
08-01-2023, 09:52 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,957
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (218)
صــــــــــ 211 الى صـــــــــــ 217
ما تحل به الفدية ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } إلى { فيما [ ص: 211 ] افتدت به } ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد { عن عمرة أن حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه ؟ قالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله لا أنا ولا ثابت لزوجها فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة { عن حبيبة بنت سهل أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم في الغلس وهي تشكو شيئا ببدنها وهي تقول لا أنا ولا ثابت بن قيس فقالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ثابت خذ منها فأخذ منها وجلست } ( قال الشافعي ) فقيل والله أعلم في قوله تعالى { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } أن تكون المرأة تكره الرجل حتى تخاف أن لا تقيم حدود الله بأداء ما يجب عليها له أو أكثره إليه ويكون الزوج غير مانع لها ما يجب عليه أو أكثره فإذا كان هذا حلت الفدية للزوج وإذا لم يقم أحدهما حدود الله فليسا معا مقيمين حدود الله .
وقيل : وهكذا قول الله عز وجل { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } إذا حل ذلك للزوج فليس بحرام على المرأة والمرأة في كل حال لا يحرم عليها ما أعطت من مالها وإذا حل له ولم يحرم عليها فلا جناح عليهما معا ، وهذا كلام صحيح جائز إذا اجتمعا معا في أن لا جناح عليهما وقد يكون الجناح على أحدهما دون الآخر .
فلا يجوز أن يقال : فلا جناح عليهما وعلى أحدهما جناح ( قال ) وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل لأن الله عز وجل حرم على الرجل إذا أراد استبدال زوج مكان زوج أن يأخذ مما آتاها شيئا ( قال ) وقيل أن تمتنع المرأة من أداء الحق فتخاف على الزوج أن لا يؤدي الحق إذا منعته حقا فتحل الفدية ( قال ) وجماع ذلك أن تكون المرأة المانعة لبعض ما يجب عليها له المفتدية تحرجا من أن لا تؤدي حقه أو كراهية له ، فإذا كان هكذا حلت الفدية للزوج ولو خرج في بعض ما تمنعه من الحق إلى إيذائها بالضرب أجزت ذلك له لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لثابت بأخذ الفدية من حبيبة وقد نالها بالضرب ( قال ) وكذلك لو لم تمنعه بعض الحق وكرهت صحبته حتى خافت تمنعه كراهية صحبته بعض الحق فأعطته الفدية طائعة حلت له ، وإذا حل له أن يأكل ما طابت به نفسا على غير فراق حل له أن يأكل ما طابت له نفسا ويأخذ عوضا بالفراق ( قال ) ولا وقت في الفدية كانت أكثر مما أعطاها أو أقل لأن الله عز وجل يقول { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وتجوز الفدية عند السلطان ودونه كما يجوز إعطاء المال والطلاق عند السلطان ودونه .
الكلام الذي يقع به الطلاق ولا يقع ( قال الشافعي ) رحمه الله : الخلع طلاق فلا يقع إلا بما يقع به الطلاق فإذا قال لها إن أعطيتني كذا وكذا فأنت طالق أو قد فارقتك أو سرحتك وقع الطلاق ، ثم لم أحتج إلى النية ( قال ) وإن قال لم أنو طلاقا دين فيما بينه وبين الله عز وجل وألزم في القضاء ، وإذا قال لها إن أعطيتني كذا فأنت بائن أو خلية أو برية سئل : فإن أراد الطلاق فهي طالق وإن لم يرد الطلاق فليس بطلاق ويرد شيئا إن أخذه منها
