
31-10-2022, 05:33 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,340
الدولة :
|
|
رد: التشاكل والتناص في نماذج من شعر أبي العباس الجراوي
التشاكل والتناص في نماذج من شعر أبي العباس الجراوي
سليمان لمراني علوي
وسبيله إلى ذلك آليتا التمطيط والإيجاز:
فالتمطيط يأتي بأشكال مختلفة منها:
أ- الأناكرام:
وهو الجناس بالقلب وبالتصحيف.
القلب نحو: (قال، قول).
التصحيف نحو: قول الشاعر الجراوي.
"في راحتيه لمعتف ولمعتد ♦♦♦ يوما ندى ووغى منى ومنون"[5]
فهذا التصحيف يتمثل في: (لمعتف، لمعتد)، وفي (ندى، وغى).
ب- الشرح
إذ يعمد الشاعر إلى تمطيط نواة معنوية، على شكل كلمة محور أو قول سواء في الأول أو في الوسط أو في الأخير في صيغ مختلفة تكون مجرد توضيح وشرح لتك النواة.
وذلك في قول الشاعر الجراوي وهو يصف الخليفة:
إن الإمام هو الطبيب وقد شفى
علل البرية ظاهرا ودخيلا 
حمل البسيطة وهي تحمل شخصه
كالروح توجد حاملا محمولا[6] 
فالإمام الخليفة هو النواة الأساسية، وكل ما جاء بعده فهو شرح وتوضيح لهذه النواة.
ج- الاستعارة
وهي بأنواعها المختلفة سواء المرشحة منها والمجردة والمطلقة، إذ تلعب دورا أساسيا في الشعر لما تضفي عليه من حياة وتشخيص على الجمادات.
ومثال ذلك:
"ونازعتهم سيوف الهند أنفسهم ♦♦♦ فلم يفدهم عن الهيجاء تعريد" [7]
فبدل أن يستعمل كلمة الجيوش استعمل وسيلة للجيوش أثناء المعركة وهي السيوف.
4- التكرار
الذي يتمثل في تكرار بعض الأصوات والكلمات والصيغ، من قبيل قول الشاعر:
إذا لم يتَفق رأي ورأي
أفاد في محبَتك اتفاقا 
صفا لك كلَ قلب غير صاف
وزحزح عن ضمائره النفاقا[8] 
فتكرار الأصوات نحو: حرف التاء في (يتفق، اتفاقا، محبتك)، وحرف الفاء في (أفاد، النفاقا، صفا).
وتكرار الكلمات نحو: (رأي، رأي)، (صفا، صفا).
وتكرار الصيغ نحو: (اتفاقا، النفاقا).
هذا من حيث آليات التمطيط في التناص، أما من حيث آليات الإيجاز فله دور كبير في عملية التناص، فالمتلقي للإيجاز يحتاج إلى نوع من الشرح والتوضيح خاصة إذا كان من المتلقين العاديين، ويتجلى هذا الإيجاز في قول أبي العباس الجراوي وهو يمدح اليعقوب المنصور.
"ما في الحياة لمن ناواكم طمع
إن ندَ خوفا ففي أحبولة يقع 
عن كل قوس صروف الدهر ترشقه
فما له في سوى التسليم منتفع 
ما للعدو بما أعددته قبل
ولا بغير انقياد منه يمتنع"[9] 
فالمتلقي العادي لا يعرف من هو يعقوب المنصور وبعض الكلمات مما يحتاج إلى شروح وتوضيح قصد الفهم.
ومما تطرقت إليه حول أنواع التشاكل مع التمثيل لكل نوع على حدا بمثال توضيحي خلصت إلى أن هذه الأنواع تدرس وبشكل واضح مسألة التناص الداخلي في شعر أبي العباس الجراوي.
ولا شك أن الحديث عن التناص الداخلي (Interatexte) يدفعنا إلى الحديث عن التناص الخارجي (Intertexte)، وهذا ما سأحاول معالجته وفق أمثلة توضيحية في المبحث الثاني من الشق التطبيقي.
ومما تقدم يمكن القول أن أي نص إبداعي كيفما كان جنسه نثرا أو شعرا أثناء معالجته ودراسته دراسة بنيوية تحليلية، إلا وقفنا على ما تم الحديث عنه من التشاكلات وآليات وتقنيات التناص الداخلي التي تكون مرتبطة ارتباطا ليس اعتباطيا، وإنما ارتباطا من محض إرادة ذلك المبدع كونه العارف بخبايا نصه.
المبحث الثاني. التناص الخارجي في شعر أبي العباس الجراوي
يختلف التناص الخارجي"Intertexte" عن التناص الداخلي"Intra texte" في كونه يصل النص بنصوص أو مقتبسات من خارجه وهو حوار بين نص ونصوص أخرى متعددة المشارب والمصادر والمستويات، وهي تشير إلى ما يطلبه الشاعر عمدا في نصوص سابقة أو مزامنة في ثقافته أو خارجها.
