شرح حديث: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى أن عمرو بن عاصم حدثهم قال: حدثنا همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وقد سبق أن مر حديث: (وبيوتهن خير لهن) وهذا الحديث فيه تفصيل: أنه كلما كانت المرأة أستر وأبعد عن الظهور والبروز كان أفضل لها، يقول عليه الصلاة والسلام: (صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها) والكلام كله يتعلق بالبيت، وأنه كلما كان أبعد وأخفى وأستر للمرأة فإنه يكون أفضل. قوله: (صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها) والمراد بالحجرة: المكان الذي يحتجر حول البيت يعني: مثل الصحن أو المكان الفاضي، ولكنه داخل السور وتحت البنيان، وفيه يعني: أنه مكان مكشوف، ولكنه ليس داخل البيت، فصلاتها في بيتها خير من صلاتها في حجرتها، يعني: إذا كان البيت له حوش ومكان مكشوف فصلاتها في داخل البنيان أحسن من صلاتها داخل السور في الحوش أو في المكان المكشوف المحتجر الذي هو تابع للبيت ومن جملته. فهذا هو المقصود بالحجرة، وليس المقصود بها الغرفة التي هي داخل البيت، وإنما المقصود: المحتجر الذي يكون في البيت تدخل منه وتشرع عليه الأبواب. قوله: (وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها) المخدع: هو البيت الصغير أو المكان الذي يكون في أقصى البيت والذي يتخذ لحفظ الأشياء، ويميز على غيره بكونه يكون في مكان بعيد من الباب، وهذا معناه: أن المرأة كلما كانت أبعد في بيتها كان أفضل من بروزها، ومعنى هذا أن كل هذه الأمور أحسن من صلاتها في المسجد، يعني: إذا كانت هذه الأمور في داخل البيت وبعضها أولى من بعض فإن ذلك يدل على أن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد؛ فلهذا قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن) ثم يكون التفصيل في البيت: كلما كانت أبعد كانت أستر، وكلما كانت بعيدة عن الأنظار كان ذلك أفضل لها.
تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ...)
قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى البصري الملقب الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [ أن عمرو بن عاصم حدثهم ] . عمرو بن عاصم صدوق في حفظه شيء، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. همام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مورق ] . مورق العجلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأحوص ] . هو عوف بن مالك ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله ] . عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (لو تركنا هذا الباب للنساء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تركنا هذا الباب للنساء) قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. قال أبو داود : رواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع قال: قال عمر . وهذا أصح ] . أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو تركنا هذا الباب للنساء) هذا يفيد بأن النساء لا يختلطن مع الرجال إذا ذهبن إلى المسجد، وأنهن يدخلن من باب يخصهن أو أبواب تخصهن، وهذا من الاحتياط والتشديد في خروج النساء، وأنهن إذا خرجن يخرجن بهذه الهيئة وهذا الوصف الذي هو الابتعاد عن الرجال وعن مخالطتهم حتى في الدخول إلى المسجد، بل وإذا دخلن المسجد يبتعدن عن الرجال كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) فهن يبتعدن عن الرجال، وكلما كانت المرأة أبعد عن الرجال كان أفضل وأعظم أجراً لها، وكان ذلك الصف الذي تكون فيه خير الصفوف إذا كان هو أبعد الصفوف عن الرجال. قوله: (قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات). يعني: لالتزامه وامتثاله لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. قوله: [ قال أبو داود : رواه إسماعيل عن أيوب عن نافع قال: قال عمر . وهذا أصح ] . يعني: أن الحديث جاء من طريق أخرى عن نافع يرويه عن عمر موقوفاً عليه، فهذا يكون فيه انقطاع؛ لأن نافعاً لم يدرك عمر رضي الله تعالى عنه، ولكن الحديث الأول صحيح.
تراجم رجال إسناد حديث: (لو تركنا هذا الباب للنساء)
قوله: [ حدثنا أبو معمر ]. هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ] . عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ] . أيوب بن أبي تميمة السختياني مر ذكره. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع و ابن عمر مر ذكرهما. قوله: [ قال أبو داود : رواه إسماعيل بن إبراهيم ]. إسماعيل بن إبراهيم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن نافع قال: قال عمر ]. أيوب و نافع قد مر ذكرهما، وعمر هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة فرضي الله عنه وأرضاه.