( قال ) وإذا قال لها قد خالعتك أو فاديتك أو ما أشبه هذا لم يكن طلاقا إلا بإرادته الطلاق لأنه [ ص: 212 ] ليس بصريح الطلاق ( قال ) وسواء كان هذا عند غضب أو رضا وذكر طلاق أو غير ذكره إنما أنظر إلى عقد الكلام الذي يلزم لا سببه ، وإذا قالت المرأة لزوجها اخلعني أو بني أو أبني أو بارئني أو ابرأ مني ولك علي ألف أو لك هذه الألف أو لك هذا العبد وهي تريد الطلاق فطلقها فله ما ضمنت له وما أعطته
( قال ) وكذلك لو قالت له اخلعني على ألف ففعل كانت له الألف ما لم يتناكرا فإن قالت إنما قلت علي ألف ضمنها لك غيري أو علي ألف لي عليك لا أعطيك أو علي ألف فلس وأنكر تحالفا وكان له عليها مهر مثلها ، وإذا قالت المرأة للرجل طلقني ولك علي ألف درهم فقال أنت طالق على ألف إن شئت فلها المشيئة وقت الخيار فإن لم تشأ حتى مضى وقت الخيار لم يكن لها مشيئة وإن شاءت بعد ذلك كانت مشيئتها باطلة وهي امرأته بحالها
( قال ) وهكذا فإن قال لها أنت طالق إن أعطيتني ألفا . فقالت خذها مما لي عليك . أو قالت أنا أضمنها لك وأعطيك بها رهنا
لم يكن هذا طلاقا لأنها لم تعطه ألفا في واحد من هذه الأحوال ( قال ) ولو أعطته ألفا في وقت الخيار لزمه الطلاق فإن لم تعطه الألف حتى يمضي وقت الخيار ثم أعطته إياها لم يلزمه الطلاق وسواء هرب الزوج أو غاب حتى مضى وقت الخيار أو أبطأت هي بإعطائه الألف حتى مضى وقت الخيار
( قال ) وإذا كان للرجل امرأتان فسألتاه أن يطلقهما بألف فطلقهما في ذلك المجلس لزمهما الطلاق وفي المال قولان أحدهما أن الألف عليهما على قدر مهور مثلهما والآخر أن على كل واحدة منهما مهر مثلها لأن الخلع وقع على كل واحدة منهما بشيء مجهول ( قال الربيع ) وهذا أصح القولين عندي
( قال ) وإن قالت له امرأتان له لك ألف فطلقنا معا فطلق إحداهما في وقت الخيار ولم يطلق الأخرى لزم المطلقة مهر مثلها ولو طلق الأخرى بعد ذلك الوقت لزمه الطلاق وكان يملك فيه الرجعة ولم يلزمها من المال شيء إنما يلزمها المال إذا طلقها في وقت الخيار ( قال ) ولو قالتا طلقنا بألف فقال إن شئتما فأنتما طالقان لم تطلقا حتى يشاءا معا في وقت الخيار فإن شاءت إحداهما ولم تشأ الأخرى حتى مضى وقت الخيار لم تطلقا قال فإن شاءتا معا فله على كل واحدة منهما مهر مثلها
( قال ) وإذا قال رجل لامرأته : إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته ألفا في وقت الخيار وقع الطلاق وليس له أن يمتنع إذا دفعتها إليه في ذلك الوقت ولا لها أن ترجع فيها ( قال ) وهكذا إن قال أعطيتني أو إن أعطيتني وما أشبه هذا فإنما ذلك على وقت الخيار فإذا مضى لم يقع في شيء
( قال ) وإن قال متى أعطيتني أو أي وقت أعطيتني أو أي حين أعطيتني ألفا فأنت طالق فلها أن تعطيه ألفا متى شاءت وليس له أن يمتنع من أخذها ولا لها إذا أعطته ألفا أن ترجع فيها لأن هذا كله غاية كقوله متى دخلت الدار فأنت طالق أو متى قدم فلان فأنت طالق فليس له أن يقول قد رجعت فيما قلت وعليه متى دخلت الدار أو قدم فلان أن تطلق .
ما يقع الخلع من الطلاق ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا خالع الرجل امرأته فنوى الطلاق ولم ينو عددا منه بعينه فالخلع تطليقة لا يملك فيها الرجعة لأنها بيع من البيوع ولا يجوز أن يملك عليها مالها ويكون أملك بها .
