عرض مشاركة واحدة
  #343  
قديم 10-01-2023, 04:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,122
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(329)
الحلقة (343)
صــ 23 إلى صــ 30




[ ص: 23 ] 4943 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أصحابه ، عن إبراهيم في قوله : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " قال : المرأة تكون عند الرجل فيطلقها ، ثم يريد أن يعود إليها ، فلا يعضلها وليها أن ينكحها إياه .

4944 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب : قال الله - تعالى ذكره - : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " الآية ، فإذا طلق الرجل المرأة وهو وليها ، فانقضت عدتها ، فليس له أن يعضلها حتى يرثها ، ويمنعها أن تستعف بزوج .

4945 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن " هو الرجل يطلق امرأته تطليقة ، ثم يسكت عنها فيكون خاطبا من الخطاب ، فقال الله لأولياء المرأة : " لا تعضلوهن " يقول : لا تمنعوهن أن يرجعن إلى أزواجهن بنكاح جديد " إذا تراضوا بينهم بالمعروف " إذا رضيت المرأة وأرادت أن تراجع زوجها بنكاح جديد .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في هذه الآية أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - أنزلها دلالة على تحريمه على أولياء النساء مضارة من كانوا له أولياء من النساء بعضلهن عمن أردن نكاحه من أزواج كانوا لهن ، فبن منهن بما تبين به المرأة من زوجها من طلاق أو فسخ نكاح . وقد يجوز أن تكون نزلت في أمر معقل بن يسار وأمر أخته ، أو في أمر جابر بن عبد الله وأمر ابنة عمه . وأي ذلك كان فالآية دالة على ما ذكرت .

[ ص: 24 ] ويعني بقوله تعالى : " فلا تعضلوهن " لا تضيقوا عليهن بمنعكم إياهن - أيها الأولياء - من مراجعة أزواجهن بنكاح جديد ، تبتغون بذلك مضارتهن .

يقال منه : " عضل فلان فلانة عن الأزواج يعضلها عضلا " وقد ذكر لنا أن حيا من أحياء العرب من لغتها : " عضل يعضل " . فمن كان من لغته " عضل " فإنه إن صار إلى " يفعل " قال : " يعضل " بفتح " الضاد " . والقراءة على ضم " الضاد " دون كسرها ، والضم من لغة من قال " عضل " .

وأصل " العضل " الضيق ، ومنه قول عمر - رحمة الله عليه - : " وقد أعضل بي أهل العراق ، لا يرضون عن وال ، ولا يرضى عنهم وال " يعني بذلك حملوني على أمر ضيق شديد لا أطيق القيام به .

ومنه أيضا " الداء العضال " وهو الداء الذي لا يطاق علاجه ؛ لضيقه عن العلاج ، وتجاوزه حد الأدواء التي يكون لها علاج ، ومنه قول ذي الرمة :


ولم أقذف لمؤمنة حصان بإذن الله موجبة عضالا
[ ص: 25 ] ومنه قيل : " عضل الفضاء بالجيش لكثرتهم " إذا ضاق عنهم من كثرتهم . وقيل : " عضلت المرأة " إذا نشب الولد في رحمها فضاق عليه الخروج منها ، ومنه قول أوس بن حجر :


وليس أخوك الدائم العهد بالذي يذمك إن ولى ويرضيك مقبلا
ولكنه النائي إذا كنت آمنا وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا


و " أن " التي في قوله : " أن ينكحن " في موضع نصب قوله : " تعضلوهن " .

ومعنى قوله : " إذا تراضوا بينهم بالمعروف " إذا تراضى الأزواج والنساء بما يحل ، ويجوز أن يكون عوضا من أبضاعهن من المهور ، ونكاح جديد مستأنف كما : -

4946 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن عمير بن عبد الله ، عن عبد الملك بن المغيرة ، عن عبد الرحمن البيلماني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنكحوا الأيامى . فقال رجل : يا رسول الله ، ما العلائق بينهم ؟ قال : " ما تراضى عليه أهلوهم " .

[ ص: 26 ] 4947 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن الحارث قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو منه .

قال أبو جعفر : وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال : " لا نكاح إلا بولي من العصبة " . وذلك أن الله - تعالى ذكره - منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك . فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها ، أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها - لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم ، إذ كان لا سبيل له إلى عضلها - وذلك أنها إن كانت متى أردات النكاح جاز لها إنكاح نفسها ، أو إنكاح من توكله إنكاحها ، [ ص: 27 ] فلا عضل هنالك لها من أحد فينهى عاضلها عن عضلها . وفي فساد القول بأن لا معنى لنهي الله عما نهى عنه صحة القول بأن لولي المرأة في تزويجها حقا لا يصح عقده إلا به . وهو المعنى الذي أمر الله به الولي من تزويجها إذا خطبها خاطبها ورضيت به ، وكان رضى عند أوليائها ، جائزا في حكم المسلمين لمثلها أن تنكح مثله ونهاه عن خلافه من عضلها ، ومنعها عما أرادت من ذلك ، وتراضت هي والخاطب به .