باب السعي إلى الصلاة
شرح حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب السعي إلى الصلاة. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا). قال أبو داود : وكذا قال الزبيدي و ابن أبي ذئب و إبراهيم بن سعد و معمر و شعيب بن أبي حمزة عن الزهري : (وما فاتكم فأتموا)، وقال ابن عيينة عن الزهري وحده: (فاقضوا) وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة و جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة: (فأتموا) و ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، و أبو قتادة و أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم قالوا: (فأتموا) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة باب السعي إلى الصلاة، والسعي: هو بمعنى الذهاب، وهذا أمر مطلوب، ويأتي بمعنى الجري والعدو والإسراع، وهذا هو الذي جاء ما يدل على منعه والنهي عنه، ومما جاء بمعنى الذهاب قوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، وليس المقصود أنهم يسعون أي: يذهبون ويجرون، وإنما معناه: أنهم يتركون البيع والشراء، ويتجهون إلى الصلاة، يتركون الاشتغال بالتجارة الدنيوية، ويتجهون إلى التجارة الأخروية. والسعي يأتي بمعنى العدو، وهذا هو الذي ترجم له أبو داود وأورد الأحاديث التي فيها النهي عن الذهاب إليها سعياً، والأمر بالذهاب إليها مشياً بدون سعي. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا). قوله: (إذا أقيمت الصلاة) هنا عبر بالإقامة؛ لأن هذا هو الذي قد يقتضي السعي، أو قد يجعل بعض الناس يتجه إلى السعي من أجل أن يدرك الصلاة؛ لأن الصلاة قد قامت وهو يريد أن يدرك الركعة، أو يريد أن يدرك ما يدرك من الصلاة، فيقول عليه الصلاة والسلام: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون) والسعي هنا هو ضد المشي؛ لأن المشي معناه: المشي بتؤدة، والسعي: جري وعدو وركض، وهذه الهيئة منع منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون) فالمقصود هنا: الإتيان إليها مشياً بهدوء وسكينة ووقار وعدم إسراع. قوله: (فما أدركتم فصلوا) أي: الذي تدركونه منها صلوه مع الإمام. قوله: (وما فاتكم فأتموا) والذي سبقتم به أتموه بعد انتهاء الإمام. أورد أبو داود الروايات الكثيرة، والأحاديث المتعددة التي أشار إليها عن عدد من الصحابة، وكذلك روايات عدد كبير من العلماء يروون بلفظ: (وما فاتكم فأتموا)، ومن هذه الرواية التي عليها أكثر الرواة استدل بعض العلماء على أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه المسبوق بعد فراغ إمامه هو آخر صلاته. وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو آخر صلاته، وما يقضيه بعد سلام إمامه هو أول صلاته، وثمرة الخلاف هو: أنه على القول بأن ما أدركه يكون أول صلاته فبعدما يفرغ مع الإمام ويصلي ما فاته بعد ذلك لا يجهر بالقراءة على اعتبار أن الذي سبق به يكون هو الأول، وعلى هذا القول إذا كان بقي عليه ركعتان في الصلاة الرباعية كالعشاء -وهي جهرية- فإنه عندما يقوم يقضي الركعتين الفائتتين لا يجهر؛ لأن ما يقضيه هو آخر صلاته وليس أول صلاته؛لقوله: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا). فقوله: (فأتموا) معناه: أن ما يتمه هو آخر الصلاة؛ لأن الذي أدركه أولاً هو أولها، والإتمام يكون للشيء الذي له أول، وهذا معناه: أنه بدأ بأوله ثم يأتي بآخره ليتمه، فالأول أول، والآخر آخر، وإن كان آخر الصلاة هو بالنسبة للإمام فهو أول الصلاة بالنسبة للمسبوق، فالركعتان الأخيرتان من الصلاة الرباعية هي آخر الصلاة للإمام وهي أول الصلاة للمسبوق. وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته، وما يقضيه المسبوق هو أول صلاته، ويستدلون على ذلك بما جاء في بعض الروايات: (اقضوا) أي: يقضون ما سبقوا به، والذي سبقوا به هو أول الصلاة، فيأتون بالذي سبقوا به بعد سلام الإمام وهو أول صلاتهم، والذي أدركوه مع الإمام هو آخر صلاتهم. وإذا كانت الصلاة جهرية فيجهر بالقراءة؛ لأن هذا يعتبر أول صلاته على هذا القول، لكن أكثر الروايات على: (أتموا) وهي أرجح من رواية: (فاقضوا) ولكن يمكن أن تحمل رواية: (اقضوا) على ما يوافق رواية: (أتموا)؛ لأن (قضى) تأتي على معانٍ كثيرة، فتأتي بمعنى: التمام، وتأتي بمعنى: الفراغ من الشيء، وتأتي بمعنى: قضاء الشيء الذي فات، والحديث مخرجه واحد، ولكنه جاء بهذين اللفظين، فيمكن أن تحمل: (اقضوا) على ما يوافق (أتموا)، وأن المقصود من ذلك الإتمام الفراغ من الصلاة مع الإمام، ومعنى الفراغ من الصلاة: أن الذي يأتي به بعد ذلك هو ما يكون به من إنهاء صلاته، وليس المقصود من ذلك أن الشيء الذي سُبق به يقضيه، فالقضاء يأتي بمعنى فعل الشيء أصلاً، ويأتي بمعنى الفراغ، ويأتي بمعنى قضاء الفائت، وما دام أن الروايات الكثيرة كلها بلفظ: (أتموا) فيمكن أن تفسر كلمة: (اقضوا) بما يوافق: (أتموا) وعلى هذا لا يكون بين الروايتين اختلاف، ويكون القول الذي تدل عليه الأدلة هو: أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه المسبوق بعد سلام إمامه هو آخر صلاته، ومما يدل على أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته أن هذا هو المتصل بتكبيرة الإحرام، وتكبيرة الإحرام إنما تكون في أول الصلاة ولا تكون في آخرها.