
26-01-2023, 12:06 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,320
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السادس
الحلقة( 245)
من صــ 371 الى صـ 385
وكان سعد بن أبي وقاص وابن عباس يقولان: أمطه عنك ولو بإذخرة فإنما هو بمنزلة المخاط والبصاق وكانت عمرة تغسله من ثوبه فإن كان في اعتقاده نجاسة المني فهذا نزاع بين الصحابة والسنة تفصل بينهم. فإذا كانت نجاسة المني ضعيفة في السنة لكون النبي لم يأمر بذلك لعموم البلوى به لكن هذا أضعف لكون الصحابة لم يحك أحد منهم مجرد اللمس العاري عن الشهوة ناقضا وإنما تنازعوا في اللمس المعتاد للشهوة كالقبلة والغمز باليد ونحو ذلك.
وأيضا فإيجاب الوضوء من جنس اللمس كمس النساء ومس الذكر إن لم يعلل بكونه مظنة تحريك الشهوة وإلا كان مخالفا للأصول فأما إذا علل بتحريك الشهوة كان مناسبا للأصول وهنا للفقهاء طريقان: أحدهما: قول من يقول: إن ذلك مظنة خروج الناقض فأقيمت المظنة مقام الحقيقة. وهذا قول ضعيف؛ فإن المظنة إنما تقام مقام الحقيقة إذا كانت الحكمة خفية وكانت المظنة تفضي إليها غالبا؛ وكلاهما معدوم؛ فإن الخارج لو خرج لعلم به الرجل.
وأيضا فإن مس الذكر لا يوجب خروج شيء في العادة أصلا؛ فإن المني إنما يخرج بالاستمناء وذلك يوجب الغسل والمذي يخرج عقيب تفكر ونظر ومس المرأة لا الذكر؛ فإذا كانوا لا يوجبون الوضوء بالنظر الذي هو أشد إفضاء إلى خروج المني: فبمس الذكر أولى.
والقول الثاني: أن يقال: اللمس سبب تحريك الشهوة كما في مس المرأة وتحريك الشهوة يتوضأ منه كما يتوضأ من الغضب وأكل لحم الإبل؛ لما في ذلك من أثر الشيطان الذي يطفأ بالوضوء؛ ولهذا قال طائفة من أصحاب أبي حنيفة: إنما يتوضأ إذا انتشر انتشارا شديدا. وكذلك قال طائفة من أصحاب مالك: يتوضأ إذا انتشر لكن هذا الوضوء من اللمس: هل هو واجب أو مستحب؟ فيه نزاع بين الفقهاء ليس هذا موضع ذكره؛ فإن مسألة الذكر لها موضع أخر. وإنما المقصود هنا مسألة مس النساء.
وسئل - رحمه الله تعالى -:
عن قول النبي صلى الله عليه وسلم {إنكم تأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء} وهذه صفة المصلين فبم يعرف غيرهم من المكلفين التاركين والصبيان؟.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، هذا الحديث دليل على أنه إنما يعرف من كان أغر محجلا وهم الذين يتوضؤون للصلاة.
وأما الأطفال فهم تبع للرجل.
وأما من لم يتوضأ قط ولم يصل: فإنه دليل على أنه لا يعرف يوم القيامة.
فصل في قوله تعالى (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
والتيمم في اللغة: هو القصد ومنه قوله تعالى {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه} وقوله: {ولا آمين البيت الحرام} ومنه قول امرئ القيس:
تيممت الماء الذي دون ضارج ... يميل عليها الظل عرمضها طامي
لكن لما قال الله تعالى: {فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} كان التيمم المأمور به: هو تيمم الصعيد الطيب للتمسح به فصار لفظ التيمم إذا أطلق في عرف الفقهاء انصرف إلى هذا التيمم الخاص وقد يراد بلفظ التيمم نفس مسح اليدين والوجه فسمي المقصود بالتيمم تيمما.
وهذا التيمم المأمور به في الآية هو من خصائص المسلمين ومما فضلهم الله به على غيرهم من الأمم ففي الصحيحين عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا. فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة} وهذا لفظ البخاري.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون}.
