
04-01-2023, 09:45 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة :
|
|
رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله
الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب القصاص]
صـــــ 144 الى صـــــــــ149
الحلقة (277)
مبحث إذا قطع رجلان يد رجل واحد
الحنفية قالوا : إذا قطع رجلان يد رجل واحد عمدا فلا يجب القصاص على واحد منهما بل يجب عليهما نصف الديةن لأن تعدد الجاني في الطراف ليس كتعدده في النفس عنهدهم فإذا قطعا يدا لرجل أو امرأة حر أو عبدا فلا قصاص اصلا لأن كلا منهما قاطع بعض اليد سواء كان المحل متحدا أو متخلفا لأن من انقطع يفعل أحدهما لم ينقطع بفعل الآخر وقاطع بعض اليد لا يقطع كل يده قصاصا لانتفاء المماثلة وهذا لأن المحل متجزىء فإن قطع بعض وترك بعض متصور ومعقول فلا يمكن أن يجعل كل واحد فاعلا فعلا كاملا بخلاف النفس فإن الانزهاق لا يتجزأ وقد مر ذلك في موضعه ويجب عليهما نصف الدية مناصفة لأنه دية اليد الواحدة ثما قطعاها عمدا
المالكية قالوا : إذا تعدد مباشر على ما دون النفس بلا تمالؤ منهم عليه وتميزت الجراحات وعلم فعل كل واحد منهم فيجب أن يقتص من كلو واحد منهم ما فعل حسب المساحة التي قطعها ولا ينظر لتفاوت العضو بالرقة والغلظ والطول والقصر
فإن تمالؤوا اقتص من كل واحد منهم بقدر الجميع تميزت الجراحات أم لا قياسا على قتل النفس من أن الجميع عند التمالؤ يقتلون بالواحد وأما إذا لم تتميز الجراحات عند عدم التمالؤ فهل يلزمهم دية الجميع ولا قصاص أو يقتصر من كل بقدر الجميع ؟ فإذا كانوا ثلاثة خلع احدهم عينه وقطع الثاني يدهن وقطع الثالث رجله ولم يعلم من الذي فقأ العين ومن قطع الرجل ومن الذي قطع اليد والحال أنه لا تمالؤ بينهم اقتص من كل بفقء عينه وقطع يده ورجله وفيه نظر إذا لم يقع من كل واحد وإلا ظهر من المذهب هو الأول
الشافعية والحنابلة قالوا : يشترط لقصاص الطرف والجرح ما شرط للنفس من كون الجاني مكلفا ملتزما وكونه غير أصل للمجني عليه ومون المجني عليه معصوما ومكافئا للجانين ولا يشترط التساوي في البدل كما لا يشترط في قصاص النفس فيقطع العبد بالعبد والمرأة بالرجلن وبالعكس والذمي بالمسلم والعبد بالحر ولا عكس ويشترط كون الجناية عمدا عدوانا لأنه لا قصاص إلا في العمد لا في الخطأ وشبه العمد ومن صور الخطأ في الأطرافن أن يقصد أن يصيب حائطا بحجر فيصيب رأس إنسان فيوضحه ومن صور شبه العمد أن يضرب رأسه بطلمة أو بحجر لا يشج غالبا لصغره فيتورم الموضه إلى أن يتضح العظم وغير ذلك من أنواع الجنايات وتقطع الأيدي الكثيرة باليد الواحدة كما لو اشترك جمع في قطع كأن وضعوا سيفا على يده وتحاملوا عليه دفعة واحدة حتى قطعت اليد وجب عليهم القصاص فيقطعوا جميعا إن تعمدوا القطع كما في النفس
فإن قيل : سرق رجلان نصابا واحدا لم يقطعا فهلا كان هنا كذلك ؟
أجيب بأن القطع في السرقة حق الله تعالى والحدود بالمساهلات أحق بخلاف القصاص الذي هو حق العبد لقصد الزجر وحرمة دم الآدمي
وإذا تميز فعل بعضهم عن بعض كأن قطع كل منهم من جانب والتقت الحديدتان فإنه لا يجب القصاص على واحد منهما لأن كلا منهما لم يقطع إلا بعض اليد فلا يقطع به كل يده فتجب عليها نصف الدية
وإذا قطع كل منهم بعض الطرف أو تعاونوا على قطعه بمنشار مثلا جره بعضهم في الذهاب وبعضهم في العود قال الجمهور : لا يجب القصاص على أحد منهم لتعذر المماثلة لا شتمال المحل على اعصاب ملتفة وعروق ضارية وساكنة مع اختلاف وضعها في الأعضاء فيجب على كل واحد منهم حكومة تليق بجنايته بحيث يبلغ مجموع الحكومات دية اليد
مبحث من اعتدى على رجلين