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عنبسة ]. عنبسة بن خالد الأيلي صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ أخبرني يونس ]. يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قد مر ذكره. وأبو هريرة قد مر ذكره. وعلى هذا فالإسناد فيه تابعيان من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين: أحدهما متفق على عده في الفقهاء السبعة وهو سعيد بن المسيب ، والثاني مختلف في عده في الفقهاء السبعة وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن . وقوله: [ قال: أبو داود كذا قال: الزبيدي ]. يعني: أنه قال في روايته عن الزهري مثل ما قال يونس بن يزيد الأيلي والرواية التي من طريق يونس بن يزيد الأيلي هي بلفظ: (وما فاتكم فأتموا) فكثيرون رووا عن الزهري مثل ما روى يونس بن يزيد الأيلي بلفظ: (أتموا) ومنهم الزبيدي وهو محمد بن الوليد الحمصي الزبيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و ابن أبي ذئب ]. محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ و إبراهيم بن سعد ]. إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ و معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ و شعيب بن أبي حمزة ]. شعيب بن أبي حمزة الحمصي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن الزهري: (وما فاتكم فأتموا) ]. يعني: أن كل هؤلاء رووه عن الزهري كما رواه عنه يونس بن يزيد بلفظ: (أتموا) فهذا يدل على أن ما قد يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته. [ وقال: ابن عيينة عن الزهري وحده: (فاقضوا)]. يعني: أن ابن عيينة انفرد بروايته عن الزهري بلفظ: (فاقضوا)، و يمكن أن تحمل على ما يوافق لفظ (أتموا). [ وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة و جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة : (فأتموا) ]. أورد المصنف الحديث عن أبي هريرة من طريقين، وكلاهما بلفظ: (أتموا) يعني: مثل الذي جاء عن الزهري ، وهذه طرق غير طرق الزهري ، فالأولى عن الزهري ، وكل الذين رووا عن الزهري متفقون على (أتموا) إلا ابن عيينة فإنه قال: (اقضوا)، وأيضاً جاء من طرق أخرى ليست من طريق الزهري عن أبي هريرة بلفظ: (أتموا). قوله: [ وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة ]. محمد بن عمرو هو ابن علقمة الذي مر ذكره، و أبو سلمة مر ذكره . [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. [ و جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة ]. جعفر بن ربيعة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ] . عبد الرحمن بن هرمز المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو قتادة و أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم قالوا: (فأتموا) ]. يعني: أنه جاءت أحاديث عن ثلاثة من الصحابة غير أبي هريرة وهم ابن مسعود و أبو قتادة و أنس ، فهؤلاء أيضاً يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: (فأتموا)، فهذه شواهد لحديث أبي هريرة .
شرح حديث (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم، واقضوا ما سبقكم). قال أبو داود : وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة : (وليقض) وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة ، و أبو ذر روي عنه: (فأتموا واقضوا) واختلف فيه ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، ولكنه بلفظ: (فاقضوا) وقد ذكرنا أن ذلك يحمل على ما يوافق: (أتموا) وأن هذا هو الأولى، وهو الذي فيه الجمع بين الروايات.
تراجم رجال إسناد حديث: (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم ...)
قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ] . شعبة بن الحجاج البصري ثم الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة ]. قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.
