عرض مشاركة واحدة
  #320  
قديم 04-01-2023, 09:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,213
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 132 الى صـــــــــ135

الحلقة (274)



مبحث تأخير القصاص للولد الصغير
الحنفية والمالكية قالوا : من قتل وله أولياء صغار وكبار فللكبار أن يقتلوا القاتل . ولا ينتظرون حتى يدرك الصغار لأن القصاص حق لا يتجزأ لثبوته بسبب لا يتجزأ وهو القرابة يثبت لكل واحد كملا كالولاية في النكاح . ولثبوت التفرقة بين الصغار والكبار الغيب من حيث احتمال العفو في الحال وعدمه فإن العفو من الغائب موهوم حال استيفاء القصاص لجواز أن يكون الغائب عفا عن حقه في القصاص والحاضر لا يشعر به فلو استوفى كان استيفاء مع الشبهة وهو لا يجوز وأما العفو في الصغير فميئوس منه حال استيفاء القصاص لأنه ليس من أهل العفو وإنما يتوهم العفو منه بعد بلوغه سن الرشد والشبهة في المال لا تعتبر لأن ذلك يؤدي إلى سد باب القصاص لاحتمال أن يقدم ولي المقتول على قتله وكذلك إذا كان احد الاولياء مجنونا يجب على القاضي تعجل القصاص ولا ينتظر شفاءه من الجنون المطبع وهو الذي لا يفيق
الشافعية والحنابلة في أظهر روايتهم والصاحبان من الحنفية قالوا : إذا كان أولياء الدم فيهم صغار وكبار فليس للكبار تعجيل القصاص بل ينتظر ويحبس القاتل ولا يخلى سبيله بكفيل حتى يدرك الصغار ويبرأ المجنون منهم فيكون له الخيار بين القصاص وأخذ الديةن أو العفو عن الجاني أو الصلح على مال . ذلك لأن القصاص مشترك بينهم ولا يمكن استيفاء البعض لعدم التجزي وفي استيفائهم الكل إبطال حق الصغير والمجنون فيجب أن يؤخر القصاص إلى ادراكه أو يفيق المجنون كما إذا كان بين الكبيرينن وكان أحدهما غائبا أو كان بين الموليين وليتفقوا على مستوف وإلا فقرعة يدخلها العاجز وهذا الخلاف إذا لم يكن في الورثة اب للقتيل أما إذا كان فيهم الب فلهم الاستيفاء بالاتفاق ولا ينتظرون حتى يدرك الصغار لأن الأب له الولاية على النفس
ولو سبق أحدهم فقتله فالأظهر لا قصاص وللباقين قسط الدية في تركته وقيل : من المستوفى وإن بادر بعد عفو غيره لزمه القصاص وقيل : لا
استيفاء الأب لولده الصغير
الحنفية والمالكية قالوا : إذا قتل ولي الصغيرن أو المعتةه فللأب وهو حد المقتول استيفاء القصاص من القاتل نيابة عن المعتوه والصغير لأنه من الولاية على النفس لأن القصاص شرع للتشفين وللأب شفقة كاملة فيعد ضرر الولد ضرر نفسه فجعل ما يحصل له من التشفي كالحاصل للابن فالأب يلي القصاص كما يلي الإنكاح سواء كان شريكه أم لا وللأب أن يصالح لأنه أنظر في حق المعتوه والصغير وليس له أن ينقص عن قدر الدية فإن نقص المال المصالح عليه عن عدر الدية يجب كمال الدية وليس له أن يعفو عن القاتل بغير مال لأن فيه إبطال حقهن وكذلك إن قطعت يد المعتوه عمدا أو يد الصغير فللأب أن يستوفي القصاص
قتل الوالد بولده
الحنفية والشافعية والحنابلة - قالوا : لا يقتل الرجل بابنه لقول صلى الله عليه و سلم : ( لا يقاد الوالد بولده ) وهو حديث مشهور تلقته الأمة بالقبول فيصلح مخصصا لعموم الآية الدالة على وجب القصاص في القتلى وذلك مثل إخراج قتل المولى عبده أو عبد ولده ولأن عمر قضى بالدية في قاتل ابنه ولم ينكر عليه أحد
ولأن الأب لإحياء الولد فمن المحال أن يستحق له إفناؤه ولهذا لا يجوز له قتله وإن وجده في صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن ويجب على الأب الدية للورثة ويحرم منها
