﴿ فَلْيَصُمْهُ ﴾ الفاء رابطة لجواب الشرط؛ لأنه جملة طلبية، واللام للأمر، والأصل في الأمر الوجوب، أي: فمن حضر منكم الشهر، بأن كان شاهدًا مقيمًا، حال دخول شهر رمضان ﴿ فَلْيَصُمْهُ ﴾ أي: فليصم نهاره وجوبًا، وإن شهد بعض الشهر وجب عليه صيام ذلك البعض.
وهذا ناسخ للتخيير بين الصيام والإطعام في قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.
والحكمة والله أعلم في التخيير بين الصيام والإطعام أولًا، ثم نسخ التخيير، وإيجاب الصيام هي التدرج في الحكم، ونقل الناس من الأخف إلى الأثقل شيئًا فشيئًا، فلو أُمروا أول ما أُمروا بوجوب الصوم لربما استثقلوه وشق عليهم- وكما هو الحال في الخمر، حيث جاء التدرج في تحريمه على عدة مراحل.
ونسخ التخيير بين الصيام والإطعام إلى تحتم الصيام من نسخ الحكم وبقاء التلاوة. والحكمة فيه- والله أعلم- تذكير الخلق بهذا التدرج، امتنانًا عليهم.
وهذه الواقعة من أصح وقائع النسخ في هذه السورة، بل من أصح وقائع النسخ في القرآن الكريم.
﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ﴾، أعاد ذكر الرخصة للمريض والمسافر بالفطر مع القضاء من أيام أخر - والله أعلم - لئلا يعتقد أن الرخصة منسوخة، كما نسخ التخيير بين الصيام والإطعام بوجوب الصيام.
وأيضًا تأكيدًا وتذكيرًا بنعمة الله عز وجل وفضله عليهم في التخفيف عن المريض والمسافر.
ولمناسبة ما بعده، وهو قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ فهذا تعليل لقوله: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ﴾.
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ﴾ المراد بالإرادة هنا الإرادة الشرعية التي بمعنى المحبة، أي: يحب الله لكم اليسر، أي: التيسير والتخفيف عليكم فيما شرع لكم، ولذلك رخص في الفطر للمريض والمسافر.
﴿ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ هذه الجملة لتأكيد إرادته عز وجل اليسر، أي: ولا يحب لكم العسر والمشقة.
والصفات المنفية يؤتى بها لإثبات كمال ضدها، أي: يريد الله ويحب لكم اليسر كل اليسر، يسرًا لا عسر معه، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وقال تعالى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف: 157].
وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما، حين بعثهما إلى اليمن: «يسِّرا، ولا تعسِّرا، وبشِّرا، ولا تنفِّرا»[13].
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا، ولا تنفروا»[14]، وفي رواية: «وسكِّنوا ولا تنفروا»[15].
﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ﴾ قرأ يعقوب وأبو بكر عن عاصم «ولتكمِّلوا» بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف. والواو في قوله: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ﴾ عاطفة، واللام للتعليل، والفعل منصوب بـ«أن» مضمرة بعد اللام. والجملة معطوفة على «اليسر» في قوله: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ أي: يحب الله لكم اليسر، وأن تكملوا العدة.
أي: ولتكملوا عدة شهر رمضان، بصيامه وقضاء ما أفطرتم منه لعذر المرض والسفر ونحو ذلك، سواء كان الشهر ثلاثين يومًا، أو تسعة وعشرين يومًا.
قال ابن كثير[16]: «أي: إنما رخص لكم في الإفطار للمرض والسفر ونحوهما من الأعذار لإرادته بكم اليسر، وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدة شهركم».
﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ معطوفة على ﴿ وَلِتُكْمِلُوا ﴾ داخلة ضمن ما يريده الله ويحبه، أي: يحب الله لكم اليسر، وأن تكملوا العدة، وأن تكبروا الله على ما هداكم.
ومعنى: ﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ ﴾؛ أي: ولتعظموا الله بألسنتكم وقلوبكم بتكبير الله عز وجل لأنه أكبر من كل شيء، وله الكبرياء والعظمة؛ كما قال عز وجل: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري»[17].
﴿ مَا هَدَاكُمْ ﴾ «ما» مصدرية، أي: على هدايته لكم، هداية بيان وعلم ودلالة وإرشاد، وهداية توفيق للعمل.
والمعنى: ولتكبروا الله وتعظموه على الدوام، وفي ختام هذا الشهر، وليلة العيد ويومه إلى الفراغ من خطبة العيد على هدايته لكم للصراط المستقيم، ولصيام شهر رمضان وإكماله؛ مرددين: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد»[18]، «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد»[19]، «الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا»[20].
إلى غير ذلك من ألفاظ التكبير.
وكذا تعظيم الله عز وجل بأنواع الذكر كلها، التي تشرع على الدوام، وبخاصة عند إكمال العبادات وقضائها، كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]، وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾ [النساء: 103]، وقال تعالى: ﴿ ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾ [ق: 40].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير»[21].
وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك»[22].
﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ الواو: عاطفة، و«لعل» للتعليل، أي: ولأجل أن تشكروا الله على ما أنعم به عليكم، من الشرع المطهر، وفرض الصيام، والتيسير فيه على المريض والمسافر، وتوفيقكم لإكمال عدة الشهر، وختامه بتكبير الله، وذلك بالاستمرار على طاعته، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، كما قال تعالى في أول الآيات: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾.
قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
ذكر الله عز وجل مشروعية الصيام وأحكامه في الآيات قبل هذه الآية وبعدها، وجعل هذه الآية بين تلك الآيات ترغيبًا- والله أعلم- للصائم في دعاء الله عز وجل، وإشارة إلى أن دعوة الصائم مستجابة لا ترد، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنَّك ولو بعد حين»[23].
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد»[24].
عن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه رضي الله عنه: «أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾»[25].
قوله: ﴿ وإذا سَأَلَكَ ﴾الواو: عاطفة، و«إذا» ظرفية شرطية، غير عاملة، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ عباديَ ﴾؛ أي: عبادي المؤمنون، وأضافهم عز وجل إليه تشريفًا وتكريمًا لهم؛ لأن المراد بالعبودية هنا العبودية الخاصة، عبودية أوليائه عز وجل.
﴿ عني ﴾ أي: عن قربي، وإجابتي، بدليل الجواب: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾.
﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ جواب «إذا»، أي: فقل لهم: إني قريب، أسمع دعاءهم، فليناجوني بالدعاء، دون النداء برفع الصوت.
وقربه عز وجل من عباده المؤمنين قرب خاص، وكلما كان العبد لله أعبد وأتقى، كان الله منه أقرب.
قال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»[26].
وفي الحديث القدسي قوله- عز وجل: «ومن تقرب إليَّ شبرًا تقربت منه باعًا»[27].
فهو عز وجل قريب، ومع عباده المؤمنين معية خاصة، يسمع كلامهم، ويستجيب دعاءهم، ويحفظهم ويسددهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].
وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: ﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46].
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر- فيما حكى الله تعالى عنه: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما»[28].
كما أنه سبحانه مع جميع خلقه بعلمه وإحاطته، كما قال تعالى: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7].
﴿ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ هذه الجملة خبر ثان لـ«إن» وخبرها الأول «قريب»، و«الداع» أصلها «الداعي» فحذفت الياء تخفيفًا.
و«الدعاء» الطلب، وهو نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والآية تشمل النوعين، وهما متلازمان. والمعنى: فإني قريب، أسمع دعوة الداعي إذا دعاني وناجاني، وأجيبه، أعطيه إذا سألني، وأثيبه إذا عبدني.
وفي هذا توجيه وإرشاد إلى أدب السؤال والدعاء، وأن يكون بالمناجاة بين العبد وربه دون النداء برفع الصوت.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، اربعوا[29] على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، يا عبدالله بن قيس، ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله»[30].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني» الحديث[31].
﴿ إِذَا دَعَانِ ﴾ «دعان» أصلها «دعاني» فحذفت الياء تخفيفًا. والمعنى: إذا صدق في دعائه إياي، وأخلص في ذلك، وذلك بصدق اللجوء إلى الله عز وجل والانكسار بين يديه، والثقة بوعده، وتمام قدرته، وكمال جوده.
﴿ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي ﴾ الفاء: رابطة لجواب الشرط، واللام للأمر، أي: فليجيبوا لي، وعدي باللام- مع أنه يتعدى بنفسه، فيقال: (فليجيبوني)- وذلك لأنه ضمن معنى الانقياد: أي: فلينقادوا لي ويجيبوني ويطيعوني، ويدعوني.
و«يستجيبوا» أبلغ من «يجيبوا»؛ لأن زيادة المبنى تدل غالبًا على زيادة المعنى. وهذا كقوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ [آل عمران: 195]؛ أي: أجاب، وقوله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى ﴾ [الرعد: 18]، وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ﴾ [الشورى: 38]، أي: أجابوا، وقوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [الشورى: 26]، أي: ويجيب الذين آمنوا.
﴿ وَلْيُؤْمِنُوا بِي ﴾ معطوف على ما قبله، أي: فليصدقوا بي، وبقربي، وأني أجيب دعوة الداعي إذا دعاني.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ «لعل» للتعليل، أي: لأجل أن يرشدوا.
والرشد: حسن التصرف والاهتداء إلى طرق الخير عامة، في الدين، وفي الولاية، وفي التصرف في المال، وغير ذلك، أي: لأجل أن يهتدوا للإيمان والعمل الصالح فيرشدوا في دينهم ودنياهم وأخراهم، وذلك لإيمانهم بالله وانقيادهم له واستجابتهم لأمره.
قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم ﴾ [الحجرات: 7، 8]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29].
وفي قوله: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ ترغيب في دعائه عز وجل وأنه عز وجل لا يخيِّب دعاء من دعاه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وقال تعالى: ﴿ وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [الشورى: 26]، وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى يستحيي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيرًا، فيردهما صفرًا»[32].
وفي رواية: «فيردهما خائبتين»[33].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها». قالوا: إذًا نكثر، قال: «الله أكثر»[34].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي»[35].
