
03-11-2022, 09:11 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة :
|
|
رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى

تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (4)
سورة آل عمران
من صــ 52 الى صــ 59
الحلقة (183)
[ ص: 52 ] آخر :
وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو هللت يا اللهما
اردد علينا شيخنا مسلما فإننا من خيره لن نعدما
آخر :
إني إذا ما حدث ألما أقول يا اللهم يا اللهما
قالوا : فلو كان الميم عوضا من حرف النداء لما اجتمعا . قال الزجاج : وهذا شاذ ولا يعرف قائله ، ولا يترك له ما كان في كتاب الله وفي جميع ديوان العرب ; وقد ورد مثله في قوله :
هما نفثا في في من فمويهما على النابح العاوي أشد رجام
قال الكوفيون : وإنما تزاد الميم مخففة في " فم وابنم " ، وأما ميم مشددة فلا تزاد . وقال بعض النحويين : ما قاله الكوفيون خطأ ; لأنه لو كان كما قالوا كان يجب أن يقال : " اللهم " ويقتصر عليه لأنه معه دعاء . وأيضا فقد تقول : أنت اللهم الرزاق . فلو كان كما ادعوا لكنت قد فصلت بجملتين بين الابتداء والخبر . قال النضر بن شميل : من قال اللهم فقد دعا الله تعالى بجميع أسمائه كلها وقال الحسن : اللهم تجمع الدعاء .
قوله تعالى : مالك الملك قال قتادة : بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل الله - عز وجل - أن يعطي أمته ملك فارس فأنزل الله هذه الآية . وقال مقاتل : سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل الله له ملك فارس والروم في أمته ; فعلمه الله تعالى بأن يدعو بهذا الدعاء . وقد تقدم معناه . و " مالك " منصوب عند سيبويه على أنه نداء ثان ; ومثله قوله تعالى : قل اللهم فاطر السماوات والأرض ولا يجوز عنده أن يوصف اللهم لأنه قد ضمت إليه الميم . وخالفه محمد بن يزيد وإبراهيم بن السري الزجاج فقالا : " مالك " في الإعراب صفة لاسم الله تعالى ، وكذلك فاطر السماوات والأرض . قال أبو علي ; هو مذهب أبي العباس المبرد ; وما قاله سيبويه أصوب وأبين ; وذلك أنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد " اللهم " لأنه اسم مفرد ضم إليه صوت ، والأصوات لا توصف ; نحو غاق وما أشبهه . وكان حكم الاسم المفرد ألا يوصف وإن كانوا قد وصفوه في مواضع . فلما ضم هنا ما لا يوصف إلى ما كان قياسه ألا يوصف صار بمنزلة صوت ضم إلى صوت ; نحو حيهل فلم يوصف . و " الملك " هنا النبوة ; عن مجاهد . وقيل ، الغلبة . وقيل : المال والعبيد . الزجاج : المعنى مالك العباد وما ملكوا . [ ص: 53 ] وقيل : المعنى مالك الدنيا والآخرة .
ومعنى تؤتي الملك أي الإيمان والإسلام . من تشاء أي من تشاء أن تؤتيه إياه ، وكذلك ما بعده ، ولا بد فيه من تقدير الحذف ، أي وتنزع الملك ممن تشاء أن تنزعه منه ، ثم حذف هذا ، وأنشد سيبويه :
ألا هل لهذا الدهر من متعلل على الناس مهما شاء بالناس يفعل
قال الزجاج : مهما شاء أن يفعل بالناس يفعل . وتعز من تشاء يقال : عز إذا علا وقهر وغلب ; ومنه ، وعزني في الخطاب . وتذل من تشاء ذل يذل إذا غلب وعلا وقهر . قال طرفة :
بطيء عن الجلى سريع إلى الخنا ذليل بأجماع الرجال ملهد
بيدك الخير أي بيدك الخير والشر فحذف ; كما قال : سرابيل تقيكم الحر . وقيل : خص الخير لأنه موضع دعاء ورغبة في فضله . قال النقاش : بيدك الخير ، أي النصر والغنيمة . وقال أهل الإشارات . كان أبو جهل يملك المال الكثير ، ووقع في الرس يوم بدر ، والفقراء صهيب وبلال وخباب لم يكن لهم مال ، وكان ملكهم الإيمان ، قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء تقيم الرسول يتيم أبي طالب على رأس الرس حتى ينادي أبدانا قد انقلبت إلى القليب : يا عتبة ، يا شيبة تعز من تشاء وتذل من تشاء . أي صهيب ، أي بلال ، لا تعتقدوا أنا منعناكم من الدنيا ببغضكم . بيدك الخير ما منعكم من عجز إنك على كل شيء قدير إنعام الحق عام يتولى من يشاء .
