
03-11-2022, 04:19 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,320
الدولة :
|
|
رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثانى
الحلقة (139)
صـ 411 إلى صـ 417
ترك ما لم يزل يقول إنه حق (1) . . وإذا كان جائزا فهذا أولى، وإذا كان في ذلك مصلحة ففي هذا أيضا مصالح عظيمة، ولولا أن فيها وفي العلم بها مصالح لعباده لم يقصها في غير موضع من كتابه. وهو سبحانه - وله الحمد - لم يذكر عن نبي من الأنبياء ذنبا إلا ذكر معه توبته لينزهه عن النقص والعيب، ويبين أنه ارتفعت منزلته وعظمت درجته وعظمت حسناته وقربه إليه بما أنعم الله عليه من التوبة والاستغفار والأعمال الصالحة التي فعلها بعد ذلك، وليكون ذلك أسوة لمن يتبع الأنبياء ويقتدي بهم إلى يوم القيامة.
ولهذا لما لم يذكر عن يوسف توبة في قصة امرأة العزيز دل على أن يوسف لم يذنب أصلا، في تلك القصة كما يذكر من يذكر أشياء نزهه الله منها بقوله تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} [سورة يوسف: 24] ، وقد قال تعالى: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} [سورة يوسف: 24] . والهم - كما قال الإمام أحمد رضي الله عنه -: همان، هم خطرات وهم إصرار. وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه قال إن الله تعالى يقول إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة كاملة، فإن عملها فاكتبوها عشرا إلى سبعمائة ضعف، وإذا هم بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإن تركها فاكتبوها له حسنة فإنما تركها من جراي» " (2) .
_________
(1) في الأصل: حقا، وهو خطأ
(2) لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكن جاء الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 8 (كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو سيئة) ; مسلم 1/118 (كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة. . إلخ) ; المسند (ط. المعارف) ح [0 - 9] رقم 3402 ونصه (واللفظ للبخاري) : عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل قال: قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة ". وفي نفس الباب أحاديث أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم بنفس المعنى - انظر أيضا المسند (ط. المعارف) الأرقام: 2001، 2519، 2521، 2828، 3402، 7195، 7294. وانظر: سنن الترمذي 4/330 (كتاب التفسير، ومن سورة الأنعام) .
************************
فيوسف - عليه الصلاة والسلام - لما هم ترك همه لله، فكتب الله به حسنة كاملة ولم يكتب عليه سيئة قط، بخلاف امرأة العزيز فإنها همت وقالت وفعلت، فراودته بفعلها وكذبت عليه عند سيدها واستعانت بالنسوة، وحبسته لما اعتصم وامتنع عن الموافقة على الذنب ولهذا قالت: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم} [سورة يوسف: 53] ، وهذا من قولها كما دل عليه القرآن، ليس من كلام يوسف عليه السلام، بل لما قالت هذا كان يوسف غائبا في السجن لم يحضر عند الملك، بل لما برأته هي والنسوة استدعاه الملك بعد هذا وقال: {ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين} [سورة يوسف: 54] . وأما من ذكر الله تعالى وتبارك عنه ذنبا كآدم عليه السلام فإنه لما قال: {وعصى آدم ربه فغوى - ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} [سورة طه: 121، 122] وقال: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} [سورة البقرة: 37] .
************************
وقال تعالى عن داود عليه السلام: {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب - فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} [سورة ص: 24، 25] . وقال لموسى عليه السلام والصلاة: {إني لا يخاف لدي المرسلون - إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم} [سورة النمل: 10، 11] ومن احتج على امتناع ذلك بأن الاقتداء بهم مشروع، والاقتداء بالذنب لا يجوز. قيل له: إنما يقتدى بهم فيما أقروا عليه، لا فيما نهوا (1) . عنه، كما أنه إنما يقتدى بهم فيما أقروا عليه ولم ينسخ ولم ينسه فيما نسخ، وحينئذ فيكون التأسي بهم مشروعا مأمورا به لا يمنع وقوع ما ينهون عنه ولا يقرون عليه لا من هذا ولا من هذا، وإن كان اتباعهم في المنسوخ لا يجوز بالاتفاق. ومما يبين أن النسخ أشد تنفيرا أن الإنسان إذا رجع عن شيء إلى آخر، وقال: الأول الذي كنت عليه حق أمرني الله به، ورجوعي عنه حق أمرني الله به، كان هذا أقرب إلى النفور عنه من أن يقول: رجعت عما لم يأمرني الله به، فإن الناس كلهم يحمدون من قال هذا. وأما من قال: أمري بهذا حق ونهيي عنه حق، فهذا مما نفر عنه كثير من السفهاء، وأنكره من أنكره من اليهود وغيرهم.
