
08-01-2023, 09:36 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (217)
صــــــــــ 205 الى صـــــــــــ 210
وكذلك إذا سافر بها أهلها بإذنه أو غير إذنه فلا نفقة ولا قسم
( قال ) وإذا سافرت الحرة بإذنه أو بغير إذنه فلا قسم لها ولا نفقة إلا أن يكون هو الذي أشخصها فلا يسقط عنه نفقتها ولا قسمها وهي إذا أشخصها مخالفة لها إذا شخص هو وهي مقيمة لأن إشخاصه إياها كنقلها إلى منزل فليس له تركها فيه بلا نفقة ولا قسم وشخوصه هو شخوص بنفسه وهو الذي عليه القسم لا له
( قال ) وإذا جنت امرأة من نسائه أو خبلت فغلبت على عقلها فكانت تمتنع منه سقط حقها في القسم ، فإن لم تكن تمتنع فلها حقها في القسم وكذلك لو خرست أو مرضت أو ارتتقت كان لها حقها في القسم ما لم تمتنع منه أو يطلقها .
وإنما قلنا يقسم للرتقاء وإن لم يقدر عليها كما قلنا يقسم للحائض ولا يحل له جماعها لأن القسم على السكن لا على الجماع ألا [ ص: 205 ] ترى أنا لا نجبره في القسم على الجماع وقد يستمتع منها وتستمتع منه بغير جماع
( قال ) وإذا كان الزوج عنينا أو خصيا أو مجبوبا أو من لا يقدر على النساء بحال أو لا يقدر عليهن إلا بضعف أو إعياء فهو والصحيح القوي في القسم سواء لأن القسم على ما وصفت من السكن وكذلك هو في النفقة على النساء وما يلزم لهن
( قال ) وإذا تزوج المخبول أو الصحيح فغلب على عقله وعنده نسوة انبغى لوليه القائم بأمره أن يطوف به عليهن أو يأتيه بهن حتى يكن عنده ويكون عندهن كما يكون الصحيح العقل عند نسائه ويكن عنده وإن أغفل ذلك فبئس ما صنع وإن عمد أن يجوز به أثم هو ولا مأثم على مغلوب على عقله .
( قال ) ولو كان رجل يجن ويفيق وعنده نسوة فعزل في يوم جنونه عن نسائه جعل يوم جنونه كيوم من غيبته واستأنف القسم بينهن وإن لم يفعل فكان في يوم جنونه عند واحدة منهن حسب كما إذا كان مريضا فقسم لها وقسم للأخرى يومها وهو صحيح
( قال ) ولو قسم لها صحيحا فجن في بعض الليل وكان عندها كانت قد استوفت وإن خرج من عندها أوفى لها ما بقي من الليل ( قال ) وإن جنت هي أو خرجت في بعض الليل كان له أن يكون عند غيرها ولا يوفيها شيئا من قسمها ما كانت ممتنعة منه ويقسم لنسائه البواقي قسم النساء لا امرأة معهن غيرهن
( قال ) ولو استكرهه سلطان أو غيره أو خرج طائعا من عند امرأة في الليل عاد فأوفاها ما بقي من الليل ( قال ) وإن كان ذلك في النهار لم يكن عليه فيه شيء إذا لم يكن ذاهبا إلى غيرها من نسائه ولا أكره في النهار شيئا إلا أثرة غيرها من أزواجه فيه بمقام أو جماع ، فإذا أقام عند غيرها في نهارها أوفاها ذلك من يوم التي أقام عندها
( قال ) ولو كان له مع نسائه إماء يطؤهن لم يكن للإماء قسم مع الأزواج ويأتيهن كيف شاء أكثر مما يأتي النساء في الأيام والليالي والجماع وأقل كما يكون له أن يسافر ويغيب في المصر عن النساء فإذا صار إلى النساء عدل بينهن وكذلك يكون له ترك الجواري والمقام مع النساء غير أني أحب في الأحوال كلها أن لا يؤثر على النساء وأن لا يعطل الجواري
( قال ) وهكذا إذا كان له جوار لا امرأة معهن كان عند أيتهن شاء ما شاء وكيفما شاء وأحب له أن يتحرى استطابة أنفسهن بمقارنة وأن يجعل لكل واحدة منهن حظا منه
