عرض مشاركة واحدة
  #240  
قديم 22-01-2023, 04:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (5)
سُورَةُ النِّسَاءِ
من صــ 203 الى صــ 210
الحلقة (240)

أخرجه أبو داود وقال : وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن [ ص: 203 ] عميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أبي سعيد في هذا الإسناد ليس بمحفوظ . وأخرجه الدارقطني وقال فيه : ثم وجد الماء بعد في الوقت .

التاسعة والثلاثون : واختلف العلماء إذا وجد الماء بعد دخول في الصلاة ؛ فقال مالك : ليس عليه قطع الصلاة واستعمال الماء وليتم صلاته وليتوضأ لما يستقبل ؛ وبهذا قال الشافعي واختاره ابن المنذر . وقال أبو حنيفة وجماعة منهم أحمد بن حنبل والمزني : يقطع ويتوضأ ويستأنف الصلاة لوجود الماء . وحجتهم أن التيمم لما بطل بوجود الماء قبل الصلاة فكذلك يبطل ما بقي منها ، وإذا بطل بعضها بطل كلها ؛ لإجماع العلماء على أن المعتدة بالشهور لا يبقى عليها إلا أقلها ثم تحيض أنها تستقبل عدتها بالحيض . قالوا : والذي يطرأ عليه الماء وهو في الصلاة كذلك قياسا ونظرا . ودليلنا قوله تعالى : ولا تبطلوا أعمالكم . وقد اتفق الجميع على جواز الدخول في الصلاة بالتيمم عند عدم الماء ، واختلفوا في قطعها إذا رئي الماء ؛ ولم تثبت سنة بقطعها ولا إجماع . ومن حجتهم أيضا أن من وجب عليه الصوم في ظهار أو قتل فصام منه أكثره ثم وجد رقبة لا يلغي صومه ولا يعود إلى الرقبة . وكذلك من دخل في الصلاة بالتيمم لا يقطعها ولا يعود إلى الوضوء بالماء .

الموفية أربعين : واختلفوا هل يصلي به صلوات أم يلزم التيمم لكل صلاة فرض ونفل ؛ فقال شريك بن عبد الله القاضي : يتيمم لكل صلاة نافلة وفريضة . وقال مالك : لكل فريضة ؛ لأن عليه أن يبتغي الماء لكل صلاة ، فمن ابتغى الماء فلم يجده فإنه يتيمم . وقال أبو حنيفة والثوري والليث والحسن بن حي وداود : يصلي ما شاء بتيمم واحد ما لم يحدث ؛ لأنه طاهر ما لم يجد الماء ؛ وليس عليه طلب الماء إذا يئس منه . وما قلناه أصح ؛ لأن الله عز وجل أوجب على كل قائم إلى الصلاة طلب الماء ، وأوجب عند عدمه التيمم لاستباحة الصلاة قبل خروج الوقت ، فهي طهارة ضرورة ناقصة بدليل إجماع المسلمين على بطلانها بوجود الماء وإن لم يحدث ؛ وليس كذلك الطهارة بالماء . وقد ينبني هذا الخلاف أيضا في جواز التيمم قبل دخول الوقت ؛ فالشافعي وأهل المقالة الأولى لا يجوزونه ؛ لأنه لما قال الله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا ظهر منه تعلق أجزاء التيمم بالحاجة ، ولا حاجة قبل الوقت . وعلى هذا لا يصلي فرضين بتيمم واحد ، وهذا بين . واختلف علماؤنا فيمن صلى صلاتي فرض بتيمم واحد ؛ فروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم : يعيد الثانية ما دام في الوقت . وروى أبو زيد بن أبي الغمر عنه : يعيد أبدا . وكذلك روي عن مطرف وابن الماجشون يعيد الثانية أبدا . وهذا الذي [ ص: 204 ] يناظر عليه أصحابنا ؛ لأن طلب الماء شرط . وذكر ابن عبدوس أن ابن نافع روى عن مالك في الذي يجمع بين الصلاتين أنه يتيمم لكل صلاة . وقال أبو الفرج فيمن ذكر صلوات : إن قضاهن بتيمم واحد فلا شيء عليه وذلك جائز له . وهذا على أن طلب الماء ليس بشرط . والأول أصح . والله أعلم .

