رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان

شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 556الى صــ 565
(32)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(2)

مسألة:
ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال؛ فكأنما صام الدهر.
وجملة ذلك أن إتباع رمضان بست من شوال مستحب, نص عليه أحمد في غير موضع, وقال في رواية الأثرم: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من ثلاثة أوجه, عن أبي أيوب وجابر وثوبان: «من صام ستّاً من شوال؛ فكأنما صام السنة كلها».
فالصيام بعد الفطر من أوله إلى آخره؛ لأن ستة أيام بشهرين, وشهر بعشرة أشهر.
601 - وذلك لما روى أبو أيوب, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «من صام رمضان, ثم أتبعه ستّاً من شوال؛ فذلك صيام الدهر». رواه الجماعة إلا البخاري.

ويقال: هو من حديث سعد بن سعيد عن عمرو بن ثابت عن أبي أيوب.
وقد رواه أبو داوود والنسائي من حديث صفوان بن سليم عن عمر بن ثابت أيضاً.
602 - وعن جابر؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صام رمضان وستّاً من شوال؛ فكأنما صام السنة كلها». رواه أحمد.
603 - وعن ثوبان, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر؛ كان تمام السنة, ومن جاء بالحسنة؛ فله عشر أمثالها». رواه ابن ماجه.
604 - وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فذلك صيام الدهر» , و «كان كصيام الدهر»: هو مثل قوله لعبد الله بن عمرو: «صم من الشهر ثلاثة أيام؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها, وذلك مثل صيام الدهر».
605 - وكذلك قوله في حديث أبي قتادة: «ثلاثة أيام من كل شهر, ورمضان إلى رمضان؛ فهذا صيام الدهر كله».
وذلك أن صيام الدهر وهو استغراق العمر بالعبادة, وذلك عمل صالح, لكن لما فيه من صوم أيام النهي والضعف عن ما هو أهم منه؛ كره؛ فإذا صام ستة مع الشهر الذي هو ثلاثون؛ كتب له صيام ثلاث مئة وستين يوماً؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها, وكذلك فسره النبي صلى الله عليه وسلم, فحصل له ثواب من صام الدهر من غير مفسدة, لكنْ بصومه رمضان, ومن صام ثلاثة أيام من كل شهر؛ حصل له ثواب صيام الدهر بدون رمضان, ويبقى رمضان له زيادة.
606 - وهذا كما قال الله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات: «هي خمس, هي خمسون؛ لا يبدل القول [لديّ]

فهي خمس في العمل وخمسون في الأجر.
وكان أحمد ينكر على من يكرهها كراهة أن يلحق برمضان ما ليس منه؛ لأن السنة وردت بفضلها والحض عليها, ولأن الإِلحاق إنما خيف في أول الشهر؛ لأنه ليس بين رمضان وغيره فصل, وأما في آخره؛ فقد فصل بينه وبين غيره بيوم العيد, وكان نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم العيد وحده دليلاً على أن النهي مختص به, وأن ما بعده وقت إذن وجواز, ولو شاء؛ لنهى عن أكثر من يوم؛ كما قال في أول الشهر: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين».
وسواء صامها عقيب الفطر أو فصل بينهما, وسواء تابعها أو فرقها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وأتبعه بست من شوال» , وفي رواية: «ستّاً من شوال» , فجعل شوالاً كله محلاً لصومها, ولم يخصص بعضه من بعض, ولو اختص ذلك ببعضه؛ لقال: «ستّاً من أول شوال أو من آخر شوال» , وإتباعه بست من شوال يحصل بفعلها من أوله وآخره؛ لأنه لا بد من الفصل بينها وبين رمضان بيوم الفطر, وهو من شوال, فعلم أنه لم يرد بالإِتباع أن تكون متصلة برمضان, ولأن تقديمها أرجح, [رجحه] كونه أقرب وأشد اتصالاً, وتأخيرها أرجح؛ لكونه لا يلحق برمضان ما ليس منه, أو يجعل عيد ثان كما يفعله بعض الناس, فاعتدلا.

مسألة:
وصوم عاشوراء كفارة سنة, وعرفة كفارة سنتين.
607 - الأصل في ذلك ما روى عبد الله بن معبد الزِّمَّاني, عن أبي قتادة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة, وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية». رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داوود.
وفي لفظ: «أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله, فلما رأى غضبه؛ قال: رضينا بالله ربّاً وبالإِسلام ديناً وبمحمد نبيّاً».
وفي لفظ: وبيعتنا بيعة, نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله.
فجعل عمر يردد الكلام حتى سكن غضبه, فقال عمر: يا رسول الله! كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: «لا صام ولا أفطر (أو قال: لم يصم ولم يفطر»). قال: كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوماً؟ قال: «ويطيق ذلك أحد؟!». قال: كيف من يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: «ذلك صوم داوود عليه السلام». قال: كيف من يصوم يوماً ويفطر يومين؟ قال: «وددت أني طوقت ذلك». ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كل شهر, ورمضان إلى رمضان؛ فهذا صيام الدهر كله, وصيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله [والسنة التي بعده, وصيام يوم عاشوراء أحتسب الله أن يكفر السنة التي قبله]».
وفي رواية: أنه سئل عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: «فيه ولدت, وفيه أنزل عليَّ».
وفي رواية:" «والخميس».
رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
فصل:
ولا يستحب صومه لمن بعرفه
قال أحمد في رواية حنبل: يستحب صيام عرفة ها هنا, وأما بعرفة؛ فلا, يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أفطر, وقال: «لا يصام يوم عرفة بعرفة, وعرفة صيامها كفارة سنتين؛ سنة ماضية , وسنة مستقبلة». ورواه عبد الله عن أبيه.

608 - وعن أبي الخليل, عن أبي قتادة, عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كفارة سنتين».
609 - ورواه عكرمة عن أبي هريرة: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة بعرفة». رواه الخمسة إلا الترمذي.
610 - وذلك لما روي عن ميمونة: «أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة, فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف, فشرب منه والناس ينظرون».
611 - وعن أم الفضل: «أنهم شكوا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة, فأرسلت إليه بلبن, فشرب وهو يخطب الناس بعرفة».
متفق عليهما.
612 - وعن ابن عمر: «أنه سئل عن صوم يوم عرفة, فقال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه, [ومع أبي بكر] فلم يصمه, ومع عمر فلم يصمه, ومع عثمان فلم يصمه, وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه». رواه النسائي والترمذي وقال: حديث حسن.
613 - ورواه النسائي, عن أبي [السوار]؛ قال: «سألت ابن عمر عن صوم يوم عرفة فنهاني». ولم يرفعه.
فإن صامه؛ فظاهر كلامه أنه يكره.
614 - لأنه قال: لا يصام.
واحتج بالنهي لما روى عكرمة عن أبي هريرة؛ قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات». رواه الخمسة إلا الترمذي.
فقد احتج به أحمد؛ لأن الصوم يضعفه عن الدعاء والذكر الذي هو مقصود التعريف.
ولأن الحاج مسافر قد رخص له القصر والجمع. . . .
ولأن هذا يوم عيد في ذلك المكان.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|