عرض مشاركة واحدة
  #186  
قديم 25-10-2022, 04:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله





كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (186)
صــــــــــ 292 الى صـــــــــــ298




الحربي يدخل دار الإسلام بأمان .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان ومعه مملوكة أو مملوك فأسلما أو أسلم أحدهما أجبرته على بيعهما أو بيع المسلم منهما ودفعت إليه ثمنهما وليس له أمان يعطي به أن يملك مسلما وأمان الذمي المعاهد أكثر من أمانه وأنا أجبره على بيع من أسلم من مماليكه .
[ ص: 292 ] العبد الذي يكون بين المسلم والذمي فيسلم .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا كان العبد الكافر بين مسلم وذمي وأسلم جبرت الكافر على بيع نصيبه فيه وجبرته على بيع كله أكثر من جبرته على بيع نصيبه وإذا حاصر المسلمون المشركين فاستأمن رجل من المشركين لجماعة بأعيانهم كان لهم الأمان ولم يكن الأمان لغيرهم وكذلك لو استأمن لعدد كان الأمان لأولئك العدد وليس لغيرهم وهكذا إن قال تؤمن لي مائة رجل وأخلي بينك وبين البقية كان الأمان في المائة الرجل إليه فمن سمى فهو آمن ومن لم يستثن فليس بآمن . وهكذا إن قال : تؤمن لي أهل الحصن على أن أدفع إليك مائة منهم فلا بأس والمائة رقيق كانوا من حربهم أو رقيقهم من قبل أني إذا قدرت عليهم كانوا جميعا رقيقا فلما كنت قادرا على بعضهم كانوا رقيقا وكان من أمنت غير رقيق وليس هذا بنقض للعهد ولا رجوع في صلح إنما هذا صلح على شرط فمن أدخله المستأمن في الأمان فهو داخل فيه ومن أخرجه منه ممن لم أعطه الأمان فهو خارج منه حكمه حكم مشرك يجري عليه الرق إذا قدر عليه .
الأسير يؤخذ عليه العهد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسر المسلم فأحلفه المشركون أن يثبت في بلادهم ولا يخرج منها على أن يخلوه فمتى قدر على الخروج منها فليخرج لأن يمينه يمين مكره ولا سبيل لهم على حبسه وليس بظالم لهم بخروجه من أيديهم ولعله ليس بواسع أن يقيم معهم إذا قدر على التنحي عنهم ولكنه ليس له أن يغتالهم في أموالهم وأنفسهم لأنهم إذا أمنوه فهم في أمان منه ولا نعرف شيئا يروى خلاف هذا ، ولو كان أعطاهم اليمين وهو مطلق لم يكن له الخروج إذا كان غير مكره إلا بأن يلزمه الحنث وكان له أن يخرج ويحنث لأنه حلف غير مكره وإنما ألغيا عنه الحنث في المسألة الأولى لأنه كان مكرها .
الأسير يأمنه العدو على أموالهم

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه أمان لهم منه وليس له أن يغتالهم ولا يخونهم . وأما الهرب بنفسه فله الهرب وإن أدرك ليؤخذ فله أن يدافع عن نفسه وإن قتل الذي أدركه لأن طلبه ليؤخذ إحداث من الطالب غير الأمان فيقتله إن شاء ويأخذ ماله ما لم يرجع عن طلبه .
الأسير يرسله المشركون على أن يبعث إليهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسر المشركون المسلم فخلوه على فداء يدفعه إليهم إلى وقت [ ص: 293 ] وأخذوا عليه إن لم يدفع الفداء أن يعود في إسارهم فلا ينبغي أن يعود في إسارهم ولا ينبغي للإمام إذا أراد أن يعود أن يدعه والعودة وإذا كانوا امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لأنه مال أكرهوه على أخذه منه بغير حق فإن كان أعطاهموه على شيء فأخذه منهم لم يحل له إلا أداؤه إليهم بكل حال وهكذا لو صالحهم مبتدئا على شيء انبغى له أن يؤديه إليهم إنما أطرح عنه ما استنكره عليه .
المسلمون يدخلون دار الحرب بأمان فيرون قوما .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل جماعة من المسلمين دار الحرب بأمان فسبى أهل الحرب قوما من المسلمين لم يكن للمستأمنين قتال أهل الحرب عنهم حتى ينبذوا إليهم فإذا نبذوا إليهم فحذروهم وانقطع الأمان بينهم كان لهم قتالهم فأما ما كانوا في مدة الأمان فليس لهم قتالهم .
