عرض مشاركة واحدة
  #284  
قديم 05-11-2022, 09:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله





تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ المائدة
المجلد السادس
صـ 1788 الى صـ 1798
الحلقة (284)


[ ص: 1788 ] بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء السادس

سورة المائدة


سميت بها لأن قصتها أعجب ما ذكر فيها. لاشتمالها على آيات كثيرة ولطف عظيم على من آمن. وعنف شديد على من كفر. فهو أعظم دواعي قبول التكاليف، المفيدة عقدة المحبة من الاتصال الإيماني بين الله وبين عبيده. أفاده المهايمي.

وهذه السورة مدنية. وآياتها مائة وعشرون.

قال الشهاب الخفاجي: السورة مدنية، إلا قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم إلخ، فإنها نزلت بمكة. انتهى.

أقول: في كلامه نظران:

الأول: - إن هذا بناء على أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة. والمدني ما نزل بالمدينة، وهو اصطلاح لبعض السلف. ولكن الأشهر كما في (الإتقان) أن المكي ما نزل قبل الهجرة. والمدني ما نزل بعدها، سواء نزل بمكة أم بالمدينة، عام الفتح أو عام حجة الوداع، أم بسفر من الأسفار.

الثاني - بقي عليه، لو مشى على ذاك الاصطلاح آيات آخر.

قال السيوطي في (الإتقان): في (النوع الثاني معرفة الحضري والسفري) للسفري أمثلة.

منها: أول المائدة. أخرج البيهقي في (شعب الإيمان) عن أسماء بنت يزيد أنها نزلت بمنى. وأخرج في (الدلائل) عن أم عمرو، عن عمها أنها نزلت في مسير له، وأخرج أبو عبيد عن محمد بن كعب قال: نزلت سورة المائدة في حجة الوداع، فيما بين مكة والمدينة.

[ ص: 1789 ] ومنها: اليوم أكملت لكم دينكم في الصحيح عن عمر:

أنها نزلت عشية عرفة، يوم الجمعة، عام حجة الوداع، وله طرق كثيرة. لكن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري، أنها نزلت يوم غدير خم. وأخرج مثله من حديث أبي هريرة، وفيه: إنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، مرجعه من حجة الوداع، وكلاهما لا يصح.

ومنها: آية التيمم فيها. في الصحيح عن عائشة أنها نزلت بالبيداء وهم داخلون المدينة.

[ ص: 1790 ] ومنها: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم الآية. نزلت ببطن نخل.

ومنها: والله يعصمك من الناس نزلت في ذات الرقاع. انتهى.

وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط هذه الروايات، عند هذه الآيات.

قال ابن كثير: روى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد قالت: إني لآخذة بزمام العضباء - ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذ نزلت عليه المائدة كلها. فكادت من ثقلها تدق عضد الناقة.

وروى الإمام أحمد أيضا عن عبد الله بن عمرو قال: أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته، لم تستطع أن تحمله، فنزل عنها. تفرد به أحمد.

وروى الحاكم عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة فقالت لي: يا جبير! تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم. فقالت: أما إنها آخر سورة نزلت. فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

[ ص: 1791 ] بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى:

[1] يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد .

يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود روى ابن أبي حاتم; أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود فقال: اعهد إلي! فقال: إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فأرعها سمعك، فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه.

و (الوفاء) ضد الغدر، كما في "القاموس" وقال غيره: هو ملازمة طريق المواساة ومحافظة عهود الخلطاء. يقال: وفى بالعهد وأوفى به.

قال ناصر الدين في "الانتصاف": ورد في الكتاب العزيز: وفى بالتضعيف في قوله تعالى: وإبراهيم الذي وفى ورد: أوفى كثيرا. ومنه: أوفوا العقود. وأما: (وفى) ثلاثيا، فلم يرد إلا في قوله تعالى: ومن أوفى بعهده من الله لأنه بنى أفعل التفضيل من: (وفى) إذ لا يبنى إلا من ثلاثي.

[ ص: 1792 ] و (العقود) جمع عقد؛ وهو العهد الموثق. شبه بعقد الحبل ونحوه، وهي عقود الله التي عقدها على عباده وألزمها إياهم من مواجب التكليف.

قال علي بن طلحة: قال ابن عباس: يعني بالعهود ما أحل الله وما حرم، وما فرض، وما حد في القرآن كله، ولا تغدروا ولا تنكثوا. وقال زيد بن أسلم: العقود ستة: عهد الله، وعقد الحلف، وعقد الشركة، وعقد البيع، وعقد النكاح، وعقد اليمين. قال الزمخشري: والظاهر أنها عقود الله عليهم في دينه، من تحليل حلاله وتحريم حرامه. وأنه كلام قديم مجملا. ثم عقب بالتفصيل. وهو قوله: أحلت لكم بهيمة الأنعام البهيمة ما لا عقل له مطلقا، من ذوات الأرواح أو ذوات الأربع.

قال الراغب: خص في المتعارف بما عدا السباع والطير، وإضافتها للأنعام، للبيان كثوب الخز. وإفرادها لإرادة الجنس. أي: أحل لكم أكل البهيمة من الأنعام. جمع (نعم) محركة وقد تسكن عينه. هي الإبل والبقر والشاء والمعز: إلا ما يتلى يعني: رخصت لكم الأنعام كلها. إلا ما حرم عليكم في هذه السورة، وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وغير ذلك.

وذلك أنهم كانوا يحرمون السائبة والبحيرة.

