عرض مشاركة واحدة
  #286  
قديم 05-11-2022, 09:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ المائدة
المجلد السادس
صـ 1812 الى صـ 1822
الحلقة (286)


القول في تأويل قوله تعالى:

[3] حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم

حرمت عليكم الميتة وهي ما فارقه الروح بغير سبب خارجي. لأنها تنجست بمفارقته من غير مطهر، من ذكر اسم الله تحقيقا أو تقديرا، كإسلام الذابح. كذا في "التبصير". وقد خص من (الميتة) السمك بالسنة: فإنه حلال. مات بتذكية أو غيرها. لما رواه مالك في موطئه، والشافعي وأحمد في مسنديهما، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى [ ص: 1812 ] الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر؟ فقال: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» . وهكذا الجراد. لما سيأتي. قال الرازي: تحريم الميتة موافق لما في العقول. لأن الدم جوهر لطيف جدا. فإذا مات الحيوان حتف أنفه احتبس الدم في عروقه، وتعفن وفسد، وحصل من أكله مضار عظيمة. انتهى.

أخرج ابن منده في كتاب (الصحابة) من طريق عبد الله بن جبلة بن حبان بن حجر عن أبيه عن جده حبان قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أوقد تحت قدر فيها لحم ميتة. فأنزل تحريم الميتة فأكفأت القدر: والدم أي: المسفوح منه. لقوله تعالى في الأنعام: أو دما مسفوحا وقد روى ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن الطحال؟ فقال: كلوه. فقالوا: إنه دم. فقال: إنما حرم عليكم الدم المسفوح. وكذا رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد بن القاسم عن عائشة قالت: إنما نهي عن الدم السافح.

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحل لنا ميتتان ودمان. فأما الميتتان فالسمك والجراد. وأما الدمان فالكبد والطحال» . وكذا رواه أحمد بن حنبل [ ص: 1813 ] وابن ماجه والدارقطني والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وهو ضعيف. قال الحافظ البيهقي: ورواه إسماعيل بن أبي إدريس، عن أسامة، وعبد الله وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، مرفوعا. قال الحافظ ابن كثير: وثلاثتهم كلهم ضعفاء. ولكن بعضهم أصلح من بعض. وقد رواه سليمان بن بلال، أحد الأثبات، عن زيد بن أسلم عن ابن عمر، فوقفه بعضهم عليه، قال الحافظ أبو زرعة الرازي: وهو أصح. نقله ابن كثير.

أقول: أقوى مما ذكر في الحجة، ما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن أبي أوفى قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد. وفيهما أيضا من حديث جابر، إن البحر ألقى حوتا ميتا فأكل منه الجيش. فلما قدموا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا رزقا أخرج الله لكم. أطعمونا منه إن كان معكم. فأتاه بعضهم بشيء. وفي البخاري عن عمر في قوله تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه قال: صيده ما اصطيد. وطعامه ما رمي به. وفيه عن ابن عباس قال: طعامه ميتته.

قال ابن كثير: روى ابن أبي حاتم عن أبي أمامة وهو صدي بن عجلان قال: بعثني [ ص: 1814 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله، وأعرض عليهم شرائع الإسلام، فأتيتهم. فبينما نحن كذلك، إذ جاءوا بقصعة من دم فاجتمعوا عليها يأكلونها. فقالوا: هلم، يا صدي! فكل. قال قلت: ويحكم، إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم، فأقبلوا عليه، قالوا: وما ذاك؟ فتلوت عليهم هذه الآية: حرمت عليكم الميتة والدم الآية. ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويه. وزاد بعد هذا السياق قال: فجعلت أدعوهم إلى الإسلام ويأبون علي. فقلت: ويحكم! اسقوني شربة من ماء فإني شديد العطش. قال: وعلي عباءتي. فقالوا: لا. ولكن ندعك حتى تموت عطشا. قال: فاغتممت وضربت برأسي في العباء. ونمت على الرمضاء في حر شديد. قال: فأتاني آت في منامي بقدح من زجاج. لم ير الناس أحسن منه. وفيه شراب لم ير الناس ألذ منه. فأمكنني منه فشربته. فلما فرغت من شرابي استيقظت، فلا، والله! ما عطشت ولا عربت (عرب كفرح فسدت معدته. قاموس) بعد تيك الشربة.

ورواه الحاكم في مستدركه عن علي بن حماد، عن أحمد بن حنبل بسنده إلى أبي أمامة. وزاد بعد قوله: (بعد تيك الشربة): فسمعتهم يقولون: أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تمجعوه بمذقة؟ فأتوني بمذقة فقلت: لا حاجة لي فيها. إن الله أطعمني وسقاني. وأريتهم بطني، فأسلموا عن آخرهم.
انتهى.