المالكية قالوا : لا يقاد الأب بالابن إلا أن يضجعه ويذبحه أو يحبسه حتى يموت مما لا عذر له فيه ولا شبهة فإن حذفه بالسيف أو بالعصا أو بالحجر الكبير غير قاصد لقلته فلا يقتل فيه والجد في ذلك عندهم مثل الأب وحجتهم في ذلك عموم القصاص بين المسلمين لا فرق بين الأب وغيره وقاسوه على الرجل إذا زنا بابنته وهو محصن فإنه يرجم بالاتفاق ولأن الآية في القصاص عممتن فلا تخصص بخبر الآحاد فإذا ثبت العمد وجب عليه القصاص ومن ورث قصاصا على أبيه سقط لحرمة الأبوة اه
مبحث شبه العمد
الحنفية قالوا : القتل على خمسة اوجه عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطأ والقتل بسبب فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح كالمحدد من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار
وشبه العمد : أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري محرى السلاح سواء كان الهلاك به غالبا كالحجر والعصا الكبيرين ومدقة القصار أو لم يكن كالسوط والعصا الصغير وذلك لقوله صلى الله عليه و سلم : ( ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا ) رواه النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه ووجه الاستدلال به أنه عليه الصلاة و السلام جعل قتيل السوط والعصا مطلقا شبه عمد فتخصصه بالصغيرة إبطال للإطلاق وهو غير جائز
ولأن العصا الكبيرة والصغيرة تساويا في كونهما غير موضوعتين للقتل ولا مستعملتين له غالبا إذ لا يمكن الاستعمال على غرة من المقصود قتله وبالاستعمال على غرة يحصل القتل غالباص وإذا تساويا والقتل بالعصا الصغيرة شبه عمد بالاتفاق فكذا الكبيرة فقصرت العمدية نظرا إلى الألة فكان شبه عمد
الشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية - قالوا : شبه العمد هو أن يتعمد الضرب بما لا يحصل الهلاك به غالبا كالعصا الصغيرة إذا لم يوال في الضربات أما إذا والى فيها فهو عمد وقيل : شبه عمد وسمي هذا النوع شبه عمد لاقتصار معنى العمد فيه وإلا لكان عمدا واقتصاره إنما يتصور في استعمال آلة لا يقتل بها غالبا كالعصا الصغيرة فإن القصد باستعمالها غير القتل كالتأديب ونحوه فتجب الدية لا القصاص أما إذا استعمل آلة يقتل بها كالضرب بحجر عظيم أو حشبة عظيمة أو مدق القصار أو نحوه فإنه لا يقصد باستعمال هذه الأشياء إلا القتل كالحديدة والسيف فكان قتلا عمدا موجبا للقود قالوا : وقد واققنا أو حنيفة بأن القتل بالعمود الحديد موجب للقود
وموجب شبه العمد على القولين الإثم لأنه قتل وهو قاصد الضرب والكفارة لأنه خطأ نظرا إلى أن الآلة تدخل تحت قوله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } الآية ولأنه شبيه بالخطأ ويجب فيه الدية مغلظة على العاقلة . وهي مائة من الإبلن اربعون منها في بطونها أولادها وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقد روي عنه أنه قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين ووافقه الصحابة من غير نكير من واحد منهم فكان كالمروي عن الرسول صلى الله عليه و سلم لأنه مما لا يعرف بالرأي ويتعلق به حرمان الميراث لأنه جزاء القتل والشبهة تؤثر في إسقاط القصاص دون حرمان الميراث فقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط أو العصا فيه مائة من الإبل منها اربعون في بطونها أولادها ) رواه الخمسة