[لوازم النبوة وشروطها]
ومما يبين الكلام في مسألة العصمة أن تعرف النبوة ولوازمها وشروطها، فإن الناس تكلموا في ذلك بحسب أصولهم في أفعال الله
_________
(1) في الأصل: ينهوا
****************************
تعالى، إذا كان جعل الشخص نبيا رسولا من أفعال الله تعالى، فمن نفى الحكم والأسباب في أفعاله وجعلها معلقة بمحض المشيئة وجوز عليه فعل كل ممكن ولم ينزهه عن فعل من الأفعال - كما هو قول الجهم بن صفوان وكثير من الناس، كالأشعري ومن وافقه من أهل الكلام من أتباع مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من مثبتة القدر - فهؤلاء يجوزون بعثة كل مكلف، والنبوة عندهم مجرد إعلامه بما أوحاه إليه، والرسالة مجرد أمره بتبليغ ما أوحاه إليه، وليست النبوة عندهم صفة ثبوتية ولا مستلزمة لصفة يختص بها، بل هي من الصفات الإضافية كما يقولون مثل ذلك في الأحكام الشرعية.
وهذا قول طوائف من أهل الكلام كالجهم بن صفوان والأشعري وأتباعهما ولهذا من يقول بها كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي وغيرهما يقول: إن العقل لا يوجب عصمة النبي إلا في التبليغ خاصة فإن هذا هو مدلول المعجزة وما سوى ذلك إن دل السمع عليه، وإلا لم تجب عصمته منه.
وقال محققو هؤلاء كأبي المعالي وغيره إنه ليس في السمع قاطع يوجب العصمة، والظواهر تدل على وقوع الذنوب منهم (1) .، وكذلك كالقاضي أبي بكر إنما يثبت ما يثبته من العصمة في غير التبليغ إذا كان من موارد الإجماع لأن الإجماع حجة وما سوى ذلك فيقول لم يدل عليه عقل ولا سمع.
وإذا احتج المعتزلة وموافقوهم من الشيعة عليهم بأن هذا يوجب
_________
(1) انظر: الإرشاد للجويني، ص 356 - 357 ; أصول الدين لابن طاهر، ص 167 - 169
***************************
التنفير ونحو ذلك فيجب من حكمة الله منعهم منه، قالوا: هذا مبني على مسألة التحسين والتقبيح العقليين. قالوا: ونحن نقول لا يجب على الله شيء ويحسن منه كل شيء، وإنما ننفي ما ننفيه بالخبر السمعي، ونوجب وقوع ما يقع بالخبر السمعي أيضا، كما أوجبنا ثواب المطيعين وعقوبة الكافرين لإخباره أنه يفعل ذلك ونفينا أن يغفر لمشرك لإخباره أنه لا يفعل ذلك، ونحو ذلك (1) ". . وكثير من القدرية المعتزلة والشيعة وغيرهم ممن يقول بأصله في التعديل والتجوير وأن الله لا يفضل شخصا على شخص إلا بعمله، يقول: إن النبوة، أو الرسالة جزاء على عمل متقدم، فالنبي فعل من الأعمال الصالحة ما استحق به أن يجزيه الله بالنبوة. وهؤلاء القدرية في شق وأولئك الجهمية الجبرية في شق. وأما المتفلسفة القائلون بقدم العالم وصدوره عن علة موجبة - مع إنكارهم أن الله تعالى يفعل بقدرته ومشيئته، وأنه يعلم الجزئيات فالنبوة عندهم فيض يفيض على الإنسان بحسب استعداده وهي مكتسبة عندهم، ومن كان متميزا - في قوته العلمية (2) . بحيث يستغني عن التعليم، وشكل في نفسه خطاب يسمعه كما يسمع النائم، وشخص
_________
(1) نقل مستجي زاده في الهامش الكلام الذي يبدأ بعبارة: " وإذا احتج المعتزلة وموافقوهم من الشيعة. . إلى هذا الموضع، ثم قال: " قلت: فهم من هذا الكلام أن جهم بن صفوان - ومن تابعه من الجهمية - لا يقول بالحسن والقبح الشرعيين، ولا يقول أيضا بالحكم والمصالح، فلم تكن أفعال الله تعالى عندهم أيضا معللة بالأغراض، فالظاهر من الجهمية التزامهم ما يستلزمه هذان الأصلان
