عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 05-12-2022, 10:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,081
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها

الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة




المحدد الثاني الإرهاب (1) المصطلح




من محددات العلاقة بين الشرق والغرب هذه الظاهرة العالمية التي تعارف الناس عليها واختاروا لها مصطلح "الإرهاب"، المقابل السريع للمصطلح الأجنبي Terrorism، الذي كان الأولى أن ينظر إليه على أنه أقرب إلى العنف منه إلى الإرهاب،ويمكن الادعاء أن الذين تصدوا للمصطلح الأجنبي وأعطوه المقابل العربي "الإرهاب" لم يكونوا دقيقين في الترجمة، لا سيما وأن إشاعة هذا المصطلح العربي قامت على أكتاف الإعلام، الذي روج لهذا المصطلح من دون النظر إلى الدقة في النقل عن المقابل الأجنبي[1].
ولم يتفق دوليًّا على تعريف الإرهاب، رغم محاولات البعض الوصول إلى صيغة مشتركة تجمع شتات الأفكار التي تتضمنها التعريفات الكثيرة، التي فاقت المائة وعشرة (110) تعريفات، بحيث قيل: إن وصف ظاهرة الإرهاب أسهل من تعريفها[2].
وهذا الاعتراض نابعٌ من أن المفهوم الإسلامي للإرهاب يختلف تمامًا، في المؤدى، عن المفهوم الشائع الآن؛ ذلك أن المسلمين مطالَبون بإعداد ما استطاعوا من قوة وعتاد ليرهبوا به عدو الله وعدوهم: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، والمعلوم لدى علماء الأمة المعتبرين أنه ليس المقصود هنا أن هذا الدين يدعو إلى الإرهاب بهذا المفهوم المتداول إعلاميًّا؛ ذلك أن الإسلام لا يقر هذا الإرهاب بحال من الأحوال،وقد فهم الناس الإرهاب على أنه استخدام العنف في التدمير والهدم والترويع والتعرض للأبرياء، من دون التفريق بين المستهدف وغير المستهدف، بما في ذلك النساء والأطفال والشيوخ والشجر والبِيَع والكنائس والمنشآت المدنية والمنازل.
ويكفي لإثبات أصالة هذا المنهج العودة إلى وصايا أبي بكر الصديق، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما سنَّه لقُوَّاده في الغزوات التي انطلقت من المدينة المنورة، وما يسنه وإخوته من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم هو من سنَّة المصطفى صلى الله عليه وسلم ((...فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعليكم بالطاعة، وإنْ عبدًا حبشيًّا، عَضُّوا عليها بالنواجذ؛ فإنما المؤمن كالجمل الأَنِفِ حيثما انقيد انقاد))[3]، وكذا وصيةُ خليفةِ خليفةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه إلى الفاتحين من القيادات العسكرية الإسلامية، فلا إرهاب في ذلك بالمفهوم الجديد المتداول حاليًّا للإرهاب، فلا عنف ولا ترويع ولا هدم ولا تعذيب ولا اغتصاب ولا اجتياح، ولا إهانة للمعابد ومؤسسات المجتمع المدني كافة.
هذا في حال المواجهة الحربية التي تكون في أوج الرغبة في النصر واختصار الطريق إليه، ولكن ليس على حساب كرامة الإنسان والمساس بالضرورات الخمس التي أمر الله بحفظها له في كل الأحوال: النفس والمال والدين والنسل والعقل،وهي التي كما يقول الشاطبي: "لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فُقدت لم تجرِ مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة،وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين"[4]،وهي التي، كما يقول أبو حامد الغزالي: "تتضمن حفظَ مقصودٍ من المقاصد الخمسة، وهي حفظ النفس والمال والنسب والدين والعقل، التي جاءت الشرائع بالمحافظة عليها"[5].
أما في حال السلم، فالوضع أدق وأوضح منه في حال الحرب، فليس هناك ما يسوغ الترويع والعنف في أي حال[6].
ومنذ أن وقعت أحداث الحادي عشر من شهر أيلول/ سبتمبر من سنة 2001م (22/ 6/ 1422هـ) والأطروحات تترى حول موضوع لم يتفق عليه بعد، من حيث المفهوم، وإن اتفق عليه - تقريبًا - من حيث اللفظ لمصطلح "الإرهاب"، مع أن بعض الكتاب المسلمين لا يزالون مترددين في قبول المصطلح، كما مر بيانه في الوقفة السابقة؛ ذلك لأنه مصطلح أخف وطأة من المفهوم الذي يحمله، فهو اسم لم يوافق مسماه، ولفظ لم يطابق معناه، كما أنه ورد في القرآن الكريم المنزَّل من خالق عظيم، مما يعني أن له معنًى ومفهومًا غير المفهوم الذي يطلق المصطلح عليه، فإرعاب الناس وقتل الأبرياء وترويع الآمنين، كلُّ هذا أكثر من مجرد إرهاب.
وعلى أي حال، يبدو أن المصطلح قد طغى على هذا المفهوم، بحيث أصبح أي نشاط غير عادي داخلًا في هذا المفهوم[7].
وإذا ما سلمنا جدلًا بالمصطلح المفهوم الحديث لهذه الكلمة "الإرهاب"، فإن علينا أن نتخلى عن المصطلح الشرعي للإرهاب؛ ولذا كان لزامًا علينا دائمًا أن تُحدَّد هذه الكلمة بمحدِّدات تنقلها عن المفهوم الشرعي،وكان الأولى أن نبحث عن المصطلح العربي المقابل للمصطلح الأجنبي، الذي لن يكون بحال "الإرهاب"، بل ربما "العنف" أو "التخريب"، أو أي مصطلح عربي ذي دلالة تخريبية ترويعية عنيفة، مع أنه حين ينقل إلى لغات أخرى يخشى ألا يُلتفَتَ إلى ذلك السعي للتفريق بين المفهوم الشرعي والمفهوم الإعلامي.





[1] انظر: علي بن إبراهيم النملة،إشكالية المصطلح في الفكر العربي: الاضطراب في النقل المعاصر للمفهومات - الرياض: المؤلف، 1431هـ/ 2010م،ص 250.
[2] انظر: أمل يازجي ومحمد عزيز شكري،الإرهاب الدولي والنظام العالمي الراهن - دمشق: دار الفكر، 1423هـ/ 2002م - ص 93.
[3] الحديث رواه ابن ماجه في باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين حديث رقم: 34، بتحقيق محمد مصطفى الأعظمي.
[4] إبراهيم اللخمي الشاطبي،الموافقات في أصول الأحكام/ تعليق محمد خضر حسين، تصحيح محمد منير - القاهرة: المطبعة السلفية، 1341هـ - 2: 4.
[5] انظر: محمد بن محمد الغزالي، أبو حامد،المستصفى من علم الأصول - 1: 287.
[6] انظر: كمال مجيد،العنف: دراسة لأثر العولمة على الشعوب المقهورة - لندن: دار الحكمة، 2001م - ص 217.
[7] انظر: جلبير الأشقر،صدام الهمجيات: الإرهاب، الإرهاب المقابل والفوضى العالمية قبل 11 أيلول وبعده - نقله إلى العربية: كميل داغر - بيروت: دار الطليعة، 2002م - ص 157.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]