عرض مشاركة واحدة
  #345  
قديم 10-01-2023, 04:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(331)
الحلقة (345)
صــ 39 إلى صــ 46

4968 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، [ ص: 39 ] عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين " قال : إذا طلق الرجل امرأته وهي ترضع له ولدا .

4969 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك ، بنحوه .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في قوله : " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " القول الذي رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، ووافقه على القول به عطاء والثوري والقول الذي روي عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وابن عمر : وهو أنه دلالة على الغاية التي ينتهى إليها في رضاع المولود إذا اختلف والداه في رضاعه ، وأن لا رضاع بعد الحولين يحرم شيئا ، وأنه معني به كل مولود ، لستة أشهر كان ولاده أو لسبعة أو لتسعة .

فأما قولنا : " إنه دلالة على الغاية التي ينتهى إليها في الرضاع عند اختلاف الوالدين فيه " فلأن الله - تعالى ذكره - لما حد في ذلك حدا ، كان غير جائز أن يكون ما وراء حده موافقا في الحكم ما دونه . لأن ذلك لو كان كذلك ، لم يكن للحد معنى معقول . وإذا كان ذلك كذلك ، فلا شك أن الذي هو دون الحولين من الأجل ، لما كان وقت رضاع ، كان ما وراءه غير وقت له ، وأنه وقت لترك الرضاع وأن تمام الرضاع لما كان تمام الحولين ، وكان التام من الأشياء لا معنى إلى الزيادة [ ص: 40 ] فيه ، كان لا معنى للزيادة في الرضاع على الحولين ، وأن ما دون الحولين من الرضاع لما كان محرما ، كان ما وراءه غير محرم .

وإنما قلنا : " هو دلالة على أنه معني به كل مولود ، لأي وقت كان ولاده ، لستة أشهر أو سبعة أو تسعة " لأن الله - تعالى ذكره - عم بقوله : " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين " ولم يخصص به بعض المولودين دون بعض .

وقد دللنا على فساد القول بالخصوص بغير بيان الله - تعالى ذكره - ذلك في كتابه ، أو على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - في كتابنا ( كتاب البيان عن أصول الأحكام ) ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

فإن قال لنا قائل : فإن الله - تعالى ذكره - : قد بين ذلك بقوله : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) [ سورة الأحقاف : 15 ] ، فجعل ذلك حدا للمعنيين كليهما ، فغير جائز أن يكون حمل ورضاع أكثر من الحد الذي حده الله - تعالى ذكره - . فما نقص من مدة الحمل عن تسعة أشهر ، فهو مزيد في مدة الرضاع ، وما زيد في مدة الحمل ، نقص من مدة الرضاع . وغير جائز أن يجاوز بهما كليهما مدة ثلاثين شهرا ، كما حده الله - تعالى ذكره - .

قيل له : فقد يجب أن يكون مدة الحمل - على هذه المقالة - إن بلغت حولين كاملين ، ألا يرضع المولود إلا ستة أشهر ، وإن بلغت أربع سنين ، أن يبطل الرضاع فلا يرضع ، لأن الحمل قد استغرق الثلاثين شهرا وجاوز غايته أو يزعم قائل هذه المقالة : أن مدة الحمل لن تجاوز تسعة أشهر ، فيخرج من قول جميع الحجة ، ويكابر الموجود والمشاهد ، وكفى بهما حجة على خطأ دعواه إن ادعى ذلك . فإلى أي الأمرين لجأ قائل هذه المقالة ، وضح لذوي الفهم فساد قوله .

