شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [098]
الحلقة (126)
شرح سنن أبي داود [095]
من الأحكام العملية المتعلقة بالصلاة رفع اليدين إلى الأذنين أو إلى المنكبين فيها، وهو ثابت بجملة من النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله مواطن في الصلاة يفعل فيها، ولذا ينبغي للمسلم أن يهتم بمعرفة هذا الحكم الشرعي وتطبيقه ليحوز الأجر والثواب من الله تعالى.
رفع اليدين في الصلاة
شرح حديث ( رأيت رسول الله إذا استفتح الصلاة رفع يديه ... )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أبواب تفريع استفتاح الصلاة. باب رفع اليدين في الصلاة. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله سلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعدما يرفع رأسه من الركوع)وقال سفيان مرة: (وإذا رفع رأسه) وأكثر ما كان يقول: (وبعد ما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة العامة، وهي [ أبواب تفريع استفتاح الصلاة ] ويقصد بذلك الأعمال التي تكون في أول الصلاة؛ لأنه سيأتي بعد ذلك تفريع أبواب الركوع والسجود. ومعنى ترجمة الباب أنه كأنه يريد استفتاح الصلاة، يعني الأعمال التي تكون في أول الصلاة وفي بداية الصلاة وفي الدخول في الصلاة، وما يتبع ذلك إلى حين الركوع والسجود. ثم أورد أبو داود رحمه الله أول هذه الأبواب، وهو [ باب رفع اليدين في الصلاة ]. ويعني بذلك عندما يريد المصلي أن يكبر أي تكبيرة أو يفعل غير التكبيرة؛ لأن الرفع من الركوع فيه تسميع وليس فيه تكبير، والمقصود من ذلك رفع اليدين حذو المنكبين أو إلى الأذنين، هذا المقصود برفع اليدين، والإمام البخاري رحمه الله ألف في ذلك جزءاً خاصاً سماه (جزء رفع اليدين) يعني: في الصلاة. وهو الذي يرمز له بحرف الياء. وهنا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه كان يرفع يديه في ثلاثة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع. فأورد المصنف حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر حذو منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع يعني أنَّ هذه المواطن الثلاثة كان النبي عليه الصلاة والسلام يرفع فيها، ودل هذا على أن السنة هي رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع عندما يقول: (سمع الله لمن حمده). وقوله: [ ولا يرفع بين السجدتين ]. يعني به عندما يقوم من السجدة إلى الجلوس، فهذه الحالة ما كان يرفع بعدها.
تراجم رجال إسناد حديث ( رأيت رسول الله إذا استفتح الصلاة رفع يديه ... )
قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل ، الإمام المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان عن الزهري ]. سفيان هو ابن عيينة ، وقد مرَّ ذكره هو والزهري . [ عن سالم ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة فقيه، وأحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وهم سالم بن عبد الله بن عمر ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . فهؤلاء الثلاثة اختلف في السابع منهم على ثلاثة أقوال. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم عبد الله بن عمر ، عبد الله بن عباس ، عبد الله بن الزبير ، عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث ( كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه ... )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المصفى الحمصي حدثنا بقية حدثنا الزبيدي عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكون حذو منكبيه، ثم كبر وهما كذلك، فيركع، ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه، ثم قال: سمع الله لمن حمده. ولا يرفع يديه في السجود، ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع حتى تنقضي صلاته) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله أنه يكبر في المواضع الثلاثة: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع. وهذا في جميع أحوال الصلاة، وتكبيرة الإحرام في أول الصلاة، والركوع والرفع في جميع ركعات الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث ( كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه ... )
قوله: [ حدثنا محمد بن المصفى الحمصي ]. محمد بن المصفى الحمصي صدوق له أوهام ، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد الحمصي ، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا الزبيدي ]. هو محمد بن الوليد الزبيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر ]. قد مر ذكر هؤلاء جميعاً.
