
19-01-2023, 07:16 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,388
الدولة :
|
|
رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله
وسميت هذه الأشهر بالأشهر الحرم؛ لأن الله حرم فيها القتال، والاعتداء والظلم، كما قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 217]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ ﴾ [المائدة: 2]، وقال تعالى: ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].
﴿ بالشَّهْرِ الْحَرَامِ ﴾ الباء: للتعويض، كما يقال: صاعًا بصاع، أي: أنه لما منعكم المشركون من دخول مكة في الشهر الحرام «ذي القعدة» سنة ست من الهجرة، قاضاكم الله بالدخول من قابل، سنة سبع من الهجرة في «ذي القعدة» أي: هذا بهذا.
وفي هذا تطييب لقلوب الصحابة رضي الله عنهم بتمام نسكهم.
ويحتمل أن المعنى: إذا قاتلكم الكفار في الشهر الحرام، فقاتلوهم فيه، أو إن قاتلتموهم في الشهر الحرام فقد قاتلوكم فيه، وهم المعتدون، فلا حرج عليكم في قتالهم فيه.
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى، أو يغزو فإذا حضر أقام حتى ينسلخ»[15].
﴿ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ﴾ معطوف على ما قبله، من عطف العام على الخاص.
والحرمات: جمع حرمة، وهي كل ما يجب احترامه، من زمان أو مكان أو أشخاص أو منافع أو أعيان، ومنها حرمة الشهر الحرام، والبلد الحرام، وحرمة الإحرام، وحرمة المسلم والذمي، والمعاهد والمستأمن.
والمعنى: أن هذه الحرمات إذا انتهك شيء منها أو اعتدي عليه يقتص من المعتدي بمثله، فمن قاتل في الشهر الحرام قوتل في الشهر الحرام، ومن اعتدى في الحرم اقتص منه في الحرم، ومن اعتدى على مسلم أو ذمي ونحوه في بدنه أو عرضه أو ماله اقتص منه، وهكذا.
ولهذا لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية أن عثمان رضي الله عنه قد قتل- وكان بعثه برسالة إلى قريش ليبلغهم أنه صلى الله عليه وسلم ما جاء لقتال- بايع أصحابه تحت الشجرة وكانوا ألفًا وأربعمائة على قتال المشركين، وعدم الفرار، فلما بلغه أن عثمان لم يقتل كف عن ذلك، وتم الصلح بينه وبينهم.
﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ الفاء عاطفة، تفيد التفريع، و«من» شرطية، والفاء في قوله: ﴿ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ﴾ رابطة لجواب الشرط، لأنه جملة طلبية، وهذه الآية توكيد وتقوية لقوله تعالى: ﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ﴾، والاعتداء مجاوزة الحد، أي: فمن اعتدى عليكم من الكفار بقتال، أو قتل، أو انتهاك عرض، أو سلب مال، أو غير ذلك.
﴿ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ الباء للمقابلة، والبدل، و«ما» مصدرية أو موصولة، أي: فخذوا حقكم منه بمثل اعتدائه عليكم، أو بمثل الذي اعتدى عليكم به، في هيئته وفي كيفيته، وفي زمانه، وفي مكانه، وغير ذلك، سواء بقتال أو قتل، أو غير ذلك، في الشهر الحرام، أو البلد الحرام، أو حال الإحرام، أو غير ذلك.
وسمى أخذهم بحقهم اعتداء؛ لأن سببه الاعتداء عليهم، وأيضًا من باب المجانسة والمشاكلة اللفظية، كما في قوله تعالى: ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 193]، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [النحل: 126]، وقوله تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40].
والأمر في قوله تعالى: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ للإباحة، بدليل قوله تعالى في آخر آية سورة النحل المذكورة: ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]، وقوله تعالى في آخر آية سورة الشورى المذكورة: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]، وقوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة: 237]، إلى غير ذلك.
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ بفعل أوامره واجتناب نواهيه، ومن ذلك عدم القتال في الشهر الحرام، والبلد الحرام، ما لم يعتد عليكم فيهما، وعدم تجاوز الحد في القصاص ممن اعتدى، وعدم الاعتداء على من لم يعتد.