الحنفية قالوا : إذا قطع واحد يميني رجلين فحضرا فلهما أن يقطعا يده ويأخذا منه نصف الدية بقسمانه نصفينن سواء قطعهما معا أو على التعاقب لانهما استويا في سبب الاستحقاق فيستويان في حكمه كالغريمين في التركة والقصاص ملك الفعل يثبت مع المنافي فلا يظهر إلا في حق الاستيفاء أما المحل فخلو عنه فلا يمنع ثبوت الثاني بخلاف الرهن لأن الحق ثابت في المحل فصار كما إذا قطع العبد يمينيهما على العاقب فتستحق رقبو لهما وإذا حضر واحد منهما فقطع يده فلآخر عليه نصف الديةن لأن للحاضر أن يستوفي لثبوت حقه وتردد حق الغائب وإذا استوفي لم يبق محل الاستيفاء فيتعين حق الآخر في الديةن لأنه اوفى به حقا مستحقا يقضى فإذا قضى طرفه حقا مستحقا عليه فيقضى للآخر بالأرش
أما لو قطع يمين أحدهما ويسار الآخر قطعت يداه ولا يقال : تنتفي المماثلة حينئذ لأنه ما فوت على كل واحد منهما جنس المنفعة وهما فوتاه عليه لأن المعتبرفي حق كل واحد ما استوفاه وليس في ذلك تفويت جنس المنفعة ولا زيادة على حقه
قالوا : وإن طلبا القصاص معا قطع لهما ولا دية وإن طلب أحدهما القصاص والثاني الدية قطع لمن طلب القصاص وأخذت الدية للآخر . اه
المالكية قالوا : من اعتدى على شخصين فعطع يمينيهما معا أو متعاقبان فإنه يجب عليه أن تقطع يمينه لهما ولا دية عليه بعد ذلك لا ستحالة الاستيفاء منه لانعدام المماثلة
الشافعية والحنابلة قالوا : إذا قطع رجل واحد يميني رجلين على التعاقب فإنه يجب عليه أن تقطع يمينه قصاصا للأول والدية للثاني وإذا قطعهما معا مقترنين يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة قطع به لأن اليد استحقها الأول فلا يثبت الاستحقاق فيها للثاني كالرهن بعد الرهن وفي القرآن اليد الواحدة لا تفي بالحقين فترجح بالقرعة ويغرم الدية للثاني حتى لا يضيع عليه حقه كما في النفس عمدا وكذا إذا اشتبه الأمر
إذا أمسك رجل رجلا فقتله الآخر
الحنفية قالوا : لو أمسك رجل برجل فقتله آخر فإنه يجب القصاص على القاتل دون الممسك لأنه هو الذي باشر القتل والممسك لم يباشره فلا قصاص عليه بل يجب عليه التعزير فيحبسه الإمام في السجن حتى يموت فقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك ) رواه الدار قطني . الشافعية قالوا : لو أمسك إنسان رجلا وقتله رجل آخر غيره فإنه يجب القصاص على القاتل لأنه مباشر للفعل ويعزر الذي أمسك القتيل حسب ما يراه الحاكم في طول المدة وقصرها لأن الغرض تأديبه وليس بمقصود استمراره للموت واشترطوا في المسألة أن يكون القاتل مكلفا فلو أمسكه رجل وعرضه لمجنون أو سبع ضار فافترسه فالقصاص على الممسك قطعا في الصورتين ولو وضع صغيرا على هدف بعد الرمي لا قبله فاصابه السهم من الرامي لأنه المباشر للقتل ويجب القصاص على من أردى آخر في البئر فمات دون الحافر لأن حفره لا أثر له مع المباشر
وقد روي عن الإمام علي كرم الله وجهه ( أنه قضى في رجل قتل رجلا متعمدا وأمسكه آخر ) قال : ( يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت ) رواه الإمام الشافعي رحمه الله
المالكية قالوا : إذا أمسك رجلا وكان يقصد قتله فقتله آخر ولولا الامساك ما قدر القاتل على قتله فيجب القود عليهما معا الممسك لتسببه والقاتل لمباشرته القتل بنفسه وهي أن يمسكه لاجل القتل وأن يعلم أن الطالب قاصد قتله وأن يكون لولا إمساكه ما أدركه القاتل فإن أمسكه لاجل أن يضربه ضربا معتادا أو كان لم يعلم أنه يقصد قتله أو كان قتله لا يتوقف على امساك له قتل المباشر وحده وهو القاتل فعلا وضرب الممسك مائة سوط وحبس سنة كاملة تأديبا له وتعزيرا