شرح حديث ( صليت مع رسول الله فكان إذا كبر رفع يديه ... )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي حدثنا عبد الوارث بن سعيد حدثنا محمد بن جحادة حدثني عبد الجبار بن وائل بن حجر قال: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي. قال: فحدثني وائل بن علقمة عن أبي - وائل بن حجر - رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله سلم فكان إذا كبر رفع يديه. قال: ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه وأدخل يديه في ثوبه. قال: فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه ثم سجد ووضع وجهه بين كفيه، وإذا رفع رأسه من السجود -أيضاً- رفع يديه، حتى فرغ من صلاته). قال محمد : فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن فقال: هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله من فعله وتركه من تركه. قال أبو داود : روى هذا الحديث همام عن ابن جحادة لم يذكر الرفع مع الرفع من السجود ]. أورد أبو داود -رحمه الله- حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه، وهو مثل الذي قبله في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع. ثم اختلف عنه صلى الله عليه وسلم في الرفع عند القيام من السجود بين السجدتين، فجاء في بعض الطرق أنه كان يرفع يديه ، وجاء في بعضها أنه كان لا يرفع يديه، وجاء في حديث ابن عمر المتقدم أنه كان لا يرفع يديه بين السجدتين. وقوله: [ ( كان إذا كبر رفع يديه. قال: ثم التحف ) ] معناه أنه كان في ثوب، فيلتحف به وتصير يداه داخله. قوله: [ قال محمد : فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن فقال: هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله من فعله وتركه من تركه ]. يعني أنَّ هذا الذي ذكره في الحديث من الرفع في هذه المواطن هو صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث ( صليت مع رسول الله فكان إذا كبر رفع يديه )
قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي ]. عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الوارث بن سعيد ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جحادة ]. محمد بن جحادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الجبار بن وائل بن حجر ]. عبد الجبار بن وائل بن حجر ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن . [ حدثني وائل بن علقمة ]. قال الحافظ ابن حجر : الصواب ( علقمة بن وائل ) . يعني أنَّ فيه قلباً وتقديماً وتأخيراً، وأن الصواب أنه علقمة بن وائل الذي هو أخوه، وعبد الجبار لم يسمع من أبيه، و أما علقمة بن وائل فقد ذكر الحافظ في التقريب أنه لم يسمع من أبيه، ولكن الصحيح أنه سمع من أبيه، وجاء ذلك في صحيح مسلم ، وكذلك في غيره، فسماعه من أبيه ثابت، وكذلك ذكره الصنعاني في شرح بلوغ المرام عند زيادة (وبركاته) في السلام، فعند ذكر زيادتها ذكر سماع علقمة بن وائل من أبيه، أما عبد الجبار فالصحيح أنه لم يسمع من أبيه. و علقمة بن وائل صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي وائل بن حجر ]. هو وائل بن حجر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. قوله: [ روى هذا الحديث همام عن ابن جحادة ]. همام هو ابن يحيى العوذي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث وائل أنه أبصر النبي حين قام إلى الصلاة رفع يديه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن الحسن بن عبيد الله النخعي عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه رضي الله عنه: (أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه ثم كبر) ]. أورد المصنف هنا حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه، وفيه أنه كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام حتى تكونا حذاء منكبيه. والحديث فيه انقطاع، وذلك لأن عبد الجبار يروي عن أبيه وهو لم يسمع منه، ولكن ذلك ثابت في الرواية الأخرى التي مرت، وهي روايته عن أخيه علقمة بن وائل ، والحديث موافق لما جاء في حديث ابن عمر المتقدم.
تراجم رجال إسناد حديث وائل أنه أبصر النبي حين قام إلى الصلاة رفع يديه
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ]. عبد الرحيم بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن بن عبيد الله النخعي ]. الحسن بن عبيد الله النخعي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه ]. قد مر ذكرهما.
شرح حديث وائل أنه رأى رسول الله يرفع يديه مع التكبيرة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد -يعني ابن زريع - حدثنا المسعودي حدثني عبد الجبار بن وائل قال: حدثني أهل بيتي عن أبي رضي الله عنه أنه حدثهم (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبيرة) ]. أورد أبو داود هنا حديث وائل بن حجر رضي الله عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبيرة. والمقصود بذلك تكبيرة الإحرام، فهو مثل الذي قبله، فالحديث الذي قبل هذا فيه أنه كان يرفع حين يريد أن يكبر، أي: في الدخول للصلاة. والحديث فيه هؤلاء الذين أبهموا، وهم أهل بيته، ويمكن أن يكون المبهم أخاه علقمة بن وائل الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا. والحاصل أن رفع اليدين عند التكبير للدخول في الصلاة ثابت عن ابن عمر وعن وائل بن حجر وعن غيرهما، والحديث وإن كان فيه هذا الإبهام إلا أنه يمكن أن يكون المبهم أخاه علقمة بن وائل الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا أو يكون علقمة ممن أبهم. وعلى كل حال فالرفع عند تكبيرة الإحرام ثابت، سواءٌ صح هذا الإسناد أو لم يصح.
يتبع