عرض مشاركة واحدة
  #175  
قديم 15-12-2022, 09:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [090]
الحلقة (121)

شرح سنن أبي داود [090]


للصلاة في الجماعة جملة من الأحكام الشرعية التي تخصها، ومن ذلك كراهة الصلاة بين السواري، وأن يكون أولو الأحلام والنهى خلف الإمام للفتح عليه ولسد حاجة الاستخلاف، وأن يكون الإمام محاذياً لوسط الصف، وما يتعلق بصلاة المنفرد خلف الصف، واتخاذ السترة، وغير ذلك من الأحكام الشرعية العملية التي ينبغي للمسلم معرفتها.

شرح حديث أنس في اتقائهم الصلاة بين السواري

قال المصنّف رحمه الله تعالى: [ باب الصفوف بين السواري. حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن يحيى بن هانئ ، عن عبد الحميد بن محمود أنه قال: صليت مع أنس بن مالك رضي الله عنه يوم الجمعة فدفعنا إلى السواري فتقدمنا وتأخرنا، فقال أنس : (كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب الصفوف بين السواري ]. والسواري هي: الأعمدة التي تكون في المسجد، والصف بينها لا يجوز؛ لأنها تقطع الصفوف، لكن إذا كان المسجد قد امتلأ، واستكملت الصفوف بالمصلين، واحتاج الناس إلى أن يصفوا بين السواري فلهم ذلك، لكن لا يصف المرء منفرداً بين العمودين، وإنما يصف اثنان فأكثر؛ حتى لا يكون المصلي وحده منفرداً. إذاً: فالصلاة بين السواري لا تسوغ؛ لأنها تقطع الصفوف، ولكنها تجوز عند الحاجة إليها، وذلك عند امتلاء المسجد، واحتياج الناس إلى ذلك كما هو الحال في المسجد الحرام والمسجد النبوي في موسم الحج، حيث يكثر الناس، ويمتلأ المسجد، ويحتاج الناس إلى أن يصفوا بين السواري، فإن ذلك سائغ ولا بأس به. وكذلك إذا صلى الإنسان منفرداً متنفلاً، أو مفترضاً منفرداً قد فاتته الصلاة، فإذا صلى بين ساريتين إلى سترة فإنه لا بأس بذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم قد صلى في الكعبة بين عمودين، فإذا صلى المنفرد بين عمودين فلا بأس بذلك؛ لأن المحذور هو تقطع الصفوف، والمنفرد ليس له شأن في هذا، ولكن كونه يصلي إلى عمود أو سارية يجعلها سترة له هو الأولى. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الحميد بن محمود أنهم كانوا يدفعون من بين السواري، فإما أن يتقدموا وإما أن يتأخروا. قوله: [ فدفعنا إلى السواري ] يعني: عما بين السواري، وقوله: [ فتقدمنا أو تأخرنا ] أي: تقدموا إلى ما قبل السواري، أو تأخروا إلى ما بعد السواري من الصفوف، ولم يمكَّنوا من أن يصفوا بين السواري؛ لأنها تقطع الصفوف، لكن هذا حيث يكون المسجد فيه سعة، ولا يحتاج الناس إلى الصلاة بين السواري. ثم روى عن أنس قوله: [ (كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] يعني: كنا نتقي أن نصف بين السواري، وإنما نصف في الصفوف المتصلة التي لا تكون بين السواري.

تراجم رجال إسناد حديث أنس في اتقائهم الصلاة بين السواري

قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. هو الملقب بندار ، البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن ]. هو ابن مهدي ، البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو ابن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، وصف بأنَّه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن هانئ ]. يحيى بن هانئ ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الحميد بن محمود ]. عبد الحميد بن محمود صدوق ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه هو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد يكون الصف طويلاً فيه المائة أو أكثر من ذلك، ولكنه بين السواري، فإذا صف الناس في الصف الطويل المكون من مائة أو مائة وخمسين رجلاً وفي طرفه عمود يقطع، فهل يدخل في الكراهة؟ الجواب: مادام أن هناك صفوفاً وراء هذين العمودين، وصفوفاً أمامها، فلا ينبغي أن يصف بين العمودين، أو في المكان الذي يقطعه العمودان، وإنما يكون الصف قبلهما أو بعدهما.