وروى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولايقتل صاحبه وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس فتكون جماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح )
المالكية قالوا : إن الضرب بالعصا والحجر الصغيرين عمد فإنهم قالوا : إننا لانعرف ماهو قتل شبه العمد وإنما القتل عندهم نوعان فقط عمد وخطأ ما وقع بسبب من السباب أو من غير مكلف . أو غير قاصد للمقتول أو القتل بما مثله لا يقتل في العادة به كالسوط . وهذا لا قود فيه وإنما تجب فيه الدية وقتل العمد ما سواه : إذ لا واسطة بين العمد والخطأ في سائر الأفعال فكذا في هذا الفعل وشبه الخطأ أن يتعمد القتل ويخطىء القصد أو يضربه بسوط لا يقتل مثله غالبا أو يلكزه بيده أو يلطمه لطما بليغا فيجب القصاص في كل ذلك فإن تعمد الجاني الضرب بقضيب أو سوط لا يقتل به غالبا أو مثقل كحجر أو خنق ومنع من طعام حتى ماب أو منع من شرب محتى مات فالقود أن قصد بذلك موته فإن قصد مجرد التعذيب فالدية
الشافعية قالوا : الفعل المزحق ثلاثة : عمد وخطأ وشبه عمد ولا قصاص إلا في العمد وهو قصد مالفعل والشخص بما يقتل غالبا جارح أو مثقل
فالأول وهو الواجب : قتل المرتد إذا لم يتب والحربي إذا لم يسلم أو يعط الدية
والثاني وهو الحرام : قتل المعصوم بغير حق
والثالث وهو المكروه : قتل الغازي قريبه الكافر إذا لم يسب الله أو رسول صلى الله عليه و سلم
والرابع وهو المندوب : قتل الغازي قريبه الكافر إذا حدث منه سب لله أو الرسول صلى الله عليه و سلم
والخامس وهو المباح : قتل الإمام الأسير وهو مخير فيه

وأما قتل الخطأ فلا يوصف بحرام ولا حلال لأنه غير مكلف فيما أخطأ فهو كفعل المجنون والبهيمة فإن فقد قصد أحدهما بأن وقع عليه فمات أو رمى شجرة فأصابه فخطأ وإن قصدهما بما لا يقتل غالبا فشبه عمد ومنه الضرب بسوط أو عصا فلو غرز إبرة بمقتل فعمد ولو غرز فيما لا يؤلم كجلدة عقب فلا شيء بحال ولو حبسه ومنعه الطعان والشراب والطلب حتى مات فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا فعمد وإلا فإن لم يكن به جوع وعطش سابق فشبه عمد وإن كان به بعض جوع أو عطش وعلم الحابس الحال وكانت مدة حبسه بحيث لو أضيفت لمدة جوعه أو عطشه السابق بلغت المدة القاتلة فعمد لظهور الإهلاك من الرجل الحابس وأما إذا لم يبلغ مجموع المدنين ذلك فهو كما لو لم يكن به شيء سابق وإن لم يعلم الحال فهو شبه العمد
مبحث القال بمثقل والإغراق أو الإحراق بالنار
المالكية قالوا : إن حبس شخص آخر ومنعه الطعام أو الشراب حتى مات بسبب ذلك أو خنقه بيده فيجب عليه القود في كل ذلك إن قصد بذلك موتهن أو علم أنه يموت من ذلك
ومن سقى غيره سما في طعام أو شراب فمات فعليه القود فقد وري عنهم أن منع فضل مائه مسافراص عالما بأنه لا يحل له منعه وأنه يموت إن لم سقه قتل به وإن لم يل قتله بيده ومن ضرب غيره بمثقل كحجر إن نفذ الضارب مقتله أو لم ينفذه ممات مغمورا مما ذكر بأن ضربه فرفع مغمورا من الضربن أو الجرح حتى مات فيقتص منه بلا قسامة كما لو رفع ميتا مما ذكر فإن لم ينقذ له مقتل وأفاق بعد الضرب أو الجرح ثم مات لمقتص إلا بالقسامة وكذلك من طرح معصوما غمر محسن للعوم في نهرن لعداوة أو غيرها أو طرح من يحسن العوم عداوة فغرق في الحالين يجب القصاص وإلا لم يكن لعداوة والدية في اللعب