الحادية والأربعون : قوله تعالى : صعيدا طيبا الصعيد : وجه الأرض كان عليه تراب أو لم يكن ؛ قاله الخليل وابن الأعرابي والزجاج . قال الزجاج : لا أعلم فيه خلافا بين أهل اللغة ، قال الله تعالى : وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا الكهف : أي أرضا غليظة لا تنبت شيئا . وقال تعالى فتصبح صعيدا زلقا . ومنه قول ذي الرمة :


كأنه بالضحى ترمي الصعيد به دبابة في عظام الرأس خرطوم
وإنما سمي صعيدا لأنه نهاية ما يصعد إليه من الأرض . وجمع الصعيد صعدات ؛ ومنه الحديث إياكم والجلوس في الصعدات . واختلف العلماء فيه من أجل تقييده بالطيب ؛ فقالت طائفة : يتيمم بوجه الأرض كله ترابا كان أو رملا أو حجارة أو معدنا أو سبخة . هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والثوري والطبري . وطيبا معناه طاهرا . وقالت فرقة : طيبا حلالا ؛ وهذا قلق . وقال الشافعي وأبو يوسف : الصعيد التراب المنبت وهو الطيب ؛ قال الله تعالى : والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه فلا يجوز التيمم عندهم على غيره . وقال الشافعي : لا يقع الصعيد إلا على تراب ذي غبار . وذكر عبد الرزاق عن ابن عباس أنه سئل أي الصعيد أطيب ؟ فقال : الحرث . قال أبو عمر : وفي قول ابن عباس هذا ما يدل على أن الصعيد يكون غير أرض الحرث . وقال علي رضي الله عنه : هو التراب خاصة . وفي كتاب الخليل : تيمم بالصعيد ، أي خذ من غباره ؛ حكاه ابن فارس . وهو يقتضي التيمم بالتراب فإن الحجر الصلد لا غبار عليه . وقال الكيا الطبري : واشترط الشافعي أن يعلق التراب باليد ويتيمم به نقلا إلى أعضاء التيمم ، كالماء ينقل إلى أعضاء الوضوء . قال الكيا : ولا شك أن لفظ الصعيد ليس [ ص: 205 ] نصا فيما قاله الشافعي ، إلا أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا بين ذلك .

قلت : فاستدل أصحاب هذه المقالة بقوله عليه السلام : وجعلت تربتها لنا طهورا وقالوا : هذا من باب المطلق والمقيد وليس كذلك ، وإنما هو من باب النص على بعض أشخاص العموم ، كما قال تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان وقد ذكرناه في " البقرة " عند قوله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل . وقد حكى أهل اللغة أن الصعيد اسم لوجه الأرض كما ذكرنا ، وهو نص القرآن كما بينا ، وليس بعد بيان الله بيان . وقال صلى الله عليه وسلم للجنب : عليك بالصعيد فإنه يكفيك وسيأتي . ف " صعيدا " على هذا ظرف مكان . ومن جعله للتراب فهو مفعول به بتقدير حذف الباء أي بصعيد . وطيبا نعت له . ومن جعل طيبا بمعنى حلالا نصبه على الحال أو المصدر .