شرح حديث: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من يستحب أن يلي الإمام في الصف وكراهية التأخر. حدثنا ابن كثير ، أخبرنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي معمر ، عن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب من يستحب أن يلي الإمام في الصف وكراهية التأخر ] يعني: من الذي يستحب أن يكون وراء الإمام في الصف الذي يلي الإمام، بحيث يكون وراءه مباشرة؟ والمقصود أنه يكون في هذا المكان ذوو الأحلام والنهى، ومن يكون من البالغين العقلاء، ومن أهل العلم والمعرفة؛ لأنه إذا كان وراء الإمام من كان كذلك فإنه يفتح عليه إذا حصل منه خطأ في القراءة، وكذلك -أيضاً- لو احتيج إلى الاستخلاف فيكون ذلك الذي يليه صالحاً للاستخلاف إذا طرأ على الإمام شيء في صلاته وأراد أن يقدم أحداً مكانه، فإذا كان الذي يليه من ذوي الأحلام والنهى، ومن أصحاب العقول، ومن أصحاب العلم والمعرفة، فإنه يتقدم ويكمل الصلاة، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك، فإنه يتقدم وهو لا يحسن الإمامة، ولا يحسن القراءة، فينبغي أن الذي يليه يكون كبيراً، وعاقلاً، وفاهماً، وعنده علم ومعرفة؛ فإن ذلك فيه عدة فوائد. ولهذا أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى) ] يعني الكبار البالغين، فالأحلام قيل: المراد بأهلها من بلغوا الحلم، وهم الذين تجاوزوا الصغر وصاروا من المكلفين. والنُهى: جمع نُهية، وهي: العقل، وسمي العقل نُهية لأنه ينهى صاحبه عما لا ينبغي، وتأتي الأحلام أيضاً بمعنى العقول، كما في قوله تعالى: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الطور:32]. ثم قال صلى الله عليه وسلم: [ (ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ]، يعني أن يلي الإمام من يكونون صالحين للإمامة، ومن يكون عندهم علم ومعرفة ليفتحوا على الإمام إذا حصل منه خطأ في القراءة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وهكذا. وقوله: [ وكراهية التأخر ]، يعني: التأخر عن إتمام الصفوف الأول، بحيث ينشأ الصف الثاني قبل اكتمال الأول، أو الثالث قبل اكتمال الثاني، وهكذا، فهذا من التأخر.

تراجم رجال إسناد حديث (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ...)

قوله: [ حدثنا ابن كثير ]. هو: محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، مر ذكره. [ عن الأعمش ]. هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن عمير ]. هو: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي معمر ]. هو: عبد الله بن سخبرة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مسعود ]. هو: عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا خالد ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وزاد: (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وإياكم وهيشات الأسواق) ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، وفيه زيادة: [ (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم) ] أي: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وذلك بعدم تسوية الصفوف، وحصول التقدم والتأخر في الصف، وكذلك التأخر عن الصفوف الأُول. وقوله: [ (وإياكم وهيشات الأسواق) ] المقصود به: اللغط والكلام الذي لا قيمة له مما يكون في الأسواق، وكذلك الكلام الذي لا يليق، فإن هذا هو المقصود بهيشات الأسواق، فيمنع ذلك في المساجد؛ لكون الأسواق فيها رفع للأصوات، وفيها اللغط، وفيها الكلام الذي لا ينبغي، وكل هذا مما تنزه وتصان عنه المساجد. وكذلك بالنسبة للأسواق، فينبغي على من كان في السوق أن يجتنب الأشياء التي لا قيمة لها، وأن يجتنب الأشياء التي لا تنبغي، والأشياء التي يحاسب عليها الإنسان، فعلى الإنسان أن يصون المسجد عما لا ينبغي، وأن لا يعامل المساجد معاملة الأسواق، وكذلك -أيضاً- ينبغي له أن يبتعد عن اللغط وما لا ينبغي وإن كان في السوق، وأما المسجد فينبغي أن ينزه عما في السوق مما يذم أو يحمد. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)، وذلك أن المساجد محل ذكر الله عز وجل، ومحل الصلاة والعبادة، وأما الأسواق فهي محل اللغط والكلام الذي لا ينبغي، فكانت المساجد أحب البقاع إلى الله عز وجل، والأسواق أبغض البقاع إلى الله عز وجل.
تراجم رجال إسناد حديث (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)

قوله: [حدثنا مسدد ]. هو: مسدد بن مسرهد ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. هو: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا خالد ]. هو: ابن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي معشر ]. هو: زياد بن كليب ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن إبراهيم ]. هو: ابن يزيد بن قيس النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو: ابن قيس بن يزيد النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو: ابن مسعود الهذلي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا معاوية بن هشام ، حدثنا سفيان ، عن أسامة بن زيد ، عن عثمان بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة [ (إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) ] يعني أن ميامن الصفوف أفضل من مياسرها، وأنها أولى من مياسرها، وهذا الحديث فيه ضعف، ولكن كون الإنسان يصلي في يمين الصف لا شك أنه هو الأولى؛ لعموم الأدلة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعجبه التيمن، واستعمال اليمين، وتقديم اليمين، واختيار اليمين، وهذا في كل ما من شأنه الإكرام، وكل ما كان من الأمور الطيبة، وكذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرصون على أن يكونوا في ميامن الصفوف؛ حتى إذا انصرف الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاته يقابلهم بوجهه صلى الله عليه وسلم. فالخلاصة أن الحديث فيه ضعف، ولكن تدل على أفضلية ميامن الصفوف على مياسرها عمومات الأدلة التي تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن.