وإنما جعلناها تطليقة لأن الله تعالى يقول { الطلاق مرتان } فعقلنا عن الله تعالى أن ذلك إنما يقع بإيقاع الزوج وعلمنا أن الخلع لم يقع إلا بإيقاع الزوج
( قال ) وإذا خالع الرجل امرأته فسمى طلاقا على خلع أو فراق أو سراح فهو طلاق وهو ما نوى وكذلك إن سمى ما يشبه الطلاق من الكلام بنية الطلاق [ ص: 213 ] قال ) وجماع هذا أن ينظر إلى كل كلام يقع به الطلاق بلا خلع فنوقعه به في الخلع وكل ما لا يقع به طلاق بحال على الابتداء يوقع به خلع فلا نوقع به خلعا حتى ينوي به الطلاق وإذا لم يقع به طلاق فما أخذ الزوج من المرأة مردود عليها ( قال ) فإن نوى بالخلع اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى ( قال ) وكذلك إن سمى عددا من الطلاق فهو ما سمى وقد روي نحو من هذا عن عثمان رضي الله عنه ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن طهمان مولى الأسلميين عن أم بكرة الأسلمية ( قال الشافعي ) وهذا كما روي عن عثمان رضي الله عنه إن لم يسم بالخلع تطليقة لأنه من قبل الزوج ولو سمى أكثر من تطليقة فهو ما سمى
( قال ) والمختلعة مطلقة فعدتها عدتها ولها السكنى ولا نفقة لها لأن زوجها لا يملك الرجعة
( قال ) وإذا خالعها ثم طلقها في العدة لم يقع عليها الطلاق لأنها ليست بزوجة ولا في معاني الأزواج بحال بأن يكون له عليها رجعة ولا تحل له إلا بنكاح جديد كما كانت قبل أن ينكحها وكذلك لو آلى منها أو تظاهر أو قذفها لم يقع عليه إيلاء ولا ظهار ولا لعان إن لم يكن ولد ولو ماتت أو مات لم يتوارثا ( قال ) وإنما قلت هذا بدلالة كتاب الله عز وجل لأن الله تعالى حكم بهذه الأحكام الخمسة من الإيلاء والظهار واللعان والطلاق والميراث بين الزوجين ، فلما عقلنا عن الله تعالى أن هذين غير زوجين لم يجز أن يقع عليها طلاقه فإن قال قائل فهل فيه من أثر ؟ فأخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير
( قال ) ولو خالعت المرأة زوجها بألف ودفعتها إليه ثم أقامت بينة أو أقر أن نكاحها كان فاسدا أو أنه قد كان طلقها ثلاثا قبل الخلع أو تطليقة لم يبق له عليها غيرها أو خالعها ولم يجدد لها نكاحا رجعت عليه في كل هذا بما أخذ منها ( قال ) وهكذا لو خالعته ثم وجد نكاحها فاسدا كان الخلع باطلا وترجع بما أخذ منها ولا نكاح بينهما .
ما يجوز خلعه وما لا يجوز ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : جماع معرفة ما يجوز خلعه ما النساء أن ينظر إلى كل من جاز أمره في ماله فنجيز خلعه ومن لم يجز أمره في ماله فنرد خلعه ، فإن كانت المرأة صبية لم تبلغ أو بالغا ليست برشيدة أو محجورا عليها أو مغلوبة على عقلها فاختلعت من زوجها بشيء قل أو كثر فكل ما أخذ منها مردود عليها وما طلقها على ما أخذ منها واقع عليها وهذا يملك الرجعة فإذا بطل ما أخذ ملك الرجعة في الطلاق الذي وقع به إلا أن يكون طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقي له عليها غيرها