القول في تأويل قوله - تعالى ذكره - ( ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله ذلك ما ذكر في هذه الآية من نهي أولياء المرأة عن عضلها عن النكاح ، يقول : فهذا الذي نهيتكم عنه من عضلهن عن النكاح عظة مني من كان منكم أيها الناس يؤمن بالله واليوم الآخر - يعني يصدق بالله ، فيوحده ، ويقر بربوبيته ، " واليوم الآخر " يقول : ومن يؤمن باليوم الآخر ، فيصدق بالبعث للجزاء والثواب والعقاب ؛ ليتقي الله في نفسه فلا يظلمها بضرار وليته ومنعها من نكاح من رضيته لنفسها ، ممن أذنت لها في نكاحه .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : " ذلك يوعظ به " وهو [ ص: 28 ] خطاب لجميع ، وقد قال من قبل : " فلا تعضلوهن " ؟ وإذا جاز أن يقال في خطاب الجميع " ذلك " أفيجوز أن تقول لجماعة من الناس وأنت تخاطبهم : " أيها القوم ، هذا غلامك ، وهذا خادمك " وأنت تريد : هذا خادمكم ، وهذا غلامكم ؟

قيل : لا إن ذلك غير جائز مع الأسماء الموضوعات ؛ لأن ما أضيف له الأسماء غيرها ، فلا يفهم سامع سمع قول قائل لجماعة : " أيها القوم ، هذا غلامك " أنه عنى بذلك هذا غلامكم - إلا على استخطاء الناطق في منطقه ذلك . فإن طلب لمنطقه ذلك وجها في الصواب صرف كلامه ذلك إلى أنه انصرف عن خطاب القوم بما أراد خطابهم به إلى خطاب رجل واحد منهم أو من غيرهم ، وترك مجاوزة القوم بما أراد مجاوزتهم به من الكلام . وليس ذلك كذلك في " ذلك " لكثرة جري ذلك على ألسن العرب في منطقها وكلامها ، حتى صارت " الكاف " - التي هي كناية اسم المخاطب فيها - كهيئة حرف من حروف الكلمة التي هي متصلة . وصارت الكلمة بها كقول القائل : " هذا " كأنها ليس معها اسم مخاطب . فمن قال : " ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر " أقر " الكاف " من " ذلك " موحدة مفتوحة في خطاب الواحدة من النساء ، والواحد من الرجال ، والتثنية ، والجمع . ومن قال : " ذلكم يوعظ به " كسر " الكاف " في خطاب الواحدة من النساء ، وفتح في خطاب الواحد من الرجال ، فقال في خطاب الاثنين [ ص: 29 ] منهم : " ذلكما " وفي خطاب الجمع " ذلكم " .

وقد قيل : إن قوله : " ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله " خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولذلك وحد ثم رجع إلى خطاب المؤمنين بقوله : " من كان منكم يؤمن بالله " . وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه لم يكن فيه مؤونة .
القول في تأويل قوله تعالى ( ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( 232 ) )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله " ذلكم " نكاحهن أزواجهن ، ومراجعة أزواجهن إياهن بما أباح لهن من نكاح ومهر جديد " أزكى لكم " أيها الأولياء والأزواج والزوجات .

ويعني بقوله : " أزكى لكم " أفضل وخير عند الله من فرقتهن أزواجهن . وقد دللنا فيما مضى على معنى " الزكاة " فأغنى ذلك عن إعادته .

وأما قوله : " وأطهر " فإنه يعني بذلك : أطهر لقلوبكم وقلوبهن وقلوب أزواجهن من الريبة . وذلك أنهما إذا كان في نفس كل واحد منهما - أعني الزوج والمرأة - علاقة حب ، لم يؤمن أن يتجاوزا ذلك إلى غير ما أحله الله لهما ، [ ص: 30 ] ولم يؤمن من أوليائهما أن يسبق إلى قلوبهم منهما ما لعلهما أن يكونا منه بريئين . فأمر الله - تعالى ذكره - الأولياء إذا أراد الأزواج التراجع بعد البينونة بنكاح مستأنف في الحال التي أذن الله لهما بالتراجع أن لا يعضل وليته عما أرادت من ذلك ، وأن يزوجها ؛ لأن ذلك أفضل لجميعهم ، وأطهر لقلوبهم مما يخاف سبوقه إليها من المعاني المكروهة .

ثم أخبر - تعالى ذكره - عباده أنه يعلم من سرائرهم وخفيات أمورهم ما لا يعلمه بعضهم من بعض ، ودلهم بقوله لهم ذلك في هذا الموضع أنه إنما أمر أولياء النساء بإنكاح من كانوا أولياءه من النساء إذا تراضت المرأة والزوج الخاطب بينهم بالمعروف ، ونهاهم عن عضلهن عن ذلك لما علم مما في قلب الخاطب والمخطوب من غلبة الهوى والميل من كل واحد منهما إلى صاحبه بالمودة والمحبة . فقال لهم - تعالى ذكره - : افعلوا ما أمرتكم به إن كنتم تؤمنون بي ، وبثوابي وبعقابي في معادكم في الآخرة ، فإني أعلم من قلب الخاطب والمخطوبة ما لا تعلمونه من الهوى والمحبة . وفعلكم ذلك أفضل لكم عند الله ولهم ، وأزكى وأطهر لقلوبكم وقلوبهن في العاجل .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.00%)]