عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-12-2022, 03:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,265
الدولة : Egypt
افتراضي لغتنا الجميلة: قاعدة في ضبط الفعل "نطقَ"

لغتنا الجميلة: قاعدة في ضبط الفعل "نطقَ"


أ. أيمن بن أحمد ذوالغنى




غيرُ خافٍ على ذي لُبٍّ أن الحِفاظَ على اللغة العربيَّة سليمةً معافاةً من أَوْضار اللَّحْن والعُجمَة واجبٌ دينيٌّ ومَطلَبٌ حضاريٌّ؛ إذ العربيَّةُ لغةُ قرآننا ولسانُ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، وما لم نُتْقِنْها ونُحسِنِ استعمالَها نبقى مُنْبَتِّينَ عن تاريخنا مُستَدبرينَ تُراثَنا.

ولن يتأتَّى لنا رَدْمُ الهُوَّةِ العميقَةِ القائمة بيننا وبينَ لغتنا إلاَّ بالغَيرةِ الصَّادقَة، والهمَّةِ العالية، والسَّعيِ الجادِّ الدَّؤوب؛ لإحياء العربيَّة الفُصحى على ألسنَتِنا وأقلامِنا، وبَذْلِ الوُكْدِ في تَجَنُّبِ الخطأ واللَّحْن في استعمالها.


وممَّا يزيدُ الخَرقَ اتِّساعًا أن نرى ألوانَ التَّحريف والتَّشويه لجمال العربيَّة على أيدي بعض المتَخصِّصينَ بها، القائمينَ على نشرِها وتعليمِها، فأيُّ خيرٍ يُرتَجى ممَّن يتلقَّون منهم ويتخَرَّجونَ بهم إذا كانوا هُم في هذا الدَّرْك من معرفَة العربيَّة والإحساس بها ؟!


ومن عَظيم المصائبِ أن تتسرَّبَ الأخطاءُ إلى الكُتُب المدرسيَّةِ المقرَّرَة؛ لأنها في أعيُنِ الطلاَّب مراجِعُ موثوقَةٌ يعتَدُّون بها الاعتِدادَ كلَّه، ويظُنُّونَ فيها الصِّدقَ والعِصْمَةَ، فيأخُذون بكُلِّ ما فيها، مُسَلِّمينَ بصِحَّتِها، فتنطبعُ أخطاؤها في عُقولهم، وهَيهاتَ بعد ذلك أن تُمْحى!


ومن الأخطاء التي راعَني تَكرارُها واطِّرادُها في أحد الكُتُب المدرَسيَّة لطُلاَّب المرحلة الابتدائيَّة: ضبطُ صيغة الأمر من الفعل (نطق)، فقد ضُبِطَت في جميع المواضِع من الكتاب المُشار إليه بضمِّ الطَّاء: (اُنْطُق)، وانْبَنى على ضمِّها: ضمُّ همزة الوصل، وكلُّ ذلك خطأٌ مَرَدُّه إلى الجهلِ بالباب الذي يتصَرَّفُ منه هذا الفعلُ بهذا المعنى.


والجادَّةُ أن يُضْبَطَ بكسر الطَّاء: (اِنْطِق وتُكسَرُ معه همزةُ الوصل؛ لأن الفعلَ (نَطَقَ) يتصَرَّفُ من الباب الثاني من أبواب التَّصريف، وهو بابُ: (فَتحُ كَسرٍ)، أي أن عينَ الفعل - وهي الطَّاءُ هنا - مَفتوحةٌ في الماضي مَكسورةٌ في المضارع، على غِرار: ضَرَبَ يَضْرِبُ، وحَمَلَ يَحْمِلُ. نقول: نَطَقَ الشَّيخُ بالحِكمَةِ، ويَنْطِقُ العُلَماءُ بلسان النُّبُوَّةِ، وانْطِقْ بالحَقِّ وإنْ كانَ مُرًّا.


ومن ذلك قولُ العليم الحكيم، في وَصْفِ نبيِّه الأمين، عليه أفضَلُ الصَّلاة وأتَمُّ التسليم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوْحَى} [النجم: 3-4]، أي: ليسَ يتكلَّمُ بهَوى نفسِه وشهوتها، ولكنْ بما هو حَقٌّ ووَحْيٌ منه سُبحانَه.


وقولُه تعالى على لسان نبيِّه إبراهيمَ الخليلِ عليه السَّلام يُحاجُّ قومَه: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: 63].


وأخيرًا لا يَفوتُني الإشارةُ إلى أن الفعلَ (نطق) يتصَرَّفُ أيضًا من الباب الخامس، أي باب: (ضَمُّ ضَمٍّ)، على زِنَةِ: شَرُفَ يَشْرُفُ، وكَرُمَ يَكْرُمُ. ولكنْ بمعنًى آخَرَ مختَلفٍ عن معناه حينَ يكونُ من الباب الثاني.


نقول: نَطُقَ الرجلُ يَنْطُقُ نُطوقًا: إذا صار بَليغًا فَصيحًا مُبينًا.


ــــــــــــــــــــــــــ

- نشرت في مجلَّة الرسالة التي تصدرها الشؤون الدينيَّة بمجموعة الجريسي بالرياض، العدد (47) ، شهر ربيع الأول 1427 هـ.

- ونشرت في مجلَّة منارات السعوديَّة، العدد (23)، شهر ذي القعدة 1427 هـ.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.65%)]