( قال ) وإذا تزوج الرجل المرأة وخلي بينه وبينها فعليه نفقتها والقسم لها من يوم يخلون بينه وبينها
( قال ) وإذا كان لرجل أربع نسوة فقسم لثلاث وترك واحدة عامدا أو ناسيا قضاها الأيام التي ترك القسم لها فيها متتابعات لا فرق بينهن واستحلها إن كان ترك القسم لها أربعين ليلة فلها منها عشر فيقضيها العشر متتابعات ولو كان نساؤه الحواضر ثلاثا فترك القسم لهن ثلاثين ليلة وقدمت امرأة له كانت غائبة بدأ فقسم للتي ترك القسم لها يومها ويوم المرأتين اللتين قسم لهما وتركها وذلك ثلاث ثم قسم للغائبة يوما ثم قسم للتي ترك القسم لها ثلاثا حتى يوفيها جميع ما ترك لها من القسم ، ولو قسم رجل بين نسائه يومين أو ثلاثا لكل امرأة ثم طلق امرأة لم يقسم لها أو ترك القسم لها لم يكن عليه إلا أن يستحل التي ترك القسم لها ولو راجعها أو نكحها نكاحا جديدا أوفاها ما كان لها من القسم
( قال ) ولو كان لرجل زوجة مملوكة وحرة فقسم للحرة يومين ثم دار إلى المملوكة فعتقت فإن كانت عتقت وقد أوفاها يومها وليلتها دار إلى الحرة فقسم لها يوما وللأمة التي أعتقت يوما ، وإن لم يكن أوفاها ليلتها حتى عتقت يبيت عندها ليلتين حتى يسويها بالحرة لأنها قد صارت كهي قبل أن تستكمل حظها من القسم
( قال ) ويقسم للمرأة قد آلى منها وللمرأة قد تظاهر منها ولا يقرب التي تظاهر منها وكذلك إذا أحرمت بأمره قسم لها ولم يقربها [ ص: 206 ] وكذلك القسم لو كان هو محرما ولا يقرب واحدة ممن معه في إحرامه .
القسم للمرأة المدخول بها ( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت } ( قال الشافعي ) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت أن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو والقاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخبراه أنهما سمعا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يحدث { عن أم سلمة أنها أخبرته أنها لما قدمت المدينة أخبرتهم أنها ابنة أبي أمية بن المغيرة فكذبوها وقالوا ما أكذب الغرائب حتى أنشأ أناس منهم الحج فقالوا أتكتبين إلى أهلك ؟ فكتبت معهم فرجعوا إلى المدينة قالت فصدقوني وازددت عليهم كرامة فلما حللت جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني فقلت له ما مثلي نكح أما أنا فلا ولد في وأنا غيور ذات عيال ، فقال : أنا أكبر منك وأما الغيرة فيذهبها الله تعالى وأما العيال فإلى الله ورسوله فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يأتيها ويقول أين زناب ؟ حتى جاء عمار بن ياسر فاختلجها فقال هذه تمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت ترضعها فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين زناب ؟ فقالت قريبة بنت أبي أمية وواقفها عندما أخذها عمار بن ياسر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني آتيكم الليلة قالت فقمت فوضعت ثقالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرة وأخرجت شحما فعصدته له أو صعدته شك الربيع قالت فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح فقال حين أصبح إن لك على أهلك كرامة فإن شئت سبعت لك وإن أسبع أسبع لنسائي } ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن حميد عن أنس أنه قال للبكر سبع وللثيب ثلاث .
