عرض مشاركة واحدة
  #384  
قديم 30-01-2023, 10:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,464
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(370)
الحلقة (384)
صــ 61 إلى صــ 78




يقال : " فلان " شهيدي على هذا المال ، وشاهدي عليه " . [ ص: 61 ]

وأما قوله : " من رجالكم " فإنه يعني من أحراركم المسلمين دون عبيدكم ودون أحراركم الكفار ، كما : -

6357 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " قال : الأحرار .

6358 - حدثني يونس قال أخبرنا علي بن سعيد عن هشيم عن داود بن أبي هند عن مجاهد مثله .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : فإن لم يكونا رجلين فليكن رجل وامرأتان على الشهادة . ورفع " الرجل والمرأتان " بالرد على " الكون " . وإن شئت قلت : فإن لم يكونا رجلين فليشهد رجل وامرأتان على ذلك . وإن شئت : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان يشهدون عليه . وإن قلت : فإن لم يكونا رجلين فهو رجل وامرأتان ، كان صوابا . كل ذلك جائز .

ولو كان " فرجلا وامرأتين " نصبا كان جائزا على تأويل " فإن لم يكونا رجلين فاستشهدوا رجلا وامرأتين " . [ ص: 62 ]

وقوله : " ممن ترضون من الشهداء " يعني : من العدول المرتضى دينهم وصلاحهم ، كما : -

6359 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " يقول : في الدين " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " وذلك في الدين " ممن ترضون من الشهداء " يقول : عدول .

6360 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " أمر الله - عز وجل - أن يشهدوا ذوي عدل من رجالهم " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء " .
القول في تأويل قوله ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأ عامة أهل الحجاز والمدينة وبعض أهل العراق : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) بفتح " الألف " من " أن " ونصب " تضل " و " تذكر " بمعنى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، كي تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت . وهو عندهم من المقدم الذي معناه التأخير . لأن " التذكير " عندهم هو الذي يجب أن يكون مكان " تضل " . لأن المعنى ما وصفنا في قولهم . وقالوا : إنما نصبنا " تذكر " لأن الجزاء لما تقدم اتصل بما قبله فصار جوابه [ ص: 63 ] مردودا عليه ، كما تقول في الكلام : " إنه ليعجبني أن يسأل السائل فيعطى " بمعنى إنه ليعجبني أن يعطى السائل إن سأل - أو : إذا سأل . فالذي يعجبك هو الإعطاء دون المسألة . ولكن قوله : " أن يسأل " لما تقدم اتصل بما قبله وهو قوله : " ليعجبني " ففتح " أن " ونصب بها ، ثم أتبع ذلك قوله : " يعطى " فنصبه بنصب قوله : " ليعجبني أن يسأل " نسقا عليه ، وإن كان في معنى الجزاء .

وقرأ ذلك آخرون كذلك ، غير أنهم كانوا يقرءونه بتسكين " الذال " من ( تذكر ) وتخفيف كافها . وقارئو ذلك كذلك مختلفون فيما بينهم في تأويل قراءتهم إياه كذلك .

وكان بعضهم يوجهه إلى أن معناه : فتصير إحداهما الأخرى ذكرا باجتماعهما ، بمعنى أن شهادتها إذا اجتمعت وشهادة صاحبتها ، جازت كما تجوز شهادة الواحد من الذكور في الدين ، لأن شهادة كل واحدة منهما منفردة غير جائزة فيما جازت فيه من الديون إلا باجتماع اثنتين على شهادة واحد ، فتصير شهادتهما حينئذ بمنزلة شهادة واحد من الذكور ، فكأن كل واحدة منهما - في قول متأولي ذلك بهذا المعنى - صيرت صاحبتها معها ذكرا . وذهب إلى قول العرب : " لقد أذكرت بفلان أمه " أي ولدته ذكرا " فهي تذكر به " " وهي امرأة مذكر " إذا كانت تلد الذكور من الأولاد . وهذا قول يروى عن سفيان بن عيينة أنه كان يقوله . [ ص: 64 ]

6361 - حدثت بذلك عن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال : حدثت عن سفيان بن عيينة أنه قال : ليس تأويل قوله : " فتذكر إحداهما الأخرى " من الذكر بعد النسيان ، إنما هو من الذكر ، بمعنى أنها إذا شهدت مع الأخرى صارت شهادتهما كشهادة الذكر .

وكان آخرون منهم يوجهونه إلى أنه بمعنى " الذكر " بعد النسيان .