ولمسلم أيضا عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {فضلت على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء}. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت: وكان من قبلي يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم}. وقوله تعالى {فتيمموا صعيدا طيبا} نكرة في سياق الإثبات كقوله: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} وقوله: {فتحرير رقبة} وقوله: {فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} وقوله: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} وهذه تسمى مطلقة وهي تفيد العموم على سبيل البدل لا على سبيل الجمع فيدل ذلك على أنه يتيمم أي صعيد طيب اتفق.
والطيب هو الطاهر والتراب الذي ينبعث مراد من النص بالإجماع وفيما سواه نزاع سنذكره إن شاء الله تعالى.
وقوله: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} قد اتفق القراء السبعة على قراءة أيديكم بالإسكان؛ بخلاف قوله في الوضوء: {وأرجلكم} فإن بعض السبعة قرءوا: {وأرجلكم} بالنصب قالوا: إنها معطوفة على المغسول تقديره: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم إلى الكعبين كذلك.
قال علي بن أبي طالب وغيره من السلف قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ علي الحسن والحسين: وأرجلكم إلى الكعبين بالخفض فسمع ذلك علي بن أبي طالب. وكان يقضي بين الناس فقال: وأرجلكم يعني بالنصب وقال هذا من المقدم المؤخر في الكلام. وكذلك ابن عباس قرأها بالنصب وقال عاد الأمر إلى الغسل ولا يجوز أن يكون ذلك عطفا على المحل كما يظنه بعض الناس كقول بعض الشعراء:
معاوي إننا بشر فاسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
فإنما يسوغ في حرف التأكيد مثل المباني.
وأما حروف المعاني فلا يجوز ذلك فيها والباء هنا للإلصاق ليست للتوكيد ولهذا لم يقرأ القراء هنا وأيديكم كما قرءوا هناك وأرجلكم؛ لأنه لو قال: فامسحوا وجوهكم وأيديكم أو امسحوا بها لكان يكتفى بمجرد المسح من غير إيصال للطهور إلى الرأس وهو خلاف الإجماع فلما كانت الباء للإلصاق دل على أنه لا بد من إلصاق الممسوح به فدل ذلك على استعمال الطهور ولهذا كانت هذه الباء لا تدل على التبعيض عند أحد من السلف وأئمة العربية. ولا قال الشافعي إن التبعيض يستفاد من الباء؛ بل أنكر إمام الحرمين وغيره من أصحابه ذلك وحكموا كلام أئمة العربية في إنكار ذلك ولكن من قال بذلك استند إلى دلالة أخرى.
وقوله تعالى {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} دلت هذه الآية على أن التراب طهور كما صرحت بذلك السنة الصحيحة في قول النبي صلى الله عليه وسلم {وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا} وعن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير} رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي. والترمذي وهذا لفظه.
وقال: حديث حسن صحيح. وقد اتفق المسلمون على أنه إذا لم يجد الماء في السفر تيمم وصلى إلى أن يجد الماء فإذا وجد الماء فعليه استعماله وكذلك تيمم الجنب: ذهب الأئمة الأربعة وجماهير السلف والخلف إلى أنه يتيمم إذا عدم الماء في السفر إلى أن يجد الماء فإذا وجده كان عليه استعماله وقد روي عن عمر وابن مسعود إنكار تيمم الجنب وروي عنهما الرجوع عن ذلك وهو قول أكثر الصحابة: كعلي وعمار وابن عباس وأبي ذر وغيرهم. وقد دل عليه آيات من كتاب الله وخمسة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. منها: حديث عمار بن ياسر وعمران بن حصين كلاهما في الصحيحين ومنها: حديث أبي ذر الذي صححه الترمذي ومنها: حديث عمرو بن العاص وحديث الذي شج فأفتوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم {قتلوه قتلهم الله هلا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال} ففي الصحيح عن عمر أنه قال: {كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم قال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم قال: أصابتني جنابة: ولا ماء قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك} رواه البخاري ومسلم.
وفي الصحيحين عن عمار بن ياسر قال: {بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه} وهذا لفظ مسلم.
