المصدر المؤول
د. طه محمد الجندي
بحث في التركيب والدلالة (12)
السبب الخامس للتحويل إلى المصدر المؤول:
وهو سبب مقيَّد، ضابطه وقوعُ المصدر المؤول من (أن) والفعل شاغلاً وظيفةَ المبتدأ؛ إذ يَستحيل التركيب حالتئذ من معنًى خبري، إلى معنى طلبي، وبيان ذلك يَذكره السهيلي مُفسِّرًا القولَ: أن تقومَ خيرٌ من أن تقعدَ، فيَذكر أنَّ المعنى الدَّلالي لهذا القول، ليس الإخبار عن الحدَث، وإنما فيه معنًى زائدٌ: هو الأمر بذلك؛ يقول: "فكأنك تأْمُره بأن يفعلَ، ولستَ بمُخبرٍ عن الحدَث، بدليل امتناع ذلك في المُضي، فإنَّك لا تقول: أن قُمتَ خيرٌ من أن قعدتَ، ولا: أن قام زيدٌ خيرٌ من أن قعد، وامتناع هذا دليلٌ على أن الحدَث - يعني المصدر الصريح - هو الذي يُخبر عنه، وأمَّا (أن) وما بعدها، فإنها وإن كانت في تأويل المصدر، فإنَّ لها معنًى زائدًا لا يجوز الإخبار عنه، ولكنَّه يُراد ويلزم، ويُؤمر به، فإن وجَدتها مبتدأةً ولها خبرٌ، فليس الكلام على ظاهره؛ لما تقدَّم[1].
وهذا القول صريحٌ في أنَّ المصدر المؤول من (أن) والفعل الشاغل لمقعد المبتدأ، لا يكون المعنى المَروم منه هو الإخبار عن الحدَث المُفاد منه، بل هناك سرٌّ دَلالي آخر، يتمثَّل في الأمر بمضمونه، ولنتأمَّل قوله تعالى: ï´؟ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ï´¾ [البقرة: 237].
فالمبتدأ في الآية عبارة عن تركيبٍ إسنادي، مكوَّن من الركن المصدري (أن) والمسند (تعفو)، ثم المسند إليه مورفيم واو الجماعة، وهذا الركن الإسنادي محوَّل من بِنْية تحتيَّة إفراديَّة هو: العفو أقربُ، غير أنه لو جاء بالمصدر صريحًا هنا، لكان المعنى على الإخبار على الحدَث؛ ولذا تَمَّ التحويل إلى التركيب المصدري؛ ليدلَّ على أنَّ المراد الأمر بذلك، وقد تَمَّ التحويل بالقاعدتين التحويليَّتين: قاعدة الزيادة، والتحويل المورفولوجي.
[1] السهيلي؛ نتائج الفكر، (129 - 130)، وانظر: ابن قيِّم الجوزية؛ بدائع الفوائد، (1/ 104).