وفي رواية[36]: «لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء».
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل»[37].
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: يا بن آدم، واحدة لك وواحدة لي، وواحدة فيما بيني وبينك، فأما التي لي: فتعبدني لا تشرك بي شيئًا، وأما التي لك: فما عملت من شيء وَفَّيْتُكَه، وأما التي بيني وبينك: فمنك الدعاء وعليَّ الإجابة»[38].
[1] انظر «ديوانه» ص(113).
[2] انظر «ديوانها» ص(84).
[3] أخرجه البخاري في الصوم – باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة (1905)، ومسلم في النكاح (1400)، وأبو داود في النكاح (2046)، والنسائي في الصيام (2239)، والترمذي في النكاح (1081)، وابن ماجه في النكاح (1845)، من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
[4] أخرجه البخاري في الجمعة (876)، ومسلم في الجمعة (855)، والنسائي في الجمعة (1367)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] أخرجه البيهقي في «السنن الصغير» (4/ 134), وأخرجه في «سبعة مجالس من أمالي أبي طاهر المخلص» ص(65).
[6] أخرجه البخاري في تفسير سورة البقرة (4507)، ومسلم في الصيام (1145)، وأبو داود في الصوم (2315)، والنسائي في الصيام (2315)، والترمذي في الصوم (798).
[7] أخرجه البخاري في الصوم، باب ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ (1949)، وفي التفسير (4506).
[8] أخرجه أبوعبيد في «الناسخ والمنسوخ» الأثر (59)- من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه أبو داود في «الصوم» (2315)- من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (3/ 167)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (1/ 307)- كلاهما من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[9] أخرجه البخاري في تفسير قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ (4505).
[10] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (3/ 188- 192)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (1/ 310)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 222، 223، 530)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (7/ 131).
[11] البيت لذي جرن الحميري. انظر «اشتقاق أسماء الله الحسنى» ص(32)، «الكشاف» (1/ 6), و«المعمرون والوصايا» للسجستاني ص (14).
[12] انظر: «ديوانه» ص (132).
[13] أخرجه البخاري في الجهاد والسير (3038)، ومسلم في الأشربة (1733)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
[14] أخرجه البخاري في العلم (69)، ومسلم في الجهاد والسير (1734).
[15] أخرجها مسلم.
[16] في «تفسيره» (1/ 312).
[17] أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب (2620)، وأبو داود في اللباس (4090)، وابن ماجه في الزهد (4174)، وأحمد (2/ 248)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مسلم أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وأخرجه أحمد (6/ 19)، من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه.
[18] أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/ 168)، وأبويوسف في «الآثار» (297)- عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما.
[19] انظر: «المغني» (3/ 290).
[20] أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (601)، والنسائي في الافتتاح (885)، والترمذي في الدعوات (3592)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
[21] أخرجه البخاري في الأذان (842)، ومسلم في المساجد (583)، والنسائي في السهو (1335).
[22] أخرجه أبو داود في الصلاة (1522)، والنسائي في السهو (1303)، من حديث معاذ رضي الله عنه.
[23] أخرجه الترمذي في الدعوات (3598)، وابن ماجه في الصيام (1752)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال الترمذي: «حديث حسن».
[24] أخرجه ابن ماجه في الصيام (1753).
[25] أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (1/ 314)، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (1/ 313) ونسبه لابن مردويه وأبي الشيخ الأصبهاني.
[26] أخرجه مسلم في الصلاة (482)، وأبو داود في الصلاة (875)، والنسائي في التطبيق (1137)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[27] أخرجه البخاري في التوحيد (7405)، ومسلم في الذكر والدعاء (2675)، والترمذي في الدعوات (3603)، وابن ماجه في الأدب (3822)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[28] أخرجه البخاري في المناقب (3653)، ومسلم في فضائل الصحابة (2381)، والترمذي في التفسير (3096)، من حديث أبي بكر رضي الله عنه.
[29] أي: ارفقوا على أنفسكم.
[30] أخرجه البخاري في المغازي (4205)، ومسلم في الذكر والدعاء (2704)، وأبو داود في الصلاة (1526)، والترمذي في الدعوات (3374)، وابن ماجه في الأدب (3824).
[31] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء (2675)، والترمذي في الزهد (2388).
[32] أخرجه أبو داود في الصلاة (1488)، والترمذي في الدعوات (3556)، وابن ماجه في الدعاء (3865)، وقال الترمذي: «حديث حسن غريب».
[33] أخرجها أحمد (5/ 438).
[34] أخرجه أحمد (3/ 18)، وأخرج الترمذي في الدعوات (3573)- وأحمد- نحوه مختصراً (5/ 329)- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح غريب».
[35] أخرجه البخاري في الدعوات (6340)، ومسلم في الذكر والدعاء (2735)، وأبو داود في الصلاة (1484)، والترمذي في الدعوات (3387)، وابن ماجه في الدعاء (3853).
[36] لمسلم.
[37] أخرجه أحمد (2/ 177).
[38] أخرجه البزار- فيما ذكر ابن كثير في «تفسيره» (1/ 316).