فصل:
وأما الصعيد: ففيه أقوال فقيل: يجوز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض وإن لم يعلق بيده؛ كالزرنيخ والنور والجص وكالصخرة الملساء فأما ما لم يكن من جنسها كالمعادن فلا يجوز التيمم به. وهو قول أبي حنيفة. ومحمد يوافقه؛ لكن بشرط أن يكون معبرا لقوله: (منه. وقيل يجوز بالأرض وبما اتصل بها حتى بالشجر كما يجوز عنده وعند أبي حنيفة بالحجر والمدر وهو قول مالك وله في الثلج روايتان: إحداهما: يجوز التيمم به وهو قول الأوزاعي والثوري. وقيل يجوز بالتراب والرمل وهو أحد قولي أبي يوسف وأحمد في إحدى الروايتين وروي عنه أنه يجوز بالرمل عند عدم التراب. وقيل: لا يجوز إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد وهو قول أبي يوسف والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى.
وسئل:
هل يقوم التيمم مقام الوضوء فيما ذكر أم لا؟.
فأجاب:
يقوم التيمم مقام الطهارة بالماء. فما يبيحه الاغتسال والوضوء من الممنوعات يبيحه التيمم.
وسئل أيضا - رحمه الله -:
عن رجل قد أصابته جنابة وهو في بستان ولم يكن عنده إلا ماء بارد ويخاف الضرر على نفسه باستعماله والحمام بعيد منه؛ بحيث إذا وصل إلى الحمام واغتسل خرج الوقت. فهل إذا تيمم للجنابة وتوضأ وصلى في الوقت يلزمه إعادة؟ وهل يأثم بذلك؟ أو يأثم إذا تيمم؟. وهل التيمم يقوم مقام الماء؛ فيجوز له التيمم لنافلة ويصلي بها فريضة أو يصلي فريضتين في وقتين بتيمم واحد؟.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، يجب على كل مسلم أن يصلي الصلوات الخمس في مواقيتها وليس لأحد قط أن يؤخر الصلاة عن وقتها لا لعذر ولا لغير عذر. لكن العذر يبيح له شيئين: يبيح له ترك ما يعجز عنه ويبيح له الجمع بين الصلاتين. فما عجز عنه العبد من واجبات الصلاة سقط عنه. قال الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}. وقال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}. {ولا نكلف نفسا إلا وسعها}. وقال - لما ذكر آية الطهارة -: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} الآية. وقد روي في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه.
وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم}. فالمريض يصلي على حسب حاله. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: {صل قائما. فإن لم تستطع فقاعدا. فإن لم تستطع فعلى جنب}. وسقط عنه ما يعجز عنه من قيام وقعود أو تكميل الركوع والسجود. ويفعل ما يقدر عليه. فإن قدر على الطهارة بالماء تطهر وإذا عجز عن ذلك لعدم الماء أو خوف الضرر باستعماله تيمم. وصلى ولا إعادة عليه لما يتركه من القيام والقعود باتفاق العلماء وكذلك لا إعادة إذا صلى بالتيمم باتفاقهم ولو كان في بدنه نجاسة لا يمكنه إزالتها صلى بها ولا إعادة عليه أيضا عند عامة العلماء. ولو لم يجد إلا ثوبا نجسا فقيل يصلي عريانا وقيل يصلي ويعيد وقيل يصلي في الثوب النجس ولا يعيد وهو أصح أقوال العلماء. وكذلك المسافر إذا لم يقدر على استعمال الماء صلى بالتيمم. وقيل: يعيد في الحضر وقيل: يعيد في السفر وقيل: لا إعادة عليه لا في الحضر ولا في السفر. وهو أصح أقوال العلماء.
فالصحيح من أقوالهم أنه لا إعادة على أحد فعل ما أمر به بحسب الاستطاعة وإنما يعيد من ترك واجبا يقدر عليه. مثل من تركه لنسيانه أو نومه. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك} وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من توضأ وترك لمعة لم يصبها الماء من قدمه يعيد الوضوء والصلاة. وما ترك لجهله بالواجب مثل من كان يصلي بلا طمأنينة ولا يعلم أنها واجبة فهذا قد اختلفوا فيه: هل عليه الإعادة بعد خروج الوقت أو لا؟ على قولين معروفين.
