عرض مشاركة واحدة
  #319  
قديم 04-01-2023, 08:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري

الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 127 الى صـــــــــ131

الحلقة (273)



مبحث سلطان أولياء الدم على القاتل
- ولما كان من البدهي الذي لا ريب فيه أن القتل يحدث عند أولياء الدم حقدا شديدا ويترك في أنفسهم لوعة لا تنطفىء إلا بالتشفي من القاتل وتحكمهم فيه فقد جعل الشارع لأولياء الدم سلطانا على القاتل الذي يثبت عليه القتل فإن شاؤوا عقوا عنه في نظير مال أو غيرهن وإن شاؤوا اقتصوا منه بالقتل بدون تمثيل أو تعذيب وفي ذلك سلوى تذهب بها أحقادهم فلا يمعنون في العدوان ولا يسرفون في الانتقام بقتل الأبرياء من أسرة القاتل فتصور ضغائن خصومهم فيقابلونهم بالمثل ويترتب على ذلك إراقة الدماء البريئة باقبح معانيها
فإن الحوادث قد جلت على أن كثيرا من جنايات القتل قد نشأت من إثمال رأي ولاة الدم وحرصهم على أن ينتقموا بأنفسهم من القاتل فهم يعمدون إلى اتهام غيره من أقاربه الأبرياء ويكتمون أمره كي يقتلوه عند سنوح الفرصة بأيديهم تشفيا وبذلك تسود الفوضى بين الأسر وتكثر فيهم حوادث القتل بدون أن يكون للقانون أدنى بأثير على أنفسهم أما لو كان لولي الدم رأي في القصاص من أول الأمر فإنه يرى في تسلطه على القاتل ما يطفىء لوعته ويرفع عنه المهانة فتهدأ نفسهن فإن عفا عنه فذاك وإلا اقتص منه وحده ووقفت الفتنة عند هذا الحد ( 1 )
مبحث حق السلطان على القاتل
- ولا يقال : إذا عفا أولياء الدم عن القاتل كان إطلاقه خطرا على الأمن ؟ لأنا نقول : إن ولي الدم في الغلب مصر على القصاص وإذا فرض وعفا عنه ولكن رأي الحاكم أن إطلاقه يهدد الامن العام له أن يعزره بما شاء وله أن يجعله تحت المراقبة التي تحول بينه وبين العدوان حتى يتحقق من حسن سلوكه
فإن من محاسن الشريعة الإسلامية ودقتها انها جعلت عقوبة القتل قصاصا يقبل فيه الحاكم الصلح أو العفو عن أولياء الدم بشروط وتفاصيل تطلب في في كتب الفقه ولا يسعها المقام ( 2 )

--------------------------
( 1 ) ( قال تعالى : { ومن قتل مظلوما } بغير سبب يوجب القتل { فقد جعلنا لوليه } أي لمستحق دمه
المالكية قالوا : الولي يجب أن يكون ذكرا لأنه أفرده بالولاية بلفظ التذكيرن فالآية تدل على خروج المرأة عن مطلق لفظ الولي فلا جرم ليس للنساء حق في القصاص لذلك ولا أثر لعفوها وليس لها الاستيفاء
الحنيفية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن المراد بالولي في الآية الوارث قال تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أوليا بعض } آية [ 71 سورة التوبة ] فاقتضى ذلك إثبا القود لسائر الورثة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( و على المقتتلين أن ينجزوا الول فلأول وإن كان امرأة ( سلطانا ) أي تسليطا إن شاء قتل وإن شاء عفا وإن شاء اخذ الدية ) وقال الإمام مالك : السلطان أمر الله تعالى ابن عباس قال : السلطان الحجة
