
22-01-2023, 04:08 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,491
الدولة :
|
|
رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى

تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (5)
سُورَةُ النِّسَاءِ
من صــ 123 الى صــ 130
الحلقة (230)
الثامنة : قوله تعالى : المؤمنات بين بهذا أنه لا يجوز التزوج بالأمة الكتابية ، فهذه الصفة مشترطة عند مالك وأصحابه ، والشافعي وأصحابه ، والثوري والأوزاعي والحسن [ ص: 123 ] البصري والزهري ومكحول ومجاهد .
وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي : نكاح الأمة الكتابية جائز . قال أبو عمر : ولا أعلم لهم سلفا في قولهم ، إلا أبا ميسرة عمرو بن شرحبيل فإنه قال : إماء أهل الكتاب بمنزلة الحرائر منهن . قالوا : وقوله المؤمنات على جهة الوصف الفاضل وليس بشرط ألا يجوز غيرها ؛ وهذا بمنزلة قوله تعالى : فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة فإن خاف ألا يعدل فتزوج أكثر من واحدة جاز ، ولكن الأفضل ألا يتزوج ؛ فكذلك هنا الأفضل ألا يتزوج إلا مؤمنة ، ولو تزوج غير المؤمنة جاز . واحتجوا بالقياس على الحرائر ، وذلك أنه لما لم يمنع قوله : المؤمنات في الحرائر من نكاح الكتابيات فكذلك لا يمنع قوله : المؤمنات في الإماء من نكاح إماء الكتابيات . وقال أشهب في المدونة : جائز للعبد المسلم أن يتزوج أمة كتابية . فالمنع عنده أن يفضل الزوج في الحرية والدين معا . ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز لمسلم نكاح مجوسية ولا وثنية ، وإذا كان حراما بإجماع نكاحهما فكذلك وطؤهما بملك اليمين قياسا ونظرا .
وقد روي عن طاوس ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار أنهم قالوا : لا بأس بنكاح الأمة المجوسية بملك اليمين . وهو قول شاذ مهجور لم يلتفت إليه أحد من فقهاء الأمصار . وقالوا : لا يحل أن يطأها حتى تسلم . وقد تقدم القول في هذه المسألة في " البقرة " مستوفى . والحمد لله .
التاسعة : قوله تعالى : والله أعلم بإيمانكم المعنى أن الله عليم ببواطن الأمور ولكم ظواهرها ، وكلكم بنو آدم وأكرمكم عند الله أتقاكم ، فلا تستنكفوا من التزوج بالإماء عند الضرورة ، وإن كانت حديثة عهد بسباء ، أو كانت خرساء وما أشبه ذلك . ففي اللفظ تنبيه على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض الحرائر .
العاشرة : قوله تعالى : بعضكم من بعض ابتداء وخبر ؛ كقولك زيد في الدار . والمعنى أنتم بنو آدم . وقيل : أنتم مؤمنون . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ؛ المعنى : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فلينكح بعضكم من بعض : هذا فتاة هذا ، وهذا فتاة هذا . فبعضكم على هذا التقدير مرفوع بفعله وهو فلينكح . والمقصود بهذا الكلام توطئة نفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة وتعيره وتسميه الهجين ، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها علموا أن ذلك التهجين لا معنى له ، وإنما انحطت الأمة فلم يجز للحر التزوج بها إلا عند الضرورة ؛ لأنه تسبب إلى إرقاق الولد ، وأن الأمة لا تفرغ للزوج على الدوام ، لأنها مشغولة بخدمة المولى .
