الإمام عبد الحميد الفراهي وكتابه جمهرة البلاغة
د. أورنك زيب الأعظمي
الإمام عبد الحميد الفراهي
وكتابه "جمهرة البلاغة"
د. أورنك زيب الأعظمي [1]
ملخص البحث
لقد عني العلماء والباحثون بالبلاغة العربية في كل عصر من عصور التاريخ الإسلامي، فبدءًا بسيبويه وأبي عبيدة والفراء، ومرورًا بثعلب وابن المعتز وقدامة وأبي هلال وابن رشيق والجرجاني، نجد عددًا هائلًا من علماء الإسلام وأدبائه الذين كتبوا في البلاغة العربية وألّفوا عددًا لا يحصى من الكتب والرسائل في هذا الفن فنقد الشعر والصناعتين والعمدة ودلائل الإعجاز والمثل السائر ومفتاح العلوم والتلخيص والإيضاح كتب مشهورة في فن البلاغة العربية. ولقد بدؤوا ببلاغة الألفاظ ونظم الكلمات والجمل وركزوا على الأساليب وقسموها في علم المعاني والبيان والبديع وحاولوا وضعها في قوالب الأسلوبية والفلسلفة. وكل هذه المحاولات كانت خارج الهند والسند.
ولم يتخلف وطننا الهند في هذا المجال فبرزت فيه محاولات عديدة لفهم البلاغة العربية مثل "بحر المعاني" و"بدائع البيان" و"عين المعاني" و"فتح المعاني" و"شرح ميزان البلاغة"، وأما بلاغة القرآن الكريم فقد حظيت بعنايتهم، فنجد من الكتب "إعزاز قرآن" و"وجوه إعجاز القرآن" و"جمهرة البلاغة" و"البلاغة القرآنية" وهذه علاوة على الشروح والحواشي والتلخيصات التي لا عدّ لها ولا حصر.
وكتاب "جمهرة البلاغة" من مؤلفات الإمام عبد الحميد الفراهي (ت 1932م) الذي انقطع إلى تدبر القرآن وسبر غوره والتفكير في معاني آياته ونظم سوره. وحاول التجديد في كل فن وتدوينه من جديد في ضوء القرآن الكريم فألّف الكتب والرسائل في التفسير والحديث والفقه والنحو والفلسفة ومبادئ الدين حتى نجد في مؤلفاته محاولات المقارنة بين أديان العالم وذلك لأنه كان متضلعًا من العربية والفارسية والإنجليزية والسريانية والسنسكريتية وغيرها من شتى لغات العالم. وكان باحثًا ومفكّرًا وشاعرًا فانطلق يكتب أكثر من سبعين رسالة في آن واحد وترك إشارات وذكريات عنها إلا أنه لم يوفّق إتمامها سوى العدد القليل منها، وهي تفسير بعض سور القرآن وإمعان في أقسام القرآن، والرأي الصحيح فيمن هو الذبيح، وأسباق النحو وزمزمه دري وغيرها من مؤلفاته ورسائله التي سيطول بذكرها الملخص.
من خلال محاولته لتجديد الفنون وتطهير العلوم قام الإمام الفراهي بتأليف رسالة صغيرة للغاية باسم "جمهرة البلاغة" صدرت في حياته وتوجد إحدى نسخها في مكتبتنا المركزية ولكنه شعر فيما بعد بأنها تحتاج إلى إعادة النظر فيها وإضافة المواد الأخرى إليها فبدأ بتأليفها من جديد ولكن عاجلته المنية قبل أن يقوم بإتمامها.
هذه الرسالة غير التامة صدرت بعد وفاته في 1360ه من مطبعة "معارف" بأعظم كره (أوترابراديش) في 86 صفحة. تنقسم الرسالة إلى ثلاثة أقسام؛ القسم العمومي، والقسم الخصوصي، ومباحث متفرقة. فالقسم العمومي يتناول معنى البلاغة والنقد على النظريات المختلفة عنها بجانب الإشارة إلى أصول البلاغة العامة، بينما القسم الخصوصي يتحدث عن مختلف الأساليب البلاغية بما فيها دلالة الوصل والفصل والحذف والمقابلة والاستثناء، ومن هنا تخلّص إلى بلاغة القرآن التي هي غاية هذه الرسالة وهدفها الرئيس، والقسم الثالث (مباحث متفرقة) ينطق عن الجملة المعترضة وروح البلاغة وسرّها وكمالها ومحاسن كلام العرب ومذهب العرب في نقد الكلام وغيرها من المباحث المهمة. حاول الإمام الفراهي من خلال رسالته هذه أن يكشف القناع عن بلاغة القرآن في ضوء كلام العرب القح وكلام الرب تعالى ذاته، فلم يحوّلها إلى بلاغة العجم التي لا صلة لها ببلاغة العرب ولاسيما ببلاغة القرآن الكريم. هذه محاولة بديعة وناجحة.