قالوا : وقوله عالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } تفسير لقوله تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } وطاهر الآية أنه لاسبب لحل القتل إلا قتل المظلوم ولكن الأحاديث تقتضي ضم شيئين آخرين إليه وهما : الكفر بعد الإيمان والزنا بعد الإحصان ودلت آية اخرى على حصول سبب رابع وهو قطع الطريق قال تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا } ودلت الآية على حصول خامس وهو الكفر قال تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } واختلف الفقهاء في أشياء اخرى منها ترك الصلاة واللواط والقتل بالسحر { فلا يسرف في القتل } إنه لما حصلت عليه استيفاء القصاص أو الدية فلا يقدم على استيفاء القتل . بلك يكتفي بأخذ الدية أو يميل إلى العفو أي فلا يصير مسرفا بسبب إقدامه على القتل
وصير معنى الآية والترغيب في العفو والاكتفاء بالدية كما قال تعالى : { وإن تعفوا أقرب للتقوى }
وقيل : الإسراف في القتل هو أن الولي يقتل القاتل وغير القاتل وذلك لأن الواحد منهم إذا قتل واحدا من قبيلة شريفة فأولياء ذلك المقتول كان يقتلون خلقا من القبيلة الدنيئة ولا يكتفون بقتل القاتل فنهى الله تعالى عنه وامر بالاقتصار على قتل القاتل وحده من غير تعد وقيل الإسراف في القتل هو أن لا يرضى بقتل القاتل فإن أهل الجاهلية كانوا يقصدون أشراف قبيلة القاتل ثم كانوا يقتلون منهم قوما معينين ويتركون القاتل الساقط
وقيل الإسراف : هوان لا يكتفي بقتل القاتل . بل يمثل به ويقطع أعضاءه ويمزق جسده قرأ الأكثرون ( فلا يسرف ) بالياء ويكون الضمير للقاتل الظالم ابتداء أي فلا ينبغي أن يسرف ذلك الظالم
وقال الطبري : هو على معنى الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والأئمة من بعده أي لا تقتلوا غير القاتل : { أنه كان منصورا } فيه ثلاثة أوجه
الأول : كأنه قيل للظالم المبتدىء بذلك القتل على سبيل الظلم لا تفعل ذلك فإن ذلك المقتول يكون منصورا في الدنيا والآخرة . أما نصرته في الدنيا فيقتل قالتله وأما نصرته في الآخرة فبكثرة الثواب له وكثرة العقاب لقالتله
الثاني : أن هذا الولي يكون منصورا في قتل ذلك القاتل الظالم فليكتف بهذا القدر فإنه يكون منصورا فيه ولا ينبغي أن يطمع في الزيادة منهن لأن من يكون منصورا من عند الله يحرم عليه طلب الزيادة وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قلت لعلي كرم الله وجهه ( وايم الله ليظهرن عليكم ابن أبي سفيان ) لأن الله تعالى يقول : { ومن قتل مظلوما فقد جعلانا لوليه سلطانا }
الثالث : أن هذا القاتل الظالم ينبغي أن يكتفي باستيفاء القصاص وأن لا يطلب الزيادة عنه
فإن قيل : وكم من ولي مخذول لا يصل إلى حقه ؟
قلنا : المعونة تكون بظهور الحجة تارة وباستيفائها أخرى وبمجموعها ثالثة فأيها كان فهو نصر من الله سبحانه وتعالى فالله نصره بوليه من بعده
قال الضحاك : هذا اول ما نزل من القرآن في شأن القتل وهي مكية اه
ويشترط لوجوب القصاصن أو الدية في نفس القتيل باو بدنه أن يقصد القتل أو الشخص بما يقتل غالبا أو قصدهما بما لا يقتل غالبا أو تسبب فب قتله بفعل منه . ويشترط في القتيل كونه معصوما ويشترط في القاتل كونه مكلفا . )
( 2) ( اختلف العلماء في القاتل عمدا إذا عفا عنه أولياء الدم هل يبقى للسلطان فيه حق أو لا ؟
المالكية والحنيفية رحمهم الله قالوا : إن للحاكم حقا على القاتل إذا عفا عنه اولياء الدم وله أن يجلده مائة جلدة ويسجنه سنة كاملة وبه قال أهل المدينة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام وروي ذلك عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