وقرأ ذلك آخرون : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) " بكسر " إن " من قوله : " إن تضل " ورفع " تذكر " وتشديده ، كأنه بمعنى ابتداء الخبر عما تفعل المرأتان إن نسيت إحداهما شهادتها ذكرتها الأخرى من تثبيت الذاكرة الناسية وتذكيرها ذلك وانقطاع ذلك عما قبله . ومعنى الكلام عند قارئ ذلك كذلك : واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء فإن إحداهما إن ضلت ذكرتها الأخرى على استئناف الخبر عن فعلها إن نسيت إحداهما شهادتها من تذكير الأخرى منهما صاحبتها الناسية .

وهذه قراءة كان الأعمش يقرؤها ومن أخذها عنه . وإنما نصب الأعمش " تضل " لأنها في محل جزم بحرف الجزاء ، وهو " إن " . وتأويل الكلام على [ ص: 65 ] قراءته " إن تضلل " فلما اندغمت إحدى اللامين في الأخرى حركها إلى أخف الحركات ، ورفع " تذكر " بالفاء ؛ لأنه جواب الجزاء .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة عندنا في ذلك قراءة من قرأه بفتح " أن " من قوله : " أن تضل إحداهما " وبتشديد الكاف من قوله : " فتذكر إحداهما الأخرى " . ونصب الراء منه بمعنى : فإن لم يكونا رجلين ، فليشهد رجل وامرأتان ، كي إن ضلت إحداهما ذكرتها الأخرى .

وأما نصب " فتذكر " فبالعطف على " تضل " وفتحت " أن " بحلولها محل " كي " وهي في موضع جزاء ، والجواب بعده ، اكتفاء بفتحها أعني بفتح " أن " من " كي " ونسق الثاني - أعني : " فتذكر " - على " تضل " ليعلم أن الذي قام مقام ما كان يعمل فيه وهو ظاهر ، قد دل عليه وأدى عن معناه وعمله - أي عن " كي " .

وإنما اخترنا ذلك في القراءة ، لإجماع الحجة من قدماء القرأة والمتأخرين على ذلك ، وانفراد الأعمش ومن قرأ قراءته في ذلك بما انفرد به عنهم . ولا يجوز ترك قراءة جاء بها المسلمون مستفيضة بينهم إلى غيرها . وأما اختيارنا " فتذكر " بتشديد الكاف ، فإنه بمعنى ترديد الذكر من إحداهما على الأخرى ، وتعريفها بأنها [ نسيت ] ذلك ، لتذكر . فالتشديد به أولى من التخفيف . [ ص: 66 ]

وأما ما حكي عن ابن عيينة من التأويل الذي ذكرناه ، فتأويل خطأ لا معنى له ، لوجوه شتى :

أحدها : أنه خلاف لقول جميع أهل التأويل .

والثاني : أنه معلوم أن ضلال إحدى المرأتين في الشهادة التي شهدت عليها ، إنما هو ذهابها عنها ونسيانها إياها ، كضلال الرجل في دينه إذا تحير فيه فعدل عن الحق . وإذا صارت إحداهما بهذه الصفة ، فكيف يجوز أن تصير الأخرى ذكرا معها ، مع نسيانها شهادتها وضلالها فيها ؟ وللضالة منهما في شهادتها حينئذ لا شك أنها إلى التذكير أحوج منها إلى الإذكار ، إلا إن أراد أن الذاكرة إذا ضعفت صاحبتها عن ذكر شهادتها شحذتها على ذكر ما ضعفت عن ذكره فنسيته ، فقوتها بالذكر حتى صيرتها كالرجل في قوتها في ذكر ما ضعفت عن ذكره من ذلك ، كما يقال للشيء القوي في عمله : " ذكر " وكما يقال للسيف الماضي في ضربه : " سيف ذكر " و " رجل ذكر " يراد به : ماض في عمله ، قوي البطش ، صحيح العزم .

فإن كان ابن عيينة هذا أراد ، فهو مذهب من مذاهب تأويل ذلك ، [ ص: 67 ] إلا أنه إذا تئول ذلك كذلك ، صار تأويله إلى نحو تأويلنا الذي تأولناه فيه ، وإن خالفت القراءة بذلك المعنى القراءة التي اخترناها . ومعنى القراءة حينئذ صحيح بالذي اختار قراءته من تخفيف الكاف من قوله : " فتذكر " . ولا نعلم أحدا تأول ذلك كذلك ، ويستحب قراءته كذلك بذلك المعنى . فالصواب في قراءته - إذ كان الأمر عاما على ما وصفنا - ما اخترنا .