الرجل يدخل دار الحرب فتوهب له الجارية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل الرجل دار الحرب بأمان فوهبت له جارية أو غلام أو متاع لمسلم قد أحرزه عليه أهل الحرب ثم خرج به إلى دار الإسلام فعرفه صاحبه وأثبت عليه بينة أو أقر له الذي هو في يديه بدعواه فعليه أن يدفعه إليه بلا عوض يأخذه منه ويجبره السلطان على دفعه .
الرجل يرهن الجارية ثم يسبيها العدو .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا رهن الرجل جارية بألف درهم وذلك قيمتها ثم سباها العدو ثم أخذها صاحبها الراهن بثمن أو غير ثمن فهي على الرهن كما كانت لا يخرجها السباء من الرهن ولو وجدت في يدي رجل من المسلمين أخرجت من يديه إلى ملك مالكها الذي سبيت عنه وكانت على الرهن وإذا سبى المشركون الحرة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد والعبد وأخذوا المال فكله سواء متى ظهر عليه المسلمون قبل المقاسم أو بعدها أخرج من يدي من هو في يديه وكانت الحرة حرة والمكاتبة مكاتبة والمدبرة مدبرة والأمة أمة والعبد عبدا وأم الولد أم ولد والمتاع على حاله لأن المشركين لا يملكون على المسلمين ولو ملكوه عليهم ملك بعضهم على بعض ملكوا الحرة والمكاتبة وأم الولد والمدبرة كما يسبي بعضهم بعضا ثم يسلمون فيقر المسبي خولا للسابي .
المدبرة تسبى فتوطأ ثم تلد ثم يقدر عليها صاحبها .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا سبى المشركون المدبرة فوطئها رجل منهم فولدت أولادا ثم سبيت وأولادها ردت إلى مالكها الذي دبر وأولادها كما ترد المملوكة غير مدبرة ولا يبطل السباء تدبيرها ولا يبطله إلا أن يرجع فيه المدبر فإن مات المدبر قبل أن يحرزها المسلمون فهي حرة وأولادها في [ ص: 294 ] قول من أعتق ولد المدبرة بعتقها وولاؤها للذي دبرها وولاء ولدها الذين أعتقوا بعتقها فإن ولدت بعدهم أولادا فولاؤهم لموالي أبيهم وقال في المكاتبة كما قال في المدبرة إلا أن المكاتبة لا تعتق بموت سيدها إنما عتق بالأداء .
المكاتبة تسبى فتوطأ فتلد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ولدت المكاتبة أولادا في دار الحرب وهي مسبية ثم أدت فعتقت عتق ولدها بعتقها في قول يعتق ولد المكاتبة بعتق أمه وإن عجزت رقت ورق ولدها .
م ولد النصراني تسلم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسلمت أم ولد النصراني حيل بينه وبينها وأخذ بنفقتها وأمرت أن تعمل له في موضعها ما يعمل مثلها لمثله فإن مات فهي حرة وإن أسلم خلي بينه وبينها ولا يجوز فيها ما ذهب إليه بعض الناس من أن تعتق وتسعى في قيمتها من قبل أنها إن كان الإسلام يعتقها فلا ينبغي أن يكون عليها سعاية وإن كان الإسلام لا يعتقها فما سبب عتقها وما سبب سعايتها ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : العتق لو كان من قبل سيدها وأعتق منها سهما من مائة سهم عتقت كلها ولم يكن العتق من قبل سيدها ولا من قبل شريك له ، فإن قال من قبل نفسها فهي لا تقدر على أن تعتق نفسها ، فإن قال منهم قائل : وهل ثبت الرق لكافر على مسلم ؟ قيل : أنت تثبته قال : وأين ؟ قلت : زعمت أن عبد الكافر إذا أسلم فأعتقه الكافر أو باعه أو وهبه أو تصدق به أجزت هذا كله فيه ولو كان الإسلام يزيل ملكه عنه ما جاز له من هذا شيء وأنت تزعم أن للكافر أن يشتري المؤمن ثم يكون عليه بيعه ويكون لمشتريه أن يرده على ملك الكافر بالعيب ثم تقول للكافر : بعه فإن زعمت أنك تجبره على بيعه ، قيل : فقل هذا في مدبره ومكاتبه ، فإن قلت : لا . قيل : فكذا قل في أم ولده ليس الإسلام بعتق لها ولا أجد السبيل إلى بيعها لما سبق فيها ولا يجوز قول من قال : أعتقها ولا سعاية عليها من قبل أنه لا يعتق الأمة لم تلد إذا أسلمت وهي لنصراني ولا العبد ويقول