الشافعية والحنابلة رحمهم الله - قالوا : لا يجب على الحاكم شيء من ذلك إلا أن يكون القاتل معروفا بالشر والأذى فيجوز للإمام أن يؤدبه على حب ما يرى بالحبس أو الضرب أو التأنيب وحجتهم في ذلك طاهر الشرع

قالوا : وليس لمحجور فلس عقو عن مال إن أوجبنا أحدهما لا بعينه لأنه ممنوه من التبرع به وإن أوجبنا القود عينا فإن عفا عن الدية ثبتت كثيره وإن اطلق العقو فلا يدة أيضا وإن عفا المحدور أو المفلس على أن لا مال أصلا فلا يجب شيء لأن القتل لم يوجب المال
وقيل : إن المفلس يصح اقتصاصه . وإساطه واحترز بمحجور عن المفلس قبل الحجر عليه فإنه كموسر وبمفلس عن المحجور عليه بسلب عبارته كصبي ومجنون فعفوهما لغو المبذر حكمه بعد الحجر عليه بالتبذير في إساقط القود واستيفائه كرشيد لأن الحجر عليه لحق نفسه لا لغيره فلا تجب الجية في صورتي عفو
موت القاتل
الحنفية والمالكية قالوا : من قتل آخر متعمدا ووجب عليه القصاص ثم مات بعد ذلك بأجله من غير تعد سقط حق ولي الدم عن القصاص والدية جميعا ولا شيء على ورثة القاتل لفوات محل الاستيفاء
الشافعية والحنابلة - قالوا : إذا مات القاتل عمدا بعد جنايتع لا يسقط الحق عنه بل تبقى الدية في تركته وترد إلى ورثة المقتول ولهم الحق في أخذها أو العفو عنها وذلك لأن الوجاب احدهما عنهم فإذا استحال تحقيق القود وجبت الدية حتى لا يهدر دمه كالوالد إذا قتل ولده أو عبده وتعذر الاستيفاء بالقصاص فإنه ينتقل إلى الدية . في تركته وترد إلى المقتول ولهم الحق في أخذها أو العفو عنها وذلك لأن الواجب احدهما عندهم فإذا استحال تحقيق القود وجبت الدية حتى لا يهدر دمه كالوالد إذا إذا قتل ولده أو عبده وتعذر الاستيفاء بالقصاص فإنه ينتقل إلى الدية
اختلاف ورثة الدم في العفو
اتفق الفقهاء على أن المقتول عمدا إذا كان مسلما معصوم الدم وكان القاتل مكلفا عاقلا ولم يكن أبا ولا جدا للمقتول وكان له أولاد ذكور كبار عقلاء وحضروا مجلس القضاء وطالبوا بالقصاص فإنه يجب على الحاكم تنفيذ الحكم من غير تأخير إلا إذا كان الجاني امرأة حاملاص فإنه يؤجل القود حتى تضع حملها وترضع مولودها
وإن تنازلوا عن القصاص وطلبوا الدية وجبت لهم الدية ولو بغير رضا الجاني أما إذا اختلفوا في العفو فطلب بعضهم القصاص . وعفا البعض الآخر عن الجاني فإنه يسقط القصاص وتجب الدية في مال القاتل وتقسم على الورثة وإن لم يرض باقي الورثة لأن القصاص لا يتجزأ ويغلب فيه جانب السقوط لحقن الدماء لحرمة دم الآدمي . لأن الحدود تدرأ بالشبهات وهذه شبهة في إقامة القصاص على القاتل أما إذا كان الورثة نساء ورجالا . واختلفوا في العفو أو إقامة الحد والقصاص أو أخذ الدية فقد اختلف فيه الأئمة رحمهم الله تعالى

المالكية رحمهم الله تعالى قالوا : يسقط القصاص إن عفا رجل من المستحقين حيث كان العافي مساويا في درجة الباقي من الورثة والاستحقاق كابنين أو عمين أو أخوين وأولى إن كان العافي أعلى درجة كعفو ابن مع اخ فإن كان العافي انزل درجة من الباقين لم يعتبر عفوه كعفو أخ مع ابن للمقتول . وكذا إن كان العافي لم يساو الباقي في الاستحقاق كإخوة لام مع إخوة لاب لان الاستيفاء حق للغاصب الذكر فلا دخل فيه لزوج ولا لأخ لأم اوجد لها ويقدم الأقرب فالأقرب فيتقدم ابن فاينه إلا الجد الأدنى والاخوة فسيان في القتل والعفو ولا كلام للجد الأعلى مع الإخوة