تراجم رجال إسناد حديث (إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف)


[حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا معاوية بن هشام ]. معاوية بن هشام صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد)، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سفيان ، عن أسامة بن زيد ]. سفيان هو: الثوري مر ذكره، وأسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عثمان بن عروة ]. عثمان بن عروة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عروة ]. هو: عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم ستة رجال، وامرأة واحدة، وهذه المرأة الواحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

مقام الصبيان من الصف


شرح حديث: (ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب مقام الصبيان من الصف. حدثنا عيسى بن شاذان ، حدثنا عياش الرقام ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا قرة بن خالد ، حدثنا بديل ، حدثنا شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم قال: قال أبو مالك الأشعري رضي الله عنه: (ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأقام الصلاة، وصف الرجال، وصف خلفهم الغلمان، ثم صلى بهم، فذكر صلاته، ثم قال: هكذا صلاة، قال عبد الأعلى : لا أحسبه إلا قال: صلاة أمتي ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب مقام الصبيان من الصف ] والمقصود من هذه الترجمة والحديث الذي أورده تحتها أن الصبيان يصفون وراء الرجال، وذلك للحديث الذي أورده أبو داود وفيه كلام، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)، ولما جاء عن ابن عباس أنه قال: (ما كنا نعرف انقصاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير) قيل: لأنه كان مع الصبيان، وصف الصبيان يكون متأخراً. وكذلك يكون الحكم في الجنائز عندما يكون فيها كبار وصبيان ونساء، فإنه يقدم الكبار، ثم الصبيان، ثم النساء وراءهم، وهكذا بالنسبة للصفوف في الصلاة، فيكون الرجال أولاً ثم الصبيان، ثم النساء وراءهم، وهذا فيما إذا لم يترتب على ذلك مضرة بأن يحصل منهم لعب وتشويش وما إلى ذلك، وإلا فإنهم إذا صفوا وهم مميزون مع الناس فلا بأس بذلك، لكن لا يكونون في الصفوف المتقدمة، ولا يكونون قريبين من الإمام؛ لأن هذا يخالف ما جاء عنه من قوله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى). وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه قال: [ ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأقام الصلاة، وصف الرجال، وصف خلفهم الغلمان ] يعني: جعل الرجال يصفون في الصفوف الأول، والغلمان يصفون وراءهم، وقال: [ هكذا صلاة ] من غير إضافة. قال عبد الأعلى : [ لا أحسبه إلا قال: صلاة أمتي ]. وقوله: [ (صلاة أمتي) ] يعني أنهم يصفون بهذه الطريقة: الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء وراءهم إذا كان معهم نساء.

تراجم رجال إسناد حديث (ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ...)


قوله: [حدثنا عيسى بن شاذان ]. عيسى بن شاذان ثقة، أخرج له أبو داود وحده. [ حدثنا عياش الرقام ]. هو عياش بن الوليد الرقام ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا قرة بن خالد ]. قرة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بديل ]. هو ابن ميسرة العقيلي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا شهر بن حوشب ]. شهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام، وحديثه أخرجه البخاري في (الأدب المفرد)، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن غنم ]. عبد الرحمن بن غنم قيل: إنه معدود في الصحابة، وقيل: من ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن. [عن أبي مالك الأشعري ]. أبو مالك الأشعري رضي الله عنه حديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وفي سند هذا الحديث شخص متكلم فيه، وهو شهر بن حوشب.

صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول


شرح حديث: (خير صفوف الرجال أولها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول. حدثنا محمد بن الصباح البزاز ، حدثنا خالد و إسماعيل بن زكريا ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب صف النساء، وكراهية التأخر عن الصف الأول ]، يعني: في حق الرجال؛ لأنه ورد في بعض الأحاديث ذكر كراهية التأخر، والنساء يؤخرن عن الرجال، وصفوفهن تكون مؤخرة عن صفوف الرجال، ولو كانت هناك امرأة واحدة فإنها تصف وحدها، كما جاء في حديث أنس : (صففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز خلفنا)، بل إن الرجل إذا صلى ومعه امرأة فإنها تصف وراءه، ولا تصف بجواره؛ لأن صفوف النساء مؤخرة عن صفوف الرجال، ولا يصاف الرجل امرأة، وكذلك المرأة لا تصاف رجلاً، وإنما تصاف المرأة المرأة، أو تكون صفاً وحدها. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة [ (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) ]، فكان خير صفوف الرجال أولها لقربه من الإمام، ولبعده عن النساء، وكان شر صفوف الرجال آخرها لبعده وتأخره عن الإمام، ولقربه من النساء، وكان خير صفوف النساء آخرها لبعده عن الرجال، وكان شرها أولها لقربه من الرجال، فقد تحصل فتنة. وكون خير صفوف النساء آخرها هذا فيما إذا كانت الصفوف متصلة، أو أن الرجال ليس بينهم وبين النساء فاصل، لكن إذا وجد مصلى خاص بالنساء، فلا الرجال يرون النساء، ولا النساء يرين الرجال، فإن تقدمهن في الصفوف الأول هو الأولى؛ لأن المحذور قد زال بوجود التميز والانفصال، فالمحذور يكون حيث يرى الرجال النساء والنساء يرين الرجال. فإذا وجد ما يحجز بينهما فإن النساء يتقدمن في الصفوف الأول، ولا يكن في الصف الآخر، فالمحذور قد زال، والذي يخشى منه -وهو فتنة الرجال بالنساء وفتنة النساء بالرجال- قد زال، فيتقدمن والحالة هذه كما لو صلين جماعة وحدهن، فإن الصفوف المتقدمة من صفوف النساء حيث يصلين وحدهن أولى وخير من الصفوف المتأخرة.

تراجم رجال إسناد حديث (خير صفوف الرجال أولها ...)

قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا خالد ]. هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وإسماعيل بن زكريا ]. هو الخلقاني ، صدوق يخطئ قليلاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل بن أبي صالح ]. سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو أبو صالح ذكوان السمان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث: (لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا عبد الرزاق ، عن عكرمة بن عمار ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: (لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار) ]. هذا الحديث يتعلق بالشق الثاني من الترجمة السابقة، فقد قال: [ باب صفوف النساء، وكراهية التأخر عن الصف الأول ]، يعني: في حق الرجال، وليس في حق النساء؛ لأنّ كراهية التأخر عن الصف الأول إنما هو في حق الرجال، وكذلك في حق النساء إذا صلين وحدهن، فإنهن يتقدمن إلى الصف الأول ولا يتأخرن. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ (لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار) ] يعني أنهم يعاقبون، فيكون الجزاء من جنس العمل، حيث تأخروا ولم يقوموا بواجب تسوية الصفوف، وإكمال الصف الأول فالأول، فترتب على ذلك أن يؤخرهم الله في النار، وأن يعاقبهم في النار، فيكون هذا التأخر سبباً في تأخر الثواب عنهم، وفي وقوعهم في النار، وتأخرهم عمَّن يتقدم إلى الجنة، لكن من المعلوم أن كل من دخل النار وهو ليس من الكفار إنه لابد من أن يصل إلى الجنة، ولا يخلد في النار إلا الكفار الذين هم أهلها.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول)
قوله: [حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة بن عمار ]. عكرمة بن عمار صدوق يغلط، وروايته عن يحيى بن أبي كثير مضطربة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن . [ عن يحيى بن أبي كثير ]. يحيى بن أبي كثير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. هي أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها. وهذا الحديث ضعيف، إلّا أنه وردت أحاديث بمعناه، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله). وهذا الحديث هو في التأخر عن الصف الأول، وأما التخلف عن الجماعة فقد ورد فيه وعيد شديد ليس هذا مجال ذكره، فالحديث هنا هو عن التأخر عن الصف الأول، فترى الرجل يأتي المسجد ولكنه لا يبالي أين يصف، فيصف كيفما اتفق، والأصل -كما عرفنا- أنه لا ينشأ الصف الثاني إلا بعد اكتمال الصف الأول، ولا ينشأ الصف الثالث إلا بعد اكتمال الثاني، ولا ينشأ الرابع إلا بعد اكتمال الثالث، وهكذا.

شرح حديث: (تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من قبلكم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل و محمد بن عبد الله الخزاعي حدثنا أبو الأشهب ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخراً فقال لهم: (تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بعض أصحابه تأخراً فقال: [ (تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل) ] يعني أنّ الجزاء من جنس العمل، أي: تأخروا فأخروا عن دخول الجنة، وأخروا في النار، ولكن عرفنا من قبل أن من دخل النار ولم يكن كافراً لابد من أن يخرج منها وأن يدخل الجنة، ولا يبقى في النار أبداً إلا الكفار الذين هم أهلها، فلا سبيل لهم إلى الخروج منها.

تراجم رجال إسناد حديث (تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من قبلكم)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ومحمد بن عبد الله الخزاعي ]. محمد بن عبد الله الخزاعي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا أبو الأشهب ]. هو جعفر بن حيان العطاردي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ]. هو المنذر بن مالك ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ]. هو: سعد بن مالك بن سنان ، مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.62%)]