت) ]. والحديث في إسناده ذلك الرجل المبهم الذي هو رجل من أهل الكوفة، فهو غير صحيح، ولا يقاوم ولا يقابل ما صح وثبت مما ترجم له المصنف، وهو أنهم ينتظرونه قعوداً، ولا ينتظرونه قياماً. وقوله: [ قلت: ابن بريدة قال: هذا السمود ]. يعني أن ابن بريدة هو الذي يقول بأنه لا ينتظر الناس الإمام وهم قيام، بل والناس قعود، وجلة [ هذا السمود ] من كلام ابن بريدة . قوله: [ فقال لي الشيخ: حدثني عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: (كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر) ]. هذا ليس فيه دليل على أن الإمام لم يكن قد حضر كما جاء في القصة التي ذكرت هنا، وإنما يمكن أن يكون الإمام موجود بينهم ولكنه يسويهم، ويكون الطول نسبياً في انتظار تسوية الصفوف، لا أن الإمام كان غائباً وهم ينتظرونه. قوله: [ (إن الله وملائكته يصلون على الذين يلون الصفوف الأول) ]. يعني: الذين يبكرون ويتقدمون ويكملون الصف الأول فالأول. وقوله: [ (وما من خطوة أحب إلى الله من خطوة يمشيها يصل بها صفاً) ]. معناه أن المشي والتقدم من أجل وصل الصفوف أمر مطلوب ومشروع، وكل صف يكمل، ولا ينشأ الصف الثاني إلا بعد اكتمال الصف الأول، ولا يؤتى بالصف الثالث إلا إذا كمل الصف الثاني، ولا يؤتى بالصف الرابع إلا إذا كمل الثالث وهكذا، فيكمل كل صف أولاً ثم ينشأ الصف الذي وراءه، ولا يصف لصف آخر والذي قبله لم يكتمل، وإنما على الإنسان أن يتقدم ليكمل الصفوف الأول، فقوله: [ (إن الله وملائكته يصلون على الذي يلوون الصفوف الأول) ] يكملون الصف الأول فالأول، ويمشي الواحد من أجل أن يكمل الصف، ولا تبقى فرجة في الصفوف الأول، بل تكمل، ومن المعلوم أن وصل الصفوف وسد الفرج أمر مطلوب، والمقصود أن هذا في غير الصلاة، وإذا كان في الصلاة والإنسان أمامه فرجة والصف قريب وتقدم من صف إلى صف ليسد الفرجة الموجودة فلا بأس بذلك؛ لأن خطوتين أو ثلاثاً في سبيل ذلك لا بأس بها، ولكن كونه يمشي من مسافة بعيدة ويتقدم من صف إلى صف وهو في الصلاة لا ينبغي، وإنما هو في حق من يأتي ولم يدخل في الصلاة، فإن عليه أن يتقدم إلى أن يصل إلى المكان الذي هو الفرجة التي في الصف الذي قبله.
تراجم رجال إسناد حديث (كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله طويلاً قبل أن يكبر ...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن علي بن سويد بن منجوف السدوسي ]. صدوق أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عون بن كهمس ]. عون بن كهمس مقبول، أخرج حديثه أبو داود . [ عن أبيه كهمس ]. هو كهمس بن الحسن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فقال لي شيخ من أهل الكوفة ]. هو شيخ من أهل الكوفة مجهول مبهم لا يُعرف. [ حدثني عبد الرحمن بن عوسجة ]. عبد الرحمن بن عوسجة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن البراء بن عازب ]. هو البراء بن عازب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه هذا الرجل الكوفي المبهم، فهو ضعيف.