قوله تعالى : تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب
قال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي في معنى قوله تولج الليل في النهار الآية ، أي تدخل ما نقص من أحدهما في الآخر ، حتى يصير النهار خمس عشرة ساعة وهو أطول ما يكون ، والليل تسع ساعات وهو أقصر ما يكون . وكذا تولج النهار في الليل وهو قول الكلبي ، وروي عن ابن مسعود . وتحتمل ألفاظ الآية أن يدخل فيها تعاقب الليل والنهار ، كأن زوال أحدهما ولوج في الآخر .
واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : وتخرج الحي من الميت فقال الحسن : معناه تخرج المؤمن من الكافر والكافر من [ ص: 54 ] المؤمن ، وروي نحوه عن سلمان الفارسي . وروى معمر عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على نسائه فإذا بامرأة حسنة الهيئة قال : ( من هذه ؟ ) قلن إحدى خالاتك . قال : ( ومن هي ؟ ) قلن : هي خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( سبحان الذي يخرج الحي من الميت ) . وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافرا . فالمراد على هذا القول موت قلب الكافر وحياة قلب المؤمن ; فالموت والحياة مستعاران . وذهب كثير من العلماء إلى أن الحياة والموت في الآية حقيقتان ; فقال عكرمة : هي إخراج الدجاجة وهي حية من البيضة وهي ميتة ، وإخراج البيضة وهي ميتة من الدجاجة وهي حية . وقال ابن مسعود : هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة وهو حي ، ويخرج الرجل منها حيا وهي ميتة . وقال عكرمة والسدي : هي الحبة تخرج من السنبلة والسنبلة تخرج من الحبة ، والنواة من النخلة والنخلة تخرج من النواة ; والحياة في النخلة والسنبلة تشبيه .
وترزق من تشاء بغير حساب أي بغير تضييق ولا تقتير ; كما تقول : فلان يعطي بغير حساب ; كأنه لا يحسب ما يعطي .
قوله تعالى : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير
فيه مسألتان :
الأولى : قال ابن عباس : نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار فيتخذوهم أولياء ; ومثله لا تتخذوا بطانة من دونكم وهناك يأتي بيان هذا المعنى . ومعنى فليس من الله في شيء أي فليس من حزب الله ولا من أوليائه في شيء ; مثل واسأل القرية . وحكى سيبويه " هو مني فرسخين " أي من أصحابي ومعي . ثم استثنى وهي : الثانية : فقال : إلا أن تتقوا منهم تقاة قال معاذ بن جبل ومجاهد : كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين ; فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوهم . قال ابن عباس : هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا يقتل ولا يأتي مأثما . وقال الحسن : [ ص: 55 ] التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة ، ولا تقية في القتل . وقرأ جابر بن زيد ومجاهد والضحاك : " إلا أن تتقوا منهم تقية " وقيل : إن المؤمن إذا كان قائما بين الكفار فله أن يداريهم باللسان إذا كان خائفا على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم . ومن أكره على الكفر فالصحيح أن له أن يتصلب ولا يجيب إلى التلفظ بكلمة الكفر ; بل يجوز له ذلك على ما يأتي بيانه في ( النحل ) إن شاء الله تعالى . وأمال حمزة والكسائي " تقاة " ، وفخم الباقون ; وأصل ( تقاة ) وقية على وزن فعلة ; مثل تؤدة وتهمة ، قلبت الواو تاء والياء ألفا . وروى الضحاك عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري وكان بدريا تقيا وكان له حلف من اليهود ; فلما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب قال عبادة : يا نبي الله ، إن معي خمسمائة رجل من اليهود ، وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو . فأنزل الله تعالى : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين الآية . وقيل : إنها نزلت في عمار بن ياسر حين تكلم ببعض ما أراد منه المشركون ، على ما يأتي بيانه في ( النحل ) .
