الموضوع: شعر الصعاليك
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 13-12-2022, 03:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شعر الصعاليك

فأضْرِبُها بلا دَهَشٍ، فخَرَّتْ
صَريعًا لليدَينِ ولِلْجِرانِ

فقالتْ: عُدْ، فقلْتُ لها: رُوَيْدًا
مكانَكِ إنَّني ثَبْتُ الجَنان

فلم أنفكَّ مُتِّكئًا عليها
لأنْظُرَ مُصْبِحًا ماذا أتاني

إذا عينانِ في رأسٍ قبيحٍ
كرأسِ الهرِّ، مشقُوقِ اللِّسانِ

وساقا مُخْدَجٍ، وشَوَاةُ كلْبٍ
وثَوْبٌ من عَباءٍ أو شِنانِ

والصور هنا تجسد معنى أن يخلق الشاعر عالمه الفني الذي يتحرك داخله لينقل مِن خلاله لونًا من الأحاسيس تولده تجربة فنية دقيقة، والصورة المتخيلة التي رسمها تذكر بصور الأساطير الإغريقية القديمة للحيوانات الخرافية.

على أن معايشة الصحراء نفسها والتغلب على عناصر الموت فيها يتطلب دربة خاصة، وها هو السليك يحاول التغلب على الجفاف القاتل في صحراء اليمن الشاسعة حين يختار موسم الصيف القاحل ليمارس فيه من خلالها غزواته، وحيث لا تستطيع الخيول نفسها ولوج الصحراء؛ لأن الموت عطشًا يتهدَّدها، ولكن الصعلوك يكون قد أعدَّ عُدَّته منذ فصل الربيع، فيملأ بيض النعام بالماء البارد ويدفنه في أماكن في الصحراء يعرفها جيدًا، فإذا جاء الصيف كان هو وحده ملك الصحراء يستطيع فيها الحركة كما يشاء.

لكنَّ هناك جانبًا إنسانيًّا وثوريًّا متألقًا في تجربة الصعاليك، كانت الفوارق الطبقية الشاسعة دافعًا قويًّا وراء وجودهم، في الوقت الذي يمتلك فيه أحد الأغنياء واديًا مليئًا بالإبل، يوجد مئات الفقراء بجانبه قد يموتون جوعًا، ولا يمتلك الواحد منهم أكثر من حبل يجرُّ به جزءًا من القطيع في خدمة السيد، ويستجدي قوت يومه، يقول أحدهم:
وإني لأسْتَحْيِي لنَفْسيَ أنْ أُرى
أمُرُّ بحبْلٍ ليسَ فيه بعيرُ

وأنْ أسْألَ العبْدَ اللَّئيمَ بَعيرَه
وبُعْرانُ ربِّي في البلادِ كثيرُ


ومن هذا المنطلق يأتي سعيهم للغنى، إبعادًا لشبح ذل الفقير، وتأتي أبيات عروة بن الورد الخالدة:
ذريني للغِنى أسْعَى فإنِّي
رأيتُ الناسَ شَرُّهمُ الفقيرُ

وأبعدهم وأهْونهم عليهم
وإن أمْسى له حَسَبٌ وفيرُ

يُباعِدُه القريبُ، وتَزْدَرِيه
حَلِيلتُه، ويَقْهرُه الصغيرُ

ويلقى ذو الغِنى وله جَلالٌ
يكادُ فؤادُ لاقيهِ يطيرُ

قليلٌ ذَنْبُه، والذَّنْبُ جَمٌّ
ولكن للغِنى ربٌّ غفورُ


وحين يُتاح المال للصعاليك يتحوَّلون إلى أسخياء وكرماء، ويرى العرب أن حاتمًا الطائي لم يكن أكرم من عروة بن الورد الذي يَحكي عنه صاحب الأغاني: أنه كان إذا نزل القحط بالناس يجمَع المرضى وكبار السن والضعفاء ويُوفِّر لهم المأوى والطعام حتى تعود إليهم العافية، ومن اشتدَّ عودُه منهم اصطحبه معه في السَّلْب على أموال الأغنياء التي يأتي بها ليُوزِّعها على الفقراء.

إنَّ شعر الصعاليك وجهٌ يبرز من الصحراء الجافة، برمالها وجديتها وصلابتها وصراحتها، ويظل بعيدًا عن الزَّيْف والمجاملة والرقة المصطنعة، يظل نموذجًا للشعر الجاهلي الأصيل.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.23%)]