[ ص: 124 ] الحادية عشرة : قوله تعالى : فانكحوهن بإذن أهلهن أي بولاية أربابهن المالكين وإذنهم . وكذلك العبد لا ينكح إلا بإذن سيده ؛ لأن العبد مملوك لا أمر له ، وبدنه كله مستغرق ، لكن الفرق بينهما أن العبد إذا تزوج بغير إذن سيده فإن أجازه السيد جاز ؛ هذا مذهب مالك وأصحاب الرأي ، وهو قول الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وشريح والشعبي . والأمة إذا تزوجت بغير إذن أهلها فسخ ولم يجز بإجازة السيد ؛ لأن نقصان الأنوثة في الأمة يمنع من انعقاد النكاح البتة . وقالت طائفة : إذا نكح العبد بغير إذن سيده فسخ نكاحه ؛ هذا قول الشافعي والأوزاعي وداود بن علي ، قالوا : لا تجوز إجازة المولى إن لم يحضره ؛ لأن العقد الفاسد لا تصح إجازته ، فإن أراد النكاح استقبله على سنته . وقد أجمع علماء المسلمين على أنه لا يجوز نكاح العبد بغير إذن سيده . وقد كان ابن عمر يعد العبد بذلك زانيا ويحده ؛ وهو قول أبي ثور . وذكر عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، وعن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه أخذ عبدا له نكح بغير إذنه فضربه الحد وفرق بينهما وأبطل صداقها . قال : وأخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة أنه أخبره عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى نكاح العبد بغير إذن وليه زنى ، ويرى عليه الحد ، ويعاقب الذين أنكحوهما . قال : وأخبرنا ابن جريج عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما عبد نكح بغير إذن سيده فهو عاهر . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هو نكاح حرام ؛ فإن نكح بإذن سيده فالطلاق بيد من يستحل الفرج . قال أبو عمر : على هذا مذهب جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق ، ولم يختلف عن ابن عباس أن الطلاق بيد السيد ؛ وتابعه على ذلك جابر بن زيد وفرقة . وهو عند العلماء شذوذ لا يعرج عليه ، وأظن ابن عباس تأول في ذلك قول الله تعالى : ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء . وأجمع أهل العلم على أن نكاح العبد جائز بإذن مولاه ؛ فإن نكح نكاحا فاسدا فقال الشافعي : إن لم يكن دخل فلا شيء لها ، وإن كان دخل فعليه المهر إذا عتق ؛ هذا هو الصحيح من مذهبه ، وهو قول أبي يوسف ومحمد لا مهر عليه حتى يعتق . وقال أبو حنيفة : إن دخل عليها فلها المهر . وقال مالك والشافعي : إذا كان عبد بين رجلين فأذن له أحدهما في النكاح فنكح [ ص: 125 ] فالنكاح باطل ، فأما الأمة إذا آذنت أهلها في النكاح فأذنوا جاز ، وإن لم تباشر العقد لكن تولي من يعقده عليها .
الثانية عشرة : قوله تعالى : وآتوهن أجورهن دليل على وجوب المهر في النكاح ، وأنه للأمة .
بالمعروف معناه بالشرع والسنة ، وهذا يقتضي أنهن أحق بمهورهن من السادة ، وهو مذهب مالك . قال في كتاب الرهون : ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز . وقال الشافعي : الصداق للسيد ؛ لأنه عوض فلا يكون للأمة . أصله إجازة المنفعة في الرقبة ، وإنما ذكرت لأن المهر وجب بسببها . وذكر القاضي إسماعيل في أحكامه : زعم بعض العراقيين إذا زوج أمته من عبده فلا مهر . وهذا خلاف الكتاب والسنة وأطنب فيه .
الثالثة عشرة : قوله تعالى : محصنات أي عفائف . وقرأ الكسائي " محصنات " بكسر الصاد في جميع القرآن ، إلا في قوله تعالى : والمحصنات من النساء . وقرأ الباقون بالنصب في جميع القرآن . ثم قال : غير مسافحات أي غير زوان ، أي معلنات بالزنى ؛ لأن أهل الجاهلية كان فيهم الزواني في العلانية ، ولهن رايات منصوبات كراية البيطار .
ولا متخذات أخدان أصدقاء على الفاحشة ، واحدهم خدن وخدين ، وهو الذي يخادنك ، ورجل خدنة ، إذا اتخذ أخدانا أي أصحابا ، عنأبي زيد . وقيل : المسافحة المجاهرة بالزنى ، أي التي تكري نفسها لذلك . وذات الخدن هي التي تزني سرا . وقيل : المسافحة المبذولة ، وذات الخدن التي تزني بواحد . وكانت العرب تعيب الإعلان بالزنى ، ولا تعيب اتخاذ الأخدان ، ثم رفع الإسلام جميع ذلك ، وفي ذلك نزل قوله تعالى : ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ؛ عن ابن عباس وغيره .