( قال ) وهكذا إن خالع عنها وليها بأمرها من مالها كان أو غيره فالمال مردود وليس للسلطان أن يخالع عنها من مالها فإن فعل فالطلاق واقع والخلع مردود عليها ولو خالع عنها وهي صبية بأن أبرأ زوجها من مهرها أو دين لها عليه أو أعطاه شيئا من مالها كان الطلاق الذي وقع بالمال واقعا عليها وكان مالها الذي [ ص: 214 ] دفعته إليه مردودا عليها وحقها ثابت عليه من الصداق وغيره ولا يبرأ الزوج من شيء مما أبرأه منه الأب والولي غير الأب
( قال ) ولو كان أبو الصغيرة وولي المحجور عليها خالع عنها بأن أبرأه من صداقها وهو يعرفه على أنه ضامن لما أدركه فيه كان صداقها على الزوج يؤخذ به ويرجع به الزوج على الذي ضمنه أيا كان أو وليا أو أجنبيا ولا يرجع به الضامن على المرأة لأنه ضمن عنها متطوعا في غير نظر لها ( قال الشافعي ) ولو كان دفع إلى الزوج عبدا من مالها على أن ضمن له ما أدركه في العبد فالعبد مردود عليها ويرجع الزوج على الضامن بقيمة العبد لأنه إنما ضمن له العبد لا غيره ولا يشبه الضامن البائع ولا المختلعة وقد قيل له صداق مثلها وإن أفلس الضامن فالزوج غريم له ولا يرجع على المرأة بحال
( قال ) ولا يجوز خلع المحجور عليها بحال إلا بأن يتطوع عنها أحد يجوز أمره في ماله فيعطي الزوج شيئا على أن يفارقها فيجوز للزوج ( قال ) والذمية المحجور عليها في هذا كالمسلمة المحجور عليها ( قال ) والأمة هكذا وفي أكثر من هذا لأنها لا تملك شيئا بحال وسواء كانت رشيدة بالغا أو سفيهة محجورا عليها لا يجوز خلعها بحال إلا أن يخالع عنها سيدها أو من يجوز أمره في مال نفسه من مال نفسه متطوعا به فيجوز للزوج ( قال ) وإن أذن لها سيدها بشيء تخلعه فالخلع جائز وكذلك المدبرة وأم الولد
( قال ) ولا يجوز ما جعلت المكاتبة على الخلع ولو أذن لها الذي كاتبها لأنه ليس بمال له فيجوز إذنه فيه ولا لها فيجوز ما صنعت في مالها
( قال ) ولا يجوز خلع زوج حتى يجوز طلاقه ، وذلك أن يكون بالغا غير مغلوب على عقله ، فإذا كان غير مغلوب على عقله فخلعه جائز محجورا عليه كان أو رشيدا أو ذميا أو مملوكا من قبل أن طلاقه جائز ، فإذا جاز طلاقه بلا شيء يأخذه كان أخذه ما أخذ عليه فضلا أولى أن يجوز من طلاقه بلا شيء وهو في الخلع كالبالغ الرشيد فلو كان مهر امرأته ألفا وخالعته بدرهم جاز عليه ولولي المحجور أن يلي عليه ما أخذ بالخلع لأنه مال من ماله وما أخذ العبد بالخلع فهو لسيده ( قال ) فإن استهلكا ما أخذا قبل إذن ولي المحجور وسيد العبد له رجع ولي المحجور وسيد العبد به على المختلعة من قبل أنه حق لزمها له كما لو كان عليها دين أو أرش جناية فدفعته إليه رجع به وليه وسيد العبد عليها
( قال الشافعي ) وإن خلع أبو الصبي أو المعتوه أو وليه عنه امرأته أو أبا امرأته فالخلع باطل والنكاح ثابت ، وما أخذا من المرأة أو وليها على الخلع فهو مردود كله وهي امرأته بحالها وكذلك إن كان مغلوبا على عقله أو غير بالغ فخالع عن نفسه فهي امرأته بحالها ، وكذلك سيد العبد إن خالع عن عبده بغير إذنه لأن الخلع طلاق فلا يكون لأحد أن يطلق عن أحد أب ولا سيد ولا ولي ولا سلطان إنما يطلق المرء عن نفسه أو يطلق عليه السلطان بما لزمه من نفسه إذا امتنع هو أن يطلق وكان ممن له طلاق وليس الخلع من هذا المعنى بسبيل .
