رد: شخصية الباحث
شخصية الباحث (2)
د. عصام فاروق
تتضح شخصية الباحث في مواطنَ عديدةٍ، لا تتوقف - كما أسلفنا - عند قوله: (وأرى) و(يتضح لي).. إلخ.
ومن هذه المواطن ظهورُها في مرحلة وضع فكرة البحث وصياغة العنوان، فالباحث ذو الشخصية البارزة المستقلة لا يرضى بالتقليد الكامل (الأعمى)، أو أن يصوغ فكرته على منوال فكرةٍ سبق إعدادُها دون أن يضيف إليها أو ينحو بها منحًى آخر، أو يعالجها معالجةً مختلفةً.
ففي هذه المرحلة يخلُد كثيرٌ من الباحثين إلى اجتلاب الأفكار السابق طرحها مع تعديل إطارها، فنجد باحثًا يسمي بحثه - على سبيل المثال- (سورة مريم دراسة دلالية)، لا لشيء إلا لأنه وجد باحثًا آخر تناول (سورة آل عمران دراسة دلالية)، بل يزيد الاستسهال بأن ينقل هيكلَ البحثِ نفسِه ليكون هيكلًا لبحثه دون تعديل. وما زلتُ أتذكر حديثًا أكاديميًّا دار في أحد المؤتمرات، قال فيه أستاذٌ كبيرٌ: طلبنا درجةً علميةً في إحدى الجامعات فتقدم ثلاثون باحثًا بموضوعٍ واحدٍ. وهنا تعجبتُ وسألتُه: كيف يكون ذلك؟
فقال: كل أبحاثهم: سورة البقرة دراسة بلاغية، سورة آل عمران دراسة بلاغية، سورة النساء دراسة بلاغية... مما أعدُّه موضوعًا واحدًا. وصَدَقَ الرجلُ.
أعودُ إلى الحديث عن ظهور شخصية الباحث في هذه المرحلة، فأقول: لابد أن يتخيَّر الباحثُ من الموضوعات – خصوصًا في مرحلتي (الماجستير) و(الدكتوراه) - ما يتناسب مع ميوله هو أولًا، لا ما يفرضه عليه الأقسامُ العلميةُ أو يمليه عليه أقرانُه ممن سبقوه في هذه المرحلة، وإنْ حَدَثَ فبمقدار اكتساب الخبرة منهم فقط، وأن يلتقط من الأحاديث ما يبني عليه فكرته بعد القراءة حولها، ومحاولة بلورتها بما يتناسب مع تخصصه من ناحية، وميوله من ناحية أخرى، واستحقاقها الدراسةَ من ناحية ثالثة، مع وَضْع أطرٍ خاصةٍ تميزُ عملَه، وأنْ يفهم مفردات عنوانِ الموضوعِ فهمًا جيدًا، ومحترزات تلك المفردات، ومضامينها الدقيقة.
وما زلت أتذكر في هذا الصدد، باحثًا كَتَبَ له أستاذُه عنوانَ موضوع (للماجستير) على ورقةٍ، وسجل الباحثُ في هذا الموضوع، ثم لحق هذا الأستاذُ بالرفيقِ الأعلى بعد مدةٍ بسيطةٍ، وظلَّ الباحثُ أسيرًا لعدم فهمه كلمةً وردتْ في العنوان سنةً كاملةً، لا لشيء إلا لأنَّه لم يناقش أستاذَه في أبعاد هذا العنوانِ، ومعاني كلماته ومصطلحاته، فظلتْ شخصيتُه غائبةً سنةً كاملةً يتخبط في أُطُر موضوعه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 28-12-2022 الساعة 02:08 AM.
|