إن الشاعر الموحدي أبي العباس الجراوي من خلال نظمه الشعري حاول أن يتناص أولا مع الشعراء القدامى في الشكل الهندسي للقصيدة حيث اعتمد على وحدة البيتين المتناظرين والمتساويين ووحدتي الروي والقافية. إلا أن هذا التناصب على مستوى الشكل الهندسي لا يقف عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى تناصات مع القرآن الكريم ، وبعض الأحداث التاريخية، فضلا عن بعض الأبيات الشعرية من دواوين بعض الشعراء وعلى وجه الدقة والتحديد ديوان المتنبي وشعراء آخرين.
فمن مصادر وآليات التناص الخارجي في شعر أبي العباس الجراوي بعض المصادر يمكن إجمالها في ما يلي:
بادئ ذي بدأ لا بد من الحديث عن جملة من العلل والعوامل التي تفاعلت آثارها في الشخصية الأدبية الموحدية وعلى وجه التحديد والدقة الشاعر الموحدي "أبي العباس الجراوي" الذي حقق التميز في وجه الأندلس والمشرق العربي مسايرة لعظمة الدولة ومجدها الحضاري، حيث كثير الشعر وانتشاره.
وقد ساهم في كل هذا العناية بالأدب وأهله وحركته من خلال ذلك التشجيع المادي للأدباء، وممارسة الأدب حيث أن كثير من الخلفاء والموحدين يتعاطون نظم الشعر وتذوقه، منذ بداية الدعوة الموحدية، إلا أن هذا التذوق لن يخلو من تفهم الأدب ونقده، إلى اقتراح البحور على الشعراء وحثهم على النظم فيها، مثل "ما وقع لأمير المسلمين أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي عندما عاد من غزوة الأرك، فأنشده ابن حزمون قصيدة في عروض ما يسمى الخبب كان يقترحه على الشعراء"[10]، فضلا عن تميز عصر الموحدين بالصراع والمنافسة بين المغاربة والأندلسيين، وكذا ذلك الطموح إلى العمل على خدمة الدواوين في تلك الفترة، مما دفع بهم إلى الجد في تحصيل العلم والأدب.
إن فترة عصر الموحدين كانت فترة زاخرة بالأدب والعلم بفضل تلك العناية به والتشجيع عليه بالغالي والنفيس من طرف الخلفاء الموحدين، فضلا عن الزوايا التي كانت تهتم بتحفيظ القرآن الكريم، مما جعل من أبي العباس الجراوي يستفيد مما تلقاه في فترته ليعمل على إخراج قصائد رائعة النظم والجمالية. فعند قراءتنا لقصائده نستشعر وكأننا نقرأ ذلك الشعر الجاهلي للفحول خاصة النابغة وامرئ القيس والأعشى أو الشعر العباسي مع أبي الطيب المتنبي.
إن ذلك الاهتمام في العصر الموحدي بتحفيظ القرآن الكريم كان من أهم الآليات المنتجة للدلالات، فهو معين لا ينضب بما يشمله من قصص وعبر وأحداث، كيف لا وهو كلام الله المعجز ودستور الأمة، حيث نرى أن أغلب الشعراء يتكئون على مفرداته ومعانيه ويقتبسون من آلياته، ليعكسوا ما يشعرون به تجاه أحداث وقضايا إنسانية، أخلاقية، سياسية اجتماعية...
لذا فالنصوص القرآنية من أهم المصادر التي يعبر بها الشعراء في قصائدهم ويرمزون ويلمحون بها.
وسوف أحاول من خلال بعض قصائد الجراوي التبحر والخوض في أعماقها وإلقاء النظرة عن كثب حول الاستدعاءات القرآنية التي التجأ إليها في تناصه القرآني.
وذلك في قول"أبي العباس الجراوي":
"في الملك أنتم سليمان سميكم ♦♦♦ وفي التبتل في المحراب داود"[11]
وهذا البيت الشعري يتناص مع قوله تعالى: ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ﴾ [ص: 21، 22].
ويقول أيضا:
"فسلني بما عانيته من خشوعه ♦♦♦ فإني بما شاهدته جد عالم"[12]
فالقارئ لهذا البيت الشعري يتبادر إليه قول الله عز وجل من سورة المعارج الآية: ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ [المعارج: 1].
وفي موضع آخر يقول الجراوي:
"ولست وإن طاشت سهامي بآئس ♦♦♦ فإن مع العسر الذي يتقى يسرا"[13]
فهذا البيت يتناص مع قوله عز وجل: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5].
ويقول مدحه الخليفة عبد المؤمن لما قفل من الأندلس عقب نصره على الروم بفحص سنة 556 ه.
"ترمي شياطين الأعادي في الوغى ♦♦♦ برجوم خيل من سماء غبار"[14]
فهذا يتناص مع قول الله جل جلاله: ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴾ [الملك: 5].
ويقول الشاعر أيضا:
"وهدَ ما كان مبنيا على جروف ♦♦♦ هار ولم يبن من تقوى على دعم"[15]
فهذا البيت الشعري أثناء قراءته يتبادر إلى ذهننا قوله تعالى: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ [التوبة: 109].
وقول الجراوي أيضا:
"عن أمركم يتصرف الثقلان ♦♦♦ وبنصركم يتعاقب الملوان"[16]
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|