عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-12-2022, 04:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,385
الدولة : Egypt
افتراضي آداب قضاء الحاجة

آداب قضاء الحاجة
رمضان صالح العجرمي

1- خطورة التهاون في تعلُّم آداب قضاء الحاجة.
2- بعض الآداب التي ينبغي أنْ تُراعَى حال قضاء الحاجة.

الهدف من الخطبة:
تحقيق شمولية الطرح لجميع أحكام الدين والبلاغ لكافة الناس، بالإضافة إلى أنها من الأمور المُهِمَّة التي يحتاج إليها الإنسان في حياته اليومية، وغالبًا لا يتم طرحها إلَّا في دروس الفقه، وهي من يحضرها قليلٌ بخلاف الجمعة، ولبيان الأخطاء التي يقع فيها كثيرٌ من الناس؛ إمَّا جهلًا أو تهاونًا، التي ربما توجب لصاحبها لَعْنًا أو عذابًا في قبره.

مقدمة ومدخل للموضوع:
أيها المسلمون، عباد الله، موضوعنا اليوم بإذن الله تعالى بعنوان: (آداب قضاء الحاجة)، وقد يستغرب البعض من هذا العنوان والموضوع! فأقول:
فإننا والله نحتاج لتعلُّم ومعرفة مثل هذه الأمور التي يستهين بها كثيرٌ من الناس؛ فلربَّما يقع العبد في الوعيد الشديد واللَّعْن من الله تعالى بسبب التهاوُن في هذا الأمر.

ألم يقُلْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((استَنْزِهُوا من البول؛ فإنَّ عامَّةَ عذابِ القَبْرِ منه))، وفي رواية: ((أكثرُ عذابِ القَبْرِ من البَوْلِ)).

بل ومَرَّ على قبرينِ، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّهما ليُعذَّبانِ وما يُعذَّبانِ في كبير؛ أمَّا أحدُهما فكان لا يستبرئ مِن بَوْلِهِ))، وفي رواية: ((لا يَسْتَنْزِه مِن بَوْلِه))، وفي رواية: ((لا يَسْتَتِر مِن البَوْلِ))، فإنْ دَلَّ ذلك إنما يدُلُّ على جهله، واستهتاره بهذا الأمر؛ ولذلك استحقَّ هذا الوعيد.

ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك: ((اتَّقُوا اللَّاعِنَينِ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ)) [رَواهُ مُسْلِمٌ].

وتأمَّل جيدًا هذه الأخطاء عند قضاء الحاجة، التي أوْجَبَتْ لصاحبها اللَّعْن؛ وهو الطَّرْد والإبعاد من رحمة الله تعالى، وهذا من تمام شفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم، وخوفه على أُمَّتِه من أسباب اللعن، فعلى العبد أن يحذر ويتجنَّب هذه الأسباب، ولا يكون ذلك إلَّا بتعلُّم ومعرفة هذا الباب المُهِم من أبواب الفقه.

وأيضًا فإن الكلام في هذا الموضوع لبيان شمولية هذه الشريعة في بيان وإيضاح جميع مصالح العباد، فإن جميع حركاتهم وسَكَناتهم خاضعةٌ لشرع الله تعالى، حتى في أدَقِّ الأمور، والمسلم مأمورٌ بالانقياد والاستسلام لله عز وجل في جميع جوانب حياته؛ كما قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

ولذلك لما استهزأ وتهكَّم بعض أهل الكتاب من المشركين على سلمان الفارسي رضي الله عنه، فقالوا: قد علَّمَكم نبيُّكم كُلَّ شيء حتى الخراءة (يعنى: قضاء الحاجة)! فقال سلمان رضي الله عنه مبينًا أن هذا مقام فخر بهذه الشريعة وليس استهزاء: "لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ"؛ [رَواهُ مُسْلِمٌ].

وكان من دَأْب الفقهاء ذكر هذا الباب في أبواب الطهارة، فكانوا يُسمُّونها كما سمَّاها الشرع على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم (قضاء الحاجة- آداب الخلاء- التخلي- الاستطابة- البراز)؛ وكلها عبارات صحيحة لا تخدش الحياء، ولا يتحرَّج الإنسان من قولها.

ومنها أيضًا: (الخروج إلى الغائط)، وقد استعمل القرآن هذا اللفظ في موضعين في آيتين كريمتين؛ كما قال تعالى: ﴿ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ﴾ [النساء: 43]، قال السعدي رحمه الله: استحباب التكنية عمَّا يُستقذَر التلفُّظ به.

ثم إنَّ هناك كثيرًا من السُّنَن والمستحبَّات من الهدي النبوي، فإذا تعلَّمَها العبد وحافظ عليها، كان له من الأجر والثواب العظيم؛ فكان مِنْ هَدْيِه صلى الله عليه وسلم:
1- الذكر عند الدخول؛ ليتقي العبد نفسه من شرور الجن، وحتى لا يرى الجِنُّ عَوْرتَه.
2- ويدخل برِجْلِه اليُسْرى ويخرج باليُمْنى.
3- الذكر عند الخروج أيضًا.