الحنابلة قالوا : في احدى روايتهم : يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت في جميع الأحوال وفي الرواية الأخرى قالوا : إنهما يقتلان جميعا على الاطلاق القاتل لمباشرته القتل بنفسه والممسك لأنه السبب في القتل إذ لولا الامساك لما حصل القتل
مبحث عفو المقتول خطأ عن الدية
المالكية والحنفية والشافعية وجمهور فقهاء الأمصار - قالوا : إن عفو المقتول عن ديته ينفذ في الثلث من الدية فقط إلا أن يجيز الورثة هذا العفو فتسقط الدية كلها عن القاتل خطأ لانهم تنازلوا عن حقوقهم في إرث المال وحجتهم في ذلك أن المقتول واهب مالا له بعد موته لأن الدية لا تجب إلا بعد ازهاق الروح فتنقل الو الورثة فلا يجوز العفو إلا في الثلث وأصله حكم الوصية وهي لاتنفذ إلا في ثلث المال كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه و سلم فقال : ( الثلث والثلث كثير )
وقال الحسن وطاوس وجماعة من الفقهاء : يجوز أن يعفو القاتل عن الدية في قتل الخطأ وتسقط عن القاتل وحجتهم في ذلك أن المقتول إذا كان له أن يعفو عن الدم فهو أحرى أن يعفو عن المال والدية يستحقها المقتول أولا ثم تنتقل من بعده إلى الورثة
المالكية قالوا : لو حصل عفو من كبير معه صغير فليس للصغير إلا نصيبه من الدية ولا يسري عقو الكبير عليه فلو كان للصغير ولي من أب ونحوه كوصي واستحق الصغير قصاصا بلا مشارك له فعلى وليه النظر بالمصلحة في القتل وأخذ الدية كاملة ويخير إن استوت ولا يجوز له أخذ بعض الدية مع يسر الجاني فإن صالح على أقل من الدية رجع الصغير بعد رشده على القاتل فإن كان الجاني معسرا فله الصلح بأقل من الدية رجع الصغير بعد رشده على القاتل فإن كان الجاني معسرا فله الصلح بأقل أما لو قتل الصغير فلا كلام لوليه لانقطاع نظره بالموت والكلام للعاصب فإن قتل شخص عبد الصبي أو جرحه فالأولى للولي اخذ القيمة والأرش دون القصاصن إذا لانفع للصبي ما لم يخش على الصبي من القاتل وإلا تعين القصاص ومثله السفيه والحكم كذلك في الأطراف اه
مبحث صفة القصاص في النفس
المالكية رحمهم الله تعالى قالوا : يجب أن يقتل القاتل بما قتل به ولو كان المقتول به نارا لقوله تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا ما عوقبتم به } قال المفسرون : إن هذه الآية دليل على جواز التماثل في القصاص فمن قتل بحديدة قتل بها ومن قتل بحجر قتل به ولا يتعدى قدر الواجب ويكون القصاص بالنار مستثنى من النهي عن التعذيب بها على المشهور
قالوا : والمعنى أن الحق في القتل للولي بمثل ما قتل به الجاني وذلك إذا ثبت القتل بالبينة أو الاعتراف أما لو ثبت بقسامة فإنه يقتل بالسيف وكذلك لو ثبت أن القتل بخمر فيتعين قتل الجاني بالسيف وكذا لو أقر بأنه قتله لواطا فلا يقتل بما قتل به بأن يجعل له خشبة في دبره حتى يموت بل يجب أن يقتل بالسيف أما لو ثبت اللواط بأربعة شهود فيكون حده الرجم بالحجارة حتى يموت ولو كان غيرمحصن وكذلك من قتل بالسحر وثبت عليه ذلك بالبينة أو إقرار فيتعين قتله بالسيف ولا يلزم بفعل السحر مع نفسه حتى يموت لأن الأمر بالمعصية معصية
قال بعضهم : أنه إذا أقر يؤمر بفعله لنفسه فا مات وإلا فالسيف وكذلك القتل بالسم يقتل بالسيف في ظاهر المذهب وكذلك إذا قتله بمنعه عن الطعام أو الماء أو قتله بكثرة الأكل والشراب أو نخسه بإبرة حتى مات على الراجح فلا يفعل بالجاني ذلك بل يتعين قتله بالسيف
قالوا : فإن صدر منه القتل بالغرف يفرق وإن صدر منه القتل بالخنق يخنق وإن قتل بحجر فإنه يقتل بضرب حجر ويكون الضرب في موضع خطر حتى يموت بسرعة وإذا قتل آخر بالضرب بعصا فإنه يضرب عصا حتى يموت