الرابعة عشرة : قوله تعالى : فإذا أحصن قراءة عاصم وحمزة والكسائي بفتح الهمزة . الباقون بضمها . فبالفتح معناه أسلمن ، وبالضم زوجن . فإذا زنت الأمة المسلمة جلدت نصف جلد الحرة ؛ وإسلامها هو إحصانها في قول الجمهور ، ابن مسعود والشعبي والزهري وغيرهم . وعليه فلا تحد كافرة إذا زنت ، وهو قول الشافعي فيما ذكر ابن المنذر . وقال آخرون : إحصانها التزوج بحر . فإذا زنت الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها ، قال سعيد بن جبير والحسن وقتادة ، وروي عن ابن عباس وأبي الدرداء ، وبه قال أبو عبيد . قال : [ ص: 126 ] وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنه أنه سئل عن حد الأمة فقال : إن الأمة ألقت فروة رأسها من وراء الدار . قال الأصمعي : الفروة جلدة الرأس . قال أبو عبيدة : وهو لم يرد الفروة بعينها ، وكيف تلقي جلدة رأسها من وراء الدار ، ولكن هذا مثل ! إنما أراد بالفروة القناع ، يقول ليس عليها قناع ولا حجاب ، وأنها تخرج إلى كل موضع يرسلها أهلها إليه ، لا تقدر على الامتناع من ذلك ؛ فتصير حيث لا تقدر على الامتناع من الفجور ، مثل رعاية الغنم وأداء الضريبة ونحو ذلك ؛ فكأنه رأى أن لا حد عليها إذا فجرت ؛ لهذا المعنى . وقالت فرقة : إحصانها التزوج ، إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة غير المتزوجة بالسنة ، كما في صحيح البخاري ومسلم أنه قيل : يا رسول الله ، الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ فأوجب عليها الحد . قال الزهري : فالمتزوجة محدودة بالقرآن ، والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث .
قال القاضي إسماعيل في قول من قال " إذا أحصن " أسلمن : بعد ؛ لأن ذكر الإيمان قد تقدم لهن في قوله تعالى : من فتياتكم المؤمنات . وأما من قال : " إذا أحصن " تزوجن ، وأنه لا حد على الأمة حتى تتزوج ؛ فإنهم ذهبوا إلى ظاهر القرآن وأحسبهم لم يعلموا هذا الحديث . والأمر عندنا أن الأمة إذا زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب الله ، وإذا زنت ولم تحصن مجلودة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا رجم عليها ؛ لأن الرجم لا يتنصف . قال أبو عمر : ظاهر قول الله عز وجل يقتضي ألا حد على أمة وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج ، ثم جاءت السنة بجلدها وإن لم تحصن ، فكان ذلك زيادة بيان .
قلت : ظهر المؤمن حمى لا يستباح إلا بيقين ، ولا يقين مع الاختلاف ، لولا ما جاء في صحيح السنة من الجلد في ذلك . والله أعلم . وقال أبو ثور فيما ذكر ابن المنذر : وإن كانوا اختلفوا في رجمهما فإنهما يرجمان إذا كانا محصنين ، وإن كان إجماع فالإجماع أولى .
الخامسة عشرة : واختلف العلماء فيمن يقيم الحد عليهما ؛ فقال ابن شهاب : مضت السنة أن يحد العبد والأمة أهلوهم في الزنى ، إلا أن يرفع أمرهم إلى السلطان فليس لأحد أن يفتات عليه ؛ وهو مقتضى قوله عليه السلام : إذا زنت أمة أحدكم فليحدها الحد . وقال علي رضي الله عنه في خطبته : يا أيها الناس ، أقيموا على أرقائكم الحد ، من أحصن منهم ومن لم يحصن ، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها ، فإذا هي حديث عهد بنفاس ، فخشيت إن أنا جلدتها أقتلها ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : أحسنت . [ ص: 127 ] أخرجه مسلم موقوفا عن علي . وأسنده النسائي وقال فيه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من أحصن منهم ومن لم يحصن وهذا نص في إقامة السادة الحدود على المماليك من أحصن منهم ومن لم يحصن . قال مالك رضي الله عنه : يحد المولى عبده في الزنى وشرب الخمر والقذف إذا شهد عنده الشهود بذلك ، ولا يقطعه في السرقة ، وإنما يقطعه الإمام ؛ وهو قول الليث . وروي عن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم ، منهم ابن عمر وأنس ، ولا مخالف لهم من الصحابة .