أما إذا كان القائم بالدم نساء فقط وذلك لعدم مساواة عاصب لهن في الدرجة بأن لم يوجد أصلا أو وجد وكان أنزل . فالبنت وبنت الابن احق من الخت قي عفو وضده فمتى طلبت القصاص الثابت ببينة أو اعتراف أو العفو عن القتل فيها ولا كلام للأخت وإن كانت مساوية في الإرث ولا شيء لها من الدية أما لو احتاج القصاص لقسامة فليس لهما أن يقسما لأن النساء لا يقسمن في العمد بل العصبة فقط فحيث اقسموا وأرادوا القتل وعفت البنت فلا عفو لها والقول للعصبة في القصاص وإن عفوا وأرادت القتل فلا عفو لهم هم والقول لها في طلب القصاص فلا عفو بإجماع الجميع أو بعض البنات وبعض منهم
وإن عفت واحدة من البنات أو بنات ابن أو أخوات ولم يكن عاصب أو كان ولا كلام لكون البنت أعلى درجة منه والقتل ثابت بالبينة أو الإقرار نظر الحاكم العد في الصواب من إمضاء لعفو بعض البنات أو رد لعفوهن لأنه بمنزلة العاصب إذ يرث الباقي من التركة لبيت المال
وفي اجتماع رجال ونساء أعلى درجه منهن ولم يحزن الميراث لم يسقط القصاص إلا بعفو الفريقين فمن أراد القصاص من الفريقين . فالقول قوله أو ببعض من كل من الفريقين ومهما عفا البعض من المستحقين للدمن مع تساوي درجاتهم بعد ثبوت الدم مطلقا ببينة أو غيرها فإنه يسقط القصاص وإذا سقط فلمن بقي من الورثة ممن لم يعف وله التكلم في نصيبه من دية عمد وكذا لو عقا جميع من له التكلم مرتبا سقط حقه من الدم ومن الدية وما بقي منها يكون لمن بقي ممن له التكلم ولغيره من بقية الورثة كالزوج أو الزوجة أو الاخوة وما بقي ممن لا تكلم له بأخذ نصيبه من الدية . كولدين لأنه مال ثبت بعفو الأول بخلاف لو عفا في فور واحد فلا شيء لمن تكلم له كما إذا اكان من له التكلم واحدا وعفا كإرثه للدم كما لو قتل احد ولديه اباه ثم مات غير القاتل ولا وارث له سوى القاتل فقد ورث القاتل دم نفسه كله وكذا لو ورث القاتل بعض الدم كما لو كان غير القاتل أكثر من واحد مات أحدهم عن القاتل وغيره فقد ورث القاتل بعض الدم فيسقط القصاص . ولمن بقي من الورثة نصيبه من الدية هذا إن استقل الباقي بالعفو أما لو عفا من يستقل بالعفو فلا يسقط القود عمن ورث قسطا إلا بعفو الجميع
أو بعض من كل كما لو قتل شقيق أخاه وترك المقتول بتات ثلاثة اخوة أشقاء غير القاتل فمات أحد الثلاثة فقد ورث القاتل قسطا ولا يسقط القوج إلا بعفو الجميع أبو بعض من كل

الأئمة الثلاثة قاولا : كل وارث يعتبر قوله في اسقاط القصاص وغسقاط حقه من الدية وفي أخذ حقه والتمسك به
وقال الشافعي : الغائب منهم والحاضر والصغير والكبير والذكر والأنثى سواء في الاستحقاق ولاية الدم عن المقتول عمدا لأن الدم كالدية

عفو المقتول عمدا المقتول عمدا عن دمه قبل موته