قالوا : ويمكن متسحق القصاص من السيف ولو كان الجاني قتل بشيءأخف من السيف لأن الحق له في القتل بمثل ما قتل به المجني عليه فإذا طلب القصاص بالسيف فإنه يجاب إلى طلبه لأن فيه تخفيفا عن القاتل
الشافعية والحنابلة في إحدى روايتهم قالوا : يجب أن يقتص من القاتلن على الصفة التي قتل غيره بها وبآلة تشبه الآلة التي استعملها في مباشرة القتل حت يتحقق القصاص ويشعر بالألم الذي شعر به القتيل إن كان قتله بفعل مشروع فإن مات بهذه الوسيلة التي استعملها وإلا تحز رقبته بالسيف قتلا لأن مبنى القصاص لغة وشرعا على المساواة وذلك فيما ذكرنا لأن فيه مساواة في اصل الوصف والفعل المقصود به فمن قتل غيره تغريقا قتل تغريقا بالماء ومن قتل بضرب حجر قتل بمثل ذلك إلا أن يطول تعذيبه بذلك فيكون السيف له أروح فإن قطع يد رجل فمات بسبب السراية فعل به مثل ذلك ويمهل تلك المدة التي مكثها المقتول فإن مات وإلا تحز رقبته بالسيف وإن كان القتل بشي غير مسموح به شرعا كأن أكرهه على شرب الخمر حتى قتله بها أو لاط بصغيرن فقتله أو اعتدى على صغيرة وزنى بها فقتلها فإنه يجب قتله في هذه الحالة بالسيف لأن المماثلة ممتنعة لتحريم الفعل
وحجتهم في ذلك قول تعالى : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } آية 126 من النحل وقوله تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } آية 194 من البغرة . قال القرطبي : لا خلاف بين العلماء أن هذه الآية أصل في التماثل في القصاص فمن قتل بشيء قتل بمثل ما قتل به وهو قول الجمهور ما لم يقتله بفسق كاللواطة وإسقاء الخمر . وما روي عن انس بن مالك رضي الله تعالى عنه ( أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين فسألوها : من صنع بك هذا ؟ فلان ؟ فلان . حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها فأخذ اليهودي فأقر فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ترض رأسه بين حجرين متفق عليه واللفظ لمسلم
فالحديث دليل على أنه يجب القصاص بالمثقل كالمحدد وأنه يقتل الرجل بالمرأة وأن القاتل يقتل بما قتل به قال تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها }
وبما أخرجه البيهقي من حديث البراء رضي اللهتعالى عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( من غرض غرضنا به ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه ) ومعنى غرض أي اتخذه غرضا للسهام ولأن المقصود من القصاص التشفي وإنما بكمل إذا قتل بمثل ما قتل وحديث النهي عن المثلة محمول على من وجب قتله لا على وجه المكافأة
ويشترط أن تراعى المماثلة في طريق القتل وتراعى في الكيفية والمقدار ففي التجويع يحبس مثل تلك المدةن ويمنع عنه الطعام وفي الإلقاء في الماء أو النار يلغى في ماء ونار مثلهما ويترك تلك المدة وتشد قوائمه عند الإلقاء في الماء إن كان يحسن السباحة وفي الخنق يخنق بمثل ما خنق بمثل تلك المدة وفي الإلقاء من الشاهق يلقى من مثله وتراعى صلابة الموضع وفي الضرب بالمثقل يراعى الحجم وعدد الضربات وإذا تعذر الوقوف على قدر الحجر أو النار أو على عدد الضربات اخذ باليقين وقيل : يعدل إلى السيف هذا إذا عزم على أنه إن لم يمت بذلك قتله فإن قال ولي الدم فإن لم يمت به عفوت عنه لم يمكنه لما فيه من التعذيب وفي السحر يقتل بالسف لأن عموم السحر حرام لا شيء مباح فيشبهه ولا ينضبط وفي الخبر ( حد الساحر ضربه بالسيف ) ولو قتله بمسموم من طعام أو آلة اقتص منه بمثلها إذا لم يكن مهريا يمنع الغسل ولو أنهشه حية فإن كانت تلك الحية موجودة لم يعدل إلى غيرها ولو كانت غير موجودة جاز العدول إلى حية