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ الأمر للوجوب، أي: يجب أن تعلموا علم يقين أن الله عز وجل مع المتقين خاصة بنصره وعونه، وتأييده وتوفيقه؛ ليحملكم ذلك على تقوى الله عز وجل كما أنه عز وجل مع المتقين، ومع جميع خلقه بإحاطته بهم، علمًا وسمعًا وبصرًا وقدرة، وغير ذلك من معاني ربوبيته- عز وجل- العامة لجميع خلقه.
قوله تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.
سبب النزول:
عن أسلم أبي عمران قال: «حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكه، فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية، إنما أنزلت فينا، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار نجيًا، فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره، حتى فشا الإسلام، وكثر أهله، وكنا قد آثرناه على الأهلين، والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا، فنقيم فيهما، فنزل فينا: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾، فكانت التهلكة: الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد»[16].
قوله: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الإنفاق: إخراج المال وبذله، والأمر للوجوب.
﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: في الجهاد لإعلاء كلمة الله- عز وجل- وذلك بتجهيز الغزاة والمجاهدين في سبيل الله، وهذا من الجهاد بالمال الذي قد يكون أهم وأوجب من الجهاد بالنفس؛ ولهذا يقدم في الذكر في القرآن غالبًا على الجهاد بالنفس، وجعله الله أحد مصارف الزكاة الثمانية.
وفي الحديث: «من جهز غازيًا فقد غزا»[17]، ولما جهز عثمان رضي الله عنه جيش العسرة ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها قال صلى الله عليه وسلم: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم، يرددها مرارًا»[18].
كما يشمل الأمر بالإنفاق في سبيل الله جميع وجوه البر الواجبة من إخراج الزكاة والنفقات الواجبة والكفارات والصدقات والنفقات المستحبة في وجوه الخير كلها، فكل ذلك في سبيل الله عز وجل.
﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ الواو: عاطفة، و«لا» ناهية؛ أي: ولا تلقوا بأنفسكم وتفضوا بها إلى الهلكة، أو إلى الهلاك، والإلقاء بالأيدي إلى التهلكة معناه: الإلقاء بالنفس، وإنما يعبر بالأيدي وباليدين وباليد ونحو ذلك عن النفس، كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الأنفال: 51]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ [النبأ: 40].
كما يعبر بالوجه عن الذات كلها، كما قال عز وجل: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 27].
ولا يقال في مثل هذه الإطلاقات: إنها من المجاز، بل هي من الحقيقة، والسياق يدل على هذا.
والتعبير بالإلقاء فيه إشارة إلى إذلال من سلك هذا المسلك لنفسه، وهوانها عليه، فألقاها من غير اعتبار لها ولا مبالاة بها، وإذا هانت على المرء نفسه فمن ذا الذي يكرمها ويعزها، قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل الناس يغدو، فبائع نفسه، فمعتقها، أو موبقها»[19].
وقد أحسن القائل:
إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها 
هوانًا بها كانت على الناس أهونا [20]
وقال الآخر:
من يهن يسهل الهوان عليه 
ما لجرح بميت إيلام [21]
والتهلكة والهلكة والهلاك نوعان: هلاك حسي بالموت، كما في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ﴾ [غافر: 34].
وهلاك معنوي: بالكفر والمعاصي، وترك الجهاد والإنفاق في سبيل الله والعمل للآخرة، والتعرض لعذاب الله، والحرمان من ثوابه. وهذا أشد وأعظم.
وهذا هو المراد بالتهلكة في الآية، كما قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه في سبب نزول الآية: «فكانت التهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد».
وكما قال البراء بن عازب رضي الله عنه: «ولكن التهلكة أن يذنب الرجل الذنب، فيلقي بيده إلى التهلكة ولا يتوب»[22].
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: «التهلكة عذاب الله»[23].
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم»[24].
وهذا هو الهلاك الحقيقي؛ لما في ذلك من التعرض لعذاب الله- عز وجل- ودخول النار، والحرمان من ثوابه وجنته، وذلك حسب كبر الذنب وصغره، وكون صاحبه يخلد في النار أو لا يخلد.
كما قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].
وهذا الهلاك هو الذي عناه الصحابي الجليل سلمة بن صخر رضي الله عنه لما وقع على امرأته في نهار رمضان، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فزعًا مرعوبًا يقول: «يا رسول الله، هلكت وأهلكت». قال صلى الله عليه وسلم: «وما أهلكك؟» قال: «يا رسول الله، وقعت على امرأتي، وأنا صائم»[25].