وهما قولان في مذهب أحمد وغيره والصحيح أن مثل هذا لا إعادة عليه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته: {اذهب فصل فإنك لم تصل - مرتين أو ثلاثا - فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا: فعلمني ما يجزيني في صلاتي} فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بالطمأنينة. ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت مع قوله: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا: ولكن أمره أن يعيد تلك الصلاة؛ لأن وقتها باق. فهو مأمور بها أن يصليها في وقتها وأما ما خرج وقته من الصلاة فلم يأمره بإعادته مع كونه قد ترك بعض واجباته لأنه لم يكن يعرف وجوب ذلك عليه
. وكذلك لم يأمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يقضي ما تركه من الصلاة: لأجل الجنابة. لأنه لم يكن يعرف أنه يجوز الصلاة بالتيمم. وكذلك المستحاضة قالت له: إني أستحاض حيضة شديدة منكرة تمنعني الصوم والصلاة فأمرها أن تتوضأ لكل صلاة ولم يأمرها بقضاء ما تركته. وكذلك الذين أكلوا في رمضان حتى تبين لأحدهم الحبال البيض من الحبال السود أكلوا بعد طلوع الفجر ولم يأمرهم بالإعادة فهؤلاء كانوا جهالا بالوجوب فلم يأمرهم بقضاء ما تركوه في حال الجهل كما لا يؤمر الكافر بقضاء ما تركه في حال كفره وجاهليته؛ بخلاف من كان قد علم الوجوب وترك الواجب نسيانا. فهذا أمره به إذا ذكره. وأمر النائم من حين يستيقظ فإنه حين النوم لم يكن مأمورا بالصلاة فلهذا كان النائم إذا استيقظ قرب طلوع الشمس يتوضأ ويغتسل وإن طلعت الشمس عند جمهور العلماء: كالشافعي وأحمد وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك بخلاف من كان مستيقظا والوقت واسع مثل الذي يكون نائما في بستان أو قرية والماء بارد يضره والحمام بعيد منه إن خرج إليه ذهب الوقت فإنه يتيمم ويصلي في الوقت ولا يؤخر الصلاة بعد خروج الوقت.
وكذلك لو كان في المصر وقد تعذر عليه دخول الحمام: إما لكونه لم يفتح أو لبعدها عنه أو لكونه ليس معه ما يعطي الحمامي أجرته ونحو ذلك فإنه يصلي بالتيمم لأن الصلاة بالتيمم فرض إذا عجز عن الماء لعدم أو لخوف الضرر باستعماله ولا إعادة على أحد من هؤلاء ففي كثير من الضرر لا إعادة عليه باتفاق المسلمين: كالمريض والمسافر. وبعض الضرر تنازع فيه العلماء. والصحيح أنه لا إعادة على أحد صلى بحسب استطاعته كما أمر.
فصل:
وأما التيمم لكل صلاة ولوقت كل صلاة ولا يصلي الفرض بالتيمم للنافلة؛ لأن التيمم طهارة ضرورية والحكم المقدر بالضرورة مقدر بقدرها. فلا يتيمم قبل الوقت ولا يبقى بعده. وهو مبيح للصلاة لا رافع للحدث؛ لأنه إذا قدر على استعمال الماء استعمله من غير تجدد حدث فعلم أن الحدث كان باقيا وإنما أبيح للضرورة.
فلا يستبيح إلا ما نواه. فهذا هو المشهور من مذهب مالك والشافعي وأحمد. وقيل: بل التيمم يقوم مقام الماء مطلقا يستبيح به كما يستباح بالماء ويتيمم قبل الوقت كما يتوضأ قبل الوقت ويبقى بعد الوقت كما تبقى طهارة الماء بعده. وإذا تيمم لنافلة صلى به الفريضة كما أنه إذا توضأ لنافلة صلى به الفريضة. وهذا قول كثير من أهل العلم وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الثانية. وقال أحمد: هذا هو القياس.
وهذا القول هو الصحيح وعليه يدل الكتاب والسنة والاعتبار؛ فإن الله جعل التيمم مطهرا كما جعل الماء مطهرا. فقال تعالى: {فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} الآية. فأخبر تعالى أنه يريد أن يطهرنا بالتراب كما يطهرنا بالماء. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {فضلنا على الناس بخمس: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وأحلت لنا الغنائم ولم تحل لأحد قبلي.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|