وروي عن ابن أبي ليلى أنه قال : أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من ولائدهم إذا زنت ، في مجالسهم . وقال أبو حنيفة : يقيم الحدود على العبيد والإماء السلطان دون المولى في الزنى وسائر الحدود ؛ وهو قول الحسن بن حي . وقال الشافعي : يحده المولى في كل حد ويقطعه ؛ واحتج بالأحاديث التي ذكرنا . وقال الثوري والأوزاعي : يحده في الزنى ؛ وهو مقتضى الأحاديث ، والله أعلم . وقد مضى القول في تغريب العبيد في هذه السورة .
السادسة عشرة : فإن زنت الأمة ثم عتقت قبل أن يحدها سيدها لم يكن له سبيل إلى حدها ، والسلطان يجلدها إذا ثبت ذلك عنده ؛ فإن زنت ثم تزوجت لم يكن لسيدها أن يجلدها أيضا لحق الزوج ؛ إذ قد يضره ذلك . وهذا مذهب مالك إذا لم يكن الزوج ملكا للسيد ، فلو كان ، جاز للسيد ذلك لأن حقهما حقه .
السابعة عشرة : فإن أقر العبد بالزنى وأنكره المولى فإن الحد يجب على العبد لإقراره ، ولا التفات لما أنكره المولى ، وهذا مجمع عليه بين العلماء . وكذلك المدبر وأم الولد والمكاتب والمعتق بعضه . وأجمعوا أيضا على أن الأمة إذا زنت ثم أعتقت حدت حد الإماء ؛ وإذا زنت وهي لا تعلم بالعتق ثم علمت وقد حدت أقيم عليها تمام حد الحرة ؛ ذكره ابن المنذر .
الثامنة عشرة : واختلفوا في عفو السيد عن عبده وأمته إذا زنيا ؛ فكان الحسن البصري يقول : له أن يعفو . وقال غير الحسن : لا يسعه إلا إقامة الحد ، كما لا يسع السلطان أن يعفو عن حد إذا علمه ، لم يسع السيد كذلك أن يعفو عن أمته إذا وجب عليها الحد ؛ وهذا على مذهب أبي ثور . قال ابن المنذر : وبه نقول .
التاسعة عشرة : قوله تعالى : فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب أي الجلد ويعني بالمحصنات هاهنا الأبكار الحرائر ؛ لأن الثيب عليها الرجم والرجم لا يتبعض ، [ ص: 128 ] وإنما قيل للبكر محصنة وإن لم تكن متزوجة ؛ لأن الإحصان يكون بها ؛ كما يقال : أضحية قبل أن يضحى بها ؛ وكما يقال للبقرة : مثيرة قبل أن تثير . وقيل : المحصنات المتزوجات ؛ لأن عليها الضرب والرجم في الحديث ، والرجم لا يتبعض فصار عليهن نصف الضرب . والفائدة في نقصان حدهن أنهن أضعف من الحرائر . ويقال : إنهن لا يصلن إلى مرادهن كما تصل الحرائر . وقيل : لأن العقوبة تجب على قدر النعمة ؛ ألا ترى أن الله تعالى قال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين فلما كانت نعمتهن أكثر جعل عقوبتهن أشد ، وكذلك الإماء لما كانت نعمتهن أقل فعقوبتهن أقل . وذكر في الآية حد الإماء خاصة ، ولم يذكر حد العبيد ؛ ولكن حد العبيد والإماء سواء ؛ خمسون جلدة في الزنى ، وفي القذف وشرب الخمر أربعون ؛ لأن حد الأمة إنما نقص لنقصان الرق فدخل الذكور من العبيد في ذلك بعلة المملوكية ، كما دخل الإماء تحت قوله عليه السلام : من أعتق شركا له في عبد . وهذا الذي يسميه العلماء القياس في معنى الأصل ؛ ومنه قوله تعالى : والذين يرمون المحصنات الآية . فدخل في ذلك المحصنين قطعا ؛ على ما يأتي بيانه في سورة " النور " إن شاء الله تعالى .