المالكية قالوا : إذا قال البالغ العاقل المعصوم الدم لإنسان : إن قتلتني أبرأتك من دمي فقتله فإنه لا يسقط القود عن قالتله وكذا لو قال له بعد أن جرحه ولم ينفذ مقتله : أبرأتك من دمي . فلا يسقط القصاص لأنه أسقط حقا قبل وجبوبه بخلاف ما إذا أبرأه من دمه بعد إنفاذ مقتله أو قال له : إن مت فقد أبرأتك فإنه يبرأ ولو كان قبل إنفاذ مقتله ولكن لابد من كون البراءة بعد الجمرح وللولي حق القصاص أو العفو مجابا أو على الدية إن رضي الجاني بها فإن لم يرض الجاني بالدية خير الولي بين أن يقتص من القاتل أو يعفو عنه بغير عوض وإن عفا عن الجاني ولم يقيد عفوه بدية ولا غيرها فيقضى بالعفو مجردا عن الدية إلا أن تظهر بقرائن الأحوال إرادتها مع الدية حال العفون ويقول : إنما عفوت لأخذ المدية فيصدق يمينه ويبقى الولي بعد حلفه على حقه في القصاص إن امتنع الجاني عن دفع الدية . وإلا دفعها وتم العفو كما طلب الولي
الشافعية قالوا : إن قال حر مكلف رشيد أو سفيه لوجل آخر : اقطع يدي مثلا ففعل الآجنبي فهو هدر لا قصاص فيه ولا دية للإذن فيه لأنه اسقط حقه باختياره فإن سرى الجرح للنفس فمان أو قال له ابتداء : اقتلني فقتله فهو هدر في الأظهر من المذهب للإذن في ذلك الفعل

وقبل تجب الدية على القاتل والخلاف مبني على أن الدية ثبتت لميت ابتداء في آخر جزء من حياته ثم يتلقاها الوارث أو على أن الدية ثبتت للوارث ابتداء عقب هلاك المقتول ؟ إن قلنا بالأول وهو الأصح لم تجب الدية في حال السراية لأنه أذن فيما بملك وإلا وجبت ففي صورة القطع تجب نصف الدية لأنه الحادث بالسراية وفي حالة الأمر بالقتل ابتداء تجب الدية وعلى القول الأول تسقط الدية ولكن تجب الكفارة فإن الكفارة تجب على الصح لحق الله تعالى والإذن لا يؤثر فيها تجب على كل حال ولو قال له : اقتلني وإلا قتلتك فقتله فلا قصاص ولا دية في الأظهر
ولو قطع عضو من شخص يجب فيه القود فعفا المقطوع عن قوده وإريه فإن لم يسر القطع بأن اندمل فلا شيء من قصاص أو أرش لاسقاط الحق بعد ثبوته
وإن سرى القطع للنفس فلا قصاص في نفس ولا طرف لأن السراية تولدت من معفو عنه فصارت شبهة واقعة للقصاص . أما إذا سرى إلى عضو آخر فلا قصاص فيه وإن لم يعف عن الأول . وأما أرش العضو في صورة سراية القطع للنفس فإن جرى من المقطوع في لفظ العفة عن الجاني لفظ وصيته كأن قال بعد عفوه عن القود اوصيت له بأرش هذه الجناية فوصيته للقاتل أو جرى لفظ إبراء أو إسقاطن أو جرى عفو عن القود اوصيت له بأرش هذه الجناية فوصيته للقاتل أو جرى لفظ إبراء أو إساقط أو جرى عفو عن الجناية سقط الأرش قطعا وقيل : ما جرى من هذه الثلاثة وصيته لاعباره من الثاث وتجب الزيادة على ارش العضو المعفو عنه أن كان إلى تمام الجية للسراية سواء تعرض في عفوه لما يحدص منها أم لا وفي قول : إن تعرض في عفوه عن الجناية لما يحدث منها سقطت تلك الزيادة والظهر عدم اسقوط لأن إسقاط الشيء قبل ثبوته غير منتظم فلمو سرى قطع العضو المعفو عن قوده وارشه كأصبع إلى عضو آخر كباقي الكف فاندمل القطع ضمن دية السراية فقط لأنه إنما عفا عن موجب جناية موجودة فلا يتناول غيرها ومن له قصاص نفس بسراية قطع طرف كأن قطع يده فمات بسراية لو عفا وليه عن النفس فلا قطع له لأن المستحق القتل والقطع طريقه وقد عفا عنه أو عفا وليه عن الطرف فله جز الرقبة في الأصح لأن كلا منهما حقه والثاني المنع لأنه استحق القتل بالقطع الساري وقد عفا عنه
ولو قطعه الولي ثم عفا عن النفس مجانا أو بعوض فإن سرى القطع إلى النفس ظهر بطلان العفو ووقعت السراية قصاصا لأن السبب وجد قبل العفو وترتب عليه مقتضاه فلم يؤثر فيه العفو وإن الم يسرق قطع الولي بل وقت فيصح عفوه لأنه أثر في سقوط القصاص ويستقر العفو المعفو عليه إذ لم يستوف بالقطع تمام الدية ولا يلزم الولي بقطع اليد شيء