ومن تسبب في الإتلاف كحفر بئر بأن حفرها ببينة فوقع فيها المقصود أو وضع شيئا مزلقا أو اتخذ كلبا عقورا لمعين وهلك المقصود بالبئر وما بعده فيجب القود من المتسبب وإن هلك غير المقصود أو قصد مطلق الضرر فهلك بها إنسان فتجب الدية في الحر المعصوم والقيمة في غيره وإن لم يقصد ضررا بالحفر وما بعده فلا شيء عليه ويكون هدرا وتقديم مسموم لمعصوم عالما بأنه مسموم فتناوله غير عالم فمات يجب القصاص فإن تناوله عالما بسمه فهو القاتل لنفسهن وإن لم يعلم المقدم فهو من الخطأ ومن رمى على غيره حية وهي حية فمات وإن لم تلدغه فمات من الخوف فعليه القود وإن كانت ميتة فتجب الدية وكذا إن كان شأنها عدم اللدغ لصغرها فإن كان على وجه اللعب فالديةن وإن كان على وجه العداوة فالقود
ومن أشار على غيره بسلاح كسيف ومدفع وبندقة وخنجر فهرب المشار إليه خوفا منه وطلبه المشير في هروبه لعداوة بينهما فمات بلا سقوط فيجب القود بلا قسامة وإن لم يضربه بالقتل وإن سقط حال هروبه فبقسامة لا حتمال موته من سقوطه واشارته فقط بلا عداوة ولا هرب يكون خطأ فتجب الدية مخمسة على العاقلة وكذا إن هرب ولا عداوة ومات فدية خطأ
الشافعية والحنابلة قالوا : يجب القصاص بالسبب فلو شهدا بقصاص فقتل ثم رجعا وقالا : تعمدنا الكذب فيها وعلمنا أنه يقتل أو يقطع بشهادتنا لزمهما حينئذ القصاص لآنهما تسبببا في إهلاكه بما قتل غالبا فأشبه ذلك الإكراه الحسي إلا أن يعترف الولي بعلمه بكذبهما فلا قصاص عليهما
لأنهما لم يلجأ إلى قتله حسا ولا شرعا فصار قولهم شرطا محصنا فيجب على الولي القصاص أما لو قال الولي عرفت كذبهما بعد القتل فلا يسقط القصاص عنهما
ولو ضيف بمسموم يقتل غالبا أو ناوله صبيا غير مميز أو مجنونا فأكله فمات منه وجب القصاص عليه أو ضيف به بالغا عاقلا ولم يعلم الضيف بالسم حال الطعام فدية ولا قصاص لأنه تناوله باختياره من غير إلجاء وقيل : يجب القصاص . واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه و سلم امر بقتل المرأة اليهودية التي سمت له الشاة بخيبر فمات منها بشر بن وائل بن معرور أما إذا علم الضيف حال الطعام فلا شيء على المضيف قطعا لأنه المهلك نفسه ولا يجب على المجني عليه معالجة الجناية بما يدفعها فلو ترك المجروح علاج جرح مهلك له فمات منه وجب القصاص جزمما على الجارح لأن البرء غير موثوق به لو عولج والجراحة في نفسها مهلكة ولو ألقاه في ماء لا يعد مغرقا كمنبسط فمكث فيه مضطجعا حتى هلك فهدر أو ماء مغرق لا يخلص منه إلا بسباحة فإن لم يحسنها أو كان مكتوفا أو زمنا تعمد وإن أمكنه التخلص بسباحة مثلا ولكن منع منها عارض كريح وموج فهلك بسبب ذلك فشبه عمد تجب دينه وإن أمكنه التخلص بسباحة مثلا ولكن منع منها عارض كريح وموج فهلك بسبب ذلك فشبه عمد تجب دينه وإن أمكنه التخلص من الغرق فتركها فلا دية في الأظهر
وإن ألقاه في نار يمكن معها الخلاص منها فمكث فيها حتى مات ففي الدية قولان وقيل : تجب الدية في الإلقاء في النار بخلاف الماء لأن النار تحرق بأول ملاقاتها وتؤثر قروحا قاتلة بخلاف الماء ولو حفر بئرا فرداه فيها آخر والتردية تقتل غالبا أو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر فقده فالقصاص على القاتل في الأول والمردي في الثاني والقاد في الثالث ولو ألقاه في ماء مغرف لا يمكنه الخلاص منه كلجة البحر فالتقمه حوت وجب القصاص في الأظهر لأنه هلك بسببه ولا نظر إلى جهة الهلاك كما لو ألقاه في بئر مهلكة في أسفلها سكين لم يعلم بها الملقي فهلك بها