والبحث القادم، وهو تفصيل هذا الموجز، ينقسم في مبحثين بعد المدخل أولهما يقدّم ترجمة موجزة للإمام الفراهي وثانيهما دراسة تحليلية لكتابه جمهرة البلاغة. فنبدأ بسم الله الرحمن الرحيم.
مدخل إلى الموضوع
مما أنجبت محافظة أعظم كره من الشخصيات ذات الشهرة الدولية في مختلف المجالات العلمية والأدبية شخصية العلامة الإمام عبد الحميد الفراهي (1863-1930م). كان الإمام الفراهي شخصية ذات أبعاد شتى فكان متضلعًا في العربية والفارسية والإنجليزية وكان ماهرًا في الكلام والفلسفة والتعليم إلا أنّ مجاله الحبيب كان هو القرآن وعلومه. فقال فيه العلامة السيد سليمان الندوي:
"وبعدما قضى وطره من طلب العلم، واستقى من حياضه، ورتع من رياضه انقطع إلى تدبر القرآن ودرسه، والنظر فيه من كل جهة، وجمع علومه من كل مكان، فقضى فيه أكثر عمره، ومات وهو مكبّ على أخذ ما فات من العلماء، ولفّ ما نشروه ولمّ ما شتّتوه، وتحقيق ما لم يحقّقوه. فكان لسانه ينبع علمًا بالقرآن وصدره يتدفق بحثًا عن مشكلاته وقلمه يجري كشفًا عن معضلاته".[2]
وفيما يلي موجز عن حياة هذه الشخصية القرآنية وأعماله الخالدة، ودراسة تحليلية لأبرز مؤلفاته في النقد والبلاغة ألا وهو كتاب "جمهرة البلاغة".
المبحث الأول: موجز عن حياة وأعمال الإمام عبد الحميد الفراهي:
ولد الإمام الفراهي في 18/ نوفمبر سنة 1863م بقرية "فريها" (أعظم كره، أوترابراديش)، وكان أبوه من أشراف الديار ومثقفًا بثقافة غربية ومالك مكتبة غنية كعادة أسلافه. بدأ الفراهي دراسته بقراءة القرآن الكريم فحفظه عن ظهر القلب ثم تلمذ لأمهر دياره في الفارسية وشاعرها الشيخ محمد مهدي الشتاروي وتعلّم عليه اللغة الفارسية كما تعلّمها على ابن خاله العلامة المؤرخ شبلي النعماني. ثم شرع يتعلّم اللغة العربية وعلومها على ابن خاله المذكور وقد وفّق الاستفادة من العلامة محمد فاروق الشرياكوتي أستاذ العلامة شبلي. وكان العلامة الشرياكوتي ماهرًا في الفارسية والعربية وشاعرهما وكانت له اليد الطولى في علم الكلام. وبعدما نهل من هذه المناهل ارتحل إلى لكناؤ حيث استفاض من علامتها الجليل عبد الحي الفرنغي محلي في مجال الفقه الإسلامي. ولقد أنهى تعليم العلوم العربية والإسلامية على علامة الشرق فيض الحسن السهارنبوري الذي كان فاقد النظير في التبحر في الأدب العربي وأنساب العرب. كان العلامة السهارنبوري شاعرًا للفارسية والعربية والأردوية وناقدًا كبيرًا وماهرًا في علوم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. كتبه ومؤلفاته دليل بيّن على تبحره هذا. أنهى الإمام الفراهي هذه السلسلة التعليمية في 1883م.
