عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 25-01-2023, 02:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,423
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تحرير مسألة المعرب في القرآن الكريم جميع ما في القرآن عربي، ولا يفهم إلا على مقتض

ثالثًا: صفة التعريب عند العرب وفي القرآن:

قد تعامل العرب مع الألفاظ الدخيلة بثلاث طرق لتعريبها، يقول أبو حيان (ت:745): "الأسماء الأعجمية على ثلاثة أقسام:
1- قسمٌ غيَّرَتْه العربُ وألحَقْته بكلامها، فحُكْمُ أبْنيَته -في اعتبار الأصلي والزائد والوَزْن- حُكْمُ أبنية الأسماء العربيةِ الوَضْع؛ نحو: درهم وبَهْرَج.

2- وقسمٌ غَيَّرته ولم تُلْحِقْه بأبنيةِ كلامِها، فلا يُعْتَبَر فيه ما يُعْتَبَر في القسم الذي قبلَه؛ نحو: آجر وسِفْسِير.

3- وقسمٌ تركوه غيرَ مغيَّر، فما لم يُلحِقوه بأبنية كلامهم لم يُعَدُّ منها، وما ألحقوه بها عُدَّ منها؛ مثال الأول: خُرَاسان لا يثبت به فُعالان، ومثال الثاني: خزم ألحق بسُلَّم، وكُركُم ألحق بقُمْقُم"[21].

وقال سيبويه (ت:180): "اعلم أنهم ممَّا يُغيِّرون من الحروف الأعجمية ما ليس من حروفهم البتة، فربَّما ألحقوه ببناء كلامهم، وربما لم يلحقوه... وربما تركوا الاسم على حاله إذا كانت حروفه من حروفهم، كان على بنائهم أو لم يكن؛ نحو: خراسان، وخرمٍ، والكركم، وربَّما غيَّروا الحرف الذي ليس من حروفهم ولم يُغيِّروه عن بنائه في الفارسية نحو: فرند، وبقمٍ، وآجرٍ، وجربزٍ"[22].

ومن خلال تقسيم سيبويه وأبي حيان يمكن جعل المعرَّب على أربعة أنحاء لم يرضَ فيها العرب بغير حروفهم العربية، وكانت على النحو التالي:
1- قسم غيَّرت العرب حروفه وألحقته بأبنية كلامها، مثل: "درهم".
2- قسم غيَّرت العرب حروفه ولم تلحقه بأبنية كلامها، مثل: "آجر".
3- قسم لم تُغيِّر العرب حروفه وهو من أبنية كلامها، مثل: "خزم".
4- قسم لم تُغيِّر العرب حروفه ولا هو من أبنية كلامها، مثل "خرسان".

وليس في القرآن حرف غير عربي البتة؛ إذًا فقد ثبت من كل ما سبق أن القرآن ليس خارجًا عن عادات العرب في التعريب؛ بل لم تخرج الكلمات المُعرَّبة في القرآن عن القسمين الأول والثالث ممَّا عرَّبه العرب قبل نزول القرآن، قال أبو عبيدة مُعمَّر بن المثنى (ت: 209): "فإن قيل: ليست هذه الكلمات على أوزان كلام العرب فلا تكون منه، قلنا: ومَن سلَّم لكم أنَّكم حصرتُم أوزانَهم حتى تُخرِجوا هذه منها؟ فقد بحث القاضي عن أصول أوزان كلام العرب، ورد هذه الأسماء إليها على الطريقة النَّحْويَّة"؛ ومِن ثَمَّ فجميع كلماته عربية أصالةً أو تعريبًا، والمُعرَّب فيه نادر.

قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 192 - 195]، ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ﴾ [الرعد: 37]، ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ [الشورى: 7]، ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الزخرف: 3]، ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 28].

أمَّا ما غيَّره العرب من الحروف بغير ضرورة، فهو أقرب إلى كونه من اختلاف اللُّغات منه للتعريب، قال ابن فارس (ت: 395) بعد أن ذكر عدة أمثلة على تغيير العرب للحروف: "أمَّا الذي ذكره ابن دريد في "بور"[23] و"فور" فصحيح؛ وذلك أن "بور" ليس من كلام العرب؛ فلذلك يحتاج العربي عند تعريبه إيَّاه أن يصيره فاء، وأمَّا سائر ما ذكره فليس من باب الضرورة في شيء، وأي ضرورة بالقائل إلى أن يقلب الكاف شينًا، وهي ليست في سجع ولا فاصلة؟ ولكن هذه لغات للقوم على ما ذكرناه في باب اختلاف اللُّغات"[24].

فصل في تعريب الأعلام الأعجمية:
يقول الشيخ أحمد محمد شاكر (ت: 1377): "فحين نريد أن نضع قاعدةً أو قواعد لتعريب الأعلام على مثال لغة العرب، يجب علينا أن نستقصي كل علم أجنبي نطق به العَرَب، وأن نعرف ماذا كان أصله في لغة أهله، وماذا صنع فيه العرب حين نقلوه؛ لنأخذ من ذلك معنًى عامًّا جامعًا لصنعهم، يكون أساسًا لما نضع من قاعدة أو قواعد، وأكثر الأعلام التي نقل العرب، وأوثقها نقلًا ما جاء في القرآن الكريم، من أسماء الأنبياء وغيرهم، فلو تتبَّعْناها وشئنا أن نخرج منها معنًى واحِدًا تشترك فيه كلها، بالاستقصاء التام والاستيعاب الكامل، وجدنا فيها معنى لا يخرج عنه اسم منها، وهو:
أن الأعلام الأجنبية تنقل إلى العربية مغيرة في الحروف والأوزان، إلى حروف العرب وحدها، وإلى أوزان كلمهم أو ما يقاربها، وأنها لا تنقل أبدًا كما ينطقها أهلها إلا أن توافق حروفها وصيغها حروف العرب وأوزانها"[25].