[ ص: 41 ] فإن قال لنا قائل : فما معنى قوله - إن كان الأمر على ما وصفت - : " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " وقد ذكرت آنفا أنه غير جائز أن يكون ما جاوز حد الله - تعالى ذكره - نظير ما دون حده في الحكم؟ وقد قلت : إن الحمل والفصال قد يجاوزان ثلاثين شهرا؟

قيل : إن الله - تعالى ذكره - لم يجعل قوله : " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " حدا تعبد عباده بأن لا يجاوزوه ، كما جعل قوله : " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " حدا لرضاع المولود الثابت الرضاع ، وتعبد العباد بحمل والديه عند اختلافهما فيه ، وإرادة أحدهما الضرار به . وذلك أن الأمر من الله - تعالى ذكره - إنما يكون فيما يكون للعباد السبيل إلى طاعته بفعله والمعصية بتركه . فأما ما لم يكن لهم إلى فعله ولا إلى تركه سبيل ، فذلك مما لا يجوز الأمر به ولا النهي عنه ولا التعبد به .

فإذا كان ذلك كذلك ، وكان الحمل مما لا سبيل للنساء إلى تقصير مدته ولا إلى إطالتها ، فيضعنه متى شئن ، ويتركن وضعه إذا شئن كان معلوما أن قوله : " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " إنما هو خبر من الله - تعالى ذكره - عن أن من خلقه من حملته وولدته وفصلته في ثلاثين شهرا ، لا أمر بأن لا يتجاوز في مدة حمله وفصاله ثلاثين شهرا ، لما وصفنا . وكذلك قال ربنا - تعالى ذكره - في كتابه : ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) [ سورة الأحقاف : 15 ] .

[ ص: 42 ] فإن ظن ذو غباء أن الله - تعالى ذكره - إذ وصف أن من خلقه من حملته أمه ووضعته وفصلته في ثلاثين شهرا ، فواجب أن يكون جميع خلقه ذلك صفتهم وأن ذلك دلالة على أن حمل كل عباده وفصاله ثلاثون شهرا فقد يجب أن يكون كل عباده صفتهم أن يقولوا إذا بلغوا أشدهم وبلغوا أربعين سنة : ( رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه ) [ سورة الأحقاف : 15 ] ، على ما وصف الله به الذي وصف في هذه الآية .

وفي وجودنا من يستحكم كفره بالله ، وكفرانه نعم ربه عليه ، وجرأته على والديه بالقتل والشتم وضروب المكاره ، عند استكماله الأربعين من سنيه وبلوغه أشده ما يعلم أنه لم يعن الله بهذه الآية صفة جميع عباده ، بل يعلم أنه إنما وصف بها بعضا منهم دون بعض ، وذلك ما لا ينكره ولا يدفعه أحد . لأن من يولد من الناس لسبعة أشهر ، أكثر ممن يولد لأربع سنين ولسنتين; كما أن من يولد لتسعة أشهر ، أكثر ممن يولد لستة أشهر ولسبعة أشهر .

قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة ذلك ، فقرأ عامة أهل المدينة [ ص: 43 ] والعراق والشام : " لمن أراد أن يتم الرضاعة " ب " الياء " في " يتم " ونصب " الرضاعة " - بمعنى : لمن أراد من الآباء والأمهات أن يتم رضاع ولده .

وقرأه بعض أهل الحجاز : " لمن أراد أن تتم الرضاعة " ب " التاء " في " تتم " ورفع " الرضاعة " بصفتها .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ ب " الياء " في " يتم " ونصب " الرضاعة " . لأن الله - تعالى ذكره - قال : " والوالدات يرضعن أولادهن " فكذلك هن يتممنها إذا أردن هن والمولود له إتمامها وأنها القراءة التي جاء بها النقل المستفيض الذي ثبتت به الحجة ، دون القراءة الأخرى .

وقد حكي في الرضاعة سماعا من العرب كسر " الراء " التي فيها . فإن تكن صحيحة ، فهي نظيرة " الوكالة والوكالة " و " الدلالة والدلالة " و " مهرت الشيء مهارة ومهارة " - فيجوز حينئذ " الرضاع " و " الرضاع " كما قيل : " الحصاد ، والحصاد " . وأما القراءة فبالفتح لا غير .

القول في تأويل قوله تعالى ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " وعلى المولود له " وعلى آباء الصبيان للمراضع " رزقهن " يعني : رزق والدتهن .