وبعد الفراغ من نيل هذه العلوم والفنون رغب في الحصول على العلوم الجديدة فتعلّم أولًا اللغة الإنجليزية وبعدما شدا منها اجتاز اختبار الثانوية من كلية الله آباد، وفي عام 1891م توجّه نحو علي كره والتحق بكليتها الشرقية في البكالوريوس واجتازها في 1895م فاستفاد من علمائها وباحثيها لاسيما البروفيسور أرنولد وحاول أن يجتاز ماجستير ولكنه لم يوفّق لها وكذا حاول أن يجتاز اختبار القانون ولكنه لم يقدّر له وهكذا انتهت سلسلة تعلمّه الديني والعصري في 1897م.
بدأ الفراهي يفكّر ويكتب منذ إقامته بعلي كره فقام في رحابها بترجمة كتابين إلى الفارسية تمّ تقريرهما في المقرّرات الدراسية في كلية علي كره وكذا كتب قصيدته العربية التي هنّأ فيها أستاذه العلامة شبلي على تكرّمه بشرف "شمس العلماء" وجعل يتفكرّ في القرآن الكريم كما يبدو من مقدمة كتابه الجليل "تفسير نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان".
بدأ الفراهي حياته العملية من مدرسة الإسلام بكراتشي حيث تم تعيينه كمدرّس للعربية في 1897م. قضى بها عشر سنوات معلّمًا ومؤلفًا ثم رجع إلى علي كره حيث تعيّن أستاذًا مساعدًا للعربية في 1907م وقضى بها سنة واحدة ثم تعيّن أستاذًا للعربية في كلية ميور التابعة لجامعة الله آباد في 1908م. وفي 1914م ارتحل إلى حيدراباد حيث تعيّن كعميد دارها للعلوم وأقام بها حتى 1919م فاستقال عنها في شهر أغسطس لنفس السنة راجعًا إلى دياره لخدمة مدرسة الإصلاح التي ساعد في تأسيسها ابن خاله العلامة شبلي النعماني ولقد دعاه لذلك العلامة النعماني ذاته. ومنذ هذه الفترة بقي يخدم تلك المدرسة حتى وافاه الأجل في 11/ نوفمبر سنة 1930م. فكتب العلامة السيد سليمان الندوي على وفاته:
"الصلوة على ترجمان القرآن نداء رفع للصلاة على جنازة ابن تيمية من مصر والشام حتى جدران الصين قبل الآن بستة قرون ونصف قرن، ومن الواقع أن يعاد هذا النداء مرة ثانية وأن يبلغ، على الأقل، مصر والشام من بلاد الهند بأن توفي ابن تيمية هذا العصر في 19 جمادى الثاني 1349ه الموافق لـ11 نوفمبر 1930م ولا نتوقع في هذه الأوضاع الراهنة أن يبرز نظيره في العالم الإسلامي فقد كان العلامة كآية ربانية لتبحره في العلوم الشرقية والغربية وكان فاقد النظير في التضلع بالعربية ومثقفًا للإنجليزية وصورة حية للتقوى وتمثالًا ناطقًا للفضل والكمال وحافظًا للفارسية ونابغة للعربية فلو كان شخصية واحدة ولكنه قد جمع في فرديته عالمًا للحكمة، ودنيًا للمعرفة، وكونًا للعلم، فلو كان في عزلة عن الناس إلا أنه كان مجمعًا لأبحر العلم والفضل وكان مضرب المثل في غناه عن الناس مع ثروته العلمية. كان فريدًا في الإلمام بالعلوم الأدبية وذخرًا للعلوم العربية، وناقدًا للعلوم العقلية، وماهرًا للعلوم الدينية، وبارعًا لعلوم القرآن، وفوق تلك أنه كان في غنى عن متاع الدنيا وبعيدًا عن مدح الناس ومعتكفًا في زاوية لخدمة العلم فكان وحده ملكًا في دنياه ذاته. إنه أنفق ثلاثين سنة كاملة في التفكير على القرآن وسبر غوره بعيدًا عن ضجيج العالم وغوغائه ---- ولد فقضى عمره في تدبر القرآن ومضى لسبيله، ولكن الأسف أن العالم لم يسعه تقدير أهميته وفضله".[3]
ألّف الفراهي ودوّن أكثر من سبعين كتابًا ومجموعة ومن أبرزها "تفسير نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان" و"الرأي الصحيح في من هو الذبيح" و"إمعان في أقسام القرآن" و"أسباق النحو" و"مفردات القرآن" و"التكميل في أصول التأويل" و"في ملكوت الله" و"أساليب القرآن" و"القائد إلى عيون العقائد" و"ديوان حميد" و"زمزمه درى" و"ديوان فيض الحسن السهارنبوري" و"جمهرة البلاغة". ونودّ أن نقوم بالدراسة التحليلية للكتاب الأخير الذي طبع في 1360ه من الدائرة الحميدية بمدرسة الإصلاح بسراي مير، أعظم كره والذي موضوعه بلاغة العرب لاسيما بلاغة القرآن الكريم.