( قال الشافعي ) وحديث ابن جريج ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة على أن الرجل إذا تزوج البكر كان له أن يقيم عندها سبعا وإذا تزوج الثيب كان له أن يقيم عندها ثلاثا ولا يحسب عليه لنسائه اللاتي كن عنده قبلها فيبدأ من السبع ومن الثلاث ( قال ) وليس له في البكر ولا الثيب إلا إيفاؤهما هذا العدد إلا أن يحللاه منه ( قال ) وإن لم يفعل وقسم لنسائه عاد فأوفاهما هذا العدد كما يعود فيما ترك من حقهما في القسم فيوفيهما
( قال ) ولو دخلت عليه بكران في ليلة أو ثيبان أو بكر وثيب كرهت له ذلك وإن دخلتا معا عليه أقرع بينهما فأيتهما خرج سهمها بدأ فأوفاها أيامها ولياليها ، وإن لم يقرع فبدأ بإحداهما رجوت أن يسعه لأنه لا يصل إلى أن يوفيهما حقهما إلا بأن يبدأ بإحداهما ولا أحب له أن يقسم بينهما أربع عشرة لأن حق كل واحدة منهما موالاة أيامها ( قال ) فإن فعل لم أر عليه إعادة أيام لها بعد العدة التي أوفاها إياها وإن دخلت عليه إحداهما بعد الأخرى بدأ فأوفى التي دخلت عليه أولا أيامها ( قال ) وإذا بدأ بالتي دخلت عليه آخرا أحببت له أن يقطع ويوفي الأولى قبلها فإن لم يفعل ثم أوفى الأولى لم يكن لها زيادة على أيامها ولا يزاد أحد في العدد بتأخير حقها ( قال ) وإذا فرغ من أيام البكر والثيب استأنف القسم بين أزواجه فعدل بينهن
( قال ) فإن كانت عنده امرأتان ثم نكح عليهما واحدة فدخلت بعد ما قسم لواحدة فإذا أوفى التي دخلت عليه أيامها بدأ بالتي كان لها القسم بعد التي كانت عنده ( قال ) ولا يضيق عليه [ ص: 207 ] أن يدخل عليها في أي يوم أو أي ليلة شاء من ليالي نسائه ( قال ) ولا أحب في مقامه عند بكر ولا ثيب أن يتخلف عن صلاة ولا بر كان يعمل قبل العرس ولا شهود جنازة ولا يجوز له أن يتخلف عن إجابة دعوة .
سفر الرجل بالمرأة ( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع عن ابن شهاب عن عبيد الله عن عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها } ( قال الشافعي ) فإذا كان للرجل نسوة فأراد سفرا فليس بواجب أن يخرج بهن ولا بواحدة منهن وإن أراد الخروج بهن أو ببعضهن فذلك له فإن أراد الخروج بواحدة أو اثنتين أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها ولم يكن له أن يخرج بغيرها وله أن يتركها إن شاء ، وهكذا إن أراد الخروج باثنتين أو ثلاث لم يخرج بواحدة منهن إلا بقرعة فإن خرج بواحدة منهن بغير قرعة كان عليه أن يقسم لمن بقي بقدر مغيبه مع التي خرج بها ( قال ) فإذا خرج بامرأة بالقرعة كان لها السفر خالصا دون نسائه لا يحتسب عليها ولا لهن من مغيبها معه في السفر منفردة شيء وسواء قصر سفره أو طال ( قال ) ولو أراد السفر لنقله لم يكن له أن ينتقل بواحدة منهن إلا أوفى البواقي مثل مقامه معها ( قال ) ولو خرج مسافرا بقرعة ثم أزمع المقام لنقله كان للتي سافر بها بالقرعة ما مضى قبل إزماعه المقام على النقلة وحسب عليها مقامه معها بعد النقلة فأوفى البواقي حقوقهن فيها
( قال ) ولو أقرع بين نسائه على سفر فخرج سهم واحدة فخرج بها ثم أراد سفرا قبل رجوعه من ذلك السفر كان ذلك كله كالسفر الواحد ما لم يرجع فإذا رجع فأراد سفرا أقرع
( قال ) ولو سافر بواحدة فنكح في سفره أخرى كان للتي نكح ما للمنكوحة من الأيام دون التي سافر بها ثم استأنف القسم بينهما بالعدد ولا يحسب لنسائه اللاتي خلف من الأيام التي نكح في سفره شيئا لأنه لم يكن حيث يمكنه القسم لهن .
