عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 18-12-2022, 02:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,854
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه

اسم الفاعل: صَوغُه وعمَلُه


أ. د. محمد عبدالله سعادة




عَمَلُ اسْمِ الفَاعِلِ في الضمير:



في نَحْوِ: ضاربُكَ، والضَّارِبُكَ، مما الوصفُ فيه مقرونٌ بأل، أو مجرَّدٌ منها، اخْتَلَفَ النُّحاةُ في ذلك:
قال سِيبَوَيْهِ[158]: "وإذا قُلْتَ: هم الضارِبوكَ، فالوجهُ فيه الجَرُّ؛ لأنك إذا كَفَفْتَ النونَ مِن هذه الأسماءِ في المُظْهَرِ، كان الوجهُ الجَرَّ، إلا في قولِ[159] مَن قال "الحافِظُو عَوْرَةً".

فالضَّمِيرُ عندَ سِيبَوَيْهِ محمولٌ على الظاهرِ، والظاهرُ يَكونُ مَجْرورًا، وذَهَبَ إلى ذلك المُبَرِّدُ والمَازِنِيُّ والرُّمَّانِيُّ؛ لأن الضَّمِيرَ نائبٌ عنِ الظاهرِ، وإذا حُذِفَ التَّنْوِينُ مِنَ الوَصْفِ كان الظاهرُ مخفوضًا بالوصفِ، فكذلك نائبُه.

وقال الْأَخْفَشُ[160] وهِشَامٌ: "مَوْضِعُ الضميرِ نَصْبٌ، وزَعَمَا أنَّ التَّنْوِينَ في نَحْوِ "زيدٌ مُكْرِمُكَ" والنونَ في: "الزيدانِ مُكْرِمَاكَ" حُذِفَا؛ لِصَوْنِ الضميرِ عنْ الِانْفِصالِ، والضميرُ منصوبٌ؛ إذ لا دَلالةَ على الجَرِّ، وضَعَّفَ ذلك ابْنُ مَالِكٍ.

واستدَلَّ الْأَخْفَشُ بقوله تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} [العنكبوت: 33].

ألَا تَرَى أنَّ الكافَ في مَحَلِّ نَصْبٍ؛ لأنه نَصَبَ (وَأَهْلَكَ) بالعَطْفِ، وأُجِيبَ بأنه منصوبٌ بتقديرِ:ونُنَجِّي أَهْلَكَ[161].

قال ابْنُ السَّرَّاجِ[162]: "وتَقُولُ: هذا ضاربُكَ وزيدًا غدًا، لمّا لم يَجُزْ أن تَعْطِفَ الظاهرَ على المُضْمَرِ والمجرورِ حملْتَه على الفَاعِلِ؛ كقوله تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} كأنه قال: مُنَجُّونَ أَهْلَكَ، ولم تُعْطَفْ على الكافِ المجرورةِ".

اسْمُ الفَاعِلِ المرادُ به الاستمرارُ في جميعِ الأَزْمِنَةِ:

قد يأتي اسْمُ الفَاعِلِ للزمانِ المُسْتَمِرِّ، مثلَ قولِه تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]. فهل إذا أُضِيفَ تَكونُ إضافتُه مَحْضَةً أو غَيْرَ مَحْضَةٍ؛ لأنه إن كان بمَعْنَى الماضي، فإضافتُه مَحْضَةٌ تُفيدُ التعريفَ، وإن كان للحالِ أوْ الِاسْتقبالِ، فإضافتُه غَيْرُ مَحْضَةٍ، لا تُفيدُ تعريفًا، فإذا جاء للزمانِ المُسْتَمِرِّ، اختلفَ فيه النحاةُ[163]، ذَهَبَتْ طائفةٌ إلى أن إضافتَه غَيْرُ مَحْضَةٍ (لَفْظِيَّةٌ)، وذَهَبَتْ طائفةٌ - وهمُ الأَكْثَرُونَ - إلى أن إضافتَه مَحْضَةٌ (مَعْنَوِيَّةٌ)، فابْنُ هِشَامٍ[164] في "المُغْنِي" كلامُه صريحٌ في أنها مَحْضَةٌ.
وقال الشَّيخُ خالدٌ[165]: "اسْمُ الفَاعِلِ يَتَعَرَّفُ بالإضافةِ إذا كان للماضي، أو أُرِيدَ به الاسْتِمْرارُ".