الخلع في المرض ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والخلع في المرض والصحة جائز كما يجوز البيع في المرض والصحة وسواء أيهما كان المريض أحدهما دون الآخر أو هما معا ويلزمه فيه ما سمى الزوج من الطلاق ( قال ) فإن كان الزوج المريض فخالعها بأقل من مهر مثلها ما كان أو أكثر فالخلع جائز وإن مات من المرض لأنه لو طلقها بلا شيء كان الطلاق جائزا ( قال ) وإن كانت هي المريضة وهو صحيح أو مريض فسواء وإن خالعته بمهر مثلها أو أقل فالخلع جائز ، وإن خالعته بأكثر من مهر مثلها ثم ماتت من مرضها [ ص: 215 ] قبل أن تصح جاز لها مهر مثلها من الخلع وكان الفضل على مهر مثلها وصية يحاص أهل الوصاية بها ولا ترث المختلعة في المرض ولا في الصحة زوجها ولا يرثها ولو مات أحدهما وهي في العدة
( قال ) ولو خالعها على عبد بعينه أو دار بعينها وقيمة العبد والدار مائة ومهر مثلها خمسون ثم ماتت من مرضها كان له الخيار في أن يكون له نصف العبد أو الدار أو يرجع بمهر مثلها نقدا كما لو اشتراه فاستحق نصفه كان له إن شاء أن يأخذ النصف بنصف الثمن وإن شاء نقض البيع ورجع بالثمن ( قال الربيع ) وللشافعي قول آخر أنه إن اشترى عبدا فاستحق بعضه أن الصفقة باطلة من قبل أنها جمعت شيئين أحدهما حرام والآخر حلال فبطلت كلها ، وهكذا الخلع على عبد استحق بعضه لأن الخلع بيع من البيوع وله مهر مثلها والعبد مردود ( قال الشافعي ) وسواء كان للمرأة ميراث أو كان الزوج بحاله أصاب منه أقل أو أكثر أو مثل صداق مثلها أو الصداق الذي أعطاها أو لم يكن إنما الخلع كالبيع ، ألا ترى أن الخلع يفسد فيرجع عليها بمهر مثلها كما يرجع في البيوع الفائتة الفاسدة بقيمة السلعة ومال الميراث وهو لا يملك حتى تموت المرأة وهو زوج والخلع الذي هو عوض من البضع .
ما يجوز أن يكون به الخلع وما لا يجوز
( قال الشافعي ) رحمه الله : جماع ما يجوز به الخلع ولا يجوز أن ينظر إلى كل ما وقع عليه الخلع فإن كان يصلح أن يكون مبيعا فالخلع به جائز وإن كان لا يصلح أن يكون مبيعا فهو مردود وكذلك إن صلح أن يكون مستأجرا فهو كالمبيع ( قال ) وذلك مثل أن يخالع الرجل امرأته بخمر أو خنزير أو بجنين في بطن أمه أو عبد آبق أو طائر في السماء أو حوت في ماء أو بما في يده أو بما في يدها ولا يعرف الذي هو في يده أو بثمرة لم يبد صلاحها على أن يترك أو بعبد بغير عينه ولا صفة أو بمائة دينار إلى ميسرة أو إلى ما شاء أحدهما بغير أجل معلوم أو ما في معنى هذا أو يخالعها بحكمه أو بما شاء فلان أو بمالها كله وهو لا يعرفه أو بما في بيتها وهو لا يعرفه ( قال ) وإذا وقع الخلع على هذا فالطلاق واقع لا يرد ويرجع عليها أبدا بمهر مثلها ، وكذلك إن خالعها على عبد رجل أو دار رجل فسلم ذلك الرجل العبد أو الدار لم يجز لأن البيع كان لا يجوز فيهما حين عقد وهكذا إن خالعها على عبد فاستحق أو وجد حرا أو مكاتبا رجع عليها بصداق مثلها لا قيمة ما خالعها عليه ولا ما أخذت منه من المهر كما يشتري الشيء شراء فاسدا فيهلك في يدي المشتري فيرجع البائع بقيمة الشيء المشترى الفائت لا بقيمة ما اشتراه به والطلاق لا يرجع فهو كالمستهلك فيرجع بما فات منه وقيمة ما فات منه صداق مثلها كقيمة السلعة الفائتة
( قال ) ولو اختلعت منه بعبد فاستحق نصفه أو أقل أو أكثر كان الزوج بالخيار بين أن يأخذ النصف ويرجع عليها بنصف مهر مثلها أو يرد العبد ويرجع عليها بمهر مثلها كحكمه لو اشتراه فاستحق نصفه ( قال الربيع ) وقول الشافعي الذي نأخذ به إن استحق بعضه بطل كله ورجع بصداق مثلها
( قال ) وكذلك لو خالعها على أنه بريء من سكناها كان الطلاق واقعا وكان ما اختلعت به غير جائز لأن إخراجها من المسكن محرم ولها السكنى ويرجع عليها بمهر مثلها ولو خالعها على أن عليها رضاع ابنها وقتا معلوما كان جائزا لأن الإجارة تصح على الرضاع بوقت معلوم فلو مات المولود وقد مضى نصف الوقت رجع عليها [ ص: 216 ] بنصف مهر مثلها ولو لم ترضع المولود حتى مات أو انقطع لبنها أو هربت منه حتى مضى الرضاع رجع عليها بمهر مثلها وإنما قلت إذا مات المولود رجع عليها بمهر مثلها ولم أقل يأتيها بمولود مثله ترضعه كما يتكارى منها المنزل فيسكنه غيره والدابة فتحمل عليها ورثته غيره إذا مات ويفعل ذلك هو وهو حي لأن إبداله مثلها ممن يسكن سكنه ويركب ركوبه سواء لا يفرق السكن ولا الدابة بينهما وأن المرأة تدر على المولود ولا تدر على غيره ويقبل المولود ثديها ولا يقبله غيره ويستمريه منها ولا يستمريه من غيرها ولا ترى أمه ولا تطيب نفسها له وليس هذا في دار ولا دابة يركبها راكب ولا يسكنها ساكن
( قال ) ولو اختلعت منه بأن عليها ما يصلح المولود من نفقة وشيء إن نابه وقتا معلوما لم يجز لأن ما ينوبه مجهول لما يعرض له من مرض وغيره .