ذكر من تأول قوله : " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " نحو تأويلنا الذي قلنا فيه :

6362 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " واستشهدوا شهدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " علم الله أن ستكون حقوق ، فأخذ لبعضهم من بعض الثقة ، فخذوا بثقة الله ، فإنه أطوع لربكم ، وأدرك لأموالكم . ولعمري لئن كان تقيا لا يزيده الكتاب إلا خيرا ، وإن كان فاجرا فبالحري أن يؤدي إذا علم أن عليه شهودا .

6363 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " يقول : أن تنسى إحداهما فتذكرها الأخرى .

6364 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، [ ص: 68 ] عن السدي : " أن تضل إحداهما " يقول : تنسى إحداهما الشهادة ، فتذكرها الأخرى .

6365 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك : " أن تضل إحداهما " يقول : إن تنس إحداهما تذكرها الأخرى .

6366 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " قال : كلاهما لغة ، وهما سواء ، ونحن نقرأ : " فتذكر " .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الحال التي نهى الله الشهداء عن إباء الإجابة إذا دعوا بهذه الآية .

فقال بعضهم : معناه : لا يأب الشهداء أن يجيبوا ، إذا دعوا ليشهدوا على الكتاب والحقوق .

ذكر من قال ذلك :

6367 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " كان الرجل يطوف في الحواء العظيم فيه القوم ، فيدعوهم إلى الشهادة ، فلا يتبعه أحد منهم . قال : وكان قتادة يتأول هذه الآية : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " ليشهدوا لرجل على رجل .

6368 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : كان الرجل يطوف في القوم [ ص: 69 ] الكثير يدعوهم ليشهدوا ، فلا يتبعه أحد منهم ، فأنزل الله - عز وجل - : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " .

6369 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : لا تأب أن تشهد إذا ما دعيت إلى شهادة .

وقال آخرون بمثل معنى هؤلاء ، إلا أنهم قالوا : يجب فرض ذلك على من دعي للإشهاد على الحقوق إذا لم يوجد غيره . فأما إذا وجد غيره فهو في الإجابة إلى ذلك مخير ، إن شاء أجاب ، وإن شاء لم يجب .

ذكر من قال ذلك :

6370 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان عن جابر عن الشعبي قال : " لا يأب الشهداء إذا ما دعوا " - قال : إن شاء شهد ، وإن شاء لم يشهد ، فإذا لم يوجد غيره شهد .

وقال آخرون : معنى ذلك : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " - للشهادة على من أراد الداعي إشهاده عليه ، والقيام بما عنده من الشهادة - من الإجابة .

ذكر من قال ذلك :

6371 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا أبو عامر عن الحسن : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : قال الحسن : الإقامة والشهادة .

6372 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر [ ص: 70 ] في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : كان الحسن يقول : جمعت أمرين : لا تأب إذا كانت عندك شهادة أن تشهد ، ولا تأب إذا دعيت إلى شهادة .

6373 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " يعني : من احتيج إليه من المسلمين شهد على شهادة إن كانت عنده ، ولا يحل له أن يأبى إذا ما دعي .

6374 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن يونس عن الحسن : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : لإقامتها ، ولا يبدأ بها إذا دعاه ليشهده ، وإذا دعاه ليقيمها .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " - للقيام بالشهادة التي عندهم للداعي - من إجابته إلى القيام بها .

ذكر من قال ذلك :

6375 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : إذا شهد .

6376 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : إذا كانوا قد شهدوا قبل ذلك .

6377 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " يقول : إذا كانوا قد أشهدوا .

6378 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : إذا كانت عندك شهادة فدعيت .

6379 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا ليث عن [ ص: 71 ] مجاهد في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : إذا كانت شهادة فأقمها ، فإذا دعيت لتشهد فإن شئت فاذهب ، وإن شئت فلا تذهب .

6380 - حدثنا سوار بن عبد الله قال : حدثنا عبد الملك بن الصباح عن عمران بن حدير قال : قلت لأبي مجلز : ناس يدعونني لأشهد بينهم ، وأنا أكره أن أشهد بينهم ؟ قال : دع ما تكره ، فإذا شهدت فأجب إذا دعيت .

6381 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن جابر عن عامر قال : الشاهد بالخيار ما لم يشهد .

6382 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا هشيم عن يونس عن عكرمة في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " . قال : لإقامة الشهادة .

6383 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن أبي عامر عن عطاء قال : في إقامة الشهادة .

6384 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا أبو عامر المزني قال سمعت عطاء يقول : ذلك في إقامة الشهادة يعني قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " .

6385 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال أخبرنا أبو حرة ، أخبرنا عن الحسن أنه سأله سائل قال : أدعى إلى الشهادة وأنا أكره أن أشهد عليها . قال : فلا تجب إن شئت .