آمره ببيعهما والرجل لا يكون عهدة البيع عليه إلا فيما يملك وهو يجيز العتق والهبة والصدقة وهذا لا يجوز إلا لمالك . فإن قال : لا أجده يملك من أم الولد إلا الوطء فقد حرم عليه الوطء فهو يملك الرجل من أم ولده أن يأخذ مالها وكسبها والجناية عليها ويستعمها وتموت فيصير إليه ما حوت وهذا كله غير وطئها ولو كان إذا حرم عليه الفرج عتقت أم الولد كان لو زوج مالك أم ولده أو كاتبها انبغى أن يعتقها عليه من قبل أنه قد حيل بينه وبين فرجها وحول بين الرجل وبين الفرج بسبب لا يمنع شيئا غيره وقد قال قائل : تسعى في نصف قيمتها كأنه جعل نصفها حرا بالولد ونصفها مملوكا إلى أن يموت السيد . ولا أعرف للولد حصة من العتق متبعضة ولو كانت حرة كلها من قبل أن الولد من السيد وهو لو أعتق السيد منها سهما من ألف سهم جعلها حرة كلها [ ص: 295 ] فلا أعرف لما ذهب إليه وجها .
وإذا دخل الحربي بعبده أو أمته دار الإسلام مستأمنا فأسلما جبر على بيعهما ولم يترك يخرج بهما .
لأسير لا تنكح امرأته

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسر المسلم فكان في دار الحرب فلا تنكح امرأته إلا بعد تيقن وفاته عرف مكانه أو خفي مكانه وكذلك لا يقسم ميراثه .
ما يجوز للأسير في ماله وما لا يجوز .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وما صنع الأسير من المسلمين في دار الحرب أو دار الإسلام أو المسجون وهو صحيح في ماله غير مكره عليه فهو جائز من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك فهو جائز لا نبطل على واحد منهم إلا ما نبطل على الصحيح المطلق فإن كان مريضا فهو كالمريض في حكمه وهكذا ما صنع الرجل في الحرب عند التقاء الصفين وقبل ذلك ما لم يجرح وهكذا ما صنع إذا قدم ليقتل فيما من قتله فيه بد وفيما يجد قاتله السبيل إلى تركه مثل القتل في القصاص الذي يكون لصاحبه عفوه ومثل قتل عصبة القاتل الذي قد تتركه وما إذا قدم ليرجم في الزنا فلا يجوز له في ماله إلا الثلث لأنه لا سبيل إلى تركه . والحامل يجوز ما صنعت في مالها ما لم يحدث لها مرض مع حملها أو يضربها الطلق فإن ذلك مرض مخوف ، فأما ما قبل ذلك فما صنعت فيه فهو جائز ، وهكذا الرجل في السفينة في الموضع المخوف من الغرق وغير المخوف لأن النجاة قد تكون في المخوف والهلاك قد يكون في غيره ولا وجه لقول من قال : نجوز عطية الحامل حتى تستكمل ستة أشهر ثم تكون كالمريض في عطيتها بعد الستة عندي ولا لما تأول من قول الله عز وجل { حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما } وليس في هذا دلالة على حد الإثقال متى هو ؟ أهو التاسع أو الثامن أو السابع أو السادس أو الخامس أو الرابع أو الثالث حتى يتبين ؟ ومن ادعى هذا بوقت لم يجز له إلا بخبر ولا يجوز أن يكون الإثقال المخوف إلا حين تجلس بين القوابل ، فإن قيل : هي بعد ستة مخافة لها قبل ستة فكذلك هي بعد شهر مخالفة لها قبل الشهر بعد الشهرين وفي كل يوم زادت فيه أن يكبر ولدها وتقرب من وضع حملها وليس إلا ما قلنا أو أن يقول رجل : الحمل كله مرض ولا يفرق بين أوله وآخره فإن قال هذا فهو معروف في الإثقال وغير الإثقال فالمرض الثقيل والمرض الخفيف عنده وعند الناس في العطية سواء ولا فرق في الحكم بين المريض المخوف عليه الدنف وبين المريض الخفيف المرض فيما أعطيا ووهبا وقد يقال لهذا ثقيل ولهذا خفيف وما أعلم الحامل بعد الشهر الأول إلا أثقل وأسوأ حالا وأكثر قيئا وامتناعا من الطعام وأشبه بالمريض منها بعد ستة أشهر وكيف تجوز عطيتها في الوقت الذي هي فيه قرب من المرض وترد عطيتها في الوقت الذي هي فيه أقرب إلى الصحة ؟ فإن قال : هذا وقت يكون فيه الولد تاما لو خرج فخروجه تاما أشبه لسلامة أمه من خروجه لو خرج سقطا والحكم إنما هو لأمه ليس له ، والله أعلم .