المبحث الثاني: دراسة تحليلية لكتاب "جمهرة البلاغة":
أولًا: السبب في تأليف هذا الكتاب: أراد الإمام الفراهي بتأليف هذا الكتاب الكشف عن بلاغة الوحي الرباني لاسيما القرآن الكريم كما يقول في خطبته لهذا الكتاب:
"فوجب علينا أن نعرف أسرار البيان وفضائله كما وجب علينا أن نعرف إعجاز القرآن ودلائله لنستكمل من فطرتنا عنصرها ونستسقي من عيون الوحي كوثرها".[4]
ويقول في مكان آخر من كتابه:
"اعلم أن البيان كالظل والأثر للنطق الذي هو مقوم للإنسان كما أن النطق ظل من الوحي الأعلى وكلمة الله العليا فالبحث عن أوليات علم البيان يجلبنا إلى الحكمة الإلهية ولكنا الآن في الجدول فلا نغوص في البحر غير أنا لا ننساه ونعلم أن إليه منتهاه وهل المصير لشيء إلا الله وقدّمنا هذه الكلمات ليتبيّن لك الفرق بين تعاطينا العلوم لاسيما هذا العلم وبين تعرض الأمم الأخر له فإنهم نظروا إليه من نظر دني دنياوي فغالتهم غوائلها وأبعدهم عن الحق".[5]
وهذا من ميزة الفراهي أنه يشير في خطبة كل كتاب له إلى ما هو الهدف في تأليفه. ولقد تناولنا بالبحث خطبه العربية في مقالة منشورة في مجلة "ترجمان دار العلوم جديد".[6]
وإنه بنى هذا الفن على كلام العرب الأقحاح الذين كانوا فرسان الكلام وكانوا أعرف ببلاغة كلامهم من غيرهم فيقول مشيرًا إلى هذا الجانب:
"كما أن علماء الإسلام أقبلوا على هذا الفن لأجل الكشف عن إعجاز القرآن فلو أنهم استقصوا كلام العرب واقتفوا آثار المحاسن فيه وقيّدوها بالحدود ونظموها في ترتيب حتى يصير لهم ميزان ومحك لمعرفة محاسن الكلام ثم نظروا في براعة القرآن ونظمه المعجز لكانوا أقرب إلى معرفته ولكنهم لم يأخذوا من العرب ولا من كلامهم فإنهم أثرت فيهم علوم العجم كما خالطتهم سجاياهم إلا الأولين كالجاحظ فإنه لا يبعد عن سنن العرب كبعد صاحب دلائل الإعجاز ولم يبعد إلا لقلة ممارسته بكلام العرب الخالص فلو تيسّر له ذلك عرف منزلتهم في هذه الصناعة واعترف بفضلهم على المولدين".[7]
ويقول في موضع آخر من كتابه:
"فاعلم أنه ليس أن العرب أعطوا البلاغة ولم يعطوا تمييزًا بين محاسن الكلام ومساويه وانتباهًا لمواضع الجودة والرداءة فيه فإنهم كانوا يباهون ببراعة الكلام ويحكّمون بينهم من كان أبصرهم بنقده. والأخبار في ذلك كثيرة حتى بلغ أمر البلاغة فيهم منزلة نظام المعاشرة. فكان خطيبهم يأخذ بزمام القوم فيقودهم إلى حيث شاء ويقوم شاعرهم فيرفع قومه من الأرض إلى السماء فأجدر بقوم هذا شأنهم أن يجري ذوقهم في هذه الصناعة على سنة وأصول معلومة وإلا كيف يقضي فيهم حكمهم أم كيف يذعن لحكمه أرباب العقل فيهم وإن رأيت في كتب الأدب نقدهم وبيانهم وجوه المزية لكلام على كلام علمت باليقين صدقَ هذه الدعوى وذكرنا نبذًا منه في باب اختيار اللفظ. ثم علمت أن سبيلهم في نقد الكلام لم يكن كسبيل صاحب أسرار البلاغة وهو القدوة للذين جاءوا من بعده فاتبعوا خطواته فكان سبيله سدًا بينهم وبين العرب فلو التزموا كلام العرب ولم يلتفتوا إلى أصول مهّدها المبعدون لكان خيرًا لهم وكانوا أقرب إلى معرفة إعجاز القرآن من طريق الذوق وإن لم يكونوا من طريق الصناعة".[8]