ولو وكل الولي غيره في استيفاء القصاص ثم عفا فاقتص الوكيل جاهلا بذلك فلا قصاص عليه لعذره والأظهر وجوب الدية لأنه بأن أنه قتله بغير حق فتجب على الوكيل دية مغلظة لورثة الجاني لا للموكل والأصح أن الوكيل لا يرجع بالدية على الثاني أمكن الموكل إعلام الوكيل بالعفو أم لا لأنه محسن بالعفو ولو وجب قصاص عليها فنكحها عليه جاز وسقط فإن فارق قبل الوطء رجع بنصف الأرش ا ه
الحنفية والحنابلة رحمهم الله تعالى قالوا : إذا عفا المقتول عن دمهن في القتل العمد جاز ذلك على الأولياء وسقط القصاص عن القاتل ولا يجب شيء لورثته من بعده . لأن الحق الذي جعل للولي إنما هو حق المقتول أولا فناب فيه الوارث منابه وأقيم مقامه فكان المقتول أحق بالخيار من الذي أقيم مقامه بعد موته
وقد أجمع العلماء على قوله تعالى : { فمن تصدق به فهو كفارة له } أن المراذ في الآية الكريمة هة المقتولن يتصدق بدمه وذلك في حالة إصابته قبل موته وإنما اختلفوا على من يعود الضمير في قول تعالى : { فهو كفارة له } فقيل : يعود الضمير على القاتل لمن رأى به توبة
وقيل : يعود الضمير على المقتول الذي تصدق على قالتله بدمه أو القود من أطرافه في الجراحة فيكون هذا التصدق كفارة لذنوبه وخطاياه إذا فعا عن قاتله أو عن جرحه
فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : { فمن تصدق به } يقول : فمن عفا عنه وتصدق عليهن فهو كفارة للمطلوب وأجر للطالب
وروي عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى : { فمن تصدق به فهو كفارة له } للمجروح فيهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به وهكذا وروي عن الشعبي عن رجل من النصار عن النبي صلى الله عليه و سلم في قوله : { فمن تصدق به فهو كفارة له } قالك ( هو الذي تكسر سنه أو تقطع يده أو يقطع الشيء منه أو بجرح في بدنه فيعفو عن ذلك ) قال : ( فيحط عنه خطاياه فإن كان ربع الدية فربع خطاياه وإن كان الثلث فثلث خطاياه وإن كانت الدية حطت عنه الخطايا كذلك )
وروى الإمام أحمد قال : حدثنا وكيع حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال : كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه معاوية فقال معاوية : انا سنرضيه فألح الأنصاري فقال معاوية : شأنك بصاحبك وأبو الدرداء جالس فقال أو الدرداء : سمعت رسول الله يقول : ( ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط به عنه خطية ) فقال الأنصاري . فإني قد عفوت
وروي عن عدي بن ثابت : أن رجلا اهتم فمه رجل على عهد معاوية رضي الله عنه فأعطي دية فأبى إلا أن يقتص فأعطي ديتين فأبى فأعطي ثلاثة فأبى فحدث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من تصدق بدم فما دونه فهو كفارة له من يوم أن ولد إلى يوم يموت ) والأحاديث في ذلك كثيرة
الحنفية قالوا : من قطع يد رجل عفا المقطوعة يده عن القطع . ثم مات بعد ذلك فعلى القاطع الدية في ماله وإن عفا عن القطع وما يحدث منه ثم مات من ذلك فهو عفو عن النفس ثم إن كان خطأ فهو من الثلث وإن كان عمدا فهو من جميع المال