[ ص: 296 ] الحربي يدخل بأمان وله مال في دار الحرب ثم يسلم .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا دخل الحربي بلاد الإسلام بأمان وخلف في دار الحرب أموالا وودائع في يد مسلم ويدي حربي ويدي وكيل له ثم أسلم فلا سبيل عليه ولا على ماله ولا على ولده الصغار ما كان له عقار أو غيره وهكذا لو أسلم في بلاد الحرب وخرج إلى دار الإسلام لا سبيل على مال مسلم حيث كان أسلم ابنا شعبة القرظيان ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة فأحرز لهما إسلامهما أنفسهما وأموالهما دورا كانت أو عقارا أو غيره ولا يجوز أن يكون مال المسلم مغنوما بحال فأما ولده الكبار وزوجته فحكمهم حكم أنفسهم يجري عليهم ما يجري على أهل الحرب من القتل والسباء وإن سبيت امرأته حاملا منه لم يكن إلى إرقاق ذي بطنها سبيل من قبل أنه إذا خرج فهو مسلم بإسلام أبيه ولا يجري السباء على مسلم .
الحربي يدخل دار الإسلام بأمان فأودع ماله ثم رجع

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان فأودع وباع وترك مالا ثم رجع إلى دار الحرب فقتل بها فدينه وودائعه وما كان له من مال مغنوم عنه لا فرق بين الدين الوديعة وإذا قدم الحربي دار الإسلام بأمان فمات فالأمان لنفسه وماله ولا يجوز أن يؤخذ من ماله شيء وعلى الحاكم أن يرده إلى ورثته حيث كانوا ولا يقبل إن لم تعرف ورثته شهادة أحد غير المسلمين ولا يجوز في هذه الحال ولا في غيرها شهادة أحد خالف دين الإسلام لقول الله تبارك وتعالى { ذوي عدل منكم } وقوله { ممن ترضون من الشهداء } وهذا مكتوب في كتاب الشهادات .
في الحربي يعتق عبده

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا أعتق الحربي عبده في دار الحرب ثم خرجا إلينا ولم يحدث له قهرا في بلاد الحرب يستعبده به فأراد استعباده ببلاد الإسلام لم يكن له أن يستعبده مسلما كان العبد أو كافرا أو مسلما كان السيد أو كافرا ولو أحدث له قهرا ببلاد الحرب أو لحر مثله ولم يعتقه حتى خرج إلينا بأمان كان عبدا له قال : وإن كانت الأرض المفتتحة من أهل الشرك بلاد عنوة أو صلح تخلى منه أهله إلى المسلمين على شيء أخذوه منهم بأمان أو غيره فهي مملوكة كما يملك الفيء والغنيمة وإن تركها أهلها الذين كانت لهم ممن أوجف عليها أو غيرهم فوقفها السلطان على المسلمين فلا بأس أن يتكارى الرجل منها الأرض ليزرعها وعليه ما تكاراها به والعشر كما يكون عليه ما تكارى به أرض المسلم والعشر .