شرح حديث (أقيمت الصلاة ورسول الله نجي في جانب المسجد..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: (أقيمت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نجي في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم نجي في جانب المسجد) ] يعني: يناجي رجلاً في المسجد، فطالت المناجاة، قال: [ (فما قام إلى الصلاة) ] أي أنه بقي مع ذلك الذي يناجيه [حتى نام القوم] يعني: حصل منهم النعاس، وهذا بعد الإقامة، وهو يدلنا على أن الناس ينتظرون الإمام وهم جلوس، وكذلك الإمام أو غير الإمام له أن يكلم غيره بين الإقامة وبين الدخول في الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث (أقيمت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نجي في جانب المسجد..)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له: البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد العزيز بن صهيب ]. عبد العزيز بن صهيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره. وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، وهي الرباعيات، حيث يكون بين أبي داود وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، فهنا: مسدد و عبد الوارث و عبد العزيز بن صهيب و أنس بن مالك ، فهؤلاء أربعة أشخاص بين أبي داود وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو أعلى الأسانيد عنده؛ لأنه ليس عنده من (الثلاثيات) شيء، بل أعلى ما عنده (الرباعيات). وبالمناسبة فإن مسلماً مثل أبي داود ، فمسلم ليس عنده إلا الرباعيات، و النسائي كذلك ليس عنده إلا الرباعيات، فهؤلاء الثلاثة أعلى ما عندهم (الرباعيات) وهم: مسلم و أبو داود و النسائي ، و أما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، و الترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، و ابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية، وكلها بإسناد واحد وذلك الإسناد فيها ضعيف.
شرح حديث (كان رسول الله حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يصل..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يصل، وإذا رآهم جماعة صلى) ]. أورد أبو داود هذا الحديث، ومعناه أنها تقام الصلاة فإذا كانوا قليلاً فإنه يجلس ينتظر، وإذا كانوا كثيراً فإنه يصلي بالناس ويدخل في الصلاة، وهذا الحديث منقطع؛ لأن سالماً أبا النضر تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مرسل غير ثابت، وهو غير واضح من جهة المعنى، حيث تقام الصلاة ثم يجلس ينتظر الناس حتى يكثروا، ولعل المقصود أنه ليس المراد بذلك تقام الصلاة، بل حين يأتي وقت إقامة الصلاة وليس معنى ذلك أنه ينتظر بعد أن تقام الإقامة المعروفة بتكبيراتها وألفاظها ثم بعد الإقامة يجلس ينتظر الناس، وإنما يمكن أن يقال: حين تقام الصلاة بمعنى: حين يأتي الوقت الذي تقام فيه الصلاة، وليس المقصود أنه ينادى لها ثم الرسول صلى الله عليه وسلم يترك الدخول في الصلاة لأنهم قلة والحديث غير ثابت؛ لأن فيه الإرسال من سالم أبي النضر ، وهو تابعي وليس بصحابي.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يصلّ ...)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري ]. عبد الله بن إسحاق الجوهري ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ أخبرنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم أبي النضر ]. سالم أبو النضر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث مرسل؛ لأن سالماً أبا النضر تابعي وليس بصحابي.
طريق أخرى لحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تقام الصلاة إذا رآهم قليلاً جلس لم يصلِّ...) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن إسحاق أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع بن جبير عن أبي مسعود الزرقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل ذلك ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث السابق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا -أيضاً- في إسناده أبو مسعود الزرقي ، وهو مجهول، فيكون الحديث غير صحيح. قوله: [ حدثنا عبد الله بن إسحاق أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع بن جبير ]. نافع بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مسعود الزرقي ]. أبو مسعود الزرقي مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن علي بن أبي طالب ]. هو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه. وكلمة: (عليه السلام) التي يؤتى بها بعد ذكر علي رضي الله عنه وذكر الحسن و الحسين و فاطمة رضي الله تعالى عنهم ليست من عمل المؤلفين والمصنفين والرواة، وإنما هي من عمل نساخ الكتب، فنساخ الكتب هم الذين يأتون بهذه الكلمات والإضافات، وقد أشار إلى هذا الحافظ ابن كثير في تفسيره عند قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، فذكر أنه عندما يذكر علي يقال: عليه السلام، وهذا إنما هو من نساخ الكتب، فهم الذين يأتون بـ (عليه السلام) أو (كرم الله وجهه). قالوا: والأصل أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يعاملون معاملة واحدة، فيقال عن الواحد منهم: رضي الله عنه، وهذا هو الذي درج عليه السلف، أي أنه يترضى عن جميع الصحابة، ويترحم على من بعدهم، وقد يترحم عليهم ويترضى عمن بعدهم، لكن الذي غلب في الاستعمال أن الترضي يكون للصحابة، والترحم يكون على من بعدهم، وهذا هو المعتمد."