الموفية عشرين : وأجمع العلماء على أن بيع الأمة الزانية ليس بيعها بواجب لازم على ربها ، وإن اختاروا له ذلك ؛ لقوله عليه السلام : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر . أخرجه مسلم عن أبي هريرة . وقال أهل الظاهر بوجوب بيعها في الرابعة . منهم داود وغيره ؛ لقوله فليبعها وقوله : ثم بيعوها ولو بضفير . قال ابن شهاب : فلا أدري بعد الثالثة أو الرابعة ؛ والضفير الحبل . فإذا باعها بزناها ؛ لأنه عيب فلا يحل أن يكتم . فإن قيل : إذا كان مقصود الحديث إبعاد الزانية ووجب على بائعها التعريف بزناها فلا ينبغي لأحد أن يشتريها ؛ لأنها مما قد أمرنا بإبعادها . فالجواب أنها مال ولا تضاع ؛ للنهي عن إضاعة المال ، ولا تسيب ؛ لأن ذلك إغراء لها بالزنى وتمكين منه ، ولا تحبس دائما ، فإن فيه تعطيل منفعتها على سيدها فلم يبق إلا بيعها . ولعل السيد الثاني يعفها بالوطء أو يبالغ في التحرز فيمنعها من ذلك . وعلى الجملة فعند تبدل الملاك تختلف عليها الأحوال . والله أعلم .
[ ص: 129 ] الحادية والعشرون : وأن تصبروا خير لكم أي الصبر على العزبة خير من نكاح الأمة ، لأنه يفضي إلى إرقاق الولد ، والغض من النفس والصبر على مكارم الأخلاق أولى من البذالة . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : أيما حر تزوج بأمة فقد أرق نصفه . يعني يصير ولده رقيقا ؛ فالصبر عن ذلك أفضل لكيلا يرق الولد . وقال سعيد بن جبير : ما نكاح الأمة من الزنى إلا قريب ، قال الله تعالى : وأن تصبروا خير لكم ، أي عن نكاح الإماء . وفي سنن ابن ماجه عن الضحاك بن مزاحم قال : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر . ورواه أبو إسحاق الثعلبي من حديث يونس بن مرداس ، وكان خادما لأنس ، وزاد : فقال أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت - أو قال - فساد البيت .
قوله تعالى : يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم
أي ليبين لكم أمر دينكم ومصالح أمركم ، وما يحل لكم وما يحرم عليكم . وذلك يدل على امتناع خلو واقعة عن حكم الله تعالى ؛ ومنه قوله تعالى : ما فرطنا في الكتاب من شيء على ما يأتي . وقال بعد هذا : يريد الله أن يخفف عنكم فجاء هذا ب أن والأول باللام . فقال الفراء : العرب تعاقب بين لام كي وأن ؛ فتأتي باللام التي على معنى " كي " في موضع " أن " في أردت وأمرت ؛ فيقولون : أردت أن تفعل ، وأردت تفعل ؛ لأنهما يطلبان المستقبل . ولا يجوز ظننت لتفعل ؛ لأنك تقول ظننت أن قد قمت . وفي التنزيل وأمرت لأعدل بينكم وأمرنا لنسلم لرب العالمين . يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم . يريدون أن يطفئوا نور الله . قال الشاعر :
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل [ ص: 130 ] يريد أن أنسى . قال النحاس : وخطأ الزجاج هذا القول وقال : لو كانت اللام بمعنى " أن " لدخلت عليها لام أخرى ؛ كما تقول : جئت كي تكرمني ، ثم تقول جئت لكي تكرمني . وأنشدنا قيس بن عبادة :
أردت لكيما يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود
قال : والتقدير إرادته ليبين لكم . قال النحاس : وزاد الأمر على هذا حتى سماها بعض القراء لام أن ؛ وقيل : المعنى يريد الله هذا من أجل أن يبين لكم .
ويهديكم سنن الذين من قبلكم أي من أهل الحق . وقيل : معنى يهديكم يبين لكم طرق الذين من قبلكم من أهل الحق وأهل الباطل . وقال بعض أهل النظر : في هذا دليل على أن كل ما حرم الله قبل هذه الآية علينا فقد حرم على من كان قبلنا .
قال النحاس : وهذا غلط ؛ لأنه يكون المعنى ويبين لكم أمر من كان قبلكم ممن كان يجتنب ما نهي عنه ، وقد يكون ويبين لكم كما بين لمن كان قبلكم من الأنبياء فلا يومي به إلى هذا بعينه . ويقال : إن قوله يريد الله ابتداء القصة ، أي يريد الله أن يبين لكم كيفية طاعته . ويهديكم يعرفكم سنن الذين من قبلكم أنهم لما تركوا أمري كيف عاقبتهم ، وأنتم إذا فعلتم ذلك لا أعاقبكم ولكني أتوب عليكم . والله عليم بمن تاب حكيم بقبول التوبة .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|