وكذلك نفقته إلا أن تسمى مكيلة معلومة ودراهم معلومة تختلع منه بها ويأمرها بنفقتها عليه ويصدقها بها أو يدفعها إلى غيره أو يوكل غيرها بها فيقبضها في أوقات معلومة فإن وكل غيرها بأن يقبضها إذا احتاج لم يجز لأن حاجته قد تقدم وتؤخر وتكثر وتقل وإذا لم يجز رجع عليها بمهر مثلها وإن قبض منها مع الشرط الفاسد شيئا لا يجوز رده عليها أو مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل
( قال ) وهكذا لو خالعها على نفقة معلومة في وقت معلوم وأن تكفنه وتدفنه إن مات أو نفقته وجعل طبيب إن مرض لأن هذا يكون ولا يكون وتكون نفقة المرض مجهولة وجعل الطبيب فإذا أنفقت عليه رجعت عليه بالنفقة وانفسخ الشرط وكان عليها مهر مثلها
( قال ) ولو خالعها بسكنى دار لها سنة معلومة أو خدمة عبد سنة معلومة جاز الخلع فإن انهدمت الدار أو مات العبد رجع عليها بمهر مثلها
( قال ) ولو اختلعت منه بما في بيتها من متاع فإن تصادقا على أنهما كانا يعرفان جميع ما في بيتها ولا بيت لها غيره أو سميا البيت بعينه جاز وإن كانا أو أحدهما لا يعرفه أو كان لها بيت غيره فلم يسميا البيت وإن عرفا ما فيه فالخلع جائز وله مهر مثلها
( قال ) وإن اختلعت منه بالحساب الذي كان بينهما فإن كانت تعرفه ويعرفه جاز وإن كانا يجهلانه وقع الخلع وله عليها مهر مثلها وإن عرفه أحدهما وادعى الآخر جهالته تحالفا وله مهر مثلها وإن عرفاه فادعى الزوج أنه كان في البيت شيء فأخرج منه أو المرأة أنه لم يكن في البيت شيء فأدخله تحالفا وله عليها مهر مثلها .