غيرها لتنهشه وكذلك لو ألقاه في زريبة أسد فافترسه فإنه يلقى أمام الأسد ليفترسه كما فعل ولو رجع شهود الزنا بعد رجم المشهود عليه اقتص منهم بالرجم وإن رجعوا بعد موته بالجلد اقتص منهم وبالجلد ولو جوع كتجويعه فملم يمت في المدة الي جوع فيها المقتول فإنه يزاد في المدة حتى يموت ليكون قتله بالطريق التي قتل به ولا يبالي بزيادة الإيلام والتعذيب كما لو ضرب رقبة إنسان بضربة واحدة ولم تنحز رقبته إلا بضربتين لأن المماثلة قد حصلتن ولم يبق إلا تفويت الروح فيجب تفويتها بالأسهل
ومن عدل من أولياء الدم عما تجوز فيه المماثلة إلى الضرب بالسيف فله ذلك سواء ارضي الجاني أم لا فإنه أرحم واسهل بل هو أولى للخروج من الخلافن أما إذا عدل إلى ذبحه كالبهيمة لم يجز لهتكه الحرمة فإن كان الجاني قتل بالسيف ويريد ولي المقتول قتل الجاني بغير السيف فإنه لا يمكن من ذلك
ولو قطع يدهن فسى قطعه للنفس فمات فللولي حز رقبته ابتداء لأنه أسهل على الجاني من القطع ثم الحز وله القطه للمماثلة ثم الحز للرقبة حالا للسراية ولا يجاب الجاني إذا قال لولي المجني عليه : امهلني عليه بعد جنايتي لثبوت حق القصاص ناجزا وإن شاء الولي أخر وانتظر السراية بعد القطع وليس للجاني أن يقول لولي المقتول ارحني بالقتل أو العفو بل الخيرة في ذلك إلى المستحق لأنه صاحب الشأن
ولو مات بجائفة أو كسر عضو أو نحو ذلك مما لا قصاص فيه . فللولي حز الرقبة بالسيف لا غير لأن المماثلة لا تتحقق في هذه الحالة بدليل عدم إيجاب القصاص في ذلك عند الاندمال فوجب السيف فإن قال ولي المقتول : أجيفه وأقتله أن لم يمت فله ذلك وإن قال : أجيفه ثم أعفو لم يكن من ذلك
ولو اقتص معطوع عضو فيه نسف الدية من قاطعه ثم مات المقطوع الأول بالسراية فلوليه حز الرقبة وله عفو بنصف الدية في تركة الجاني ولو قطعت يداه فاقتص المقطوع ثم مات سراية فلوليه الحز لرقبة الجاني في مقابلة نفس مورثه فإن عفا عن قتله فلا شيء له لأنه استوفى ما يقابل الدية ولو مات الجاني سراية من قطع عضو منه قصاصا فنفسه هدر لقوله تعالى : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل }
وقد روى البعقي عن عمر وعلي رضي الله عنهما : ( من مات في حد أو قصاص فلا دية له والحق قتله ) ولأنه مات من قطع يستحق فلا يتعلق بسرايته ضمان كقطع يد السارق حدا
قالوا : يأذن الإمام أو نائبه لواحد من مستحقي القصاص في استيفائه بنفسه في النفس إذا طلب ذلك ليكمل له التشفي
الحنفية قالوا : لا يجوز أن يستوفى القصاص إلا بالسيف خاصة في جميع الأحوال سواء كان القتل به أم بغيره واحتجوا على مذهبهم بما أخرجه البزار وابن عدي من حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( لا قود إلا بالسيف ) وواحتجوا بأن الشارع نهى عن المثلة وقوله صلى الله عليه و سلم : ( إذا قتلتم فأحسنوا القتلة )
فقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( لا قود إلا بالسيف ) نص على نفي استيفاء القصاص بغيره . ويلحق به ما كان سلاحا من غير السيف كالمدفع والبندقة وغيرهما ولأن فيما ذهب الأئمة إليه استيفاء لزيادة فلم يحصل المقصود بمثل ما فعل الجاني فيجب التحرز عنه كما في كسر العظم والجائفة ولأن الآلة في الاغراق والخنق وإلاحراق غير معدة للقتل ولا مستعملة فيه لتعذر استعمالها فتمكنت شبهد عد العمدية ولأن القصاص مبني على المماثلة ومنه يقال : اقتص أثره ولا تماثل بين الجرح والدق لقصور الثاني عن تخريب الطاهر وكذا لا يتماثلان في حكمة الزجر لأن القتل بالسيف غالب وبالمثقل نادر