نشوز المرأة على الرجل
( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } إلى قوله { سبيلا } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تضربوا إماء الله قال فأتاه عمر بن الخطاب ، فقال : يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بآل محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم } ( قال الشافعي ) في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ضرب النساء .
ثم إذنه في ضربهن وقوله { لن يضرب خياركم } يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم نهى عنه على اختيار النهي وأذن فيه بأن مباحا لهم الضرب في الحق واختار لهم أن لا يضربوا لقوله { لن يضرب خياركم } ( قال ) ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ثم أذن لهم بعد نزولها بضربهن ( قال الشافعي ) وفي قوله { لن يضرب خياركم } دلالة على أن ضربهن مباح لا فرض أن [ ص: 208 ] يضربن ونختار له من ذلك ما اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحب للرجل أن لا يضرب امرأته في انبساط لسانها عليه وما أشبه ذلك ( قال الشافعي ) وأشبه ما سمعت والله أعلم في قوله { واللاتي تخافون نشوزهن } أن لخوف النشوز دلائل فإذا كانت { فعظوهن } لأن العظة مباحة فإن لججن فأظهرن نشوزا بقول أو فعل { واهجروهن في المضاجع } فإن أقمن بذلك على ذلك " فاضربوهن " وذلك بين أنه لا يجوز هجرة في المضجع وهو منهي عنه ولا ضرب إلا بقول أو فعل أو هما ( قال ) ويحتمل في { تخافون نشوزهن } إذا نشزن فبان النشوز فكن عاصيات به أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب ( قال ) ولا يبلغ في الضرب حدا ولا يكون مبرحا ولا مدميا ويتوقى فيه الوجه ( قال ) ويهجرها في المضجع حتى ترجع عن النشوز ولا يجاوز بها في هجرة الكلام ثلاثا لأن الله عز وجل إنما أباح الهجرة في المضجع .
والهجرة في المضجع تكون بغير هجرة كلام { ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجاوز بالهجرة في الكلام ثلاثا } ( قال ) ولا يجوز لأحد أن يضرب ولا يهجر مضجعا بغير بيان نشوزها ( قال ) وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قسم للممتنعة من زوجها ولا نفقة ما كانت ممتنعة لأن الله تبارك وتعالى أباح هجرة مضجعها وضربها في النشوز والامتناع نشوز ( قال ) ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها ولا ضربها وصارت على حقها كما كانت قبل النشوز ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في قوله عز وجل { وللرجال عليهن درجة } وقوله { وعاشروهن بالمعروف } وهو ما ذكرنا مما لها عليه في بعض الأمور من مؤنتها وله عليها مما ليس لها عليه ولكل واحد منهما على صاحبه . الحكمين
( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } الآية ( قال الشافعي ) والله أعلم بمعنى ما أراد فأما ظاهر الآية فإن خوف الشقاق بين الزوجين أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه منع الحق ولا يطيب واحد منهما لصاحبه بإعطاء ما يرضى به ولا ينقطع ما بينهما بفرقة ولا صلح ولا ترك القيام بالشقاق وذلك أن الله عز وجل أذن في نشوز المرأة بالعظة والهجرة والضرب ولنشوز الرجل بالصلح فإذا خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ونهى إذا أراد الزوج استبدال زوج مكان زوج أن يأخذ مما آتاها شيئا ( قال الشافعي ) فإذا ارتفع الزوجان المخوف شقاقهما إلى الحاكم فحق عليه أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها من أهل القناعة والعقل ليكشفا أمرهما ويصلحا بينهما إن قدرا ( قال ) وليس له أن يأمرهما بفرقان إن رأيا إلا بأمر الزوج ولا يعطيا من مال المرأة إلا بإذنها ( قال ) فإن اصطلح الزوجان وإلا كان على الحاكم أن يحكم لكل واحد منهما على صاحبه بما يلزمه من حق في نفس ومال وأدب ( قال ) وذلك أن الله عز وجل إنما ذكر أنهما { إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } ولم