وثانيًا: رأي العلماء والباحثين عن هذا الكتاب: ولو أن الكتب كثرت وتعدّدت في هذا الموضوع إلا أن هذا الكتاب فريد من نوعه فقد أشاد الكتاب والعلماء والباحثون بهذا الكتاب ومن بينهم عدد ملموس من العلماء العرب كما رطبت ألسنة العلماء الهنود بذكره وننقل فيما يلي طرفًا من آرائهم:
1- العلامة شبلي النعماني: ".... هذه هي مباحث الكتاب والكاتب يعرف جيدًا ما كُتِبَ عن بلاغة القرآن ولكنه يظن أن كلها غير تامة في الموضوع. وما قام به القدامى من ترتيب فن البلاغة ناقص كذلك، ولذا فقد اعتنى الكاتب بهذا الفن ورتّبه في نطاق واسع ووضع أصولًا عديدة لم يكن بها عهد لفن البلاغة وهكذا فألّف كتابًا مستقلًا سمّاه "جمهرة البلاغة".[9]
2- الشيخ أمين أحسن الإصلاحي: ".... قام الأستاذ الفراهي بتأليف كتاب جديد في فن البلاغة فغيّر ترتيب هذا الفن وجاء بالعديد من الأصول الجديدة التي يمكن أن تثبت مستوًى صادقًا لتقدير بلاغة القرآن".[10]
ويقول في موضع آخر: "جمهرة البلاغة كتاب فاقد النظير للفراهي في فن بلاغة القرآن".[11]
3- العلامة أبو الحسن الندوي: "لما فرض إليّ مهمة تدريس القرآن الكريم في دار العلوم بندوة العلماء قرأت مؤلفات الشيخ عبد الحميد الفراهي بإمعان وجدية وجهد بالغ واستفدت منها قدر المستطاع، ولما وُجِّهَتْ إليّ الدعوة من قبل جامعة دمشق في 1956م حملت معي كتب الشيخ الفراهي لاسيما "جمهرة البلاغة" الذي تأثرت به كثيرًا كطالب الأدب العربي وتاريخه، وكباحث لهما ومفكّر فيهما".[12]
ويقول في مكان من خطابه هذا: "من أعماله الجليلة "جمهرة البلاغة" لو قام أحد بتحقيقه وتقديمه بأسلوب علمي جديد لثبت تفرّد الشيخ الفراهي في هذا المجال فلقد قام الشيخ بإعداده لذوقه السليم للأدب العربي والقرآن الكريم".[13]
4- الدكتور شرف الدين الإصلاحي: "لو أتمّ العلامة الفراهي هذا الكتاب على المستوى الذي بدأ به لكان كتابه هذا من كتب العالم العظيمة لسبب أفكاره ونظرياته البديعة".[14]
ويستطرد قائلًا: "إن هذاالكتاب يحتوي على مجموعة كبيرة للمسائل الدقيقة والنكت اللطيفة".[15]
5- البروفيسور محمد راشد الندوي: "كان العلامة الفراهي ولعًا كلفًا بالقرآن الكريم، ألّف عديدًا من الرسائل في علوم القرآن يضمنها إعجاز القرآن الحكيم. كتابه "جمهرة البلاغة" مثال رائع لجهده في هذا الفن. ولقد مارس العلامة الفراهي كلام العرب الجاهلي كما أمعن النظر فيما ألّف من كتب النقد والبلاغة حتى عصره. كان العلامة يشعر تمامًا بفصاحة القرآن وبلاغته لتضلعه من اللغة العربية، ولقد درس جيدًا كلام العرب الجاهلي والقرآن الكريم ومؤلفات علماء النقد والبلاغة".[16]
ويمضي قائلًا: "ما ذكره العلامة من أصول النقد والبلاغة في كتابه الموجز هذا هي عصارة نظرياته الأدبية والنقدية، أسلوبه موجز للغاية بل لو كان هناك كلمة أخرى لما هو أوجز من الإيجاز للتعبير عن إيجاز كتاباته لاستخدمناها فربما يكتفي العلامة بالإشارة إلى قضية مهمة للغاية والحال أنها تقتضي التوضيح. لعله ظنّ حين تأليف كتبه أن قارئها أحدّ عقلًا كمثله".[17]