الثانية والأربعون : وإذا تقرر هذا فاعلم أن مكان الإجماع مما ذكرناه أن يتيمم الرجل على تراب منبت طاهر غير منقول ولا مغصوب . ومكان الإجماع في المنع أن يتيمم الرجل على الذهب الصرف والفضة والياقوت والزمرد والأطعمة كالخبز واللحم وغيرهما ، أو على النجاسات . واختلف في غير هذا كالمعادن ؛ فأجيز وهو مذهب مالك وغيره . ومنع وهو مذهب الشافعي وغيره . وقال ابن خويز منداد : ويجوز عند مالك التيمم على الحشيش إذا كان دون الأرض ، واختلف عنه في التيمم على الثلج ففي المدونة والمبسوط جوازه ؛ وفي غيرهما منعه . واختلف المذهب في التيمم على العود ؛ فالجمهور على المنع . وفي مختصر الوقار أنه جائز . وقيل : بالفرق بين أن يكون منفصلا أو متصلا فأجيز على المتصل ومنع في المنفصل . وذكر الثعلبي أن مالكا قال : لو ضرب بيده على شجرة ثم مسح بها أجزأه . قال : وقال الأوزاعي والثوري : يجوز بالأرض وكل ما عليها من الشجر والحجر والمدر وغيرها ، حتى قالا : لو ضرب بيده على الجمد والثلج أجزأه . قال ابن عطية : وأما التراب المنقول من طين أو غيره فجمهور المذهب على جواز التيمم به ، وفي المذهب المنع وهو في غير المذهب أكثر ، وأما ما طبخ كالجص والآجر ففيه في المذهب قولان : الإجازة والمنع ؛ وفي التيمم على الجدار خلاف .

[ ص: 206 ] قلت : والصحيح الجواز لحديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري قال : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه ، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ، ثم رد عليه السلام . أخرجه البخاري . وهو دليل على صحة التيمم بغير التراب كما يقول مالك ومن وافقه . ويرد على الشافعي ومن تابعه في أن الممسوح به تراب طاهر ذو غبار يعلق باليد . وذكر النقاش عن ابن علية وابن كيسان أنهما أجازا التيمم بالمسك والزعفران . قال ابن عطية : وهذا خطأ بحت من جهات . قال أبو عمر : وجماعة العلماء على إجازة التيمم بالسباخ إلا إسحاق بن راهويه . وروي عن ابن عباس فيمن أدركه التيمم وهو في طين قال : يأخذ من الطين فيطلي به بعض جسده ، فإذا جف تيمم به . وقال الثوري وأحمد : يجوز التيمم بغبار اللبد . قال الثعلبي : وأجاز أبو حنيفة التيمم بالكحل والزرنيخ والنورة والجص والجوهر المسحوق . قال : فإذا تيمم بسحالة الذهب والفضة والصفر والنحاس والرصاص لم يجزه ؛ لأنه ليس من جنس الأرض .

الثالثة والأربعون : قوله تعالى : فامسحوا بوجوهكم وأيديكم المسح لفظ مشترك يكون بمعنى الجماع ، يقال : مسح الرجل المرأة إذا جامعها . والمسح : مسح الشيء بالسيف وقطعه به . ومسحت الإبل يومها إذا سارت . والمسحاء المرأة الرسحاء التي لا است لها . وبفلان مسحة من جمال . والمراد هنا بالمسح عبارة عن جر اليد على الممسوح خاصة ، فإن كان بآلة فهو عبارة عن نقل الآلة إلى اليد وجرها على الممسوح ، وهو مقتضى قوله تعالى في آية المائدة : فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه . فقوله منه يدل على أنه لا بد من نقل التراب إلى محل التيمم . وهو مذهب الشافعي ولا نشترطه نحن ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وضع يديه على الأرض ورفعهما نفخ فيهما ؛ وفي رواية : نفض . وذلك يدل على عدم اشتراط الآلة ؛ يوضحه تيممه على الجدار . قال الشافعي : لما لم يكن بد في مسح الرأس بالماء من بلل ينقل إلى الرأس ، فكذلك المسح بالتراب لا بد من النقل . ولا خلاف في أن حكم الوجه في التيمم والوضوء الاستيعاب وتتبع مواضعه ؛ وأجاز بعضهم ألا يتتبع كالغضون في الخفين وما بين الأصابع في الرأس ، وهو في المذهب قول محمد بن مسلمة ؛ حكاه ابن عطية . وقال الله عز وجل : بوجوهكم وأيديكم فبدأ بالوجه قبل اليدين وبه قال الجمهور . ووقع في البخاري من حديث عمار في " باب التيمم ضربة " ذكر اليدين قبل الوجه . وقاله بعض أهل العلم قياسا على تنكيس الوضوء .