يذكر تفريقا ( قال ) وأختار للإمام أن يسأل الزوجين أن يتراضيا بالحكمين ويوكلاهما معا فيوكلهما الزوج إن رأيا أن يفرقا بينهما فرقا على ما رأيا من أخذ شيء أو غير أخذه إن اختبرا توليا من المرأة عنه ( قال ) وإن جعل إليهما إن رضيت بكذا وكذا فأعطياها ذلك عني واسألاها أن تكف عني كذا وللمرأة أن توكلهما إن شاءت بأن يعطيا عنها في الفرقة شيئا تسميه إن رأيا أنه لا يصلح الزوج غيره وإن رأيا أن يعطياه أن يفعلا أو له كذا ويترك لها كذا فإن فعل ذلك الزوجان [ ص: 209 ] أمر الحكمين بأن يجتهدا فإن رأيا الجمع خيرا لم يصيرا إلى الفراق وإن رأيا الفراق خيرا أمرهما فصارا إليه وإن رجع الزوجان أو أحدهما بعدما يوكلانهما عن الوكالة أو بعضها أمرهما بما أمرهما به أولا من الإصلاح ولم يجعلهما وكيليهما إلا فيما وكلا فيه ( قال ) ولا يجبر الزوجان على توكيلهما إن لم يوكلا وإذا وكلاهما معا كما وصفت لم يجز أمر واحد منهما دون صاحبه فإن فرق أحدهما ولم يفرق الآخر لم تجز الفرقة ، وكذلك إن أعطى أحدهما على الآخر شيئا ( قال ) وإن غاب أحد الحكمين أو غلب على عقله بعث حكما غير الغائب أو المغلوب المصلح من قبل الحاكم وبالوكالة إن وكله بها الزوجان ( قال ) وإن غلب أحد الزوجين على عقله لم يمض الحكمان بينهما شيئا حتى يعود إليه عقله ثم يجدد وكالة ( قال ) وإن غاب أحد الزوجين ولم يفسخ الوكالة أمضى الحكمان رأيهما ولم تقطع غيبة واحد منهما الوكالة ( قال الشافعي ) أخبرنا الثقفي عن أيوب بن أبي تميمة عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني أنه قال في هذه الآية { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } قال جاء رجل وامرأة إلى علي رضي الله عنه ومع كل واحد منهما فئام من الناس فأمرهم علي فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين : تدريان ما عليكما ، عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي ، وقال الرجل أما الفرقة فلا . فقال علي رضي الله عنه كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به .
( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة سمعه يقول : تزوج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة فقالت له اصبر لي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين عتبة بن ربيعة ؟ أين شيبة بن ربيعة ؟ فيسكت عنها حتى دخل عليها يوما وهو برم فقالت أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة ؟ فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان بن عفان فذكرت له ذلك فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس لأفرقن بينهما وقال معاوية ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف قال فأتياهما فوجداهما قد شدا عليهما أثوابهما وأصلحا أمرهما .
( قال الشافعي ) حديث علي ثابت عندنا وهو إن شاء الله كما قلنا لا نخالفه لأن عليا إذ قال لهم ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها والزوجان حاضران فإنما خاطب به الزوجين أو من أعرب عنهما بحضرتهما بوكالة الزوجين أو رضاهما بما قال وقوله للرجل لا والله حتى تقر بمثل ما أقرت به أن لا يقضي الحكمان إن رأيا الفرقة إذا رجعت عن توكيلهما حتى تعود إلى الرضا بأن يكونا بوكالتك ناظرين بما يصلح أمركما ولو كان للحاكم أن يبعث حكمين بفرقة بلا وكالة الزوج ما احتاج علي رضي الله عنه إلى أن يقول لهما ابعثوا ولبعث هو ولقال للزوج إن رأيا الفراق أمضيا ذلك عليك وإن لم تأذن به ولم يحلف لا يمضي الحكمان حتى يقر ولو كان للحاكم جبر الزوجين على أن يوكلا كان له أن يمضيه بلا أمرهما ( قال ) وليس في الحديث الذي روي عن عثمان دلالة كالدلائل في حديث علي رضي الله عنه وهو يشبه أن يكون كالحديث عن علي فإن قال قائل : فقد يحتمل خلافه قيل نعم : وموافقته فلست بأولى بأحد الوجهين من غيرك بل هو إلى موافقة حديث علي كرم الله وجهه أقرب من أن يكون قوله خلافه .