فأخبر الله تعالى أنهما حلالان، إلا ما بين في هذه السورة، ثم قال: غير محلي الصيد وأنتم حرم يعني: أحلت لكم هذه الأشياء. من غير أن تستحلوا الصيد وأنتم محرمون. ف: (غير) نصب على الحالية من ضمير (لكم). قال في "العناية": ولا يرد ما قيل: إنه يلزم تقيد إحلال بهيمة الأنعام بحال انتفاء حل الصيد وهم حرم. وهي قد أحلت لهم مطلقا. ولا يظهر له فائدة، إلا إذا عنى بالبهيمة الظباء وحمر الوحش وبقره، لأنه – مع عدم اطراد اعتبار المفهوم - يعلم منه غيره بالطريق الأولى. لأنها إذا أحلت في عدم الإحلال لغيرها، وهم محرمون لدفع الحرج عنهم، فكيف في غير هذه الحال؟ فيكون بيانا لإنعام الله عليهم بما رخص لهم من ذلك.

وبيانا لأنهم في غنية عن الصيد وانتهاك حرمة الحرم. وفي "الإكليل": في الآية تحريم الصيد في الإحرام والحرم. لأن: (حرما) بمعنى محرمين، ويقال: أحرم أي: بحج وعمرة. وأحرم: دخل في الحرم. انتهى.

[ ص: 1793 ] قال بعض الزيدية: والمراد بالصيد المحرم على المحرم. هو صيد البر. لقوله في هذه السورة: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما هذا إذا جعل (حرم) جمع (محرم) وهو الفاعل للإحرام، وإن جعل للداخل في الحرم، استوى تحريم البحري والبري. وذلك حيث يكون في الحرم نهر فيه صيد فيحرم، لقوله تعالى: ومن دخله كان آمنا لأنه يقال لمن دخل الحرم، أنه محرم. كما يقال: أعرق وأنجد: إذا دخل العراق ونجدا. ويكون التحريم في مكة وحرم المدينة؛ لما ورد من الأخبار في النهي عن صيد المدينة وأخذ شجرها. نحو: المدينة حرم من عير إلى ثور. انتهى.

إن الله يحكم ما يريد من تحليل وتحريم. وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه.
[ ص: 1794 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[2] يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب .

يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله أي: معالم دينه. وهي المناسك. وإحلالها أن يتهاون بحرمتها، وأن يحال بينها وبين المتنسكين بها. وقد روى ابن جرير عن عكرمة [ ص: 1795 ] والسدي قالا: نزلت في الحطم، واسمه شريح بن هند البكري. أتى المدينة وحده. وخلف خيله خارج المدينة. ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إلام تدعو الناس؟ قال صلى الله عليه وسلم: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. فقال: حسن. إلا أن لي أمراء لا أقطع أمرا دونهم. ولعلي أسلم وآتي بهم. فخرج من عنده، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: يدخل عليكم رجل منربيعة يتكلم بلسان شيطان. فلما خرج شريح قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ ص: 1796 ] لقد دخل بوجه كافر، وخرج بقفا غادر، وما الرجل بمسلم، فمر بسرح من سراح المدينة فاستاقه وانطلق به وهو يرتجز ويقول:


قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم

ولا بجزار على ظهر الوضم
باتوا نياما وابن هند لم ينم

بات يقاسيها غلام كالزلم
خدلج الساقين ممسوح القدم



فتبعوه فلم يدركوه. فلما كان العام القابل، خرج شريح حاجا مع حجاج بكر بن وائل، من اليمامة. ومعه تجارة عظيمة. وقد قلد الهدي. فقال المسلمون: يا رسول الله! هذا الحطم قد خرج حاجا فخل بيننا وبينه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد قلد الهدي. فقالوا: يا رسول الله! هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية. فأبى النبي صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله
قال ابن عباس: هي المناسك. كان المشركون يحجون ويهدون. فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم. فنهاهم الله عن ذلك.

وعن ابن عباس أيضا: لا تحلوا شعائر الله هي أن تصيد وأنت محرم. ويقال: شعائر الله، شرائع دينه التي حدها لعباده. وإخلالها الإخلال بها. وظاهر أن عموم اللفظ يشمل الجميع.

[ ص: 1797 ] ولا الشهر الحرام المراد به الجنس. فيدخل في ذلك جميع الأشهر الحرم.

وهي أربعة: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب. أي: لا تحلوها بالقتال فيها. وقد كانت العرب تحرم القتال فيها في الجاهلية. فلما جاء الإسلام لم ينقض هذا الحكم. بل أكده. كذا في "لباب التأويل".

قال ابن كثير: يعني بقوله: ولا الشهر الحرام تحريمه والاعتراف بتعظيمه، وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه، من الابتداء بالقتال. كما قال تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وقال تعالى: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 1798 ] قال في حجة الوداع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. السنة اثنا عشر شهرا. منها أربعة حرم...» الحديث. وهذا يدل على استمرار تحريمها إلى آخر وقت. كما هو مذهب طائفة من السلف.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنه، في قوله تعالى: ولا الشهر الحرام يعني: لا تستحلوا القتال فيه. وكذا قال مقاتل وعبد الكريم بن مالك الجزري. واختاره ابن جرير أيضا. وذهب الجمهور إلى أن ذلك منسوخ. وأنه يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم. واحتجوا بقوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم والمراد أشهر التسيير الأربعة.

قالوا: فلم يستثن شهرا حراما من غيره. انتهى. وفي كتاب: "الناسخ والمنسوخ" لابن حزم: إن الآية نسخت بآية السيف. ونقل بعض الزيدية في "تفسيره" عن الحسن أنه ليس في هذه السورة منسوخ. وعن أبي ميسرة: فيها ثماني عشرة فريضة. وليس فيها منسوخ. (انتهى).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.75 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.64%)]