6386 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا هشيم عن مغيرة قال : سألت إبراهيم [ ص: 72 ] قلت : أدعى إلى الشهادة وأنا أخاف أن أنسى ؟ قال : فلا تشهد إن شئت .

6387 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا أبو عامر عن عطاء قال : للإقامة .

6388 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : إذا كانوا قد شهدوا .

6389 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال أخبرنا ابن المبارك عن شريك عن سالم عن سعيد : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : هو الذي عنده الشهادة .

6390 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " يقول : لا يأب الشاهد أن يتقدم فيشهد إذا كان فارغا .

6391 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : هم الذين قد شهدوا . قال : ولا يضر إنسانا أن يأبى أن يشهد إن شاء . قلت لعطاء : ما شأنه ؟ إذا دعي أن يكتب وجب عليه أن لا يأبى ، وإذا دعي أن يشهد لم يجب عليه أن يشهد إن شاء ! قال : كذلك يجب على الكاتب أن يكتب ، ولا يجب على الشاهد أن يشهد إن شاء ، الشهداء كثير .

6392 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : إذا شهد فلا يأب إذا دعي أن يأتي يؤدي شهادة ويقيمها .

6393 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : [ ص: 73 ] " ولا يأب الشهداء " قال : كان الحسن يتأولها : إذا كانت عنده شهادة فدعي ليقيمها .

6394 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : إذا كتب الرجل شهادته أو أشهد لرجل فشهد ، والكاتب الذي يكتب الكتاب - دعوا إلى مقطع الحق ، فعليهم أن يجيبوا وأن يشهدوا بما أشهدوا عليه .

وقال آخرون : هو أمر من الله - عز وجل - الرجل والمرأة بالإجابة إذا دعي ليشهد على ما لم يشهد عليه من الحقوق ابتداء ، لا لإقامة الشهادة ، ولكنه أمر ندب لا فرض .

ذكر من قال ذلك :

6395 - حدثني أبو العالية العبدي إسماعيل بن الهيثم قال : حدثنا أبو قتيبة عن فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي في قوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قال : أمرت أن تشهد ، فإن شئت فاشهد ، وإن شئت فلا تشهد .

6396 - حدثني أبو العالية قال : حدثنا أبو قتيبة عن محمد بن ثابت العصري عن عطاء ، بمثله .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : " [ معنى ] [ ص: 74 ] ذلك : ولا يأب الشهداء من الإجابة إذا دعوا لإقامة الشهادة وأدائها عند ذي سلطان أو حاكم يأخذ من الذي عليه ما عليه للذي هو له " .

وإنما قلنا هذا القول بالصواب أولى في ذلك من سائر الأقوال غيره ، لأن الله - عز وجل - قال : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " فإنما أمرهم بالإجابة للدعاء للشهادة وقد ألزمهم اسم " الشهداء " . وغير جائز أن يلزمهم اسم " الشهداء " إلا وقد استشهدوا قبل ذلك فشهدوا على ما ألزمتهم شهادتهم عليه اسم " الشهداء " . فأما قبل أن يستشهدوا على شيء ، فغير جائز أن يقال لهم " شهداء " . لأن ذلك الاسم لو كان يلزمهم ولما يستشهدوا على شيء يستوجبون بشهادتهم عليه هذا الاسم ، لم يكن على الأرض أحد له عقل صحيح إلا وهو مستحق أن يقال له " شاهد " بمعنى أنه سيشهد ، أو أنه يصلح لأن يشهد . وإذ كان خطأ أن يسمى بذلك الاسم إلا من عنده شهادة لغيره ، أو من قد أقام شهادته فلزمه لذلك هذا الاسم كان معلوما أن المعني بقوله : " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " من وصفنا صفته ممن قد استرعي شهادة ، أو شهد فدعي إلى القيام بها ؛ لأن الذي لم يستشهد ولم يسترع شهادة قبل الإشهاد غير مستحق اسم " شهيد " ولا " شاهد " لما قد وصفنا قبل .

مع أن في دخول " الألف واللام " في " الشهداء " دلالة واضحة على أن المسمى بالنهي عن ترك الإجابة للشهادة ، أشخاص معلومون قد عرفوا بالشهادة ، [ ص: 75 ] وأنهم الذين أمر الله - عز وجل - أهل الحقوق باستشهادهم بقوله : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء " . وإذ كان ذلك كذلك ، كان معلوما أنهم إنما أمروا بإجابة داعيهم لإقامة شهادتهم بعدما استشهدوا فشهدوا . ولو كان ذلك أمرا لمن أعرض من الناس فدعي إلى الشهادة يشهد عليها لقيل : ولا يأب شاهد إذا ما دعي .