وما سبق ذكره في التعامل مع أسماء الأجناس طبَّقه العرب على أسماء الأعلام من تغيير الحروف التي ليست في العربية، ونقلوها إلى أوزان العرب أو ما يقاربها، فلا داعي للإعادة.

فصل في ترجمة القرآن للأعلام الأعجمية[26]:
"يجيء العلم الأعجمي في القرآن على ثلاثة أنواع: علم الذات، علم الجنس، وعلم الموضع، أمَّا "علم الذات" فهو أسماء الأشخاص ملائكة وأنبياء وصدِّيقين وملوكًا وجبابرة وطواغيت... وأما "علم الجنس" فهو أسامي القبائل... والشعوب... والتوراة والزبور والإنجيل... وأمَّا "علم الموضع" فأسامي الأماكن والبلدان"[27].

وتنبع أهمية هذا الفصل من الفوائد المستنبطة من أسماء الأعلام ومعانيها وترجمتها، ويوجد كتاب بعنوان "من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن" تأليف رءوف أبو سعدة، استنبط فوائد كثيرة من أسماء الأعلام الأعجمية في القرآن.

ورغم أن أسماء الأعلام لا تُترجَم، إلَّا أنَّ القرآن ربما يخالف هذا المبدأ لحِكَمٍ جليلة، بمعنى "إسقاط الاسم الأعجمي جملة والإتيان به مترجمًا، على نحو ما فعل القرآن في أمثال "إدريس" و"ذي الكفل""[28]، إلا أن أكثر الأعلام وردت في القرآن كما هي في أصلها الأعجمي في التوراة والإنجيل، وقد ذكر مؤلف الكتاب المذكور سابقًا، تفاصيل هذه الأسماء والحِكمة من تغيُّرها في كتابه، ومن الأسماء التي جاءت في القرآن مُـخاِلفةً مُـخالفةً صريحةً لنظائرها في التوراة والإنجيل: مرسى سفينة نوح "الجودي"، و أبو إبراهيم عليه السلام"آزر" و"طالوت" و"يحيى" و"عيسى"، فهذه الأسماء مترجمة على الترتيب من "آراراط" و "تيرح" و "شاءول" و"يوحنا أو يوحنان" و"يسوس أو يسون أو يسوع"[29].

وللقرآن طرائق شتَّى في تفسير علمه الأعجمي منها: التفسير بالتعريب، ومثاله "ميكال"، التفسير بالترجمة، ومثاله "ذو الكفل"، التفسير بالمرادف، ومثاله "موسى"، التفسير بالمشاكلة، ومثاله "زكريا"، التفسير بالمقابلة، ومثاله "عاد"، التفسير بالسياق العام، ومثاله "لوط" [30]، ومن أراد التفصيل في هذا الموضوع فعليه بالكتاب المذكور (من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن).

[1] إعجاز القرآن في أعجمي القرآن لرءوف أبو سعدة (1/ 44).

[2] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (1/ 110).

[3] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (1/ 112).

[4] المحرر الوجيز لابن عطية: (1/ 51).

[5] المحرر الوجيز لابن عطية: (1/ 51).

[6] انظر كتاب الرسالة (128).

[7] انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 110).

[8] انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 110)

[9] انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 110).

[10] الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (290).

[11] الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: (288).

[12] جمهرة اللغة لابن دريد (1/ 395).

[13] المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم للجواليقي (148).

[14] ولكن لذلك ضوابط مهمة ليس محلها هذا البحث، منها أن العرب لم يقبلوا منها إلَّا ما وافق أوزانهم الصرفية، فلم يضيفوا لأصواتهم أصواتًا من لغة أخرى، وما لم يكن كذلك أخضعوه لأوزانهم.

[15] المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم للجواليقي (31).

[16] جمهرة اللغة لابن دريد: (3/ 324)؛ شاملة.

[17] المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم للجواليقي (23).

[18] لسان العرب.

[19] المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم للجواليقي (148).

[20] المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم للجواليقي (325).

[21] نقلًا عن المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي (1/ 269).

[22] الكتاب لسيبويه (4/ 303).

[23] هذه الكلمة تنطق بالباء غير العربية التي يضعون تحتها ثلاث نقاط أحيانًا.

[24] الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها (58).

[25] جمهرة مقالات أحمد محمد شاكر: (2/ 541).

[26] الكلام هنا عن الترجمة وليس مجرد التعريب.

[27] من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن (112).


[28] من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن (90).

[29] انظر "من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن" (125).

[30] انظر "من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن" (139).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.26 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.63%)]