ولا يمتنع أن يشمل النهي في الآية أيضًا: المعنى الأول وهو التسبب لإهلاك النفس بالموت، بقتل الإنسان نفسه، بأي سبب من الأسباب؛ لأن النفس وديعة عند الإنسان، يجب عليه المحافظة عليها، وحملها على ما فيه سلامتها في دينها ودنياها، والنَّأيُ بها عن مواقع الزلل والخطر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسى سُمًّا، فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا»[26].
ومن أسباب قتل النفس المحقق: استعمال المخدرات والدخان، كما ثبت ذلك من خلال الطب والإحصائيات المتزايدة للوفيات بسبب ذلك.
ولا يدخل في قتل النفس المبارزة في جهاد الكفار، ولا ما فيه إظهار شجاعة المسلمين وقوتهم، كأن ينغمر المجاهد في صفوف الكفار، ويحمل عليهم؛ ليريهم قوة المسلمين وشجاعتهم، وليرهبهم ويرعبهم، كما حصل هذا من أحد الصحابة المهاجرين في القسطنطينية- كما جاء في سبب النزول.
وعن أبي إسحاق السبيعي قال: قال رجل للبراء بن عازب: «إن حملت على العدو وحدي فقتلوني أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة؟ قال: لا. قال الله لرسوله: ﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا ﴾ [النساء: 84]، إنما هذا في النفقة».
وفي رواية: «ولكن التهلكة أن يذنب الرجل الذنب، فيلقي بيده إلى التهلكة، ولا يتوب». وفي رواية عنه: «التهلكة: أن يذنب الرجل الذنب فيقول: لا يغفر الله لي»[27].
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}: «ليس في القتال، ولكن حبسك النفقة في سبيل الله؛ لأنه عرضة تهلكة»[28].
وإذا كان دخول المجاهد بين صفوف الكفار، وحمله عليهم جائزًا؛ لإظهار قوة المسلمين وشجاعتهم وإرهاب الكفار وإرعابهم، فليس من الجائز أن يفجر الإنسان نفسه ليقتل غيره، وربما من غير المقاتلين ومن النساء والصبيان، كما هو واقع من يفعلون هذا، فهذا من الانتحار وقتل النفس بغير حق.
وفرقٌ بين من يدخل في صفوف الكفار، فيَقْتُلُ من استطاع منهم- مع احتمال أن ينجو بنفسه، وبين من يقتل نفسه لعل أحدًا منهم أن يموت معه، فهذا ليس من الجهاد في شيء، بل من قتل النفس والانتحار، وقد قال الله- عز وجل: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النساء: 29].
وهذا تشويه لمفهوم الجهاد في الإسلام، بل تشويه للإسلام وأحكامه، وخروج عما كلف الله به، وعلى تحريم هذا عامة أهل العلم سلفًا وخلفًا، وليس مع من يرى جواز ذلك دليل ولا تعليل صحيح؛ ولهذا لا يجوز أن يُفتى الناس بذلك ويُغرر بهم.
قوله: ﴿ وَأَحْسِنُوا ﴾ من عطف العام على الخاص؛ لأن الأمر بالإحسان أعم من الأمر بالإنفاق؛ لأن الإحسان يشمل الإنفاق وغيره، كما يشمل الإحسان بفعل الواجب والمستحب.
وقد يحمل الأمر بالإنفاق على الواجب، ويحمل الأمر بالإحسان على المستحب، والأول أعم وأولى.
أي: وأحسنوا في عبادة الله- عز وجل- إخلاصًا لله- عز وجل- ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال- عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125]، وقال تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّه ﴾ [البقرة: 112]؛ أي: أخلص العمل لله- عز وجل- وهو محسن باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»[29].
فالذي عبَد الله كأنه يراه قد غلّب جانب الرجاء والرغبة فيما عند الله.
والذي عبَد الله لأن الله يراه، قد غلّب جانب الخوف من الله.
والمرتبة الأولى أكمل من المرتبة الثانية.
وأَحْسِنوا أيضًا: إلى خلق الله بأداء حقوقهم الواجبة والمستحبة، وبذل المعروف، وكف الأذى، ومعاملتكم للناس بما تحبون أن تعاملوا به.
ولا يطلب من العبد غير هذين الأمرين: الإحسان في عبادة الله، والإحسان إلى عباد الله. ولهذا قال- عز وجل:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ هذا تعليل للأمر بالإحسان، أي: إن اﷲ يحب المحسنين بنوعي الإحسان: الإحسان في عبادته- عز وجل- والإحسان إلى عباده.