[ ص: 207 ] الرابعة والأربعون : واختلف العلماء أين يبلغ بالتيمم في اليدين ؛ فقال ابن شهاب : إلى المناكب . وروي عن أبي بكر الصديق . وفي مصنف أبي داود عن الأعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح إلى أنصاف ذراعيه . قال ابن عطية : ولم يقل أحد بهذا الحديث فيما حفظت . وقيل : يبلغ به إلى المرفقين قياسا على الوضوء . وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري وابن أبي سلمة والليث كلهم يرون بلوغ المرفقين بالتيمم فرضا واجبا . وبه قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وابن نافع ، وإليه ذهب إسماعيل القاضي . قال ابن نافع : من تيمم إلى الكوعين أعاد الصلاة أبدا وقال مالك في المدونة : يعيد في الوقت . وروى التيمم إلى المرفقين عن النبي صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله وابن عمر وبه كان يقول . قال الدارقطني : سئل قتادة عن التيمم في السفر فقال : كان ابن عمر يقول إلى المرفقين . وكان الحسن وإبراهيم النخعي يقولان إلى المرفقين . قال : وحدثني محدث عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إلى المرفقين . قال أبو إسحاق : فذكرته لأحمد بن حنبل فعجب منه وقال ما أحسنه ! . وقالت طائفة : يبلغ به إلى الكوعين وهما الرسغان . روي عن علي بن أبي طالب والأوزاعي وعطاء والشعبي في رواية ، وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي والطبري . وروي عن مالك وهو قول الشافعي في القديم . وقال مكحول : اجتمعت أنا والزهري فتذاكرنا التيمم فقال الزهري : المسح إلى الآباط . فقلت : عمن أخذت هذا ؟ فقال : عن كتاب الله عز وجل ، إن الله تعالى يقول : فامسحوا بوجوهكم وأيديكم فهي يد كلها . قلت له : فإن الله تعالى يقول : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما فمن أين تقطع اليد ؟ قال : فخصمته . وحكي عن الدراوردي أن الكوعين فرض والآباط فضيلة . قال ابن عطية : هذا قول لا يعضده قياس ولا دليل ، وإنما عمم قوم لفظ اليد فأوجبوه من المنكب : وقاس قوم على الوضوء فأوجبوه من المرافق وهاهنا جمهور الأمة ، ووقف قوم مع الحديث في الكوعين ، وقيس أيضا على القطع إذ هو حكم شرعي وتطهير كما هذا تطهير ، ووقف قوم مع حديث عمار في الكفين . وهو قول الشعبي .

الخامسة والأربعون : واختلف العلماء أيضا هل يكفي في التيمم ضربة واحدة أم لا ؟ فذهب مالك في المدونة أن التيمم بضربتين : ضربة للوجه وضربة لليدين ؛ وهو قول الأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم ، والثوري والليث وابن أبي سلمة . ورواه جابر بن عبد الله وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال ابن أبي الجهم : التيمم بضربة واحدة . وروي عن الأوزاعي في [ ص: 208 ] الأشهر عنه ؛ وهو قول عطاء والشعبي في رواية . وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وداود والطبري . وهو أثبت ما روي في ذلك من حديث عمار . قال مالك في كتاب محمد : إن تيمم بضربة واحدة أجزأه . وقال ابن نافع : يعيد أبدا . قال أبو عمر وقال ابن أبي ليلى والحسن بن حي : ضربتان ؛ يمسح بكل ضربة منهما وجهه وذراعيه ومرفقيه . ولم يقل بذلك أحد من أهل العلم غيرهما . قالأبو عمر : لما اختلفت الآثار في كيفية التيمم وتعارضت كان الواجب في ذلك الرجوع إلى ظاهر الكتاب ، وهو يدل على ضربتين ضربة للوجه ، ولليدين أخرى إلى المرفقين ، قياسا على الوضوء واتباعا لفعل ابن عمر ؛ فإنه من لا يدفع علمه بكتاب الله . ولو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء وجب الوقوف عنده . وبالله التوفيق .

قوله تعالى : إن الله كان عفوا غفورا أي لم يزل كائنا يقبل العفو وهو السهل ، ويغفر الذنب أي يستر عقوبته فلا يعاقب .
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا

قوله تعالى : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب إلى قوله تعالى : فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه الآية .