قال الزمخشري: كان أهل الجاهلية يأكلون هذه المحرمات: البهيمة التي تموت حتف أنفها. والفصيد، وهو الدم في المباعر، يشوونها ويقولون: لم يحرم من فزد له.

[ ص: 1815 ] وتقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة في قوله تعالى: إنما حرم عليكم الميتة والدم الآية.

قال المهايمي: حرم الدم لأنه متعلق الروح بلا واسطة. فأشبه النجس بالذات، لا يؤثر فيه المطهر ولحم الخنزير لأنه نجس في حياته بصفاته الذميمة وهي -وإن زالت بالموت- فهو منجس ولم يقبل التطهير. لأنه لما كان نجسا حال الحياة والموت، أشبه النجس بالذات، فكأنه زيد تنجيسه بالموت. وإنما ذكر اللحم إشارة إلى أنه -وإن لم يكن موصوفا في الحياة بالصفات المنجسة لروحه- كان متنجسا بنجاسة روحه، ثم بزوال الروح. انتهى.

قال ابن كثير: وقوله تعالى: ولحم الخنـزير يعني إنسيه ووحشيه، واللحم يعم جميع أجزائه حتى الشحم، كما هو المفهوم من لغة العرب ومن العرف المطرد. وفي صحيح مسلم عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لعب بالنردشير، فكأنما صبغ يده بلحم الخنزير ودمه» ، فإذا كان هذا التنفير لمجرد اللمس، فكيف يكون التهديد والوعيد الأكيد على أكله والتغذي به؟ وفيه دلالة على شمول اللحم لجميع الأجزاء من الشحم وغيره. وفي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حرم بيع الخمر [ ص: 1816 ] والميتة والخنزير والأصنام: فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا؛ هو حرام» .

وما أهل لغير الله به أي: نودي عليه غير اسم الله، كما في "الصحاح" وأصل الإهلال رفع الصوت، وكان العرب في الجاهلية يذكرون أسماء أصنامهم عند الذبح، فحرم الله ذلك بهذه الآية.

وبقوله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه

قال ابن كثير في الآية: أي: ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله، فهو حرام؛ لأن الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم. فمن عدل بها عن ذلك، وذكر عليها اسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك من سائر المخلوقات، فإنها حرام بالإجماع. وإنما اختلف العلماء في متروك التسمية، إما عمدا أو نسيانا، كما سيأتي تقريره في سورة الأنعام، إن شاء الله تعالى. وروى ابن أبي حاتم عن الجارود بن أبي سبرة قال: كان رجل من بني رياح يقال له: ابن نائل. وكان شاعرا. نافر غالبا، جد الفرزدق بماء بظهر الكوفة. على أن يعقر هذا مائة من إبله، إذا وردت الماء. قاما بسيفيهما فجعلا يكشفان عراقيبها. قال: فخرج الناس على الحمرات والبغال يريدون اللحم. وعلي بالكوفة. قال: فخرج علي. على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، وهو ينادي: يا أيها الناس! لا تأكلوا من لحومها. فإنما أهل بها لغير الله. هذا أثر غريب.

[ ص: 1817 ] يشهد له بالصحة ما رواه أبو داود عن ابن عباس قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب» . ثم أسند عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل. أفاده ابن كثير.

وفي "القاموس وشرحه": وعاقره: فاخره وكارمه في عقر الإبل. ويقال: تعاقرا إذا عقرا إبلهما، يتباريان بذلك، ليرى أيهما أعقر لها. ومن ذلك معاقرة غالب بن صعصعة. أبي الفرزدق وسحيم بن وثيل الرياحي لما تعاقرا بصوأر. فعقر سحيم خمسا ثم بدا له. وعقر غالب مائة.

وفي حديث ابن عباس: لا تأكلوا من تعاقر الأعراب. فإني لا آمن أن يكون مما أهل به لغير الله.

قال ابن الأثير: هو عقرهم الإبل، كان الرجلان يتباريان في الجود والسخاء. فيعقر هذا وهذا. حتى يعجز أحدهما الآخر. وكانوا يفعلونه رياء وسمعة وتفاخرا. ولا يقصدون به وجه الله تعالى. فشبهه بما ذبح لغير الله تعالى. انتهى.

وروى الإمام مسلم عن علي رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: «لعن الله من ذبح لغير الله. لعن الله من لعن والديه. لعن الله من آوى محدثا. لعن الله من غير منار الأرض» .

