
25-10-2022, 12:51 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,613
الدولة :
|
|
رد: المعايير النصية الخارجية
المعايير النصية الخارجية
بوطاهر بوسدر
خامسًا: الإعلامية (الإخبارية) informativité:
يتعلَّق هذا المعيار بالمعلومات التي يحملها النصُّ للمتلقي، فهو يدل كما يقول "بوجراند" على "الجدة والتنوُّع الذي تُوصَف به المعلومات في بعض المواقف"[25]، فكلُّ نصٍّ يجب أن يُقدِّم شيئًا للمتلقي، وكلما كان هذا الشيء جديدًا، وغير متوقَّع بالنسبة للمتلقي، زادت درجةُ الإعلامية، وكلما كان العكس انخفضت درجةُ الإعلامية، وهذا ما عبَّر عنه "بوجراند" بقوله: "إن إعلامية informativity عنصر ما تكمن في نسبة احتمال وروده في موقع معين (أي: إمكانه وتوقُّعه) بالمقارنة بينه وبين العناصر الأخرى من وجهة النظر الاختيارية، وكلما بَعُد احتمال الورود، ارتفع مستوى الكفاءة الإعلامية"[26].
ويتحكَّم هذا المعيار في تفاعُل المتلقي؛ حيث قد يرفض النصَّ لأنه لم يحمل معلوماتٍ تهمُّه، أو حمل معلوماتٍ يعرفها، أو قليلة لا تكفيه، أو كثيرة فوق قدرته، أو خارج نطاق اهتمامه، ومن أجل ذلك على المنتج أن يعي خطورة التقليل من شأن إعلامية خطابه، فيقف وسطًا بين السطحية والمشهور، وبين الإغراق في اللامتوقَّع والجديد؛ لأن هذا الأمر قد ينفر المتلقيَ ويشوِّش التواصُل، أو يعيقه نهائيًّا.
سادسًا: الموقفية situationalité:
يندرج الموقف ضِمْن أنواع السياق الأربعة، وهي:
• السياق اللُّغوي: وهو "حصيلة استعمال الكلمة داخل نظام الجملة متجاورة وكلمة أخرى"[27]؛ فمثلًا كلمة "عين" لها دلالات متعددة حسب السياق: فعيني تُؤلمني (العضو)، وعين جارية (الماء)، وعين علينا (جاسوس).
• السياق العاطفي: وهو الذي يُحدِّد طبيعة استعمال الكلمة بين الاستعمال الموضوعي والعاطفي الذي يرتبط بالعاطفة والإحساس؛ فكلمة "يهودي" مثلًا قد تُستعمل موضوعيًّا في سياق معين، لكن في سياق آخر ترتبط بنوع من الحقد والكراهية والاحتقار....
• السياق الثقافي: يقتضي هذا السياق "تحديد المحيط الثقافي والاجتماعي الذي يُمكن أن تستخدم فيه الكلمة"[28]، فالكلمة حين تُستعمل تدل على المستوى الثقافي والاجتماعي لمستعملها؛ فمثلًا كلمة "عَقِيلته" تُعدُّ في العربية المعاصرة علامةً على الطبقة الاجتماعية المتميِّزة بالنسبة لكلمة "زوجته".
• السياق الموقفي: يعني هذا السياق "الموقف الخارجي الذي يُمكن أن تقع فيه الكلمة"[29]، أو الجملة أو النص عمومًا، فهو يدل على العلاقات الزمانية والمكانية التي يجري فيها الكلام.
لقد اهتمَّ العلماء العرب قديمًا بالسياق عمومًا، وبالموقف على وجه الخصوص، فاهتدوا في وقت مبكر من تاريخ العلوم اللغوية والبلاغية إلى تلك التأثيرات الخارجية، وكل ما يحيط بظاهرة الكلام من ملابسات؛ كالسامع والمقام وظروف المقال، وتعتبر دراستهم لأسباب النزول في القرآن الكريم، وأسباب الورود في الحديث الشريف، وأسباب الإنشاء عند الأدباء والنقَّاد - دليلًا كافيًا على أنهم فطنوا إلى ظاهرة السياق، وما لها من تأثير في تحديد المعنى، وهكذا اهتدى العلماء العرب إلى فكرة المقام، فقالوا: "لكل مقام مقال" متقدِّمين ألف سنة على زمانهم؛ "لأن الاعتراف بفكرتَي المقام والمقال باعتبارهما أساسين متميِّزين من أُسُس تحليل المعنى - يُعتبر الآن في الغرب من الكشوف التي جاءت نتيجة لمغامرات العقل المعاصر في دراسة اللغة"[30].
أما في العصر الحديث، فمن الواضح أن فكرة السياق حاضرة بقوة في التحليل اللساني والنقد الأدبي، فقد تبيَّن للسانيِّين والنقاد أن المعنى المعجميَّ ليس كل شيء في إدراك المعنى، وقد أكد رائد المنهج السياقي الإنجليزي "فيرث" John Rupert Firth أن المعنى لا ينكشف إلَّا من خلال تسييق الوحدة اللغوية؛ أي: وضعها في سياق مختلف[31]، وهذا ينطبق على النصوص، فدلالاتها قد تتغيَّر بتغيُّر سياقاتها؛ أي: المواقف التي أُنتجت فيها.