الصلح على الجزية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا أعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أحدا من أهل [ ص: 297 ] الجزية على شيء إلا ما أصف صالح أهل أيلة على ثلثمائة دينار وكان عددهم ثلثمائة رجل وصالح نصرانيا بمكة يقال له موهب على دينار وصالح ذمة اليمن على دينار دينار وجعله على المحتلمين من أهل اليمن وأحسب كذلك جعله في كل موضع وإن لم يحك في الخبر كما حكي خبر اليمن ثم صالح أهل نجران على حلل يؤدونها فدل صلحه إياهم على غير الدنانير على أنه يجوز ما صالحوا عليه وصالح عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهل الشام على أربعة دنانير وروى عنه بعض الكوفيين أنه صالح الموسر من ذمتهم على ثمانية وأربعين والوسط على أربعة وعشرين والذي دونه على اثني عشر درهما ولا بأس بما صالح عليه أهل الذمة وإن كان أكثر من هذا إذا كان العقد على شيء مسمى بعينه وإن كان أضعاف هذا وإذا عقد لهم العقد على شيء مسمى لم يجز عندي أن يزاد على أحد منهم فيه بالغا يسره ما بلغ وإن صالحوا على ضيافة مع الجزية فلا بأس وكذلك لو صالحوا على مكيلة طعام كان ذلك كما يصالحون عليه من الذهب والورق ولا تكون الجزية إلا في كل سنة مرة ولو حاصرنا أهل مدينة من أهل الكتاب فعرضوا علينا أن يعطونا الجزية لم يكن لنا قتالهم إذا أعطوناها وأن يجري عليهم حكمنا وإن قالوا نعطيكموها ولا يجري علينا حكمكم لم لم يلزمنا أن نقبلها منهم لأن الله عز وجل قال { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فلم أسمع مخالفا في أن الصغار أن يعلو حكم الإسلام على حكم الشرك ويجري عليهم ولنا أن نأخذ منهم متطوعين وعلى النظر للإسلام وأهله وإن لم يجر عليهم الحكم كما يكون لنا ترك قتالهم ولو عرضوا علينا أن يعطونا الجزية ويجري عليهم الحكم فاختلفنا نحن وهم في الجزية فقلنا : لا نقبل إلا كذا وقالوا : لا نعطيكم إلا كذا رأيت والله تعالى أعلم أن يلزمنا أن نقبل منهم دينارا دينارا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذه من نصراني بمكة مقهور ومن ذمة اليمن وهم مقهورون ولم يلزمنا أن نأخذ منهم أقل منه والله تعالى أعلم لأنا لم نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من الأئمة أخذ منهم أقل منه واثنا عشر درهما في زمان عمر رضي الله تعالى عنه كانت دينارا فإن كان أخذها فهي دينار وهي أقل ما أخذ ونزداد منهم ما لم نعقد لهم شيئا مما قدرنا عليه وإن كنت في العقد لهم أن يخفف عمن افتقر منهم إلى أن يجد كان ذلك جائزا وإن لم يكن في العقدة كان ذلك لازما لهم والبالغون منهم في ذلك سواء الزمن وغير الزمن فإن أعوز أحدهم بجزيته ( أهل الكتاب ) فهي دين عليه يؤخذ منه متى قدر عليها وإن غاب سنين ثم رجع أخذت منه لتلك السنين إذا كانت غيبته في بلاد الإسلام والحق لا يوضع عن شيخ ولا مقعد ولو حال عليه حول أو أحوال ولم تؤخذ منه ثم أسلم أخذت منه لأنها كانت لزمته في حال شركه فلا يضع الإسلام عنه دينا لزمه لأنه حق لجماعة المسلمين وجب عليه ليس للإمام تركه قبله كما لم يكن له تركه قبله في حال شركه .
فتح السواد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لست أعرف ما أقول في أرض السواد إلا ظنا مقرونا إلى علم وذلك أني وجدت أصح حديث يرويه الكوفيون عندهم في السواد ليس فيه بيان ووجدت أحاديث من أحاديثهم تخالفه منها أنهم يقولون : السواد صلح ويقولون السواد عنوة ويقولون بعض السواد صلح وبعضه عنوة ويقولون : إن جرير بن عبد الله البجلي وهذا أثبت حديث عندهم فيه ، أخبرنا الثقة عن ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال : كانت بجيلة ربع الناس فقسم لهم ربع [ ص: 298 ] السواد فاستغلوه ثلاث أو أربع سنين أنا شككت ثم قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ومعي فلانة ابنة فلان امرأة منهم لا يحضرني ذكر اسمها فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : لولا أني قاسم مسئول لتركتكم على ما قسم لكم ولكني أرى أن تردوا على الناس ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وكان في حديثه " وعاضني