ويقول كذلك: "وفي رأيي المتواضع أن هذا الكتاب فريد من نوعه في الموضوع باللغة العربية وهو ليس مفخرة للعلامة الفراهي فحسب بل لعلماء شبه القارة أجمعين".[18]
6- الدكتور أحمد مطلوب بعد دراسة هذا الكتاب في أكثر من عشرين صفحة: "هذه جولة في كتاب فريد من نوعه ألّفه مسلم في الشرق الإسلامي، ولم يصل إلى البلاد العربية ليكون صورة من صور الدرس البلاغي في القرن العشرين للميلاد".[19]
7- الدكتور صالح سعيد الزهراني في مقالته الطويلة عن هذا الكتاب: "كتاب جمهرة البلاغة يمثّل رافدًا من روافد التفكير البلاغي الحديث".[20]
ويقول في نهاية دراسته لهذا الكتاب: "كتاب جمهرة البلاغة يمثل إضافة نوعية للتفكير البلاغي في العصر الحديث لكونه رؤية خاصة للبلاغة العربية في الإبداع وسياسة القول، وقراءة واعية لأصول البلاغة العربية كما تجلّت في البيان المعجز وكلام سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه، وأدب العرب الخلّص، ورؤية ناقدة لتحولات البلاغة العربية إبداعًا وسياسة للنص عقب مثاقفتها مع الفلسفة اليونانية، وبخاصة فلسفة أرسطو، التي كان لها أكبر الأثر في رؤي البلاغيين والشعراء المجددين في العصر العباسي".[21]
8- الدكتور أجمل أيوب الإصلاحي: "جمهرة البلاغة الذي نقض فيه الأساس الذي يقوم عليه فن البلاغة عند أرساطاليس، وهو نظرية المحاكاة، ويرى الفراهي أن فن البلاغة العربية تأثر بهذه النظرية فجار عن قصد السبيل، وانتقد في ذلك الإمام عبد القاهر الجرجاني مع اعترافه بجلالته، ودعا إلى تأسيس فن البلاغة على أسس منبثقة من القرآن الكريم وكلام العرب الأقحاح".[22]
وثالثًا: هل تمّ الكتاب أم لم يتمّ؟ كل من يلقي نظرة خاطفة على هذا الكتاب يعرف بأول وهلة أن هذا الكتاب غير تام وأن الفراهي لم يوفّق إتمامه فيكثر فيه "بياض في الأصل" فقرة كتبها من قام بجمع وتدوين مؤلفات الفراهي وهذه تعني أن الفراهي ترك هذا المكان فارغًا ليملأه في المستقبل ولكنه لم يوفّق ملأه. وهذا كما يدلّ على شيء فكذلك يدلّ على أن الفراهي ليس كمثل الكتّاب الآخرين الذين يدرسون بعض الكتب فيشرعون في تأليف كتاب ما وينهون تأليفه في مدة قليلة أو طويلة، إنما يفكّر الفراهي في الموضوع فيدرس الكتب فيه كما يستفيد من المصادر والمراجع ولا يكتب شيئًا إلا بعد دراسة طويلة وإمعان النظر فلقد ذكر لي أستاذي الشيخ نجم الدين الإصلاحي الذي كان تلميذًا من تلامذة الفراهي وكان يلازمه ليل نهار أن الفراهي لم يكن يكتب شيئًا في النهار بل كان يدرس ويدرس وكان يستيقظ في السحر فيغسل ثم يصلّي الفجر ثم يقوم بكتابة شيء ما عن الموضوع وكان يكتب على أوراق فيجمعها في صندوق له موضوع في حجرته وعندما وجد في موضوع تحريرًا ظنه كافيًا لموضوع فقام بجمعه وتأليفه في صورة كتاب.
ومثله حدث مع هذا الكتاب فقد شرع الفراهي في تأليف هذا الكتاب في 1905م وأرسل بعض ما كتب إلى أخيه العلامة شبلي النعماني وواصل كتابته حتى خمس عشرة سنة ولم يكمل فتوفي في 1930م.
يتبع