ما يجوز به أخذ مال المرأة منها ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } الآية ( قال الشافعي ) فكان في هذه الآية إباحة أكله إذا طابت نفسها ودليل على أنها إذا لم تطب به نفسا لم يحل أكله ( قال ) وقد قال [ ص: 210 ] الله عز وجل { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } إلى مبينا ( قال ) وهذه الآية في معنى الآية التي كتبنا قبلها ، وإذا أراد الرجل الاستبدال بزوجته ولم ترد هي فرقته لم يكن له أن يأخذ من مالها شيئا بأن يستكرهها عليه ولا أن يطلقها لتعطيه فدية منه فإن فعل وأقر بذلك أو قامت عليه بينة رد ما أخذ منها عليها وإن كان طلقها عليه لزمه ما سمى من عدد الطلاق وكان يملك فيه الرجعة إن لم يأت على جميع طلاقها ( قال ) ويشبه والله تعالى أعلم أن لا يكون له إذا أزمع على فراقها أن يأتهب من مالها شيئا ثم يطلقها ، وذلك أن إعطاءها يكون على استطابة نفسه بحبسها لا على فراقها ويشبه معاني الخديعة لها ( قال ) ولا يبين لي رد ذلك عليها لو وهبته بلا ضرورة ثم طلقها لأن ظاهره أنها طابت به نفسا ( قال ) ولو علمته يريد الاستبدال بها ولم يمنعها حقها فنشزت ومنعته بعض الحق وأعطته مالا جاز له أخذه وصارت في معنى من يخاف أن لا يقيم حدود الله وخرجت من أن يكون يراد فراقها فيفارق بلا سبب منها ولا منع لحق في حال متقدمة لإرادته ولا متأخرة .
حبس المرأة على الرجل يكرهها ليرثها ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } الآية ( قال الشافعي ) يقال والله أعلم نزلت في الرجل يمنع المرأة حق الله تعالى عليه في عشرتها بالمعروف عن غير طيب نفسها ويحبسها لتموت فيرثها أو يذهب ببعض ما آتاها استثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة .
وقيل لا بأس بأن يحبسها كارها لها إذا أدى حق الله تعالى فيها لقول الله عز وجل { وعاشروهن بالمعروف } قرأ إلى " كثيرا " ( قال ) وقيل في هذه الآية دلالة على أنه إنما حرم عليه حبسها مع منعها الحق ليرثها أو يذهب ببعض ما آتاها ( قال ) وإذا منعها الحق وحبسها وذهب ببعض ما آتاها فطلبته فهو مردود عليها إذا أقر بذلك أو قامت به بينة ( قال الشافعي ) وقد قيل فإن أتت عنده بفاحشة وهي الزنا فحبسها على منع الحق في القسم لا أن ضربها ولا منعها نفقة فأعطته بعض ما آتاها حل له أخذه وكانت معصيتها الله بالزنا ثم معصيته أكبر من معصيتها في غير الزنا وهي إذا عصته فلم تقم حدود الله لم يكن عليه جناح فيما افتدت به
( قال ) فإن حبسها مانعا لها الحق ولم تأت بفاحشة ليرثها فماتت عنده لم يحل له أن يرثها ولا يأخذ منها شيئا في حياتها فإن أخذه رد عليها وكان أملك برجعتها .
وقيل : إن هذه الآية منسوخة وفي معنى { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } إلى { سبيلا } فنسخت بآية الحدود { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } فقال النبي صلى الله عليه وسلم { خذوا عني خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب الرجم } فلم يكن على امرأة حبس يمنع به حق الزوجة على الزوج وكان عليها الحد ( قال ) وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل والله أعلم لأن لله أحكاما بين الزوجين بأن جعل له عليها أن يطلقها محسنة ومسيئة ويحبسها محسنة ومسيئة وكارها لها وغير كاره ولم يجعل له منعها حقها في حال .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|