من حقي فيه نيفا وثمانين دينارا " وكان في حديثه فقالت فلانة : قد شهد أبي القادسية وثبت سهمه ولا أسلمه حتى تعطيني كذا أو تعطيني كذا فأعطاها إياه قال وفي هذا الحديث دلالة إذ أعطى جريرا البجلي عوضا من سهمه والمرأة عوضا من سهم أبيها أنه استطاب أنفس الذين أوجفوا عليه فتركوا حقوقهم منه فجعله وقفا للمسلمين وهذا حلال للإمام لو افتتح اليوم أرضا عنوة فأحصى من افتتحها وطابوا نفسا عن حقوقهم منها أن يجعلها الإمام وقفا وحقوقهم منها إلا الأربعة الأخماس ويوفي أهل الخمس حقوقهم إلا أن يدع البالغون منهم حقوقهم فيكون ذلك لهم والحكم في الأرض كالحكم في المال وقد { سبى النبي صلى الله عليه وسلم هوازن وقسم الأربعة الأخماس بين المسلمين ثم جاءته وفود هوازن مسلمين فسألوه أن يمن عليهم بأن يعطيهم ما أخذ منهم فخيرهم بين الأموال والسبي فقالوا : خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا فنختار أحسابنا فترك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه وحق أهل بيته فسمع بذلك المهاجرون فتركوا له حقوقهم فسمع بذلك الأنصار فتركوا له حقوقهم ثم بقي قوم من المهاجرين الآخرين والفتحيين فأمر فعرف على كل عشرة واحدا ثم قال : ائتوني بطيب أنفس من بقي فمن كره فله علي كذا وكذا من الإبل إلى وقت كذا فجاؤه بطيب أنفسهم إلا الأقرع بن حابس وعتيبة بن بدر فإنهما أبيا ليعيرا هوازن فلم يكرههما رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى كانا هما تركا بعد بأن خدع عتيبة عن حقه وسلم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حق من طاب نفسا عن حقه } وهذا أولى الأمور بعمر بن الخطاب رضي الله عنه تعالى عندنا في السواد وفتوحه إن كانت عنوة فهو كما وصفت ظن عليه دلالة يقين وإنما منعنا أن نجعله بالدلالة أن الحديث الذي فيه تناقض لا ينبغي أن يكون قسم إلا عن أمر عمر رضي الله تعالى عنه لكبر قدره ولو تفوت عليه فيه ما انبغى أن يغيب عنه قسمه ثلاث سنين ولو كان القسم ليس لمن قسم له ما كان لهم منه عوض ولكان عليهم أن تؤخذ منهم الغلة والله سبحانه وتعالى أعلم كيف كان ولم أجد فيه حديثا يثبت إنما أجدها متناقضة والذي هو أولى بعمر عندي الذي وصفت فكل بلد فتحت عنوة فأرضها ودارها كدنانيرها ودراهمها وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وبني قريظة فلمن أوجف عليها أربعة أخماس والخمس لأهله من الأرض والدنانير والدراهم فمن طاب نفسا عن حقه فجائز للإمام حلال نظرا للمسلمين أن يجعله وقفا على المسلمين تقسم غلته فيهم على أهل الخراج والصدقة وحيث يرى الإمام منهم ومن لم يطب عنه نفسا فهو أحق بحقه وأيما أرض فتحت صلحا على أن أرضها لأهلها ويؤدون عنها خراجا فليس لأحد أخذها من أيدي أهلها وعليهم فيها الخراج وما أخذ من خراجها فهو لأهل الفيء دون أهل الصدقات لأنه فيء من مال مشرك وإنما فرق بين هذا والمسألة الأولى أن ذلك وإن كان من مشرك فقد ملك المسلمون رقبة الأرض فيه فليس بحرام أن يأخذه صاحب صدقة ولا صاحب فيء ولا غني ولا فقير لأنه كالصدقة الموقوفة يأخذها من وقفت عليه من غني وفقير وإذا كانت الأرض صلحا فإنها لأهلها ولا بأس أن يأخذها منهم المسلمون بكراء ويزرعونها كما نستأجر منهم إبلهم وبيوتهم ورقيقهم وما يجوز لهم إجارته منهم وما دفع إليهم أو إلى السلطان بوكالتهم فليس بصغار عليهم إنما هو دين عليه يؤديه والحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم { لا ينبغي لمسلم أن يؤدي خراجا ولا [ ص: 299 ] لمشرك أن يدخل المسجد الحرام } إنما هو خراج الجزية ولو كان خراج الكراء ما حل له أن يتكارى من مسلم ولا كافر شيئا ولكنه خراج الجزية وخراج الأرض إنما هو كراء لا محرم عليه وإذا كان العبد النصراني فأعتقه وهو على النصرانية فعليه الجزية وإذا كان العبد النصراني لمسلم فأعتقه المسلم فعليه الجزية إنما نأخذ الجزية بالدين والنصراني ممن عليه الجزية ولا ينفعه أن يكون مولاه مسلما كما لا ينفعه أن يكون أبوه وأمه مسلمين .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.70 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]