غير أن الأمر وإن كان كذلك ، فإن الذي نقول به في الذي يدعى لشهادة ليشهد عليها إذا كان بموضع ليس به سواه ممن يصلح للشهادة ، فإن الفرض عليه إجابة داعيه إليها ، كما فرض على الكاتب إذا استكتب بموضع لا كاتب به سواه ، ففرض عليه أن يكتب كما فرض على من كان بموضع لا أحد به سواه يعرف الإيمان وشرائع الإسلام ، فحضره جاهل بالإيمان وبفرائض الله فسأله تعليمه وبيان ذلك له أن يعلمه ويبينه له . ولم نوجب ما أوجبنا على الرجل من الإجابة للشهادة إذا دعي ابتداء ليشهد على ما أشهد عليه بهذه الآية ، ولكن بأدلة سواها ، وهي ما ذكرنا . وإن فرضا على الرجل إحياء ما قدر على إحيائه من حق أخيه المسلم .

" والشهداء " جمع " شهيد " .
[ ص: 76 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ولا تسأموا ، أيها الذين تداينون الناس إلى أجل أن تكتبوا صغير الحق ، يعني قليله أو كبيره يعني أو كثيره إلى أجله إلى أجل الحق ، فإن الكتاب أحصى للأجل والمال .

6397 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال أخبرنا ابن المبارك عن شريك عن ليث عن مجاهد : " ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله " قال : هو الدين .

ومعنى قوله : " ولا تسأموا " : لا تملوا . يقال منه : " سئمت فأنا أسأم سآمة وسأمة " ومنه قول لبيد :


ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هذا الناس : كيف لبيد ؟


ومنه قول زهير :


سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين عاما لا أبالك يسأم


يعني مللت .

وقال بعض نحويي البصريين : تأويل قوله : " إلى أجله " إلى أجل الشاهد . ومعناه إلى الأجل الذي تجوز شهادته فيه . وقد بينا القول فيه .
[ ص: 77 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ذلكم أقسط عند الله )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " ذلكم " اكتتاب كتاب الدين إلى أجله .

ويعني بقوله : " أقسط " أعدل عند الله .

يقال منه : " أقسط الحاكم فهو يقسط إقساطا ، وهو مقسط " إذا عدل في حكمه وأصاب الحق فيه . فإذا جار قيل : " قسط فهو يقسط قسوطا " . ومنه قول الله - عز وجل - : ( وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) [ سورة الجن : 15 ] ، يعني الجائرون .

وبمثل ما قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

6398 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي قوله : " ذلكم أقسط عند الله " يقول : أعدل عند الله .
القول في تأويل قوله تعالى ( وأقوم للشهادة )

قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وأصوب للشهادة .

وأصله من قول القائل : " أقمت من عوجه " إذا سويته فاستوى .

وإنما كان الكتاب أعدل عند الله وأصوب لشهادة الشهود على ما فيه ، [ ص: 78 ] لأنه يحوي الألفاظ التي أقر بها البائع والمشتري ورب الدين والمستدين على نفسه ، فلا يقع بين الشهود اختلاف في ألفاظهم بشهادتهم ، لاجتماع شهادتهم على ما حواه الكتاب ، وإذا اجتمعت شهادتهم على ذلك ، كان فصل الحكم بينهم أبين لمن احتكم إليه من الحكام ، مع غير ذلك من الأسباب . وهو أعدل عند الله ، لأنه قد أمر به . واتباع أمر الله لا شك أنه عند الله أقسط وأعدل من تركه والانحراف عنه .
القول في تأويل قوله تعالى ( وأدنى ألا ترتابوا )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " وأدنى " وأقرب من " الدنو " وهو القرب .

ويعني بقوله : " أن لا ترتابوا " أن لا تشكوا في الشهادة ، كما : -

6399 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي " ذلك أدنى أن لا ترتابوا " يقول : أن لا تشكوا في الشهادة .

وهو " تفتعل " من " الريبة " .

ومعنى الكلام : ولا تملوا أيها القوم أن تكتبوا الحق الذي لكم قبل من داينتموه من الناس إلى أجل صغيرا كان ذلك الحق قليلا أو كثيرا ، فإن كتابكم ذلك أعدل عند الله وأصوب لشهادة شهودكم عليه ، وأقرب لكم أن لا تشكوا فيما شهد به شهودكم عليكم من الحق والأجل إذا كان مكتوبا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.85 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.24%)]