عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 31-10-2022, 09:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المصدر المؤول بحث في التركيب والدلالة

المصدر المؤول

د. طه محمد الجندي






بحث في التركيب والدلالة (10)







السبب الثالث للتحويل إلى المصدر المؤول:
أنَّ التعبير بالمصدر المؤول - كما يذكر السهيلي - إنما يدلُّ على مجرَّد معنى الحدَث، دون احتمال معنًى زائدٍ عليه، "ففيه تحصينٌ للمعنى من الإشكال، وتخليصٌ له من شوائب الاحتمال"[1]، ولنتأمَّل قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 184]، فالركن المحوَّل في الآية مركَّب من عمليَّة إسناديَّة مُكوَّنة من العنصر المصدري (أن) + مسند (تصوموا) + مسند إليه مورفيم واو الجماعة، ويُفسَّر هذا الركن الإسناد بمعنًى تحتيٍّ هو: (صومكم).


في مقابل المعنى التحتي للركن الإسنادي الذي يمكن التمثيل له بالمشجر التالي:
فالمسند إليه في الأوَّل: عبارة عن تركيب إسنادي محوَّل عن بنيةٍ إفراديَّة في الثاني.


ولعله صار واضحًا أنَّ التحويل قد تَمَّ بنفس القاعدتين السابقتين:
قاعدة الزيادة، وقاعدة التحويل المورفولوجي، أمَّا لماذا تَمَّ التحويل من رُكن المصدر الأُحادي الدَّلالة إلى العنصر المصدري وفعْله، فهو ما سُقناه عن السهيلي من أنَّ المصدر المؤول من (أن) والفعل، تكون دَلالته على الحدث دون احتمال معنًى زائدٍ عليه، وتفسير ذلك أننا إذا قلنا: صومُكم خيرٌ، فقد يُفيد أنَّ في هذا الصوم رُكنًا، أو صفة، أو هيئة هي التي أوجَبت الحُكم له بالخيريَّة، ويُحتمل أيضًا أن مجرَّد الصوم - بوصفه حدَثًا - خيرٌ، دون قصْد صفة من صفاته؛ يقول السهيلي: "إذا قلتَ: كَرِهتُ خروجَك، أو أعجَبني قدومُك، احتمَل الكلام معانيَ؛ منها: أن يكون نفسُ القدوم هو المُعجِب لك، دون صفة من صفاته، وهيئاته، وإن كان لا يُوصف في الحقيقة بصفات، ولكنها عبارة عن الكيفيَّات، واحتمَل أيضًا أن تُريد أنَّك أعْجَبتك سرعته، أو بُطْؤه، أو حالة من حالاته، فإذا قلت: "أعجَبني أن قَدِمت، كانت على الفعل (أن) بمنـزلة الطابع والعنوان، من عوارض الاحتمالات المتصورة في الأذهان"[2].


ويَعني ذلك أنَّ اقتران الفعل بـ(أن) تُخلصه من تلك الاحتمالات التي تَعرض للمصدر، إذا جئنا به صريحًا، ولعله من أجْل ذلك أجازُوا وصْف المصدر الصريح بصفة من صفاته، أو الإخبار عنه بشيءٍ من ذلك، وامتنَع ذلك في المؤول، تقول مثلاً: بَهرني تواضُعك الحميد، كما تقول: تواضعُك حميدٌ، ولا تقول: بَهرني أن تتواضَع حميد، ولا أن تتواضَع حميد، فـ(أن) مع الفعل تُحيل الركن المؤوَّل إلى رُكنٍ يُفهم منه الحدث دون عارضٍ من عوارضه المتصورة.


وقد استنَد السهيلي إلى هذه الخاصية لـ(أن) في جعْل (أن) المفسرة مصدريَّة؛ إذ إنها على حدِّ قوله: "تحصينٌ لِما بعدها من الاحتمالات، وتفسيرٌ لِما قبلها من المصادر المُجملات التي في معنى المقالات والإشارات"[3].


ولتفسير ذلك نُلقي الضوء على التركيب القرآني التالي: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ﴾ [النحل: 68].


والركن المحوري في الآية - وهو رُكن المفعول - (أن اتَّخذي)، مركَّب من عمليَّة إسناديَّة طرَفاها: المسند الفعل، والمسند إليه ضمير المخاطبة، وكلاهما يُفسَّر في البِنْية العميقة بالمصدر (الاتِّخاذ)، وهو أُحادي البنية، قد يُفهم منه عارضٌ من عوارضه؛ ولذا تَمَّ التحويل بقاعدتي التحويل السابقتين؛ ليُخلص العنصر المصدري الزائد الحدَث من تلك الاحتمالات العارضة، لو جئنا بالمصدر صريحًا، فالمقصود في الآية هو مجرَّد اتِّخاذ الجبال بيوتًا، وليس اتِّخاذًا مخصوصًا، أو مُقيَّدًا بصفةٍ ما.


وثَمَّة سببٌ آخرُ للتحويل في الآية، يعود إلى أنَّ التعبير بالمصدر صريحًا يؤدي إلى تفويت معنى الأمر المُفاد من لفظة (افعل).



[1] السهيلي؛ نتائج الفكر، (126 - 127).

[2] السهيلي؛ نتائج الفكر، (126 - 127).

[3] السابق، (128).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.35%)]