لأن العفو عن القطع والشجة والجراحة ليس لعفو عما يحدث منه فإذا وقع شيء من ذلك وعفا المجني عليه عنه بعد الجرح ثم سرى ومات بسببه فعلى الجاني الدية في ماله خاصة . لأن سبب الضمان قد تحقق وهو قتل نفس معصومة مقومة والعفو لم يتناوله بصريحه لأنه عفا عن القطع وهو غير القتل لا محالة وبالسراية تبين أن الواقع قتل لا قطع وحقه فيه فما هو حقه لم يفع عنه وما عفا عنه فليس بحقه فلا يكون معتبراص ألا ترى أن الولي لو قال بعد السراية : عفوتك عن اليدن لم يكن عفوا ولو قال المجني عليه : عفوتك عن القتل وأقتصد القطع لم يكن عفوا فكذا إذا عفا عن اليد ثم سرى القطع وإذا لم يكن معتبرا وجب الضمان
والقياس يقتضي القصاص لأنه هو الموجب للعمد إلا أنا تركناه لأن صورة العفو اورثت شبهة وهي دارئة للقود فتجب الدية في ماله
وقال الصاحبان رحمهما الله تعالى : من قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع ثم مات من ذلك القطع بسبب السراية فهو عفو عن النفس أيضان فلا شيء على القاطع لأن العفو عن القطع عفو عن موجبه لأن الفعل عرض لا يبقى فلا يتصور العفو عنه فيكون العفو عنه عفوا عن موجبه وموجبه أما القطع إذا اقتصر ولم يسر وإما القتل إن سرى القطع ومات بسببه فكان العفو عفوا عنهما جميعاص ولأن اسم القطع يتناول الساري والمقتصر فإن الاذن بالقطع به وبما حدث منه حتى إذا قال شخص لآخر : اقطع يدي فقطعه ثم سرى إلى النفس فإنه لم يضمن والعفو إذن انتهاء فيعتبر بإذن ابتداء فصار كما إذا عفا عن الجناية فإنه يتناول الجناية السارية والمقتصرة
وقال الإمام : لا نسلم أن الساري نوع من القطع وإن السراية صفة له بل السراية قتل من الابتداء لأن القتل فعل مزهق للروح ولما انزهق الروح به عرفنا أنه كان قتلا ولأن القتل ليس بموجب للقطع من حيث كونه قطعا فلا يتناوله العفو بخلاف العفوعن الجناية لأنه اسم جنس وبخلاف العفو عن الشجة وما يحدث منها لأنه صريح في العفو عن السراية والقتل ولو كان القطع خطا فقد أجراه مجرى العمد في العفو عن القطع مطلقا والعفو عن القطع وما يحدث منه والعفو عن الشجة والعفو عن الجناية ولأن العفو عن القطع وما يحدث منه والعفو عن الجناية عفو عن الدية بالاتفاق والعفو عن القطع مطلقا عفو عن الدية عن القطع مطلقا عفو عن الدية عندهما إذا كان خطأ وعند أبي حنيفة يكون عفوا عن أرش اليد لاغير والعفو عن الشجة عفو عن الدية إذا سرت عندهما وعنده عن أرش الشجة لا غير والقطع إن كان خطأ وجبت الدية من ثلث المال وإن كان عمدا فهو جميع المال عند أبي حنيفة رحمه الله اه
الصلح في القتل عمدا على مال
اتفق الأئمة على أنه إذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال سقط القصاص ووجب المال قليلا كان أو كثيرا زائدا على مقدار الدية لقوله تعالى : { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } على ماقيل : إن الآية نزلت في الصلح وهو قول ابن عباس والحسن والضحاك ومجاهد وهو موافق للام فإن لفظ ( عفا ) إذا استعمل باللام كان معناه البدل أي فمن أعطى من جهة أخيه في الدين المقتول شيئا من المال بطريق الصلح عن مجاملة وحسن معاملة