وذَهَبَ بعضُ النُّحَاةِ إلى أن إضافةَ اسْمِ الفَاعِلِ المُسْتَمِرِّ تَكونُ مَحْضَةً تارةً، وغَيْرَ مَحْضَةٍ تارةً أُخْرَى، بالنَّظَرِ إلى جانب المُضِيِّ فيه، أو جانِبِ الحالِ أوْ الاستقبالِ، قال الشَّيْخُ يس[166]: "وأَجابَ الدَّمَامِينِيُّ تَبَعًا لحَوَاشِي الكَشَّافِ بأن اسمَ الفَاعِلِ إذا كان بمَعْنَى الاستمرارِ، ففي إضافتِه اعتبارانِ:

أَحَدُهما: أنها مَحْضَةٌ باعتبارِ المُضِيِّ فيه، وبهذا الاعتبارِ يقعُ صفةً للمَعْرِفَةِ، ولا يَعْمَلُ.
وثانيهما: أنها غَيْرُ مَحْضَةٍ، باعتبارِ مَعْنَى الحالِ والاستقبالِ، وبهذا الاعتبارِ يَقَعُ صفةً للنكِرَةِ، ويَعْمَلُ فيما أُضِيفَ إليه"، ونَقَلَ صاحبُ التصريحِ عنِ اليَمَنِىِّ شارحِ الكَشَّافِ مثلَ هذا[167].

وذَكَرَ الرَّضِيُّ أيضًا الاعتبارَيْنِ؛ فقال[168]: "فاسْمُ الفَاعِلِ المُسْتَمِرُّ يَصِحُّ أن تكونَ إضافتُه مَحْضَةً، كما يَصِحُّ ألّا يكونَ كذلك".

ولذا أجاز الزَّمَخْشَرِيُّ الاعتبارَيْنِ في اسْمِ الفَاعِلِ المُسْتَمِرِّ، ففي قولِه تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، ذَكَرَ[169] أن اسمَ الفَاعِلِ إذا أُريدَ به زمانٌ مُسْتَمِرٌّ، فإضافتُه حَقِيقِيَّةٌ (مَحْضَةٌ)، ويَتَعَرَّفُ اسْمُ الفَاعِلِ بالإضافةِ؛ بدليل وصفِ المَعْرِفَةِ به في الآية؛ وذلك لِئلّا يَلْزَمَ مُخالَفةَ الظاهِرِ بقَطْعِ مَالِكٍ عنِ الوَصْفِيّةِ".

وذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ في قوله تعالى[170]: {وَجَاعِلُ الليلِ سَكَنًا والشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [الأنعام: 96]. "إن اسمَ الفَاعِلِ إذا أُريدَ به زمانٌ مُسْتَمِرٌّ، كانت إضافَتُه غَيْرَ مَحْضَةٍ، فاعْتُبِرَ جانبُ الحالِ والاستقبالِ فيه".

وقال العُكْبَرِيُّ في قوله تعالى[171]: {فَالِقُ الْحَبِّ} [الأنعام: 95]. "يَجُوزُ أن يكونَ مَعْرِفَةً، لأنه ماضٍ، وأن يكونَ نَكِرَةً على أنه حكايةُ حالٍ، وقوله: {وجَاعِلُ اللَّيْلِ} مثلُ {فَالِقُ الحَبِّ} في الوَجْهَيْنِ".

وذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ في قوله تعالى[172]: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: 3]: أنَّهما مَعْرِفَتانِ لأنه لم يُرَدْ بهما حُدُوثُ الْفِعْلِيَّةِ، وإنما أُرِيدَ ثُبُوتُ ذلك ودوامُه، وإضافتُهما مَحْضَةٌ، وصَحَّ أن يُوصَفَ بهما المَعْرِفَةُ.


اسْمُ الفَاعِلِ المَصُوغُ مِنَ العَدَدِ:

إذا بُنِيَ اسْمُ الفَاعِلِ مِنَ الواحدِ إلى العَشَرَةِ، كان للمُذَكَّرِ بغَيْرِ تاءٍ، وللمُؤَنَّثِ بالتاءِ، نَحْوُ: واحدٌ وواحدةٌ، وثانٍ وثانيةٌ، وثالثٌ وثالثةٌ .. إلى عَاشِرٍ وعاشرةٍ، أما (واحدٌ) فلا يَجُوزُ إضافتُه أصلًا، لا يُقالُ: واحدُ رجلٍ[173]، وما عَدَاه يَجُوزُ إضافتُه إلى العَدَدِ الذي أُخِذَ منه، وكذلك "ثانٍ" لا يَجُوزُ إضافتُه إلى واحدٍ؛ فلا يُقالُ: ثاني واحدٍ، وقد أَجَازَه بعضُهم[174]، ونَقَلَه عنِ العَرَبِ، ورَجَّحَه الدَّمَامِينِيُّ[175] بأنَّ مَعْناه: مَصِيرُ الواحدِ اثنينِ بنَفْسِهِ، ولا مانِعَ منه.
و(فَاعِل) المَصوغُ منَ العَدَدِ، إمّا أن يُفْرَدَ، فيُقالَ: ثانٍ وثانيةٌ، وثالثٌ وثالثةٌ، وإمّا أن يُضَافَ، فإن كان مضافًا إلى العَدَدِ الذي أُخِذَ منه لم يَجُزْ فيه إلا الإضافةُ، نَحْوُ:هذا ثاني اثنينِ، وثالثُ ثلاثةٍ، وكذا إلى عَشَرَةٍ، فلا يَجُوزُ فيه العَمَلُ والنَّصْبُ.