[ ص: 44 ] ويعني ب " الرزق " : ما يقوتهن من طعام ، وما لا بد لهن من غذاء ومطعم .

و " كسوتهن " ويعني : ب " الكسوة " : الملبس .

ويعني بقوله : " بالمعروف " بما يجب لمثلها على مثله ، إذ كان الله - تعالى ذكره - قد علم تفاوت أحوال خلقه بالغنى والفقر ، وأن منهم الموسع والمقتر وبين ذلك . فأمر كلا أن ينفق على من لزمته نفقته من زوجته وولده على قدر ميسرته ، كما قال - تعالى ذكره - : ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) [ سورة الطلاق : 7 ] ، وكما : -

4970 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " قال : إذا طلق الرجل امرأته وهي ترضع له ولدا ، فتراضيا على أن ترضع حولين كاملين ، فعلى الوالد رزق المرضع والكسوة بالمعروف على قدر الميسرة ، لا نكلف نفسا إلا وسعها .

4971 - حدثني علي بن سهل الرملي قال حدثنا زيد وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا مهران عن سفيان قوله : " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " والتمام الحولان " وعلى المولود له " على الأب طعامها وكسوتها بالمعروف

4972 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " قال : على الأب .

[ ص: 45 ] القول في تأويل قوله تعالى ( لا تكلف نفس إلا وسعها )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : لا تحمل نفس من الأمور إلا ما لا يضيق عليها ، ولا يتعذر عليها وجوده إذا أرادت . وإنما عنى الله - تعالى ذكره - بذلك : لا يوجب الله على الرجال من نفقة من أرضع أولادهم من نسائهم البائنات منهم ، إلا ما أطاقوه ووجدوا إليه السبيل ، كما قال - تعالى ذكره - : ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ) [ سورة الطلاق : 7 ] ، كما : -

4973 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا مهران وحدثني علي قال : حدثنا زيد جميعا ، عن سفيان : " لا تكلف نفس إلا وسعها " إلا ما أطاقت .

" والوسع " " الفعل " من قول القائل : " وسعني هذا الأمر فهو يسعني سعة " - ويقال : " هذا الذي أعطيتك وسعي " أي : ما يتسع لي أن أعطيك ، فلا يضيق علي إعطاؤكه و " أعطيتك من جهدي " إذا أعطيته ما يجهدك فيضيق عليك إعطاؤه .

فمعنى قوله : " لا تكلف نفس إلا وسعها " هو ما وصفت : من أنها لا تكلف إلا ما يتسع لها بذل ما كلفت بذله ، فلا يضيق عليها ولا يجهدها لا ما ظنه جهلة أهل القدر من أن معناه : لا تكلف نفس إلا ما قد أعطيت عليه القدرة من الطاعات . لأن ذلك لو كان كما زعمت ، لكان قوله - تعالى ذكره - : ( انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) [ سورة الإسراء : 48 وسورة الفرقان : 9 ] ، إذا كان دالا على أنهم غير مستطيعي السبيل إلى ما كلفوه واجبا أن يكون القوم في حال واحدة ، قد أعطوا الاستطاعة على [ ص: 46 ] ما منعوها عليه . وذلك من قائله إن قاله ، إحالة في كلامه ، ودعوى باطل لا يخيل بطوله . وإذ كان بينا فساد هذا القول ، فمعلوم أن الذي أخبر - تعالى ذكره - أنه كلف النفوس من وسعها ، غير الذي أخبر أنه كلفها مما لا تستطيع إليه السبيل .
القول في تأويل قوله تعالى ( لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأه عامة قرأة أهل الحجاز والكوفة والشام : " لا تضار والدة بولدها " بفتح " الراء " بتأويل : لا تضارر على وجه النهي ، وموضعه إذا قرئ كذلك - جزم ، غير أنه حرك ، إذ ترك التضعيف بأخف الحركات ، وهو الفتح . ولو حرك إلى الكسر كان جائزا ، إتباعا لحركة لام الفعل حركة عينه . وإن شئت فلأن الجزم إذا حرك حرك إلى الكسر .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]