وروى الإمام أحمد عن طارق بن شهاب; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ص: 1818 ] «دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب. قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟! قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا. فقالوا لأحدهما: قرب. قال: ليس عندي شيء أقرب. قالوا له: قرب ولو ذبابا. فقرب ذبابا، فخلوا سبيله، فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب. فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل. فضربوا عنقه. فدخل الجنة» . وفي هذه القصة ترهيب من وجوه: منها كونه دخل النار بسبب ذلك الذباب الذي لم يقصده، بل فعله تخلصا من شرهم. ومنها معرفة قدر الشرك في قلوب المؤمنين، كيف صبر ذلك على القتل ولم يوافقهم على طلبتهم. مع كونهم لم يطلبوا إلا العمل الظاهر. ومنها أن في هذا شاهدا للحديث الصحيح: «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك» . كذا في كتاب "التوحيد".

والمنخنقة وهي التي تموت بالخنق إما قصدا وإما اتفاقا. بأن تتخبل في وثاقها فتموت به. قال الحسن وغيره: هي التي تختنق بحبل الصائد أو غيره. وبأي وجه اختنقت فهي حرام. وقال ابن عباس: كانت الجاهلية يخنقون الشاة. حتى إذا ماتت أكلوها. والمنخنقة من جنس الميتة، لأنها لما ماتت، وما سال دمها، كانت كالميت حتف أنفه. إلا أنها فارقت الميتة بكونها تموت بسبب انعصار الحلق بالخنق، بخلاف الميتة فإنها بلا سبب.

قال المهايمي: المنخنقة، وإن ذكر اسم الله عليها فقد عارضه سريان خباثة الخانق إليها، مع تنجسها بالموت: والموقوذة يعني المقتولة بالخشب. وكان أهل الجاهلية يضربون الشاة بالعصي. حتى إذا ماتت أكلوها. وفي "القاموس وشرحه" الوقذ شدة الضرب. وقذه يقذه وقذا: ضربه حتى استرخى وأشرف على الموت. وشاة وقيذ وموقوذة قتلت بالخشب. وقال أبو سعيد: الوقذ الضرب على فأس القفا. فيصير هدتها إلى الدماغ، فيذهب [ ص: 1819 ] العقل. فيقال: رجل موقوذ. وفي الصحيح أن عدي بن حاتم قال: «قلت: يا رسول الله! إني أرمي بالمعراض الصيد، فأصيب. قال: إذا رميت بالمعراض فخرق فكله. وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ. فلا تأكله» .

والمتردية هي الساقطة من جبل أو في بئر، فتموت. والتردي السقوط فهي مهواة. وهذه الثلاثة في معنى الميتة. فإنها ماتت ولم يسل دمها والنطيحة هي التي نطحتها أخرى فماتت. فهي حرام. وإن جرحها القرن وخرج منها الدم ولو من مذبحها. وإن أرسل إنسان الناطح بذكر اسم الله؛ لأنه لما لم يكن بطريق الصيد المشروع، لم تخل من خباثة.

فائدة:

قال التبريزي في "تهذيبه" وابن قتيبة في "أدب الكاتب": ما كان على فعيل، نعتا للمؤنث وهو في تأويل مفعول، كان بغير هاء. نحو: كف خضيب. وملحفة غسيل. وربما جاءت بالهاء يذهب بها مذهب الأسماء. نحو النطيحة والذبيحة والفريسة وأكيلة السبع... وقالوا: ملحفة جديدة. لأنها في تأويل مجدودة أي: مقطوعة. وإذا لم يجز فيه مفعول فهو بالهاء. نحو مريضة وظريفة وكبيرة وصغيرة. وجاءت أشياء شاذة. فقالوا: ريح خريق وناقة سديس وكتيبة خصيف.

وقال ابن السكيت: قد تأتي فعيلة بالهاء وهي في تأويل مفعول بها. تخرج مخرج الأسماء ولا يذهب بها مذهب النعوت. نحو النطيحة والذبيحة والفريسة وأكيلة السبع، ومررت بقتيلة بني فلان.

وقال الجوهري: إنما جاءت النطيحة بالهاء، لغلبة الاسم عليها. وكذلك الفريسة والأكيلة والرمية. لأنه ليس هو (نطحتها، فهي منطوحة) وإنما هو الشيء في نفسه مما ينطح والشيء مما يفرس ويؤكل.

[ ص: 1820 ] وما أكل السبع أي: ما عدا عليها فأكل بعضها. قال قتادة: كان أهل الجاهلية، إذا جرح السبع شيئا فقتله أو أكل منه، أكلوا ما بقي منه. فحرمه الله تعالى.

قال المهايمي: هو، وإن أشبه الصيد، لكنه لما أكله قصد بذلك نفسه، فسرت خباثته فيها. انتهى.