وأما ما رواه الشافعية من قول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( من غرق غرقناه ومن حرق حرقناه من قتل عبدا قتلناه ) فهو غير مرفع لأنه يلزم على قولهم أنه يجوز التحريق بالتحريق وهو منهي عنه شرعا فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( لا تعذبوال احدا بعذاب الله ) أو أن الحديث محمول على السياسة حيث اضافه صلى الله عليه و سلم إلى نفسه فقال : ( غرقنا ) ولم يقل صلوات الله
وسلامه عليه ( حرقوه أو غرقوه ) وقد استدل الأحناف بهذا الحديث في وجوب القصاص ولم يعملوا به في الاستيفاء لقول صلى الله عليه و سلم : ( لا قود إلا بالسيف ) فهو أقوى من الحديث الثاني عند أهل الحديث وقد ذكر بعده فنسخ حكمه
مبحث من قتل ثم لجأ إلى الحرم
الشافعية قالوا : يقتص المستحق على الفور في النفس وكذلك في الأطراف على المذهب لأن القصاص موجب الاتلاف فيتعجل كقيم المتلفات والتأخير لاحتمال العفو
قالوا : ويقتص في الحرم لأن الحرم لا يمنع من القصاص كقتل الحية والعقرب داخل الاحرم وسواء التجأ إليه أم لا لأن النبي صلى الله عليه و سلم لما دخل مكة عامم الفتح وسمع به عبد الله بن خطل التميمي الذي ارتد بعد إسلامه وكان يهجو النبي صلى الله عليه و سلم في شعره ويلقنه لجاريتيه المغنيتين فتتغنيان به فخاف من الرسول وتعلق بأستار الكعبة ليستجير بها وعند طواف النبي صلى الله عليه و سلم بها أخبر بحالته فقال : ( اقتلوه ) فإن الكعبية لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من إقامة حد واجب فقتل وكذلك الحويرث بن نقيد فإنه كان يؤذي النبي صلى الله عليه و سلم بهجائه فقتله الإمام على رضي الله تبارك وتعالى عنه بمكة المكرمة
وكذلك المقيدس بن صبابة الكندي عبد أن ارتد ورجع إلى مكة فامر النبي صلى الله عليه و سلم بقتله واهدر دمه فقتله ابن عمه نميلة بن عبد الله الليثي وهو متعلق بأستار الكعبة وقيل : بمحل آخر ولأن القصاص على القور فلا يؤخر
فلو التجأ الجاني إلى الكعبة أو المسجد الحرام أو غيره من المساجد أو إلى ملك إنسان فيخرج منه ثم يقتل صيانة للمسجد ولأنه يمتنع استعمال ملك الغير بغير غذنه فإن هذا التأخير يسير وخوفا من تلوث المسجد الحرام أو المساحمد الأخرى فيخرج منها وكذا يقتل لو التجأ الجاني إلى مقابر المسلمين ولم يمكن قتله إلا بإراقة الدم عليها وإذا لم يخرج الجاني من الحرم ومكث فيه جاز إقامة القصاص عليه وقتله فيه فإن حرمة دم الآدمي أقوى من حرمة البيت
المالكية قالوا : لو قتل شخص إنسانا في الحل ثم دخل الحرم بعد ارتكاب جنايته فلا يؤخر بل يجب إخراجه من الحرم ويقام عليه الحد خارج الحرم ولو كان الجاني محرما ولا ينتظر لإتمامه ولا يجوز إقامة القصاص في الحرم عليه لئلا يؤدي إلى تنجسه بالدماء وسواء فعل موجب القصاص في داخل الحرم أم فعله خارجه ثم لجأ إليه ليهرب من تنفيذ القصاص
وأما قوله تعالى : { ومن دخله كان آمنا } فهو إخبار عما كان عليه الناس في الجاهلية كما قال الحسن البصري وغيره : كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ودخل الحرم فيلقاه ابن القتول فلا يهيجه حتى يخرج
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو يحيى التميمي عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : { ومن دخله كان آمنا } قال : ( من عاذ بالبيت اعاذه البيت ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا سقى فإذا خرج اخذ بذنبه )