المهر الذي مع الخلع ( قال الشافعي ) وإذا خالع الرجل امرأته دخل بها أو لم يدخل بها قبضت منه الصداق أو لم تقبضه فالخلع جائز فإن كانت خالعته على دار أو دابة أو عبد بعينه أو شيء أو دنانير مسماة أو شيء يجوز عليه الخلع ولم يذكر واحد منهما المهر فالخلع جائز ولا يدخل المهر في شيء منه فإن كان دفع إليها المهر وقد دخل بها فهو لها لا يأخذ منه شيئا ، وإن لم يكن دفع إليها فالمهر لها عليه وإن كان لم يدخل بها وقد دفع المهر إليها رجع عليها بنصف المهر وإن كان لم يدفع منه شيئا إليها أخذت منه نصف المهر وإن كان المهر فاسدا أخذت منه نصف مهر مثلها ( قال ) والخلع والمبارأة والفدية سواء كله في هذا إذا أريد به الفراق ولا يختلف وكذلك الطلاق على شيء موصوف
( قال ) وإن تخالعا وقد سمى لها صداقا ولم يذكراه فهو كما وصفت ، لها الصداق إن دخل ونصفه إن لم يدخل فإن كان الصداق فاسدا فلها مهر مثلها إن دخل ونصف مهر مثلها إن لم يدخل وإن لم يكن سمى صداقا فلها المتعة والخلع جائز
( قال ) فإن قالت أبارئك على مائة دينار وأدفعها إليك فهو كقولها أخالعك وإن قالت أبارئك على مائة دينار على أن لا تباعة لواحد منا على صاحبه فتصادقا على البراءة من الصداق جاز وإن لم يتصادقا وأراد البراءة من [ ص: 217 ] الصداق وقالت لم أبرئك منه تحالفا وكان لها مهر مثلها وليس هذا كالمسألة قبلها المبارأة ههنا مطلقة على المبارأة من عقد النكاح والمبارأة ههنا على أن لا تباعة لواحد منهما على صاحبه تحتمل عقد النكاح والمال فلذلك جعلنا هذا مبارأة مجهولة ورددناها إلى مهر مثلها فيها إذا تناكرا في الصداق .
الخلع على الشيء بعينه فيتلف ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا اختلعت المرأة من زوجها بعبد بعينه فلم تدفعه إليه حتى مات العبد رجع عليها بمهر مثلها كما يرجع لو اشتراه منها فمات قبل أن يقبضه رجع عليها بثمنه الذي قبضت منه وينتقض فيه البيع ، ولو قبضه منها ثم غصبته إياه أو قتلته كان له عليها قيمته وكان كعبد له لم تملكه قط جنت عليه أو غصبته
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وكذلك لو اختلعت منه على دابة أو ثوب أو عرض فمات أو تلف رجع عليها بمهر مثلها ، ولو اختلعت منه على دار فاحترقت قبل أن يقبضها كان له الخيار في أن يرجع بمهر مثلها أو تكون له العرصة بحصتها من الثمن ، فإن كانت حصتها من الثمن النصف كانت له به ورجع عليها بنصف مهر مثلها
( قال ) ولو اختلعت منه بعبد معيب فرده بالعيب رجع عليها بمهر مثلها ، ولو خالعته على ثوب وشرطت أنه هروي فإذا هو غير هروي فرده بأنه ليس كما شرطت رجع عليها بالمهر والخلع في كل ما وصفت كالبيع لا يختلف .
خلع المرأتين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كانت للرجل امرأتان فقالتا له طلقنا معا بألف لك علينا فطلقهما في ذلك المجلس لزمه الطلاق وهو بائن لا يملك فيه الرجعة والقول في الألف واحد من قولين فمن أجاز أن ينكح امرأتين معا بمهر مسمى فيكون بينهما على قدر مهر مثلهما أجاز هذا وجعل على كل واحدة منهما من الألف بقدر مهر مثلها كان مهر مثل إحداهما مائة والأخرى مائتين فعلى التي مهر مثلها مائة ثلث الألف والتي مهر مثلها مائتان ثلثاها ( قال ) ومن قال هذا قال فإن طلق إحداهما دون الأخرى في وقت الخيار وقع عليها الطلاق وكانت عليها حصتها من الألف ثم إن طلق الأخرى قبل مضي وقت الخيار لزمها الطلاق وكانت عليها حصتها من الألف ، وإن مضى وقت الخيار فطلقها لزمها الطلاق وهو يملك فيه الرجعة ولا شيء له من الألف ولو طلق إحداهما في وقت الخيار ولم يطلق الأخرى حتى يمضي وقت الخيار لزم التي طلق في وقت الخيار حصتها من الألف وكان طلاقا بائنا ولم يلزم التي طلق بعد وقت الخيار شيء وكان يملك في طلاقها الرجعة ( قال ) وله أن لا يطلقها في وقت الخيار ولا بعد ، وإن أرادتا الرجوع فيما جعلتا له في وقت الخيار لم يكن لهما ، وكذلك لو قال هو لهما إن أعطيتماني ألفا فأنتما طالقان ثم أراد أن يرجع لم يكن ذلك له في وقت الخيار فإذا مضى فأعطياه ألفا لم يكن عليه أن يطلقهما إلا أن يشاء أن يبتدئ لهما طلاقا

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|