
04-01-2023, 08:41 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة :
|
|
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 121 الى صــــــــ 126
الحلقة (272)
مبحث عقاب قاتل النفس ظلما
- وقد قال بعض الأئمة المجتهدين : إن قاتل النفس خالد في النار كالكافر بدون قرف كما هو ظاهر هذه الآية : { ومن قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها }
وساء صح هذا القول أو لم يصح فإنه يكفي أن يمكث القاتل معذبا في نار جهنم زمنا طويلا ويكفيه غضب الله عليه ولعنته إياه ويكفيه أن الله أعد له عذابا عظيما يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولا شك أن من كان عنده مثقال ذرة من إيمان وسمع هذه الآية فانهيفر من العدوان على دماء الناسن كما تفر الشاة من الذئبن فلو فرض وقتل شخص آخر في جنح الظلام وأفلت من القصاص في هذه الحياة الدنيا فإن ذلك شر له لا خير فيهن لأن العقوبة الأخروية الشديدة تنتظره وغضب الله عليه في هذه الحياة الدنيا ينتظرهن أما من اقتص منه في حياته الدنيا فإنه يكون كفارة له في الآخرة على التحقيق لأن الله أكرم من أن يعذب مرتينن وقد فعل به ما فعله بغيره جزاء وفاقا ( 1 )
مبحث جواز العفو في القصاص
- وقد عرفت أن القصاص يسقط بالعفو أو الصلح بخلاف الحد فإنه لا يسقط بالعفو لأنه حق الله تعالى ولكن هذا هو رأي الحنفية
أما غيرهم فإنهم يقولون : إن الذي لا يسقط بالعفو هو حد الزنا وحد السرقة بعد رفع الأمر إلى الحاكم وأما حد القذف فإنه يسقط بالعفو مطلقا وإذا كنت على ذكر مما بيناه لك سابقا من أن حد الزنا لا يقع إلا إذا شهد بالجريمة اربعة شهود رأوا بأعينهم الفعل نفسه وذلكمتعذرن لا يمن تحقيقه عمليا فإن تنفيذه يكون منوطا بإقرار الجاني وحده
أما حد الشرب فبعضهم يرى أنه من بابب التعزير
وعلى هذا يمكن أن يقال : إن الحد الذي يتصور وقوعه ولا يسقط بالعفو هو حد السرقة بعد رفعه إلى الحاكم على الوجه الذي بيناه سابقا (2 )
محاسن التشريع الإسلامي
- وها هنا سؤال معروف وهو أن الشريعقة الإسلامية جعلت عقوبة القتل من باب القصاص الذي يصح سقوطه بالعفو لكونه من أفظع الجرائم وأشدها ضررا بالمجتمع الإنساني ومقتضى ذلك أن تجعله من باب الحدود التي لا تقبل السقوط بحال من الأحوال . كي يعلم الجاني أنه مقتول لا محالة فلا يقدم على الجريمة
والجواب : أن ذلك من محاسن التشريع السلامي وجقتع وذلك لأن الغرض من العقوبة قد بينه الله تعالى في كتابه العزيز بقول : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألبابن لعلكم تتقون } آية [ 179 من البقرة ]
وإذا كان الغرض من القصاص هو حقن الدماء والكف عن العدوان على الأرواح ليعيش الناس آمنين فإن من الضروري أن ينظر الشرع في كل النواحي التي يترتب عليها حفظ الأرواح وصيانتها فإذا كانت العقوبة تزجر فاسد الأخلاق الذي تميل نفسه إلى الجريمة فتمنعه عن قتل نفسه وقتل غيره
ولكن يجب النظر إلى ما يرفع الأحقاد والضغائن من نفوس الأسرة حقنا للدماء ومحافظة على الأرواح
---------------------
( 1 ) ( اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أن قاتل النفس المؤمنة متعمدا يجب عليه ثلاثة أمور الأول الإثم العظيم لقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما } وقد وردت به أحاديث كثيرةن وانعقد عليه غجماع المة الثاني يجب عليه القود ت لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى } إلا انهتقيد بوسف العمدية لقول صلى الله عليه و سلم ( العمد قود ) أي موجب له
الثالث يوجب حرمان القاتل من الميراث لقوله صلى الله عليه و سلم : ( لا ميراث لقاتل ) ولكن العلماء اشترطوا أمورا في القاتل الذي يقاد منه وفي المقتول وفي صفة القتل