قوله تعالى : ويحذركم الله نفسه قال الزجاج : أي : ويحذركم الله إياه . ثم استغنوا عن ذلك بذا وصار المستعمل ; قال تعالى : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك فمعناه تعلم ما عندي وما في حقيقتي ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك . وقال غيره : المعنى ويحذركم الله عقابه ; مثل واسأل القرية . وقال : تعلم ما في نفسي أي مغيبي ، فجعلت النفس في موضع الإضمار لأنه فيها يكون . وإلى الله المصير أي : وإلى جزاء الله المصير . وفيه إقرار بالبعث .
قوله تعالى : قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير
فهو العالم بخفيات الصدور وما اشتملت عليه ، وبما في السماوات والأرض وما احتوت عليه ، علام الغيوب لا يعزب عنه مثقال ذرة ولا يغيب عنه شيء ، سبحانه لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة .
قوله تعالى : يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد
[ ص: 56 ] ( يوم ) منصوب متصل بقوله : ويحذركم الله نفسه . يوم تجد . وقيل : هو متصل بقوله : وإلى الله المصير . يوم تجد . وقيل : هو متصل بقوله : والله على كل شيء قدير . يوم تجد ويجوز أن يكون منقطعا على إضمار اذكر ; ومثله قوله : إن الله عزيز ذو انتقام يوم تبدل الأرض .
و ( محضرا ) حال من الضمير المحذوف من صلة " ما " تقديره يوم تجد كل نفس ، ما عملته من خير محضرا . هذا على أن يكون تجد من وجدان الضالة . و ( ما ) من قوله وما عملت من سوء عطف على ( ما ) الأولى . و ( تود ) في موضع الحال من ( ما ) الثانية . وإن جعلت تجد بمعنى تعلم كان محضرا المفعول الثاني ، وكذلك تكون تود في موضع المفعول الثاني ; تقديره يوم تجد كل نفس جزاء ما عملت محضرا . ويجوز أن تكون " ما " الثانية رفعا بالابتداء ، و ( تود ) في موضع رفع على أنه خبر الابتداء ، ولا يصح أن تكون " ما " بمعنى الجزاء ; لأن تود مرفوع ، ولو كان ماضيا لجاز أن يكون جزاء ، وكان يكون معنى الكلام : وما عملت من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ; أي كما بين المشرق والمغرب . ولا يكون المستقبل إذا جعلت ( ما ) للشرط إلا مجزوما ; إلا أن تحمله على تقدير حذف الفاء ، على تقدير : وما عملت من سوء فهي تود . أبو علي : هو قياس قول الفراء عندي ; لأنه قال في قوله تعالى : وإن أطعتموهم إنكم لمشركون : إنه على حذف الفاء . والأمد : الغاية ، وجمعه آماد . ويقال : استولى على الأمد ، أي غلب سابقا . قال النابغة :
إلا لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجواد إذا استولى على الأمد والأمد : الغضب . يقال : أمد أمدا ، إذا غضب غضبا .
قوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم .
الحب : المحبة ، وكذلك الحب بالكسر . والحب أيضا الحبيب ; مثل الخدن والخدين ; يقال أحبه فهو محب ، وحبه يحبه ( بالكسر ) فهو محبوب . قال الجوهري : وهذا [ ص: 57 ] شاذ ; لأنه لا يأتي في المضاعف يفعل بالكسر . قال أبو الفتح : والأصل فيه حبب كظرف ، فأسكنت الباء وأدغمت في الثانية . قال ابن الدهان سعيد : في حب لغتان : حب وأحب ، وأصل " حب " في هذا البناء حبب كظرف ; يدل على ذلك قولهم : حببت ، وأكثر ما ورد فعيل من فعل . قال أبو الفتح : والدلالة على " أحب " قوله تعالى : يحبهم ويحبونه بضم الياء . و اتبعوني يحببكم الله و " حب " يرد على فعل لقولهم حبيب . وعلى فعل كقولهم محبوب : ولم يرد اسم الفاعل من حب المتعدي ، فلا يقال : أنا حاب . ولم يرد اسم المفعول من أفعل إلا قليلا ; كقوله :
مني بمنزلة المحب المكرم وحكى أبو زيد : حببته أحبه . وأنشد :
فوالله لولا تمره ما حببته ولا كان أدنى من عويف وهاشم
وأنشد :
لعمرك إنني وطلاب مصر لكالمزداد مما حب بعدا