طرق أخرى لحديث: (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم ...) وتراجم رجال أسانيدها
[ قال أبو داود : وكذا قال: ابن سيرين عن أبي هريرة : (ليقض) ]. يعني: أن رواية ابن سيرين مثل رواية أبي سلمة إلا أنها بلفظ: (وليقض) بدل (واقضوا) وهي مثلها في المعنى، وكذلك في اللفظ، إلا أن تلك بلفظ الأمر، وهذه بلفظ الفعل المضارع المسبوق بلام الأمر. وابن سيرين هو محمد بن سيرين المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة ]. هو نفيع الصائغ ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، روى عن أبي هريرة أيضاً مثل ما روى ابن سيرين ، ومثل ما روى أبو سلمة بلفظ القضاء. [ و أبو ذر روي عنه: (فأتموا) و (اقضوا) واختلف فيه ]. أي: أن أبا ذر رضي الله عنه جاء عنه بلفظ: (أتموا) وجاء عنه بلفظ: (اقضوا) واختلف في حديث أبي ذر ، فجاء عنه: (اقضوا) وجاء عنه: (أتموا). وأبو ذر هو جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة
حكم الإخبار عن الله عز وجل بأنه عاقل أو ذكي ونحو ذلك
السؤال: من المعلوم أن الله جل وعلا لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن مجال الإخبار أوسع، فهل يخبر عن الله جل وعلا بأنه ذكي أو عاقل أو لبيب كذا؟
الجواب: لا، لا يجوز أن يؤتى بأي وصف أو بأي شيء يضاف إلى الناس ثم يضاف إلى الله عز وجل، ويقال: إنه على ما يليق به، والإخبار هو مثل أن يقال: نوه الله بكذا، أو أشاد الله بكذا، أو أثنى الله على كذا، ونحو ذلك، أما أن تؤخذ الأوصاف الحسنة التي يتصف بها الناس، ثم تضاف إلى الله عز وجل ويخبر بها عنه -حتى ولو قيل: إنها على ما يليق به- فلا يصلح أن يعبر بمثل هذه العبارات، و إنما يسكت عنها.
حكم قول: علماء العقيدة
السؤال: من المعلوم أن جانب العقيدة جانب مهم، فما حكم من يقول في أثناء التدريس وسرد الأقوال: قال علماء العقيدة أو علماء العقيدة يقولون كذا؟
الجواب: التعبير باللفظ العام هذا ليس بواضح، إلا إذا كان المقصود به علماء السلف، ويكون ذلك من الشيء الذي هو معروف من عقيدة السلف، ومن الأمور المتفق عليها والتي لا يختلف فيها السلف، فمثل هذا يصح أن يقال: إن هذه عقيدة السلف، وإن السلف اتفقوا على كذا، هذا لا بأس به، وأما إذا قال: قال علماء العقيدة، أو علماء العقيدة يقولون، فهذا الإطلاق لا يصح؛ لأن هناك عقائد ضالة، وعقائد سليمة، فكلمة (علماء العقيدة) هذه فيها ما فيها، فكل يعتقد عقيدة ويقال: إنه عالم في عقيدته، لكن ليس كل عقيدة حق، بل العقيدة الحقة هي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما سوى ذلك فهو من محدثات الأمور، كما قال صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).حكم الحج من غير تصريح بالحج من ولاة الأمر
السؤال: هل يجوز أن يحج الرجل دون تصريح للسفر إلى الحج، ويحتج بأن الحجاج يحتاجون إلى من يعلمهم أمور دينهم، وخاصة إذا كان من طلبة العلم؟ الجواب: لا ينبغي للإنسان أن يخالف التعليمات التي تصدر من ولاة الأمور، والتي يرون فيها المصلحة في ضبط الحجاج، ولكنه إذا كان فيه نفع فيمكن أن يتقدم إلى الجهة المسئولة بالطريقة التي يمكنه أن يتقدم بها من أجل أن يسمحوا له من أجل هذه المهمة.
حكم منع الرجل المرأة من الذهاب إلى المسجد لصلاة التراويح
السؤال: هل يجوز للرجل أن يمنع المرأة من الذهاب إلى المساجد لصلاة التراويح؟
الجواب: الحديث عام، ولا يتعلق بتراويح ولا بغير تراويح، فيمكن لها أن تخرج للتراويح وأن تخرج للجماعة، ويمكن أن تخرج لتصلي فيه ركعتين في الضحى، ومطلق التراويح هي كغيرها، فلا تمنع النساء من الذهاب إلى المساجد، لا للتراويح ولا لغير ذلك .
بيان الأولى للمرأة التي أدت فريضة الحج
السؤال: المرأة إذا أدت فريضة الحج هل الأفضل لها أن تبقى مع أبنائها أم تذهب لأداء الحج مرة أخرى؟
الجواب: بقاؤها مع أبنائها حيث يكونون بحاجة إليها لا شك أنه أولى.
تفضيل صلاة النافلة في البيت على صلاتها في المسجد
السؤال: هل صلاة المرأة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد النبوي؟
الجواب: نعم, فإذا كانت قادرة على الصلاة في المسجد النبوي ولكنها تركت ذلك من أجل أن تحصل الأفضل فإنها تحصل على ذلك، والرجل لو جاء وصلى ثم ذهب وصلى النافلة في بيته مع قدرته على الصلاة في المسجد النبوي فإنه يحصل أكثر من الصلاة في المسجد النبوي، والنبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل؛ لأنه كان يصلي في بيته النافلة ثم يخرج وتقام الصلاة، ثم إذا صلى انصرف إلى بيته وصلى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه الراتبة في البيت، وهو في المسجد النبوي الذي قال فيه: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) وقال عليه الصلاة والسلام : (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة) ."