قالوا : ومحل الخلاف ما لم يرفع الحوت رأسه ويلقمه وإلا وجب القصاص قطعا ومحله أيضا إذا كان لا يعلم بالحوت الذي في اللجة فإن علم به وجب القود قطعا . كما لو ألقاه على أسد في ريببته أو أما قطار سريق
أما إذا ألقاه في ماء غير مغرق فالتقمه حوت وهو لا يعلم به الملقي فلا قصا قطعا لأنه لم يقصد إهلالكه ولم يشعر بسبب الإهلاك كما لو دفعه دفعا خفيفا فوقع على سكين فمات ولم يعلم بها الدافع فتجب في الحالتين دية شبه العمد وإن شهر المجنون سلاحا على غيره فقتله ذلك الغير فلا ضمان عليه لانع قتله دفاعا عن نفسه وكذلك لو شهر الصبي سلاحا على غيره فقتله فلا ضمان لأنه يصير محمولا على قتله بفعله فأشبه المكره وكذلك فعل الدابة لو هجمت على لإنسان فقتلها فلا ضمان لأنه دفاع عن النفس
الحنفية قالوا : من شهر على رجل سلاحا ليلا أو نهارا أو شهر عليه عصا في المصر ليلا أو شهر عليه عصا نهارا في طريق غير المصر فتله المشهور عليه عمدا وكان الشاهر عاقلا مكلفا فلا شيء عليهن لقوله عليه الصلاة و السلام ( من شهر على المسلمين سيفا فقد أطل دمه ) ولأنه يعد في نظر الشرع باغ فتسقط عصمته ببغيه ولأنه تعين طريقا لدفع القتل عن نفسهن فجاز له قتله لدفع الشر عن نفسه وجعف الشر مباح أو واجب ولأن السراح لا يلبث فيحتاج إلى دفعه بالقتل والعصا الصغيرة وإن كانت تلبث وكن في الليل لا يلحقه الغوث فيضطر إلى جفعه بالقتل وكذلك في النهار في غير المصرن في طريق لا يلحقه الغوث وفي الصحراء فإذا قتله كان دمه هدرا ولا ضمان على قاتله
وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا فعليه الدية في مالهن لأنه قتل شخصا معصوما أو أتلف مالا معصوما حقا للمالك وفعل الدابة لا يصلح مسقطا وكذا فعلهما وإن كانت عصمتهما حقهما لعدم اختيار صحيح ولهذا لا يجب القصاص لتحقق الفعل منهما بخلاف البالغ العاقل لأن له أختيارا صحيحا وإنما لا يجب القصاص مع القتل العمد بسلاح لوجود المبيحن وهو دفع الشر عن نفسه فتجب الجية حتى لا يهدر دم المسلم المعصوم
ومن شهر على غيره سلاحا في المصر فضربه ثم قتله الآخر فعلى القاتل القصاص لأنه ضربه فانصرف عنه لأنه خرج من أن يكون محاربا بالانصراف فعادت عصمته إليه ومن دخل عليه غيره ليلا واخرج السرقة فاتبعه صاحب الدار وقتله ليخلص المتاع فلا شيء عليه ودمه هدر لقول صلى الله عليه و سلم : ( قاتل دون مالك ) ولأنه يباح له القتل دفاعا للابتداء فكذا استردادا في الانتهاء وذلك إذا كان لا يتمكن من استرداد ماله إلا بالقتل
ومن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع حجرا فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته وإن تلف به بهيمة فضمانه في مالهن لأنه متعد فيه فيضمن ما يتولد منه غير أن العاقلة تتحمل النفس دون المال فكان ضمان البهيمة في ماله خاصة وإلقاء التراب واتخاذ الطين في الطريق بمنزلة إلقاء الحجر والخشبة
وإذا كنس الطريق أو رشها فعطب احد بموضع كنسه أو رشه لا ضمان عليه لأنه ليس بمتعد فإنه ما أحدث شيئا فيه وإنما قصد رفع الأذى عن الطريقن حتى لو جمع الكناسة في الطريق وتعلق بها إنسان فإنه يضمن دينه لتعديه بشغله الطريق بالكناسة