وفي هذا إثبات صفة المحبة لله- عز وجل- والحض على الإحسان بنوعيه، والترغيب فيه، ويفهم من هذا أنه- عز وجل- لا يحب الذين لا يحسنون بل يبغضهم.
[1] أخرجه البخاري في التوحيد (7458)، ومسلم في الإمارة (1904)، وأبوداود في الجهاد (2517)، والنسائي في الجهاد (3136)، والترمذي في فضائل الجهاد (1646)، وابن ماجه في الجهاد (2783)، من حديث أبي موسى h.
[2] أخرجه مسلم في الجهاد والسير (1731)، وأبو داود في الجهاد (2613)، والترمذي في السير (1617)، وابن ماجه في الجهاد (2858).
[3] أخرجه أحمد (1/ 300).
[4] أخرجه البخاري في الجهاد والسير (3014)، ومسلم في الجهاد والسير (1744)، وأبو داود في الجهاد (2668)، والترمذي في السير (1569)، وابن ماجه في الجهاد (2841).
[5] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (3/ 291)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (1/ 325).
[6] أخرجه البخاري في الفتن (7084)، ومسلم في الإمارة (1847)، وابن ماجه في الفتن (3979)، من حديث حذيفة رضي الله عنه.
[7] أخرجه البخاري في الحج (1834)، ومسلم في الحج (1353)، وأبو داود في المناسك (2017)، والنسائي في مناسك الحج (2892)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[8] أخرجه مسلم في الإيمان (121).
[9] أخرجه البخاري في التفسير- قوله: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ (4515).
[10] أخرجه البخاري في التفسير- قوله: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ (4515).
[11] أخرجه البخاري في الإيمان (25)، ومسلم في الإيمان (22).
[12] سبق تخريجه.
[13] انظر: «جامع البيان» (3/ 304- 309).
[14] أخرجه البخاري في بدء الخلق (3197)، وفي التفسير (4662)، ومسلم في القسامة (1679)، وأبو داود في المناسك (1947)، وابن ماجه في المقدمة (233)، وأحمد (5/ 37).
[15] أخرجه أبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» رقم (388)، وأحمد (2/ 334)، والنحاس في «الناسخ والمنسوخ» (1/ 535- الأثر 93) وإسناده صحيح.
[16] أخرجه أبو داود في الجهاد (2512)، والترمذي في تفسير سورة البقرة (2972)، والطبري في «جامع البيان» (3/ 322- 323)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (1/ 330)، والحاكم (2/ 84، 275)، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح غريب»، وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».
[17] أخرجه البخاري في الجهاد والسير (2843)، ومسلم في الإمارة (1895)، وأبو داود في الجهاد (2509)، والنسائي في الجهاد (3180)، والترمذي في فضائل الجهاد (1628)، وابن ماجه في الجهاد (2759)، من حديث زيد بن خالد رضي الله عنه.
[18] أخرجه أحمد (5/ 63)، والترمذي في المناقب (3701)، من حديث عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه، وقال: «حديث حسن غريب».
[19] أخرجه مسلم في الطهارة (223)، من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
[20] البيت مجهول النسبة. انظر: «الدر الفريد» (2/ 367).
[21] البيت للمتنبي. انظر: «ديوانه» (4/ 94).
[22] سيأتي تخريجه بتمامه.
[23] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (3/ 325).
[24] أخرجه أبو داود في البيوع (3462)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
[25] أخرجه البخاري في الصوم (1936)، ومسلم في الصيام (1111)، وأبو داود في الصوم (2390)، والترمذي في الصوم (724)، وابن ماجه في الصيام (1671)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[26] أخرجه البخاري في الطب (5778)، ومسلم في الإيمان (109)، وأبو داود في الطب (3872)، والنسائي في الجنائز (1965)، والترمذي في الطب (2043)، وابن ماجه في الطب (3460).
[27] أخرج هذا الأثر برواياته الطبري في «جامع البيان» (3/ 319- 320). وانظر: «تفسير ابن أبي حاتم» (1/ 332).
[28] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (3/ 318).
[29] أخرجه البخاري في الإيمان (50)، ومسلم في الإيمان (9)، والنسائي في الإيمان وشرائعه (4991)، وابن ماجه في المقدمة (64)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|