4- وكان مِن هَدْيِه صلى الله عليه وسلم إذا خرج للخلاء يتغيَّب حتى لا يرى ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض؛ يُعلِّم الأُمَّةَ كُلَّها الحياء.

وهنا نُنبِّه على مسألة: البول قائمًا، والأصل فيه الجواز؛ لكنَّه يُنافي الهَدْيَ النبويَّ؛ فقد كان غالب فعله البول قاعدًا، كما أنه ينافي الحياء، مع ما قد يتعرَّض له من وقوع النجاسة عليه أو عدم التمكُّن من الاستنجاء.

وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن استقبال أو استدبار القبلة بلا حائلٍ أثناء قضاء الحاجة؛ كما في حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ؛ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا))، وذكر العلماء التفصيل في هذه المسألة: وهي التفريق بين البنيان والفضاء بلا حائلٍ.

وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن:
1- دخول الخلاء بشيء فيه اسم الله تعالى.
2- التخلِّي في الماء الراكد.
3- الاستنجاء باليمين، أو مسِّ الذَّكَر باليمين.
4- استقبال مهبِّ الريح؛ لئلا تنكشف عورتُه، أو يتطاير عليه شيءٌ من البول.

فهذه بعض المنهيات والمُحرَّمات التي يجب على العبد تجنُّبُها أثناء قضاء الحاجة.
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من عبادة المتطهِّرين.

الخطبة الثانية
بعض الآداب التي ينبغي أن تُراعى حال قضاء الحاجة:
1- المحافظة على الأذكار والأدعية عند الدخول والخروج؛ ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ))، قال الإمام أحمد: "وما دخلتُ قَطُّ المتوضأ ولم أقُلْها إلَّا وأصابني ما أكره".

2- الاستنجاء بالماء أو الاستجمار بالحَجَر ونحوه، ويُجزئ أحدهما عن الآخر؛ لخطورة ترك ذلك كما مَرَّ معنا.

ومن الآداب عند الاستنجاء بالماء بَلُّ اليد بالماء قبل غسل النجاسة، وهذه ذكروها بالتجربة؛ لأنها إذا باشرت النجاسة وهي يابسة، تعلَّقت بها النجاسة، وصارت الرائحة في اليد قويَّةً بخلاف ما إن كانت مغسولةً أوَّلًا.

والاستجمار لا يكون بأقل من ثلاثة أحجار؛ لحديث سلمان: "وأنْ نستنجيَ بأقلَّ مِن ثلاثةِ أحجار".

وورد النهي عن الاستجمار بالرَّوَث أو العَظْم؛ لحديث جابر رضي الله عنه: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُتَمَسَّح بعَظْم أو بِبَعَر، وحديث سلمان: وأن نستنجي برَجِيعٍ أو عَظْمٍ.

ومن الأخطاء الاستجمار بحوائط وجدران دورات المياه أو بشيءٍ له حرمة كأوراق الجرائد ونحوها.

فلن تجد في مجتمع من المجتمعات مثل هذه الإجراءات في الطِّبِّ الوقائي، وفي النظافة والاهتمام بنظافة البيئة؛ إلا في المجتمع المسلم، ولله الحمدُ والمِنَّة.

3- تجنُّب الدخول بشيء فيه اسم الله تعالى، فمن الأخطاء الدخول بالهاتف وقد اشتمل على رنَّات فيها ذِكْرٌ لله تعالى؛ مثل: (آيات - أذان - أدعية).

4- تجنُّب الكلام أثناء قضاء الحاجة؛ مثل:
إلقاء السلام والرد عليه أثناء قضاء الحاجة.
وربما يرد بعضهم على الهاتف.
عندما يناديه أحدٌ أو يطرق عليه الباب، الصحيح أنه يتنحنح.
بعض النساء ربما تدندن وتُغنِّي وتترنَّم داخل أماكن قضاء الحاجة!

5- البدء بغسل الكفَّينِ ثلاثًا قبل غمسهما في الإناء عند الاستيقاظ من النوم؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدَهُ))؛ [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

6- عدم استقبال مهبِّ الريح بلا حائلٍ أو شق أو نحوه، ولا في موضع منحدر إذا كان هو من أسفل؛ لئلا يرجع إليه البول.

7- ذكر بعض العلماء: أن يتجنَّب كنائس النصارى سدًّا للذريعة؛ لئلا يفعلوا ذلك بمساجدنا؛ كما نهينا عن سَبِّ آلهتهم.

8- تقديم قضاء الحاجة على الصلاة إذا حضرته حاجته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاةَ بحَضْرةِ طَعامٍ ولا هو يُدافِعُه الأخْبْثانِ)).

نسأل الله العظيم أن يُفقِّهَنا في ديننا، وأن يجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتَّبِعون أحْسَنَه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.44 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]