(2) في الأصل: العملية، وهو خطأ. والصواب ما أثبته وهو الذي يقتضيه السياق
******************************
يخاطبه كما يخاطب النائم، وفي العملية بحيث يؤثر في العنصريات تأثيرا غريبا - كان نبيا عندهم (1) ". . وهم لا يثبتون ملكا مفضلا يأتي بالوحي من الله تعالى، ولا ملائكة (2) . بل ولا جنا يخرق الله بهم العادات للأنبياء، إلا قوى النفس (3) ". . وقول هؤلاء، وإن كان شرا من أقوال كفار اليهود والنصارى وهو أبعد الأقوال عما جاءت به الرسل، فقد وقع فيه كثير من المتأخرين الذين لم يشرق عليهم نور النبوة من المدعين للنظر العقلي والكشف الخيالي الصوفي وإن كان غاية هؤلاء الأقيسة الفاسدة والشك، وغاية هؤلاء الخيالات الفاسدة والشطح.
[الأنبياء هم أفضل الخلق]
والقول الرابع (4) .: - وهو الذي عليه جمهور سلف الأمة وأئمتها وكثير من النظار - أن الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، فالنبي يختص بصفات ميزه الله بها على غيره وفي عقله ودينه، واستعد بها لأن يخصه الله بفضله ورحمته كما قال تعالى: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم - أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات}
_________
(1) جملة " كان نبيا عندهم " جواب لقوله " ومن كان متميزا
(2) في الأصل: ولا ملائكته
(3) في أعلى هذه الصفحة من الأصل كتب ما يلي: " قف على اشتراط النبوة عند الحكماء المشائيين، وإلا فالطبيعيون والتناسخية والبراهمة - وهم حكماء الهند - ينكرون أصل النبوة
(4) الأقوال الثلاثة السابقة هي: قول الجهمية والأشاعرة، وقول القدرية المعتزلة والشيعة، وقول الفلاسفة ومتفلسفة الصوفية
**********************************
[سورة الزخرف: 31، 32] ، وقال تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم} [سورة البقرة: 105] ، وقال تعالى لما ذكر الأنبياء بقوله: {ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين - وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين - وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين - ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم} [سورة الأنعام: 84 - 87] فأخبر أنه اجتباهم وهداهم.
والأنبياء أفضل الخلق باتفاق المسلمين، وبعدهم الصديقون والشهداء والصالحون فلولا وجوب كونهم من المقربين، الذين هم فوق أصحاب اليمين، لكان الصديقون أفضل منهم، أو من بعضهم.
والله تعالى قد جعل خلقه ثلاثة أصناف، فقال تعالى: في تقسيمهم في الآخرة: {وكنتم أزواجا ثلاثة - فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة - وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة - والسابقون السابقون - أولئك المقربون - في جنات النعيم} [سورة الواقعة: 7 - 12] ، وقال في تقسيمهم عند الموت: {فأما إن كان من المقربين - فروح وريحان وجنة نعيم - وأما إن كان من أصحاب اليمين - فسلام لك من أصحاب اليمين - وأما إن كان من المكذبين الضالين - فنزل من حميم - وتصلية جحيم} [سورة الواقعة: 88 - 94] وكذلك ذكر في سورة الإنسان والمطففين هذه الأصناف الثلاثة.
************************
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|