وحكى الأصمعي فتح حرف المضارعة مع الياء وحدها . والحب الخابية ، فارسي معرب ، والجمع حباب وحببة ; حكاه الجوهري . والآية نزلت في وفد نجران إذ زعموا أن ما ادعوه في عيسى حب لله عز وجل ; قاله محمد بن جعفر بن الزبير . وقال الحسن وابن جريج : نزلت في قوم من أهل الكتاب قالوا : نحن الذين نحب ربنا . وروي أن المسلمين قالوا : يا رسول الله ، والله إنا لنحب ربنا ; فأنزل الله عز وجل : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني . قال ابن عرفة : المحبة عند العرب إرادة الشيء على قصد له . وقال الأزهري : محبة العبد لله ورسوله طاعته لهما واتباعه أمرهما ; قال الله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني [ ص: 58 ] . ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران ; قال الله تعالى : إن الله لا يحب الكافرين ; أي لا يغفر لهم . وقال سهل بن عبد الله : علامة حب الله حب القرآن ، وعلامة حب القرآن حب النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلامة حب النبي - صلى الله عليه وسلم - حب السنة ; وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحب السنة حب الآخرة ، وعلامة حب الآخرة أن يحب نفسه ، وعلامة حب نفسه أن يبغض الدنيا ، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة . وروى أبو الدرداء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله قال : ( على البر والتقوى والتواضع وذلة النفس ) خرجه أبو عبد الله الترمذي . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من أراد أن يحبه الله فعليه بصدق الحديث وأداء الأمانة وألا يؤذي جاره . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء - قال - ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه - قال - فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض . وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر سورة " مريم " إن شاء الله تعالى . وقرأ أبو رجاء العطاردي ( فاتبعوني ) بفتح الباء ، ( ويغفر لكم ) عطف على ( يحببكم ) . وروى محبوب عن أبي عمرو بن العلاء أنه أدغم الراء من ( يغفر ) في اللام من ( لكم ) . قال النحاس : لا يجيز الخليل وسيبويه إدغام الراء في اللام ، وأبو عمرو أجل من أن يغلط في مثل هذا ، ولعله كان يخفي الحركة كما يفعل في أشياء كثيرة .
قوله تعالى : قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين قوله تعالى : قل أطيعوا الله والرسول يأتي بيانه في " النساء " . فإن تولوا شرط ، إلا أنه ماض لا يعرب . والتقدير فإن تولوا على كفرهم وأعرضوا عن طاعة الله ورسوله . فإن الله لا يحب الكافرين أي لا يرضى فعلهم ولا يغفر لهم كما تقدم . وقال فإن الله ولم يقل " فإنه " لأن العرب إذا عظمت الشيء أعادت ذكره ; وأنشد سيبويه : لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
[ ص: 59 ] قوله تعالى : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين
قوله تعالى : إن الله اصطفى آدم ونوحا اصطفى اختار ، وقد تقدم في البقرة . وتقدم فيها اشتقاق آدم وكنيته ، والتقدير إن الله اصطفى دينهم وهو دين الإسلام ; فحذف المضاف . وقال الزجاج : اختارهم للنبوة على عالمي زمانهم . ونوحا قيل إنه مشتق من ناح ينوح ، وهو اسم أعجمي إلا أنه انصرف لأنه على ثلاثة أحرف ، وهو شيخ المرسلين ، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات وسائر القرابات ، ومن قال : إن إدريس كان قبله من المؤرخين فقد وهم على ما يأتي بيانه في " الأعراف " إن شاء الله تعالى .
قوله تعالى : وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين تقدم في البقرة معنى الآل وعلى ما يطلق مستوفى . وفي البخاري عن ابن عباس قال : آل إبراهيم وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد ; يقول الله تعالى : إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين وقيل : آل إبراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وإن محمدا - صلى الله عليه وسلم - من آل إبراهيم . وقيل : آل إبراهيم نفسه ، وكذا آل عمران ; ومنه قوله تعالى : وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون . وفي الحديث : لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود ; وقال الشاعر :
ولا تبك ميتا بعد ميت أحبه علي وعباس وآل أبي بكر وقال آخر :
يلاقي من تذكر آل ليلى كما يلقى السليم من العداد
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|