إن السياق أو المقامية أو الموقفية تتضمَّن كما يقول "بوجراند" "العوامل التي تجعل النصَّ مرتبطًا بموقف سائد يُمكن استرجاعه، ويأتي النصُّ في صورة عمل يُمكن له أن يُراقب الموقف، وأن يُغيِّره"[32]، وقد جاء الاهتمام بالموقفية والسياق عامة بعد التأكُّد من أن أي مقاربة لُغوية تهمل السياق تبقى ناقصةً؛ إذ لا بدَّ من الانفتاح على المكونات السياقية للخطاب التي قد تضيء العديد من الجوانب، وتُجيب عن العديد من الأسئلة.
هذه هي المعايير الأربعة المكملة لمعياري الاتِّساق والانسجام، أما المعيار السابع، فهو التناصُّ، الذي يستحقُّ مقالًا مستقلًّا إن شاء الله.
[1] ابن فارس؛ مقاييس اللغة، تحقيق: عبدالسلام هارون، دار الفكر، دون طبعة، 1979م، ج5، ص 95.
[2] ابن منظور؛ لسان العرب، دار صادر - بيروت، الطبعة الثالثة - 1414 هـ، ج3، ص 353.
[3] أحمد الريسوني؛ نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ط1، 1992، ص7.
[4] الجرجاني عبدالقاهر؛ دلائل الإعجاز في علم المعاني، تحقيق: محمود شاكر أبو فهر، مطبعة المدني بالقاهرة - دار المدني بجدة، الطبعة الثانية، 1413هـ - 1992م، ص263.
[5] محمد بن علي بن القاضي التهانوي؛ كشاف اصطلاحات الفنون، تحقيق: علي دحروج، مكتبة لبنان ناشرون - بيروت، ط1، 1996، ج1، ص 793.
[6] أبو هلال العسكري؛ الفروق اللغوية، تحقيق: محمد إبراهيم، دار العلم، د ط، د ت، ص33.
[7] مسعود صحراوي؛ التداولية عند العلماء العرب: دراسة تداولية لظاهرة الأفعال الكلامية في التراث اللساني العربي، دار الطليعة، بيروت، ط1، 2005 ص 66.
[8] سلطان الزغول؛ المقصدية: نظرية المعرفة وآفاق اللغة والأدب، صحيفة الرأي، http://alrai.com بتاريخ20-04-2012.
[9] عبدالكريم شرفي؛ من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة، الدار العربية للعلوم - ناشرون ومنشورات الاختلاف، ط1، 2007، ص 104-105، نقلًا عن: معن الطائي؛ القصدية والقراءة عند "هوسرل"، مجلة المثقف، مؤسسة المثقف العربي، العدد: 1360 الأربعاء 31/03/2010.
[10] سلطان الزغول؛ المقصدية: نظرية المعرفة وآفاق اللغة والأدب، صحيفة الرأي.
[11] عبدالهادي بن ظافر الشهري؛ إستراتيجيات الخطاب: مقاربة لغوية تداولية، ص 198، عن: محمد نعار؛ المقصدية في الخطاب السردي المعاصر، رسالة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة أبي بكر بلقايد، الجزائر، 2014، ص69.
[12] جيروم ستولنيتز؛ النقد الفني: دراسة جمالية وفلسفية، ترجمة: فؤاد زكريا، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، ط1، 2007، ص 709.
[13] المرجع نفسه، ص 712.
[14] روبرت دي بوجراند؛ النص والخطاب والإجراء، ترجمة: تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 1998، ص 103.
[15] أحمد حسن الحسن؛ الضوابط التداولية في مقبولية التركيب النحوي، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، مجلد11، عدد2، دجنبر 2014، ص 247.
[16] Barobara hnstone (2001). Discourse analysis, Oxford,BlackWell.، عن أحمد حسن الحسن، المرجع السابق، ص246-247.
[17] روبرت دي بوجراند؛ النص والخطاب والإجراء، ص 104.
[18] المرجع نفسه، ص 91.
[19] يُنظر لمزيد من المعلومات: آن ريبول وجاك موشلار؛ التداولية اليوم، ص55.
[20] سيبويه؛ الكتاب، تحقيق: عبدالسلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1974، ج1، ص25-26.
[21] يُنظر: أحمد حسن الحسن؛ الضوابط التداولية في مقبولية التركيب النحوي، ص 253-254.
[22] يُنظر: كتاب ميشال زكريا؛ بحوث ألسنيَّة عربيَّة، المؤسسة الجامعيَّة للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1992.
[23] ينظر: محمد حماسة عبداللطيف؛ النحو والدلالة: مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلاليِّ، دار الشروق، القاهرة، ط2، 2000.
[24] يُنظر: نهاد الموسى؛ نظرية النَّحو العربي في ضوء مناهج النَّظر اللغوي الحديث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1980، ص180.
[25] روبرت دي بوجراند، النص والخطاب والإجراء، ص 249.
[26] المرجع نفسه، ص ن.
[27] أحمد محمد قدور؛ مبادئ اللسانيات، دار الفكر، دمشق، ط3، 2007، ص 355.
[28] أحمد مختار عمر؛ علم الدلالة، عالم الكتب، ط5، 1998، ص 71.
[29] المرجع نفسه، ص ن.
[30] تمام حسان؛ اللغة العربية: معناها ومبناها، عالم الكتب، ط5، 2006، ص 337.
[31] نقلًا عن: أحمد مختار عمر؛ علم الدلالة، عالم الكتب، 1997، ص68.
[32] روبرت دي بوجراند؛ النص والخطاب والإجراء، ص104.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|