ولأن القصاص حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا فكذا تعويضا لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل فيجوز بالتراضي والقليل والكثيرفيه سواء لأنه ليس فيه نص مقدر فيفوض إلى اصطلاحهما كالخلع وغيره وإن لم يذكروا خالا ولا مؤجلا فهو حال لأنه مال واجب بالعقد والأصل في أمثاله الحلول مثل المهر والثمن بخلاف الدية لانها ما وجبت بالعقد
المالكية قالوا : يجوز صلح الجاني مع ولي الدم في القتل العمد ومع المجني عليه في الجرح العمد بأقل من الدية أو أكثر منها حالا ومؤجلا بذهب أو فضة أو عرض
عفو احد الشركاء في الدم
الحنفية قالوا : إذا عفا احد الشركاء في الجم أو صالح عن حقه على عوض سقط حق الباقين في القصاصن وكان لهم نصيبهم من الدية لان الدية متجزئة لكونها من قبيل الأموال في الجملة بالاتفاق فيجب أن يكونا للجميع حتى للزوجين لأن وجوبهما اولا للميت ثم يثبت للورثة . ولا يقع للميت إلا بأن يسند الوجوب إلى سببه وهو الجرح فكانا كسائر الأموال في ثبوتهما قبل الموت ألا ترى أنه إذا أوصى بثلث ماله دخلت دينه فهيا وتعضى منه ديونه وكان الإمام على رضي الله عنه يقسم الدية على من أحرز الميراثن وكفى به قدوة وإذا ثبت ذلك فكل من الورثة يتمكن من الاستيفاء والعفو والزوجية تبقى بعد الموت حكما في حق الإرث أو يثبت للورثة بعد الموت مستندا إلى سببه وهو الجرح وإذا سقط القصاص ينقلب نصيب الباقين مالا لأنه امتنع بمعنى راجع إلى القاتل وليس للعافي شيء من المال لأنه أسقط حقه بفعله ورضاه
الشافعية والمالكية - قالوا : إنه لا حظ للزوجين في القصاص والدية ولاحق لهما فيهما وذلك لأن الوراثة فيما يجب بعد الموت خلافة وهي فيه بالنسب لا السبب لانقطاعه بعد الموت . والزوجية تنقطع بالموت ولأن المالكية يقولون : لاحظ للنساء في القصاص والدية معا
والشافعية يقولون : لاحظ للناء في استيفاء القصاص ولهن حق العفو فقط اه
إذا اقتص من الجاني فمات
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : لو اقتص المجني عليه من الجاني بالعطع مثلا فمات من أثر القصاص بسبب السراية من العضو المقطوع فلا شيء على المجني عليه لأنه استوفى حقه وهو القطع ولا يمكن التقيد بوصف السلامة لما فيه من سد باب القصاص إذ الاحتراس عن السراية ليس في وسعه فصار كالإمام والبزاغ والحجام والمأمور قطع اليج ولقوله تعالى : { ولمن انتصر بعد ظلمه }
الحنفية قالوا : إذا اقتص المجني عليه من الجاني فسرى القطع إلى الجسد ومات بسببه تجب الدية للورثة على عاقلة المقتص له لأنه قتل بغير حق لأن حقه القطع وهذا وقط قتلا ولهذا لو وقع ظلما لكان قتلا ووجب فيه القصاص ولأنه جرح أفضى إلى فوات الحياة في مجرى العادة وهو مسمى القتل إلا أن القصاص سقط للشبهةن فوجب المال بخلاف الإمام وغيرهن لأنه ملكف فيها بالفعل إما تقلدا كالإمام أو عقدا كما في غيره منها . فالقاضي إذا تقلد القضاء يجب عليه أن يحكم فإذا قطع يد السارق فمات من ذلك فإنه لا شيء عليه والواجبات لا تتقيد بوصف السلامة كالرمي إلى الحربي وفيما نحن فيه من الاستيفاء لا وجوب ولا التزام إذ هو مندوب إلى العفو فيكون من باب الإطلاق والإباحة قال تعالى : { وإن تعفوا اقرب للتقوى } ولو رمى صيدا فأصاب إنسانا ضمن كذا هذا
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.75 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.55%)]