و (السبع) بضم الباء وفتحها وسكونها: المفترس من الحيوان. مثل الأسد والذئب والنمر والفهد. وما أشبهها مما له ناب، ويعدو على الناس والدواب فيفترسها. وسمي ذلك لتمام قوته. وذلك أن (السبع) من الأعداد التامة، وفي الآية محذوف تقديره: وما أكل السبع بعضه. كما ذكرنا. لأن ما أكله فقد فقد، فلا حكم له، إنما الحكم للباقي منه.

وقوله تعالى: إلا ما ذكيتم أي: ما أدركتم ذكاته من هذه المذكورات: المنخنقة فما بعدها. بحيث ينسب موتها إلى الذبح دون غيره، فإنه يتحقق فيه المطهر، ولا يؤثر فيه السابق. لأن اللاحق ينسخه. بل هو واقع قبل تأثير السابق. إذ لا يتم التأثير إلا بالموت. أفاده المهايمي.

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي: إلا ما ذبحتم من هؤلاء وفيه روح، فكلوه فهو ذكي. وكذا روي عن سعيد بن جبير والحسن والسدي. وروى ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي، في الآية قال: إن مصعت بذنبها، أو ركضت برجلها، أو طرفت بعينها، فكل. وروى ابن جرير عن الحارث عن علي أيضا قال: إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة، وهي تحرك يدا أو رجلا، فكله. وهكذا روي عن طاوس والحسن وقتادة وعبيد بن عمير والضحاك وغير واحد; أن المذكاة متى تحركت بحركة تدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح، فهي حلال. وهذا مذهب جمهور الفقهاء. أفاده ابن كثير.

وفي "الموطأ": سئل مالك عن شاة تردت فتكسرت، فأدركها صاحبها فذبحها، [ ص: 1821 ] فسال الدم منها ولم تتحرك؟ فقال مالك: إذا كان ذبحها ونفسها يجري وهي تطرف، فليأكلها.

والتذكية الذبح، كالذكا والذكاة. قال الراغب: حقيقة التذكية إخراج الحرارة الغريزية. ولكن خص في الشرع بإبطال الحياة على وجه دون وجه. أي: وهو قطع الحلقوم والمريء. بمنهر للدم: من سكين وسيف وزجاج وحجر وقصب، له حد يقطع كما السلاح المحدد. ما لم يكن سنا أو ظفرا. لحديث رافع بن خديج في الصحيحين وغيرهما قال: «قلت: يا رسول الله! إنا لاقو العدو غدا. وليس معنا مدى. أفنذبح بالقصب؟ فقال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه، فكلوه ليس السن والظفر، وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم. وأما الظفر فمدى الحبشة» .

وأما حديث أبي العشراء عن أبيه: «قلت: يا رسول الله! أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ قال: لو طعنت في فخذها لأجزأك» . أخرجه أحمد وأهل السنن - ففي إسناده مجهولون.

[ ص: 1822 ] وأبو العشراء لا يعرف من أبوه. ولم يرو عنه غير حماد بن سلمة. فهو مجهول. كذا في "الروضة".

وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص": أبو العشراء مختلف في اسمه وفي اسم أبيه. وقد تفرد حماد بن سلمة بالرواية عنه على الصحيح. ولا يعرف حاله.

وقال في "التقريب": أعرابي مجهول.

قال الترمذي في جامعه، بعد سوقه لهذا الحديث: قال أحمد بن منيع: قال يزيد بن هارون: هذا في الضرورة. وفي الباب عن رافع بن خديج. انتهى.

وقال ابن كثير: وهذا الحديث صحيح. ولكنه محمول على ما لا يقدر على ذبحه في الحلق واللبة. انتهى.

وتصحيحه له، مع جهالة راويه المذكور، فيه نظر. فإن حد الصحيح كما في "التقريب" ما اتصل إسناده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة. قال (شارحه السيوطي): فخرج بقيد (العدول) ما نقله مجهول عينا أو حالا. أي: فليس بصحيح بل ضعيف.

وفي "النخبة" أن خبر الآحاد مقبول ومردود، والثاني إما لسقط من إسناد أو طعن في راو. والطعن إما لكذب أو تهمته بذلك. إلى أن قال: أو جهالته بأن لا يعرف فيه تعديل ولا تجريح معين. فتبصر.

وما ذبح على النصب قال الزمخشري: كانت لهم حجارة منصوبة حول البيت. يذبحون عليها ويشرحون اللحم عليها. يعظمونها بذلك ويتقربون به إليها. تسمى الأنصاب.

قال ابن كثير: فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع وحرم عليهم أكل هذه الذبائح، حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله. لما في الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله. انتهى.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]