ولو وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فالضمان على لاذي نحاه لأن حكم فعله قد انتسخ والبالوعة يحفرها الرجل في الطريق فإن امره السلطان بذلك أو آخرجه عليه لم يضمن ما تلف به لأنه غير متعد حيث فعل ذلك بأمر من له الولاية في حقوق العامة . وإن كان حفر البالوعة أو رفع غطاءها بغير امره فهو متعد فيضم ما تلف به إما بالتصرف في حق غيره أو بالافتيات على رأي الإمام أو هو مباح مقيد بشرط السلامة وكذا كل ما فعل في طريق العامة وإذا فر البئر في ملكه فلا يضمن لأنه غير متعد وكذا إذا حفرها في فناء جارهن لأن له ذلك لمصلحة داره والفناء في تصرفه ولو حفرها في الطريق ومات الواقع فيها جوعا أو غما لا ضمان على الحافر لأنه مات لمعنى في نفسه فلا يضاف إلى الحفر والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع
وقال أبو يوسف رحمه الله : إن مات جوعا فكذلك وإن ماتغما فاحافر ضامن له لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع أما الجوع فلا يختص بالبئر
وقال محمد : هو ضامن في الوجوه كلها لأنه إنما حدث بسبب الوقوع إذ لولاه لكان الطعام قريبا منه وإن استأجر أجراء فحفروها له في غير ملكه فذلك على المستأجر فقط وإن علموا ذلك فالضمان على الاجراء لأنه لا يصح امره بما ليس بمملوك له ولا غرس
قالوا : ومن غرق صبيا أو بالغا في البحر فلا قصاص عليه لقول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( إلا أن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا ) وفيه وفي كل خطأ أرش ولأن الآلة غير مستعملة في القتل ولا معدة له لتعذر استعماله فتمكنت شبهة عدم العمدية ولأن القصاص ينبىء عن المماثلة ومنه يقال : اقتص أثره
أما إذا بالنار حتى مات فيجب فيه القصاص بالسيف وكذلك الضرب بحديدة مدببة أو خشبة محددة : أو حجر محدد فإنه يجب فيه القصاص بالسيف لأنه عمد
قالوا : من شج نفسه وشجه رجل وعقره أسد وأصابته حية فمات من ذلك كله فإنه يجب على الجنبي ثاث الدية لأن فعل الأسد والحية جنس واحد لكونه هدر في الدنيا والآخرة وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتر في الآخرة حتى يأثم عليه فعند أبي حنيفة ومحمد يغسل ويصلى عليه وعند أبي يوسف يغسل ولا يصلى عليه لأنه تعدى على نفسه بشجها وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة فصارت ثلاثة أجناس فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال فيكون الثالث بفعل كل واحد ثلثه فيجب عليه ثلث الدية
مبحث من مات متاثرا بجراحه
اتفق الأئمة : على أن من جرح رجلا عمدا فلم يزل صاحب الجرح ملازما لفراشه حتى مات من أثر الجراح فإنه يجب عليه القصاص لوجود السبب وهو سفك دم محقون على التأبيد عمدا وعدم وجود ما يبطل حكمه من عفو أو شبهة تدرأه فأضيف إليه
واتفقوا : على أنه إذا تكافأت الدماء أن ينفذ القصاص في القتل العمد فيقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى والرجل بالرجل والذمي بالذمي والمستأمن بالمستأمن
ولوقوله تعالى : { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } فقد جاءت الآية الكريمة مبينة لحكم النوع إذا قتل نوعه ولم تتعرض لاحد النوعين إذا قبل الآخر فالآية محكمة وفيها إجمال بينه قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس }
وبينه النبي صلى الله عليه و سلم حين قتل الرجل اليهودي بالمراة في المدينة وحين أمر بقتل المرأة اليهودية التي وضعت السم في الطعام في غزوة خيبر فمات بسببه صحابي من أصحابه رضوان الله عليهم


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]