قال الفَرَّاءُ[176]: "ثالثُ ثلاثةٍ" يَكونُ مُضافًا، ولا يَجُوزُ التَّنْوِينُ في "ثالث"، فتَنْصِبَ "ثلاثة"؛ ألَا تَرَى أنه لا يَكونُ ثالثًا لنَفْسِهِ".

قال ابنُ عَقِيلٍ[177]: "وهذا هو المشهورُ، وهو مَبْنِيٌّ على أن العَرَبَ لم تَقُلْ: ثَنَّيْتُ الِاثْنَينِ، ولا ثَلَثْتُ الثلاثةَ، وكذا الباقي".

وهذه الإضافةُ تُفِيدُ أن الموصوفَ بعضُ ما اشْتُقَّ منه، فإذا قُلْنا: خامِسُ خَمْسَةٍ، أي: بعضُ جماعةٍ مُنْحَصِرَةٍ في خَمْسَةٍ، أي: واحدٌ منها، ويَجِبُ حينئذٍ إضافتُه لأَصْلِه، كما يَجِبُ إضافةُ البَعْضِ لكُلِّه، فلا يَنْصِبُ ما بعدَه؛ قال تعالى: {إِذْ أَخَرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَينِ} وقَالَ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 72].

وزَعَمَ الْأَخْفَشُ[178] وقُطْرُبٌ والْكِسَائِيُّ وثَعْلَبٌ أنه يَجُوزُ الإضافةُ والنَّصْبُ كما يَجُوزُ في "ضاربُ زيدٍ"، وهو اختيارُ ابْنِ مَالِكٍ.

وإذا أُضِيفَ إلى ما ليسَ[179] منه أَرادَ به جَعْلَ الأَقَلِّ مُساويًا لِما فَوْقَه؛ كثالثِ اثنينِ، ورابعِ ثلاثةٍ، وفي ذلك تَجُوزُ الإضافةُ، ويَجُوزُ التَّنْوِينُ والنَّصْبُ، يُقالُ: رابعُ ثلاثةٍ، ورابعٌ ثلاثةً؛ لأنه بمَعْنَى: صَيَّرَ الثلاثةَ أربعةً؛ قال ابنُ عُصْفُورٍ[180]: "وهذا يَعْمَلُ عَمَلَ فِعْلِه؛ لأنه قد سُمِعَ استعمالُ الفِعْلِ مِن ثلاثةٍ، حُكِيَ مِن كلامِهم "ثَلَثْتُ الرجلَينِ، ورَبَعْتُ الثلاثةَ"، وفي "المِصْبَاحِ المُنِيرِ"[181]: "ثَلَثْتُهم صِرْتُ ثالثَهم، وكذلك إلى العَشَرَةِ".

ومِن ذلك قولُه تعالى[182]: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إلّا هُوَ رَابِعُهُمْ ولَا خَمْسَةٍ إلّا هُوَ سَادِسُهُمْ}.

ولا يُقالُ[183]: رابعُ اثنينِ، أي: لا يُضَافُ إلّا لِما هو أقلُّ منه بدَرَجَةٍ واحدةٍ فَقَطْ.


خاتـمة:

اسْمُ الفَاعِلِ ليس فِعْلًا، وإنما يَعْمَلُ عَمَلَ الفِعْلِ، والعَمَلُ سببُه رائحةٌ مِنَ الفِعْلِ، بالإضافةِ إلى قَبُولِهِ علاماتِ الاسْمِيَّةِ؛ مِن تعريفٍ بأل، والإضافةِ، وقَبولِ التَّنْوِينِ، وقبولِه للتَّصْغِيرِ والوَصْفِ والتَّثْنِيَةِ والجَمْعِ خلافًا للفِعْلِ، وهناك فروقٌ أُخَرُ بينَ اسْمِ الفَاعِلِ والفِعْلِ، نُجْمِلُها فيما يلي[184]:

أولاً:
يَجُوزُ إضافةُ اسْمِ الفَاعِلِ لمعمولِه، بخلافِ الفِعْلِ.


ثانيًا: اسْمُ الفَاعِلِ يَتَعَدَّى بنفْسِه وبحَرْفِ الجَرِّ، خلافًا للفِعْلِ، نَحْوُ: أنا ضاربٌ زيدًا، وضاربٌ لزيد، ونَحْوُ قولِه تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 16].

ويُسْتَثْنَي مِن ذَلِكَ أفعالٌ سُمِعَتْ عنِ العَرَبِ بوجْهَينِ، نَحْوُ: سَمِعَه، وسَمِعَ له، ونَصَحَه ونَصَحَ له، وشَكَرَه، وشَكَرَ له.



يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 19-12-2022 الساعة 07:07 AM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.46 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]