فقالوا : إن القاتل الذي يقتص منه في القتل العمد يشترط فيه أن يكون عاقلا فلا قصاص على مجنون وأن يكون بالغاص فلا قصاص على صبي وأن يكون مختارا فلا قصاص على مكره وأن يكون مباشرا للقتل فلا قصاص على من قتل من غير مباشرة الفعل وأن يكون غير مشارك فيه غيره وأن لا يكون ابا للمقتول ولا سيدا له على تفصيل فيما يأتي :
ويشترط في المقتول : أن يكون مكافئا لدم القاتل والذي تختلف فيه النفوس هو الإسلام والكفر والحرية والعبودية والذكورة والأنوثةن والواحد والكثيرن وأن يكون معصوم الدم
ويشترط في صفة القتل : أن يكون ( عمدا ) بلا جناية من القاتل قصاصا إلا أن يعفو الأولياء أو يصالحوا لأن الحق لهمن لكن اختلفوا
الحنفية قالوا : إن القصاص واجب عينا وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل لما ورج في الكتاب والسنة
الشافعية قالوا : إن للولي حق العدول إلى المال من غير مرضاة القاتل لأنه تعين موقعا للهلاك فيجوز بدون رضاه
وفي قول : أن الواجب أحدهما لا بعينه وبتعين باختياره لأن حق العبد شرع جابرا وفي كل نو جبر فيتخير )
( 2) ( اختلف العلماء في هل القصاص يكفر ذنب الجاني أم لا ؟
فقال بعضهم : إن إقامة الحد على القاتل والقصاص منه إذا رضي به وتاب فإنه يكفر عنه ثم القتل لقول صلى الله عليه و سلم : ( الحدود كفارات لأهلها ) فعمم ولم يخصص فعلا عن غيره ولأن الله تعالى أكرم وأرحم بعبده أن يعذبه مرتين مرة في الدنيا بالقود ومرة في الآخرة بالنار وهو الراجح
وقال بعضهم : إن القصاص لا يكفر الذنب ولا يرفع عنه الإصم في الآخرة لأن المقتول ظلما لا منفعة له في القصاص البتة وإنما القصاص منفعته للأحياء فقط لينتهني الناس عن القتل
قال تعالى : { ولكم في القصاص حياة } ولما روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( يجيء المقتول متعلقا بقاتله يوم القيامة آخذا رأسه بيده الأخرى فيقول : يارب سل هذا فيم قتلني ؟ قال : فيقول : قتلته لكتون العزة لك فيقول : فإنها لي قال : ويجيء آخر متعلقا بقاتله يقول : رب سل هذا فيم قتلني ؟ قال : فيقول : قتلته لتكون العزة لفلان قال : فإنها ليست له بؤ بإثمه فيهوي في النار سبعين خريفا ) وفي الباب أحاديث كثيرة وأما الحديث الذي ورد في أن الحدود تكفر الذنوب فإنه يختص بالحدود التي فيها حق الله تعالى
المالكية والحنابلة والشافعية - قالوا : العمد إما يوجب القصاص جزاما مثل قتل المرتد مرتدا فإن الواجب فيه القود جزما
وإما أن يوجب الدية جزما كما أذا قتل الوالد ولده أو إذا قتل المسلم الذمي فإن موجبه الدية قطعا . أو التخيير بين القصاص والدية فيجوز للولي العفو عن القود على الدية بغير رضا الجاني لما روى البيهقي عن مجاهد وغيره ( كان في شرع موسى صلى الله عليه و سلم تحتم القصاص جزما وفي شرع عيسى صلى الله عليه و سلم الدية فقط فخفف الله تعالى عن هذه الأمة وخيرها بين الأمرين ) لما في الإلزام بأحدهما من المشقة ولأن الجاني محكوم عليه فلا يعتبر رضاه كالمحال عليه والمضمون عنه ولو عفا عن عضو من أعضاء الجاني سقط كلهن كما أن تطليق بعض المرأة تطليق لكلها ولو عفا بعض المتستحقين سقط أيضا وإن لم يرض البعض الآخر وانتقل الأمر إلى الدية لأن القصاص لا يتجزأ ويغلب فيه جانب السقوط لحقن الدماء ولا يؤثر فيه الجهل فلو قطع عضو رقيق فعفا عنه سيده قبل معرفته بالعضو المعفو عنه صح العفو لأن العفو مستحب فقد رغب الشارع فيه وجعا إليه قال تعالى : { فمن عفا واصلح فأجره على الله أنه لا يحب الظالمين } آية 40 من الشورى وقول الرسول : ( من قتل له قتيل فأهله لين خيرتين : إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا اخذوا الدية )
وروى البيهقي وغيره عن أنس رضي الله تعالىعنه ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان ما رفعاليه قصاص قط إلا أمر فيه بالعفو )
وعن عدي بن ثابت قال : هشم رجل فم رجل على عهد معاوية فأعطى دينه فأبى أن يقبل حتى أعطى ثلاثا ) فقال رجل : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( من تصدق بدم أو دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق ) رواه أبو يعلى