وروي في الصحيحين والفظ لمسلمعن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة : ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولا قال قال به رسول الله صلى الله عليه و سلم الغد من يوم الفتح سمعته اذناي ووعاه قلبين وأبصرته عيناي حين تكلم به أنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما أو يعيضد بها شجرا فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها فقولوا له إن الله أذن لنبيه ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالآمس فليبلغ الشاهد الغائب ) فقيل لأبي شريح ما قاله لك عمرو ؟ قال : أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح : إن الحم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بدم ولا فارا بجزية وقيل : الجملة إنشائية معنى أي آمنا من القتل والظلم إلا بموجب شرعي وهذا هو الإثم الذي ذكره الله تعالى بقوله : { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } . آية 25 من سور الحج
الحنفية رحمهم الله تعالى قالوا : إذا قتل رجل إنسانا عمدا خارج الحرم ثم لجأ إليه ليفر من القصاص وأقام بالحرم أو وجب القتل عليه ردة أو زنا وهو محصن أو بسبب خروجه على جماعة المسلمين ثم لجأ إلى الحرم بمكة المكرمة فلا يجب قتله ما دام في الحرم لحرمة القتل في الحرم لقول تعالى : { ومن دخله كان آمنا } يعنى حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء فمن عاذ بالبيت أعاذه البيت وورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم فتح مكة : ( إن هذا البلد حرم الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وأنه لم يحل القتل فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها فقال العباس : يا رسول الله إلا الأذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال : ( إلا الادخر ) وقد ورد في تأمين من دخل الحرم عدة آيات منها قوله تعالى { واذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } ومنه قوله تعالى { واذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا } آيتي 125 ، 126 من سور البقرة وقال تعالى : { الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف } آية 4 من سورة قريش فظاهر الآية الكريمة الإخبار عن كون من دخله آمنا ولكن لا يمكن حمله عليه إذ قد لا يصير آمنا فيقع الخلف في الخبر فودب حمله على الأمر أي آمنوا من دخل الحرم وترك العمل به في الجنايات التي دون النفس لأن الضرر فيها أخف من قتل النفس وفيما إذا وجب على الجاني القصاص لجناية ارتكبها داخل الحرم فإنه يجوز أن يقتل في الحرم في هذه الحالة لأنه هو الذي هتك حرمة الحرم فلا يحترم دمه أما إذا ارتكب الجناية خارج الحرم ثم التجأ إليه فلا يستوفي فيه بل يجب أن يضيق عليه فيمنع من الطعام والشراب والكلام والمعاملة حتى يخرج من لحرم فيستوفى منه القصاص ويقتل أو يموت داخل الحرم بالجوع والصد وذلك تعظيما لحرمة البيت الحرام .
الحنابلة قالوا : لا يستوفى من الملتجىء إلى الحرم قصاصا مطلقا سواء ارتكب الجناية خارج الحرم والتجأ إليه واحتمى به أو ارتكب جنايته داخل الحرم واعتصم به وسواء كان القصاص في النفس أو الأطراف ولا يضيق عليه حتى يخرج من الحرم أو يموت فإن خرج من الحرم قتل بذنبه ونفذ عليه القصاص الواجب عليه وإلا ترك وشأنه في الحرم . وذلك لنص الآيات الواردة في في تأمين من دخل الحرم قال تعالى : { ومن دخله كان آمنا } تأكيدا لفضيلة الحرم واحتراما لقدسيته لشدة حرمة الحرم في الكتاب والسنة الذي هو حضرة الله تعالى الخالصة فيحمل هنا على حال الحاكم الذي غلبت عليه هيبة المولى عز و جل . وهيبة بيته الحرام فانطوت فيها إقامة حدوده حرمة له فأخر القصاص مدة عن الجاني حتى يخرج من الحرم
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|