نزلت في يهود المدينة وما والاها . قال ابن إسحاق : وكان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء يهود ، إذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى لسانه وقال : أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ؛ ثم طعن في الإسلام وعابه فأنزل الله عز وجل ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب إلى قوله قليلا . ومعنى يشترون يستبدلون فهو في موضع نصب على الحال ، وفي الكلام حذف تقديره يشترون الضلالة بالهدى ؛ كما قال تعالى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى [ ص: 209 ] قاله القتبي وغيره .

ويريدون أن تضلوا السبيل عطف عليه ، والمعنى تضلوا طريق الحق . وقرأ الحسن : " تضلوا " بفتح الضاد أي عن السبيل .

قوله تعالى : والله أعلم بأعدائكم يريد منكم ؛ فلا تستصحبوهم فإنهم أعداؤكم . ويجوز أن يكون أعلم بمعنى عليم ؛ كقوله تعالى : وهو أهون عليه أي هين . وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا الباء زائدة ؛ زيدت لأن المعنى اكتفوا بالله فهو يكفيكم أعداءكم . ووليا ونصيرا نصب على البيان ، وإن شئت على الحال .

قوله تعالى : من الذين هادوا قال الزجاج : إن جعلت من متعلقة بما قبل فلا يوقف على قوله نصيرا ، وإن جعلت منقطعة فيجوز الوقف على نصيرا والتقدير من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم ؛ ثم حذف . وهذا مذهب سيبويه ، وأنشد النحويون :


لو قلت ما في قومها لم تيثم يفضلها في حسب وميسم
قالوا : المعنى لو قلت ما في قومها أحد يفضلها ؛ ثم حذف . وقال الفراء : المحذوف " من " المعنى : من الذين هادوا من يحرفون . وهذا كقوله تعالى : وما منا إلا له مقام معلوم أي من له . وقال ذو الرمة :


فظلوا ومنهم دمعه سابق له وآخر يذري عبرة العين بالهمل
يريد ومنهم من دمعه ، فحذف الموصول . وأنكره المبرد والزجاج ؛ لأن حذف الموصول كحذف بعض الكلمة . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وإبراهيم النخعي " الكلام " . قال النحاس : و " الكلم " في هذا أولى ؛ لأنهم إنما يحرفون كلم النبي صلى الله عليه وسلم ، أو ما عندهم في التوراة وليس يحرفون جميع الكلام ، ومعنى يحرفون يتأولونه على غير تأويله . وذمهم الله تعالى بذلك لأنهم يفعلونه متعمدين . عن مواضعه يعني صفة النبي صلى الله عليه وسلم . ويقولون سمعنا وعصينا أي سمعنا قولك وعصينا أمرك . واسمع غير مسمع قال ابن عباس : كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : اسمع لا سمعت ، هذا مرادهم - لعنهم الله - وهم يظهرون أنهم يريدون اسمع غير مسمع مكروها ولا أذى . وقال الحسن ومجاهد . معناه غير مسمع منك ، أي مقبول ولا مجاب إلى ما تقول . قال النحاس : ولو كان كذلك لكان غير مسموع منك . وتقدم القول في وراعنا ومعنى ليا بألسنتهم أي يلوون ألسنتهم عن الحق أي [ ص: 210 ] يميلونها إلى ما في قلوبهم . وأصل اللي الفتل ، وهو نصب على المصدر ، وإن شئت كان مفعولا من أجله . وأصله لويا ثم أدغمت الواو في الياء . وطعنا معطوف عليه أي يطعنون في الدين ، أي يقولون لأصحابهم لو كان نبيا لدرى أننا نسبه ، فأظهر الله تعالى نبيه على ذلك فكان من علامات نبوته ، ونهاهم عن هذا القول . ومعنى وأقوم أصوب لهم في الرأي . فلا يؤمنون إلا قليلا أي إلا إيمانا قليلا لا يستحقون به اسم الإيمان . وقيل : معناه لا يؤمنون إلا قليلا منهم ؛ وهذا بعيد لأنه عز وجل قد أخبر عنهم أنه لعنهم بكفرهم .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]