وعن عبادة بن الصامت رضي الله تبارك وتعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( ما من رجل يجرح في جسده جراحة فيتصدق بها إلا كفر الله تبارك وتعالى عنه مثل ما تصدقه ) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح
ولو أطلق الولي العفو عن القود ولم يتعرض للدية بنفي ولا إثبات فالمذهب لا دية عليه لأن القتل لم يوجب الدية على هذا القول والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم
وفي قول آخر إن الدية تجب على القاتل في ماله لقوله تعالى : { فمن عفي له عن أخيه شيء فاتباع بالمعروف } أي اتباع المال وذلك يشعر بوجوبه بالعفو ولأن الدية بدل عن القود عند سقوطه بعفو أو غيره كموت الجاني مثلاصن فقد خير الشارع الولي بين أخذ المال وبين القصاص
الحنفية والمالكية في روايتهم الثانية والشافعية في أرجح روايتهم والحنابلة في القول الآخر : - قالوا : إن الواجب بالقتل العمد معين وهو القود وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل لما ورد في الكتاب والسنة ولأن المال لا يصلح موجبا في العمد لعدم المماصلة والقصاص يصلح للتماصل وفيه زيادة حكمة وهي ممصلحة الأحياء زجرا للغير عن وقوعه فيه وجبرا للورثة فيتعين وقد شرع القصاص لمعنى النظر للولي على وجه خاص وهو الانتقام وتشفى الصدورن فإنه شرع في الصل زجرا عما كان عليه أهل الجاهلية من إفناء قبيلة بواحد لا لأنهم كانوا يأخذون أموالا كثرة عند قتل واحد منهم بل إن القاتل وأهله لو بذلوا كل ما ملكوه من الدنيا وأمثال ما رضي به أولياء المقتول فكان إيجاب المال في مقالبلة القتل العمد تضييع حكمة القصاص وإذا ثبت أن الأصل في العمد هو القصاص لم يجز المصير إلى غيره بغير ضرورة مثل أن يعفو أحد الأولياء فإنه تعذر الاستيفاء حينئذ أو أن يكون محل القصاص ناقصا بأن تكون يد قاطع اليد أقل إصبعا أو أن يكون القاتل أبا أو أما للمقتول فإنه يتعذر القصاص في أمثال هذه الحلات فيعل عنها إلى الدية صونا للدم من الهدر ا ه
الشافعية والحنفية والحنابلة رحمهم الله - قالوا : إذا عفت المرأة سقط القصاص عن القاتل
المالكية قالوا : لا مدخل للنساء في الدم مع قولهم في رواية أخرى : إن للنساء مدخلا في الدم كالرجال إذا لم يكن في درجتهن عصبة ومعنى أن لهن مدخلا أي في درجة الوقد والدية معا وقيل : في القود جون العفو وقيل : الاستيفاء للنساء بثلاثة شروط . إن كن وارثات ولم يساوهن عاصب في الدرجة وكن عصبة لو كن ذكورا
الحنفية والمالكية رحمهم الله تعالى قالوا : إن الولي إذا عفا عن القصاص عاد إلى الدية بغير رضا الجاني وليس له العدول إلى المال إلا برضا الجاني وإن عفا ولم يقيد عفوه بديته ولا غيرها فيقتضي العفو مجردا عن الدية
الشافعية والحنابلة - قالوا : إن الولي مخير بين القود والدية والعفو بغير مال فللولي العدول إلى الدية مطلقا سواء رضي القاتل أم لم يرض لأن الدية بدل عن القود وقيل : إن الدية بدل عن النفس لا عن القود بدليل أن المرأة لو قتلت رجلا وجب عليها دية الرجل فلو كانت بدلا عن القود وجب عليها دية المرأة وقال المتولي من علماء الشافعية : الواجب عند العفو دية المقتول لا دية القاتل وجمع بعضهم بين الطلامين بأن القود بد عن نفس المجني عليه وبدل البدل بدل
قالوا : ولو عقا الولي عن القود على غير جنس الدية الصالح غيره عليه ثبت ذلك الغير أو المصالح عليه وإن كان أكثر من الدية إن قبل الجاني أن المصالح ذلكنسقط عنه القصاص وإذا لم يقبل الجاني أو المصالح ذلك فلا يثبت لأنه اعتياض فاشترط رضاهما كعوض الخلغ ولا يسقط عنه القود في الأصح إن امتنع عن دفعها لأنه رضي به على عوض ولم يحصل له
قالوا : ولو عفا عن القود على نصف الدية فإنه يسقط عن القود الدية معا اه . )
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|